"أنتِ تستخدمين أسلوبًا كلاسيكيًا وواضحًا ليس من شيمكِ بالأحرى. هل تخططين لاحتكار سوق اللوازم المدرسية بالكامل؟"
"نعم، حسنًا. أعتقد أن الأشخاص الذين يتمتعون بسرعة البديهة كانوا سيشمون ذلك الآن."
المنطقة التعليمية ليلاً.
مكان تُعقد فيه الفصول الدراسية في وضح النهار، بينما في وقت متأخر من المساء، تكون الأنشطة البحثية على قدم وساق بدلاً.
ارتفاع جميع المباني كان بالتأكيد أعلى بكثير من تلك الموجودة في المنطقة التجارية.
كما يوحي الاسم، كانت رائحة المنطقة التجارية أقوى. بينما كان لدى المنطقة التعليمية بالتأكيد شعور أكثر تنظيمًا.
كانت الطرق مبطنة بالطوب وأسرة الزهور المجهزة بشكل جميل، والمباني النظيفة والعالية، وحتى الشوارع التي تصطف على جانبيها الأشجار للترحيب بالطلاب.
لقد اعتدت عليها، لأنها كانت مشهدًا أراه كل يوم، لكن في الواقع كان من النادر جدًا العثور على منشأة تعليمية بهذا الحجم في أي مكان آخر في العالم.
مشت لورتيل في الخارج ليلاً، لذا تابعتها وانتهى بي الأمر في المنطقة التعليمية معها.
لقد كانت مسافة طويلة جدًا لمشيها في نزهة ليلية، لكن لا بأس لأنه كان هناك الكثير لنتحدث عنه.
"لم أعتقد أبدًا أنك ستكون مهتمًا بالشؤون الداخلية للشركة يا إد. ربما كنت قلقًا بشأني؟"
"حسنًا، أظن أن هذا صحيح. لقد كنت قلقًا بشأنكِ قليلاً."
"حتى الآن، مازلت لا تستطيع فقط أن تقول ولو كذبًا أنك قلق بشأنـ-"
لورتيل، التي كانت تسير إلى الأمام، توقفت فجأة عن الحديث ونظرت إلى الوراء. من الواضح أن إجابتي لم تكن كما توقعت هي أن تكون.
نظرت إلى تعابير وجهي وتحدثت في حيرة بينما تحاول تجنب الاتصال بالعين.
"هـ-هل سمعت ذلك خطأ؟"
"ولكن، بغض النظر عن مدى تفكيركِ في الأمور، فهذا لا يعني أنكِ في نهاية المطاف لن ترتكبي أي خطأً."
"حسنًا، ستكون هناك دائمًا مخاطر في أي خيار. كل ما في الأمر أني تفاجئت فقط، لأنني لم أتوقع أنك ستكون قادرًا على إخباري أنك قلق علي بهذه الطريقة المباشرة."
كانت عيون لورتيل تقفز بالارجاء، كان هناك تعبير محير على وجهها وهي تستمر في إثارة الضجة. قامت بتهوية وجهها قبل أن تخطو خطوة إلى الأمام مرة أخرى.
"هجومي ودفاعي منفصلان تمامًا. لذا، أعتقد أنني بحاجة إلى التدرب في هذا المجال أكثر قليلاً..."
وهي تتمتم بهراء من هذا القبيل، واصلنا السير في الشوارع ليلًا.
* * *
"تبادل نقاط الضعف."
في النهاية، كانت وجهتنا عبارة عن مقعد خشبي في وسط ساحة الطلاب.
كان المكان دائمًا ممتلئًا بالناس خلال النهار، لذا لم تتح لي الفرصة أبدًا للجلوس على هذا المقعد المركزي بجوار النافورة. فبعد كل شيء، كان دائما مليئا بالناس.
رغم ذلك, في وقت متأخر من الليل كان الجو — الذي كان عاليًا وصاخبًا مثل السوق في النهار — هادئًا بشكل لا يصدق.
انتشر الظلام على الأكاديمية بأكملها، مما جعل المباني الشاهقة تبدو بالأحرى مرعبة.
قاعة نايل، قاعة غلوكت، قاعة أوبل، قاعة ديلين. من المباني الكبرى بجوار ساحة الطلاب مباشرةً، إلى المرافق الأصغر مثل مكتبة الطلاب وقاعة تريكس — التي كانت تقع على تلة بعيدة — وحتى المباني التي نادرًا ما يزورها طلاب قسم السحر، مثل قاعة بيسون، حيث أخذ قسم الخيمياء الفصول الدراسية، وقاعة ماريل، حيث تدرب طلاب قسم القتال.
وقف كل مبنى بصمت في منتصف الليل. رغم رؤيتهم كل يوم، إلا أنهم بدوا مختلفين بشكل غريب في الليل.
عندما كنت في المدرسة الثانوية، كنت أذهب إلى المدرسة في منتصف الليل.
أفترض أنه عندما يتغير النهار إلى الليل، بغض النظر عن مكان وجودك، ستشعر دائمًا وكأنه عالم مختلف.
"عندما يقيم أطفال العائلات النبيلة حفل زفاف، يكون هناك حفل يتم فيه تبادل نقاط الضعف. بما أنهم سيتعرفون على بعضهم البعض أكثر، فإن علاقتهم ستصبح أقوى... يبدو الأمر معقولًا ورومانسيًا، ولكن إذا فكرت في ذلك فهو بالأحرى تقليد ماكر وخبيث."
"هل هناك مثل هذا التقليد...؟"
"على الرغم من ضياع الكثير من الأشياء هذه الأيام، سمعت أنه ما تزال هناك بعض الأشياء المتبقية في العائلات النبيلة القديمة أو المتأسسة منذ فترة طويلة. من المثير للدهشة أنه لا يبدو أن هناك هكذا شيء في عائلة روثستايلور؟"
"لست متأكدًا. لم أبلغ من العمر ما يكفي للزواج بعد."
"هذا صحيح، ولكن... على أي حال."
جلست لورتيل على مقعد وهي ترفع غطاء رأسها. وكما هو الحال دائمًا، لمع دبوسها ذو اللون الأزرق وشكل وردة بهدوء في ضوء القمر.
"هل ترغب في مقايضة نقاط ضعفنا؟"
"...فجأة؟"
"إذا كنت سأشرح تفاصيل حادثة هذه المرة، فلن يكون لدي أي خيار سوى الكشف عن ضعفي الداخلي أثناء ذلك."
بطبيعة الحال، كانت دواخل لورتيل عميقة ومظلمة، لكن لم أفكر مطلقًا في استخراجها.
"حسنًا، ليس هناك الكثير لأظهره لك، لكنني ما زلت أشعر وكأنني سأخسر."
"......"
"أنت تعرف ذلك أيضًا. لا أستطيع العيش مع الخسارة."
ابتسمت لورتيل وهي تنتظر إجابتي.
في الواقع، حتى تبادل نقاط الضعف كان صعبًا بعض الشيء لي. كانت نقاط ضعف أبناء البيوت النبيلة عادةً قذرة ومروعة. وكانت في بعض الأحيان تصل إلى حد أنه كان من الصعب التحدث عنها للآخرين... بالطبع، بالنسبة لي، لن يكون هناك مثل هذا الضعف القاتل.
كان بإمكاني إظهار أي نقطة ضعف عندي والتي لم تكن بمثابة مشكلة كبيرة، لكن لورتيل، التي كانت تتوقع ضعفًا عميقًا ومظلمًا تمامًا كما كانت ستقول لي، لن يكون هذا منطقيًا. لم يكن الأمر يهمني لتلك الدرجة، لكن بالنسبة إلى لورتيل، كان من الممكن أن يُنظر الى ذلك على أنه عدم احترام.
لذا، وقعت في تفكير عميق.
"حسنًا، ليس عليك التفكير في الأمر بعمق. سمعت فقط عن أشخاص يقومون بهذه الأنواع من الأشياء الغريبة بنفسي."
"...ما الذي تحاولين استخراجه مني؟"
"لدي أذنان أيضًا~. كل ما في الأمر أنني أستطيع السماع على نطاق أوسع وأبعد قليلاً مما تستطيعه آذان الشخص العادي~."
القول بأنه كان فقط أوسع 'قليلاً' هو بخس. كان بإمكانها سماع كل صوت في المنطقة التجارية بأكملها.
بمعنى آخر، لا بد أنها سمعت شائعات مؤخرًا عن أنني أبدو مكتئبًا أو فاقدًا للطاقة.
ذهبت وأخبرت الجميع أنني بخير، لكن الطريقة التي استقبلت بها لورتيل الأخبار كانت مختلفة.
أغلقت عيني.
على الرغم من أنها كانت ليلة مظلمة، عندما أغمضت عيني لم يكن هناك أمامي سوى الظلام.
ما انعكس بشكل خفي في الظلام وراء شبكية العين كان ماضيي.
التمرين القتالي المشترك، وانتخابات مجلس الطلاب، وامتحان تحديد الفصل للسنة الأولى، والقضاء على غلاست، والقضاء على غلاسكان، والطرد من قاعة أوفيليس.
من هذه اللحظة وحتى أبعد في الماضي، رأيت نفسي أستقر في الغابة الشمالية. الأيام التي أمضيتها في الشد على أسناني للبقاء على قيد الحياة بصفتي إد روثستايلور... والأيام التي أمضيتها قبل أن أصبح هو.
ثم فتحت فمي.
"مات من حولي الكثير من الناس."
لم تكلف لورتيل نفسها عناء السؤال عن أية تفاصيل.
"كان ذلك بسبب البيئة التي عشت فيها. لسنوات، سافرت وتجولت في ساحة معركة في بلد أجنبي بعيد. ولكن، انتهى بي الأمر بالتعرض لأذى بسيط. بفضل ذلك، تمكنت من قضاء سنوات حياتي الأخيرة في فراغ وراحة."
"يا إلهي، من المفاجئ سماع ذلك."
"صدقي أو لا، ذلك متروك لكِ."
هزت لورتيل رأسها بهدوء. كما لو أنها ستصدق ذلك.
أخبار تفيد بأن الابن الأكبر لعائلة روثستايلور كان لديه تجربة حرب — لم تكن لتسمع عن هكذا شيء من أي مكان.
"كنت أسافر خلال ساحات المعركة، ولهذا السبب، كان الناس من حولي يُقتلون في أكثر الأحيان. في البداية، كنت أعاني عاطفيًا. كلما زاد عدد الأشخاص الذين ارتبطت بهم وتفاعلت معهم، كلما أصبح الأمر أسوأ."
"هذا منطقي. فكلما كانت البيئة أكثر قسوة، كلما أصبح الناس أقرب."
"ولهذا السبب حاولت الشد على أسناني وأنقاذهم في البداية. كنت أركض في ساحة المعركة حاملاً شخصًا مصابًا بجروح خطيرة. أرفعهم حتى بالرغم من أنني أعرف أنني سأسقط من الإرهاق في طريق العودة. أعانق حليفًا كان يلفظ أنفاسه الأخيرة. وأراقبهم حتى النهاية، محاولًا حبس دموعي... في الواقع، إنها تجربة من الممكن أن يمر بها أي شخص في ساحة المعركة. هي مثل طقوس العبور."
عندما فتحت عيني مرة أخرى، رأيت حذائي.
بينما كانت ذراعاي على ركبتي وظهري منحنيًا، شاهدت سربًا من جنود النمل يزحف تحت حذائي.
"ثم تأتي اللحظة التي تدرك فيها أن لا فائدة من كل هذا. سيتألم قلبك فقط، وسيتم لاحقًا استبدالهم جميعًا على أي حال. إن إظهار المودة تجاه شخص آخر هو تصرف يحمل في طياته مخاطرة كبيرة. هذا تمامًا مثل العبارة المفضلة لديكِ — إدارة المخاطر."
"أنا لا أحبها أيضًا. من سيحبها؟"
"حسنًا، على أية حال، داخليًا كان القرار الذي اتخذته صحيحًا. لقد حدث ذلك منذ وقت طويل لدرجة أنني نسيته."
نظرت للأعلى ورأيت السماء المرصعة بالنجوم التي كانت هناك دائمًا. كان لدي شعور مختلف بشكل غريب عما كنت عندما نظرت إليها من خلال الأشجار في الغابة.
"حاولت إنقاذهم، فإذا ماتوا، سيصبح قلبي في النهاية محطمًا."
"......"
"في المقام الأول، إذا لم أكن أرغب في إنقاذهم، فلم أكن لأشعر بالحزن الشديد."
أصبحت لورتيل صامتة.
"من خلال التفكير بهذه الطريقة، تمكنت من إبقاء نفسي عاقلًا. في تلك المرحلة، أدركت أخيرًا سبب تصرف القادة جميعًا بدم بارد. وبما أنني فهمت هذه الحقيقة، فلا بد أن الجميع أدركوها أيضًا."
عندما أغمضت عيني مرة أخرى، تذكرت جثة الفتاة المتكئة على جدار قاعة غلوكت، وهي تنزف دمًا.
لقد كانت شخصًا تحرك بعجلة، وأعتنت بكل الحوادث والمصاعب التي أعترضت طريقها. لكن في النهاية، لم يحدث كل هذا أي فرق، كان من المستحيل إنقاذها. بدأت تلك الذكرى تتراكم مع ذكريات مماثلة من الماضي البعيد.
نظرت إلى قبضتي، كان ظهري منحنيًا. حاولت إغلاقها قبل فتحها مرة أخرى.
"أنا أيضًا قد خسرت الكثير من رشدي."
في المقام الأول، لأني حاولت إنقاذهم، انتهى بي الأمر محطمًا.
ربما كان السبب هي تلك الأكاديمية الرومانسية أنني قد نسيت القرار المتأصل الذي اتخذته من قبل.
بينما أتجول في الحرم الجامعي، أصبح رأسي ممتلئًا بالهالة الوردية لحديقة الزهور بسبب هؤلاء الطلاب من حولي, المليئين بالآمال والأحلام.
مع ذلك، بالنسبة لي، كان الواقع دائمًا بمثابة صعوبة. كانت الحياة دائمًا تدور حول 'البقاء' أكثر من 'العيش'.
الشك المستمر في العالم. كانت هذه هي الطريقة التي عشت بها منذ ذلك اليوم فصاعدًا.
"هذا هو ضعفي."
عند الوصول إلى هذه النقطة، توصلت إلى نتيجة.
إذا كان تبادل نقاط الضعف مجرد مبرر، أفلا يكفي هذا لاستخدامه في التقايض؟
لقد كان أمرًا لم أكشفه أبدًا لأي شخص، على الرغم من أنني في النهاية قلته بصراحة تامة.
لم تقل لورتيل كلمة واحدة لبعض الوقت. جلست على المقعد، ونظرت إلى سماء الليل، ومشطت شعرها البني المحمر إلى الخلف وتحدثت ببطء.
"ما معنى الموت... الأمر مختلف من شخص لآخر. لذا، لن أحاول مخالفة حكمك دون تفكير."
ولكن، بالنظر إلي كما لو كان هناك شيء آخر سأقوله، ابتسمت. لم تكن تلك ابتسامتها الهادئة والعاقلة المعتادة — بل بدت باهتة بعض الشيء. ربما كان ذلك نتيجة ضوء القمر اللامع فوقنا.
"مات الكثير من الأشخاص حولي أنا أيضًا. وفي معظم الأحيان، كان ذلك بسببي."
استلقت لورتيل على ظهر المقعد وهي تتطلع نحو قمة قاعة أوبل التي كانت أمامها. كان نفس المبنى المستخدم لمجلس الطلاب.
"كان والداي غير كفؤين. كنا نقضي اليوم بأكمله في التسول للحصول على الخبز، كنا نعيش في زاوية أحد الأحياء الفقيرة على الخبز الفاسد وحده. رغم ذلك، أعتقد أنهم كانوا أشخاصًا طيبين. على الأقل، كانوا كذلك حتى انخرطوا مع شركة إلت وتم بيعي إلى دار للأيتام."
"...من الصعب التعليق على هذا."
"حسنًا، الآن بعد أن أصبحت الأمور على هذا النحو، أنا لا أشعر بالإهانة من ذلك. الأشخاص المحاصرون يصبحون بشكل طبيعي فاسدين بسهولة من خلال عدد قليل من العملات الذهبية. دون أن يعرفوا أنهم سيُقتلون قريبًا لإخراسهم، وقعوا بسذاجة في الوسوسات الحلوة من شركة إلت. المساكين."
"......"
"حسنًا، هكذا أصبحت بيدقًا لشركة إلت. والآن، أصبحت نائبة المدير."
لم تعد قادرة على تذكر وجوههم بعد الآن.
مع ذلك، فإن والدي لورتيل البيولوجيين، الذين بقوا على أحد جوانب قلبها... يبدو أنها لا تزال تتذكرهم كأشخاص طيبين.
على الرغم من أنهم باعوها، إلا أن ذلك لم يكن بالنسبة لها سوى دليلًا على الفساد المقزز في حياتنا.
إختبرت لورتيل تجربة المحاصرة في الزاوية، لذا ربما كانت تفهم تمامًا عقلية هؤلاء الأشخاص.
"هل تعرف كم من المال حصل عليه والداي مقابل بيعي؟ فقط ثلاث عملات ذهبية. ليس ثلاثين، ولا ثلاثمائة، بل ثلاث فقط."
ثلاث عملات ذهبية.
لم يكن مبلغًا صغيرًا من المال. خاصة عندما تفكر في وضع الشخص الفقير، كان مالًا يكفي للعيش بشكل مريح لبضعة أشهر إذا استخدموه بشكل جيد.
ولكن، ما إذا كان هذا المال كافيًا لبيع طفلتك الوحيدة بالدم... لابد على المرء أن يهز رأسه.
"عندها أدركت. إن الأشخاص الذين يُدفعون إلى الزاوية، ويسقطون في الهاوية — بالنسبة لهم، لا يتعلق الأمر بمليارات العملات المعدنية التي تتراكم. بل يتعلق الأمر كله بالقطع النقدية القليلة التي يحتاجون إليها بشكل عاجل."
واصلت لورتيل الحديث قبل أن تأخذ في النهاية استراحة للتنفس.
برغم أنها لم تتحدث بشكل خاص لفترة طويلة بما يكفي لتحتاج إلى التقاط أنفاسها.
كان الصمت سلميًا، حيث كان الجو في المنطقة التعليمية النائمة مريحًا.
"بعد ذلك... توقفت عن الثقة بأي شخص."
مرت سنوات قبل أن تصنع لورتيل اسمًا لنفسها في شركة إلت.
خلال تلك الفترة، علمت نفسها كيفية قراءة الكتب، وحفظ أسعار الصرف اليومية، والاستجابة لتغيرات السوق، وإدارة الموارد البشرية، وإدارة الأزمات، وإدارة الأعمال... لقد تعلمت كل الصفات اللازمة لقيادة الشركة.
كان مقدار ما تعلمته ذو معدل يمكن اعتباره خارقًا.
هناك مجالات أخرى، مثل القتال والسحر والخيمياء والعلوم الأكاديمية — لكن في النهاية، ظهرت قيمتها الحقيقية عند التعامل مع العملات الذهبية. ولهذا السبب أطلق عليها الناس لقب 'الابنة الذهبية' مع مثل هذا التبجيل.
"بعد أن أمضيت حياتي بهذه الطريقة، كانت هناك أوقات لم أعد أرى فيها الناس كبشر، بل كانوا أشبه بآلات تستجيب للعروض والمفاوضات. إذا تحدثت بطريقة معينة، فسيكون رد فعلهم بطريقة معينة... روبوت تم تصميمه بهذه الطريقة."
"......"
"ربما يكون هناك شيء مشترك بين هذا وبين القادة الذين كنت تتحدث عنهم يا إد. إذا كنت تثق بالآخرين بسهولة، فسوف تتعرض للخيانة بسهولة. ولهذا السبب أنت لا تريد أن تثق بالآخرين في المقام الأول. ولكن في النهاية، هذا يعني أنه لن يكون هناك أي شخص آخر من حولك يمكنك الوثوق به. في النهاية، الشخص الوحيد المتبقي في العالم الذي يمكنك الوثوق به هو نفسك... انظر."
عندها فقط رفعت لورتيل رأسها ونظرت إلى سماء الليل فوق الأكاديمية مرة أخرى.
أستطيع الآن أن أرى السبب وراء قيام لورتيل بإحضاري إلى المنطقة التعليمية في منتصف الليل.
"الأكاديمية أثناء الليل مخيفة وهادئة بالأحرى، أليست كذلك؟ عدم رؤية أي شخص آخر هنا في هذا المكان المزدحم عادةً يجعلني أشعر وكأنني وحيدة في العالم."
"... هذا صحيح."
"هكذا يبدو لي حتى في النهار."
العزلة في حشد من الناس.
مرض يأكل ببطء عقل المرء.
"حسنًا. الآن لدي صديق."
في أحد الأيام، عندما كنت أتسلق التل، نظرت فجأةً إلى ساحة المعركة الوحشية. بدا أن منظر ظهري وهو ينظر إلى المشهد لمع أمام عيني.
ربما لم تكن الطفلة لورتيل، التي كانت تنظر إلى مدينة أولديك التجارية، مختلفة عني كثيرًا.
"إنه كما قلتِ من قبل."
وضعت لورتيل رأسها على كتفي... أغلقت عينيها بهدوء، مستمتعةً بضوء القمر الناعم.
"نحن من نفس النوع."
* * *
"تلقيت تقريرًا يفيد بوجود فأر يختبئ داخل المتجر. لذا، فأنا بصدد الإمساك به."
أسندت لورتيل رأسها على كتفي وهي تشارك خططها بهدوء.
"منذ أيام قليلة، كان عدد العناصر المعروضة للبيع في المستودع غير مطابق لدفاترنا. كما أنني أشعر أن الدفاتر لم تكن طبيعية، وأنه يتم التلاعب بها، فبحثت في الأمر... وكما تبين، كان هناك شخص ما يسرق الأموال من فرعنا باستمرار. ومع تزايد حجم السرقة ببطء، ظهرت الشقوق في دفتر الحسابات ببطء."
"أليس هو دون؟ ألم تقولي أنه اشترى الكحول بأموال مختلسة؟"
"المبلغ الذي يأخذه دون ليس بهذه الضخامة. إنه يبقى دائمًا داخل مساره، ويشتري سلعًا فاخرة صغيرة لمصالحه الخاصة بنفس الطريقة. أعتقد أن هناك شخصًا أسوأ بكثير من دون."
أسندت لورتيل رأسها على كتفي قبل أن تثبت وضعيتها فجأةً، وتقترب أكثر مني.
نظرت للأسفل نحوها وهي تلف الجزء العلوي من جسدها بإحكام حول جسدي، وتقول 'أشعر بأمان أكبر مما تصورت أنني سأفعل...'
"حقيقة أن الدليل على حدوث ذلك بدأ يظهر في دفتر الحسابات يعني أنهم يصلون ببطء إلى الحد الأقصى لما يسرقونه. عاجلاً أم آجلاً، سيحاولون القيام بهجوم كبير والهرب."
"ثم، هذه المرة سوف تحاصرين سوق الكتب المدرسية..."
"سأحاول أن أغريهم بصيد كبير. عندما ترتفع أسعار الكتب المدرسية ببطء... قبل أن تعرضها شركتنا للبيع مرة أخرى، سيحاولون القيام بذلك أولاً. سيحاولون جني بعض الأموال السريعة قبل الهروب. لذا، من خلال سؤال 'الأفراد' الذين يشترون الكتب بنشاط، سنكون قادرين على الكشف عن هوية هذا الوغد."
في النهاية، ستصبح في موقف سيتعين فيه عليها أن تطرد موظفًا طويل الأمد كانت تعمل معه.
مع ذلك، لم يكن لدى لورتيل مشكلة في القيام بهذا.
"كما قلت، نقطة ضعفي... هي أنني لا أثق بأي شخص. حتى لو كانت الوحدة تأكلني، ما زلت لا أثق بالناس بتهور. بغض النظر عن كم بدوا أشخاصًا جيدين، فإن أهدافهم واضحة."
"......"
"كل هذا لأنني أخشى التعرض للخيانة."
في النهاية، كان الخوف هي المشكلة الأساسية وراء عقلية لورتيل.
كان الأمر نفسه لمعظم الناس... وأنطبق نفس الأمر على لورتيل.
"حتى مع ذلك, على الأقل في الوقت الحالي، أعتقد أنني سعيدة. يبدو وكأنه قد تم بيعي بالأمس فقط مقابل ثلاث عملات ذهبية، لكنني الآن شخص يمكنه تسليم ثلاث عملات ذهبية يوميًا لشخص واحد أريد توظيفه."
"...رغم ذلك، أليست ثلاث عملات ذهبية في اليوم مبالغة جدًا؟"
"حسنًا، أشعر أنني بحاجة إلى البدء بقوة. اعتقدت أنها سوف ترفض على أي حال. حسنًا، لا يهم إذا تم رفضي. فهذا يعني فقط أنني سأنقص شخصًا واحدًا."
وهي تفرك وجهها على كتفي، ابتسمت لورتيل بشكل ساحر.
"رغم أن ذلك لا يهم. أن يكون لدي شخص واحد أقل."
لم تكن بحاجة حقًا إلى شرح السبب. لفت ذراعيها حولي وهي تنظر للأعلى بتلك العيون المؤذية خاصتها.
"أما السبب، فأنت تعرف ذلك جيدًا، صحيح؟"
بغض النظر عن كيف سأجيب، سيكون الأمر بلا معنى. لذا، تركت لورتيل تتمسك بذراعي بهدوء لفترة أطول.
* * *
"أنا آسفة يا سيدة لورتيل. أنا ممتن لهذا العرض، ولكن..."
في صباح اليوم التالي، ذهبت رئيسة الخادمة بيل مايا لزيارة لورتيل في غرفتها في قاعة أوفيليس.
"أنا قلقة بشأن مغادرتكِ قاعة أوفيليس، لأنكِ تحتاجين دائمًا إلى مساعدة الخادمات. قراركِ بمغادرة قاعة أوفيليس... أعتقد أنه جذري بالأحرى."
"......"
"إن الحصول على ثلاث عملات ذهبية يوميًا يعد عبئًا بعض الشيء أيضًا... حسنًا، إذا كان المبلغ كبيرًا، فهذا أمر عظيم لي، ولكن... أنا فخورة بالعمل في قاعة أوفيليس."
أحنت بيل مايا رأسها.
كانت لورتيل قد استيقظت للتو، وخرجت بعد أن ارتدت ملابس خفيفة.
الآن، عرفت لورتيل.
في العالم كان هناك أناس لا يمكن شراؤهم بالمال.
أول شخص تبادر إلى ذهنها كان صبيًا أشقرًا وحيدًا في مخيمه في الغابة، يشحذ سهامه.
"بالطبع، هذا لا يعني أنني دائمًا ما أعامل هنا بشكل عادل. هناك أوقات أشعر فيها بالتعاسة، وأوقات أخرى أشعر فيها بالتعب والإرهاق... مع ذلك، أريد الاستمرار في تحمل مسؤولياتي هنا في قاعة أوفيليس."
"يا إلهي..."
نظرت لورتيل إلى بيل مايا، التي خفضت رأسها إلى الأسفل، بتعبير محبط.
"ثلاث عملات ذهبية يوميا هو عرض قوي حقًا من وجهة نظري... لذا، من المخيب للآمال أن يتم رفضي بهذه الطريقة."
"أغكك..."
"بالطبع، لا يمكن قياس معتقداتكِ النبيلة نحو عملكِ وتحويلها إلى عملة... مع ذلك، ألن تعيدي النظر في الأمر؟ لا أريد أن أخسر خادمة تتمتع بنفس الكفاءة وأثق بها مثلكِ يا آنسة بيل."
عندما رأت بيل عيون لورتيل المكتئبة، والتي كانت مختلفة تمامًا عن عينيها المعتادتين، شعرت بقلبها ينبض بصوت أعلى.
مع ذلك، هزت بيل رأسها وهي تنحني مرة أخرى.
"أنا آسفة."
"فهمت. إذا قلتِ ذلك، فلا فائدة من الأمر. إذن... ماذا عن العمل في وظيفتين؟"
"ماذا؟ العمل في وظيفتين...؟"
أمسكت لورتيل بيدي بيل مايا وهي تتحدث بصوت مبلل.
"سأخفض راتبكِ بمقدار الثلث وستقومين بالمجيء لإدارة الفيلا الخاصة بي والمخيم المجاور كلما كان لديكِ وقت فراغ. في نهاية المطاف، ألست مهتمة أيضاً بالقيام بالمهام العملية يا آنسة بيل؟"
"نـ-نعم...؟"
"سمعت أنكِ تعتنين أيضًا بـ ينكار هذه الأيام. تمامًا كما تفعلين معها، ما عليكِ سوى أن تأتي من حين لآخر بشكل منتظم للعناية بالأمور. ما عليكِ سوى العمل عندما يكون ذلك مريحًا لكِ ولديكِ الوقت. ربما نستطيع تحديد عدد المرات في الأسبوع... ربما بهذه الطريقة... أم أن هذا... أيضاً ليس جيداً...؟"
كانت بيل في حيرة من هذا العرض غير المتوقع.
مع ذلك، لم يكن عرضا سيئًا. تمكنت بيل، التي كانت مجتهدة بطبيعتها، من إدارة وقتها بعناية شديدة حتى أنها تمكنت من رعاية ينكار في أوقات فراغها بينما كانت ما تزال تعتني بجدول أعمالها المزدحم كرئيسة للخدم.
بالإضافة إلى ذلك، تراكمت رغبتها في القيام ببعض المهام العملية. كان جدول العمل متروكًا لها، وقبل كل شيء، بدت الفتاة التي تمسك بيديها وتعرض عليها الوظيفة وكأنها ستنفجر بالبكاء.
حتى أن الفتاة عرضت عليها ثلاث عملات ذهبية. ولهذا السبب كان عليها أن تفكر في الأمر بعناية شديدة.
بدأت تلك العقلية الغريبة تسيطر على عقل بيل مايا.
"إ-إذا كان هذا المبلغ...وبهذه الشروط، إذن..."
"مرحى...! شكراً لكِ يا آنسة بيل!"
ابتسمت لورتيل بشكل واسع وهي تصفق.
"ثم.... سأرسل لكِ عقدًا مكتوبًا عليه اسمكِ!"
للإهتمام بهذا العمل في لمح البصر. في المقام الأول، كان قد تم إعداد العقد مسبقًا.
عند مشاهدة لورتيل وهي تعود إلى غرفتها والابتسامة على وجهها... وصلت بيل الى إدراك.
منذ العرض الأول، كان هذا فخًا.
إن 'رفض' بيل لعرضها سيكون بمثابة قيد ودين، مما يدفعها إلى قبول العقد.
حسنًا... في المقام الأول، كانت هي دائمًا من هذا النوع من الأشخاص.
لم يكن الأمر أنها لم تكن تعرف.
كان فقط من السخف رؤية ذلك يحدث.
عند رؤية لورتيل تعود إلى غرفتها بابتسامة شبيهة بالثعلب على وجهها، ابتسمت بيل ابتسامة محبطة.