نظرًا لأنه لم يمض وقت طويل منذ إعادة بناء قاعة أوفيليس، من المستحيل أن تتضرر من العاصفة الثلجية.
جميع موظفي الإدارة كانوا من الخبراء وغالبية الطلاب المقيمين هنا كانوا مؤقرين وموهوبين، لذا بالمقارنة مع قاعة ديكس أو قاعة لورايل، كان الجو هادئًا نوعًا ما.
تم الانتهاء من الاستعدادات الضرورية لإدارة التدفئة والخادمات كن قد أعددن بالفعل معظم العناصر الضرورية التي قد تكون مطلوبة. ولذلك، بدت قاعة أوفيليس وكأنها تمر بفترة عطلة طويلة وليس بكارثة مستمرة.
نظرًا لأنه كان فصل الشتاء، فقد يكون السير في الممرات في بعض الاحيان مخيفًا بعض الشيء نظرًا لمدى الظلام الذي قد يخيم فيها. ومع ذلك، كانت الغرف والمرافق المختلفة داخل قاعة أوفيليس مضاءة بأضواء خافتة، مما أعطى شعورًا دافئًا إلى حد ما.
في منتصف كل طابق من قاعة الطلاب، بدا الأمر وكأنها مساحة حرة للطلاب الذين يعيشون في قاعة أوفيليس للتواصل الاجتماعي. وبطبيعة الحال، بدت المساحة كبيرة جدًا بالنظر إلى الغرض الذي تم استخدامها من أجله.
في جميع أنحاء القاعة، تصطف عوارض خشبية عتيقة على الجدران مع طاولات مرتبة بشكل أنيق في المكان. تم وضع الحلويات والمشروبات التي تعدها الخادمات مسبقًا على طاولة خشبية كبيرة في المنتصف بالقرب من الموقد الكبير.
يقضي معظم الطلاب الوقت في غرفهم الخاصة، لكن البقاء في نفس الغرفة باستمرار قد يكون مملًا.
ولهذا السبب كانت مرافق الطلاب داخل قاعة أوفيليس أكثر ازدحامًا من المعتاد.
تم إعداد الطاولات ليجلس الطلاب أو يتحدثون أو يتناولون الحلويات أو يقرأون الكتب. لعب بعض الطلاب الشطرنج بينما كان هناك آخرون يتدربون على الرنين باستخدام الحد الأدنى من السحر العنصري.
"هل تريد أن نتبارز؟"
لم يمض وقت طويل منذ أن عاد زيغ من زيارة مسقط رأسه مع إلكا.
وبما أنهم أرادوا الوصول قبل حلول العاصفة الثلجية، فقد أجبروا أنفسهم على مواصلة السفر دون أي فترات راحة. من كل الصعوبات التي تحملها، كان يعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للتعافي بشكل مطرد.
ابتسم زيغ، الذي كان يجلس على طاولة في قاعة الطلاب يقرأ كتاب خيمياء. لقد أصبح مهتمًا بعد سماع التعليقات الوقحة من زميله الاصغر الذي جاء لتحيته.
"نعم, زيغ."
قام زيغ بطي زاوية الصفحة في كتابه قبل وضعه على الطاولة.
كان الزميل الاصغر الذي اتى له هو واد كالامور، الطالب رقم 1 بين جميع طلاب السنة الأولى.
شعر أبيض وعيون رمادية فاتحة. الصبي الذي كان شديد البياض، والذي قد تخطئ بينه وبين الابرص، استقبل زيغ بثقة.
ومن ثم فجأةً طلب نزالًا.
"بالطبع، ليس الآن. سمعت أنك واحد من أقوى الأشخاص في هذه الأكاديمية بأكملها، حتى خارج قسم السحر. وبما أنني لا أزال في السنة الأولى فقط، فأنا لست شخصًا يمكنه أن يطلب نزالًا بثقة."
"أنا لا أهتم بذلك حقًا. إذا كان كل ما تطلبه هو نزالًا يعتمد على الضربة الاولى، فيمكنني أن أقوم بذلك القدر."
جلس زيغ وهو يخدش ذقنه بينما يجيب بلا مبالاة.
"لكن لماذا؟"
"بالطبع. باعتباري زميلًا أصغر، أردت أن أتعلم منك."
"أنت سألت لمثل هذا السبب السطحي؟"
بعد أن تحدث زيغ، ابتسم واد وأومأ برأسه.
"أريد أن أثبت قيمتي. يبدو أنني لم أظهر قوتي بشكل صحيح هنا في الأكاديمية، لذلك سأذهب إلى طلاب المراحل الاعلى المشهورين بقوتهم وأطلب المبارزة."
"أوه... على الرغم من أنك الأفضل في مرحلتك، فأنت ما زلت تقول ذلك؟"
"أنا أتوق إلى خوض مبارزة معك يا زيغ، لكن يبدو الآن أنك منهك من رحلتك. هناك ترتيب في كل شيء، لذا لا يزال الوقت مبكرًا جدًا بالنسبة لي لخوض مبارزة ضدك."
كان لدى واد ابتسامة مشرقة مميزة على وجهه، لكن زيغ شعر أنه لم يكن بذلك النقاء من الداخل.
كان لدى زيغ نفس الشعور الفريد تجاه تانيا، التي أعلنت أنها ستتولى منصب رئيس مجلس الطلاب. تمامًا مثلها، قال واد إنه سيهزم جميع زملائه الكبار في مبارزة. أظهر كلا من الطالبان الصغيران نفس النوع من الحماس.
"بين طلاب السنة الثانية، بعد مواجهة الطالب الأعلى في قسم القتال كليفيوس، الطالبة الأعلى في قسم الخيمياء إلفيرا، سوف آتي وأواجهك."
"لكنني لست الطالب الأعلى في قسم السحر؟"
"أليست الطالبة الأعلى بين طلاب قسم السحر في السنة الثانية هي شخص يجب على كل طالب تجنبه؟"
سحب واد كرسيًا ثم جلس، وطلب من إحدى الخادمات أن تحضر له كوبًا من الشاي.
يبدو أن لوسي مايرل أصبحت الآن غير واردة بالنسبة لجميع الطلاب عندما يتعلق الأمر بالتصنيف أو الدرجات أو المبارزات.
"بالنظر إلى الوضع، أنا الآن أعتقد أن أفضل طالب في قسم السحر للسنة الثانية هو أنت."
"لست متأكدًا. لا أريد حقًا التفكير في أشياء كهذه. رغم ذلك، صحيح أن لوسي أقوى مني، لذا لا يعني ذلك أنني إعارض كلامك."
"أنا أعرف بالفعل طبيعتك المتواضعة، ولكن هذه هي الحقيقة. إذا تمكنت من التفوق عليك، فيمكنني إثبات أنني في مستوى أعلى من كل طلاب السنة الثانية."
هل كان يدرك حتى ما كان يقوله الآن؟ إن الإعلان عن أنه سيفوز أمام الخصم يمكن أن يُنظر إليه على أنه أفتعال شجار في معظم الظروف.
ومع ذلك، لم يكن زيغ شخصًا ينزعج من مثل هذا الشيء. وكان هناك أحتمال كبير أن واد يعرف ذلك أيضًا.
"من الصعب بالنسبة لي أن أقول بثقة أنني سأتمكن من هزيمتك يا زيغ."
"بقول ذلك، يبدو أنك تعتقد أن هزيمة الطلاب الاعلى الآخرين في السنة الثانية سيكون أمرًا سهلاً؟"
أجاب واد بابتسامة.
"ثم ماذا ستفعل إذا هزمتني؟"
"ثم سأضطر فقط إلى الذهاب إلى طلاب السنة الثالثة. هناك ينكار، وهي الأعلى بين جميع طلاب السنة الثالثة. وهناك دريك، وهو الطالب الأعلى في قسم القتال. وشخصيًا... أنا أريد التنافس ضد إد المشهور بين جميع طلاب السحر في السنة الثالثة."
"من الجيد أن تكون متحمسًا جدًا، لكن عليك أن تكون حذرًا حتى لا تتحول ثقتك بنفسك إلى غطرسة وغرور."
لم يقل زيغ ذلك محاولة منه أن يكون وقحًا. لقد كان فقط يذكر الحقائق كما كانت.
استجاب واد بشكل مناسب وشكره على النصيحة. ومع ذلك، يبدو أنه لم يستمع له حقًا.
"حسنًا، أول شيء يجب أن أفعله هو تحديد موعد لمبارزة كليفيوس. وبما أننا في وسط عاصفة ثلجية وعلينا البقاء في الداخل، أعتقد أنه يجب أن يكون لديه متسع من الوقت. وأعتقد أيضًا أنه يمكننا استخدام المنشأة الموجودة في الطابق السفلي من قاعة أوفيليس لإجراء النزال."
نظرًا لأن مدة أسبوع كانت طويلة جدًا بحيث لا يكفي البقاء في الداخل، فقد أعدت قاعة اوفيليس العديد من الأشياء للمساعدة في قضاء الوقت.
واحدة منها كانت المبارزة الطلابية.
"لكن... أشعر بخيبة أمل نوعًا ما، حيث يبدو أن كليفيوس يريد تجنب النزال معي."
بينما تحدث واد، ظهرت ابتسامة على وجهه.
كان ذلك واضحًا. من المستحيل أن يقبل شخص كئيب وسلبي بشكل دائم مثل كليفيوس مبارزة ضد طالب اصغر مليء بالطاقة والثقة.
بالنظر إلى واد، بدا وكأنه شخص لديه رغبة قوية في المبارزة مع شخص ما، بغض النظر عن الطريقة. سواء كان ذلك عن طريق المصالحة أو التشبث به، فإنه سيحاول إيجاد طريقة ما لمواجهة كليفيوس.
"اليوم، جئت فقط لأقدم نفسي وأعطيك تنبيهًا. في المرة القادمة التي آتي فيها، سأطلب منك تلك المبارزة."
"شكرًا لكونك تفكر بي كثيرًا. رغم ذلك، لا فائدة من ذلك."
ابتسم زيغ وهو يلتقط كتاب الخيمياء ويقلب الصفحات.
"بعد هزيمتي، الذهاب إلى السنة الثالثة... خاصة ضد ينكار وإد... لا أعتقد أن هذه فكرة رائعة."
"أفهم ما تعنيه. أنا أيضًا لا أعتقد أنني سأتمكن من هزيمتك بهذه السهولة."
"هذا ليس ما أقصده. عند سماع الشائعات عنك، والنظر إلى ثقتك بنفسك، وأخذ مهاراتك بالاعتبار، فأنت تبدو موهوبًا إلى حد ما... لكنك لا تزال بحاجة إلى تحسين قدرتك على الحكم على الآخرين."
قلب زيغ الصفحات بينما يستمر في الحديث بشكل عرضي.
"يبدو أنك لا تعرف شيئًا. سوف يتم إيقافك عند كليفيوس."
"......"
"من الواضح أنك لن تكون قادرًا على مواجهة ينيكار أو إد. لكنك لن تصل إليّ حتى."
لقد كان كليفيوس دائمًا شخصًا كئيبًا، وجبانًا، ومثيرًا للشفقة. وكانت الشائعات حول ذلك قد انتشرت بالفعل. كانت هناك أيضًا شائعات حول كيف تمكن شخص مثله من أن يصبح الطالب الأعلى في قسم القتال.
حاول واد التعبير عن استيائه من خلال التحديق بشدة في زيغ عندما سمع أنه يعتقد أنه سيخسر. برغم ذلك، واصل زيغ بشكل عرضي مضاعفة رأيه.
"إذا كنت تريد أن تهزمني، عد بعدما تستيقظ على الواقع."
* * *
عاش وحش في الغابة الشمالية.
بين الطلاب الذين ليس لديهم أي فكرة عن حياة إد في البرية، كان هذا النوع من الشائعات ينتشر.
كان من المفهوم أن تنتشر مثل هذه الإشاعة الغريبة، حيث لم يعرف سوى عدد قليل من الطلاب في الأكاديمية بأكملها عن أسلوب حياة إد.
انتشرت شائعات عن رجل يحمل جثث الحيوانات البرية الملطخة بالدماء بابتسامة مخيفة أثناء سيره عبر الغابة الشمالية. إنها إشاعة مرعبة للغاية، لكنها ستكون منطقية عندما تراه.
بالطبع، بالنسبة لبيل، التي كانت تعرف الحقيقة، كان سماع مثل هذه القصة أمرًا غريبًا.
ووووش!
"أغغ..."
العاصفة الثلجية كانت تهب في الغابة الشمالية. ساعدت الأشجار الكبيرة ذات الأوراق الإبرية في حجب الثلوج قليلًا، مما ساعد على رؤية المزيد للأمام. لكن الرياح القوية كانت لا يزال من الصعب على شخص ذو جسم صغير مثل بيل أن يتحملها.
مع ذلك، فهي قد قامت بالتحضيرات اللازمة قبل الخروج. كانت ترتدي طبقات من الملابس الرقيقة تحت ملابس خادمتها. وأحضرت أيضًا عباءة سميكة لفت نفسها بها.
بعد أن قامت بتدفئة نفسها قليلاً بسحر النار الضعيف، بدأت بالاعتقاد أن الأمر سيكون ممكنًا أكثر مما كانت تعتقد في الأصل.
كان الهدف الرئيسي الذي قررته هو الوصول إلى مقصورة إد.
إذا سافرت القديسة كلاريس إلى الغابة الشمالية، فإن الشخص الوحيد الذي يمكنها مقابلته هو إد.
"أثر قدم...!"
هل يمكن أن تكون تلك أخبارًا جيدة؟ يبدو أنه لم يمض وقت طويل منذ أن تٌركت آثار الأقدام هذه وقد أشار الأتجاه نحو مقصورة إد مباشرة.
قال الطلاب الذين لا يعرفون إد حقًا إنه كان شخصًا باردًا ولا يتحدث كثيرًا، لكن بيل كانت يعرفه جيدًا، حيث تحدثا عدة مرات من قبل... والمثير للدهشة أنه كان شخصًا يتمتع بالفطرة السليمة ومهارات تواصل جيدة، وعلى الرغم من أنه قد لا يبدو كذلك، إلا أنه كان أيضًا مراعٍ للغير.
كان من الأفضل إذا أنتهى بها الامر بمقابلة إد بدلاً من شخص لا تعرفه.
كانت هناك أيضًا حقيقة أنه كان شخصًا أكمل جميع واجباته ومسؤولياته بأمانة. وذلك كان بالرغم من أن النساء ذوات الأمكانية العالية مثل ينكار، ولورتيل، ولوسي كن يغازلنه دائمًا. على أقل تقدير، كان شخصًا جديرًا بالثقة. ولهذا السبب، من الآمن أن نقول إنه من غير الممكن أن تراوده أي أفكار سيئة أو أن يفعل أي شيء ضار لكلاريس.
حتى لو صادف كلاريس، فبدلاً من إمتلاك أي نوايا سيئة، سيحاول بالتأكيد إعادتها إلى قاعة أوفيليس.
إذا كانت هناك مشكلة، فهي أن هناك الكثير من العلاقات المعقدة غير الضرورية التي تدور حول إد. وكان لدى بيل ما يكفي من الصداع عند التفكير بالفعل في الأمر.
من على مسافة بعيدة، ظهرت مقصورة إد. استغرق الأمر وقتًا أطول مما تصورت بسبب العاصفة الثلجية.
"السيد الشاب إد... هو ربما لا يعرف هوية السيدة كايلي الحقيقية، صحيح؟"
كانت هوية كايلي الحقيقية هي القديسة كلاريس، التي حصلت على حماية تيلوس.
حتى لو لم يكن يعرف هويتها الحقيقية، فهو ما يزال شخصًا سيعاملها بلطف...
وهي متأكدة من أن هذا هو الحال، فتحت بيل باب المقصورة.
صرير!
"......"
فتحت الباب القاسي، ورأت إد وكلاريس أمامها مباشرةً.
"أوه، بيل. إنه أنتِ. لقد أتيتِ أيضًا."
كان إد ممتلئًا بالغضب وهو يستمر في لف الضمادات حول جروحه.
في زاوية المقصورة، رأت كلاريس ترتجف على ركبتيها، وهي ممسكة بكرسي خشبي بكلتا يديها، كما لو كانت تُعاقب.
بيل قد بدأت بالفعل بالشعور بالصداع.
* * *
كانت الفتاتان ترتجفان، ولكن لأسباب مختلفة.
كانت إحداهما ترتجف لأن ذراعيها، اللتين كانتا تحملان الكرسي، أصبحتا مخدرتين. وكانت الآخرى مرعوبة من حقيقة أن القديسة، التي تحميها مجموعة تيلوس الدينية، تُعاقب حاليًا.
لكنها ما زالت غير قادرة على أخبار إد بهوية كايلي الحقيقية... لم يكن بإمكان بيل فعل أي شيء سوى الجلوس على الطاولة وتناول الشاي الذي تم تسليمه لها.
"أ-أمم... ا-السيد الشاب إد."
بمجرد أن انتهى من تنظيف الفوضى في المقصورة، نظر إلى بيل، متسائلاً عن سبب مناداتها له.
"لقد سمعت تفسيرك، ولكن إذا لم آخذ السيدة كايلي معي قريبًا، فستصبح العاصفة الثلجية أقوى وسنكون في مشكلة حقيقية."
عند سماع ذلك، فكر إد في نفسه للحظة قبل أن يومئ برأسه.
"هذا منطقي. لن يكون من الجيد أن تغيب رئيسة خدم قاعة أوفيليس لفترة طويلة من الزمن."
"نـ-نعم، هذا صحيح. و..."
كانت بيل تتصبب عرقاً، نظرت إلى كلاريس، معتقدة أن عليها أن تجد طريقة لاستعادتها.
"......"
سحب إد كرسيًا خشبيًا، وجلس أمام كلاريس مباشرةً، التي كانت لا تزال في عقوبتها.
لقد كان مشهدًا فظيعًا، رؤيتها ترتجف والدموع في عينيها وهي تستمر في حمل الكرسي في وضع مستقيم.
كان إد لا يزال يفكر.
عندما وصلت كلاريس لأول مرة إلى المقصورة، صحيح أنه كان خائفًا بشدة.
ومع ذلك، لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للتفكير ومعرفة سبب مجيئها طول الطريق إلى مقصورته.
ربما كان ذلك بسبب هذا الحادث الصغير الذي وقع أثناء امتحان تحديد الفصل الدراسي.
أثناء المعركة مع ميريلدا، أسقطت دبوسها عن طريق الخطأ. لقد حاول التستر على خطأها بسرعة، ولكن... يبدو أن كلاريس بدأت تعتقد أن إد اكتشف حقيقتها بسبب ما فعله.
من الواضح أن استجابة إد لم تكن طبيعية لأنه كان موقفًا مفاجئًا ويائسًا. ومع ذلك، لم تكن هناك طريقة أفضل للتعامل مع الوضع بطريقة أكثر ودية.
كانت هوية كايلي الحقيقية بمثابة تطور رئيسي في الحبكة ولم يتم الكشف عنها حتى النصف الثاني من الارك 3.
إذا تم الكشف عن هوية كايلي بهذه السرعة، فسيتم وضعها تحت الحماية المستمرة لفرسان الهيكل، الذين سيراقبونها في كل خطوة. وبالتالي، سيكون من المستحيل معرفة مدى تأثير ذلك على المستقبل.
عندما قام إد بترتيب الأشياء في المقصورة، كان قد أكمل تنظيم أفكاره أيضًا.
ظنت كايلي أن إد يعرف بالفعل هويتها الحقيقية. وطالما أن هذه الحقيقة لم تتغير، فسوف تستمر في القلق. ولكن لا توجد حاليًا طريقة لتبديد هذا الفكر.
ولهذا السبب قرر إد التغلب على المشكلة بالسير في الاتجاه المعاكس.
"أعتذر عن وقاحتي معكِ أيتها القديسة. الكرسي... يمكنكِ وضعه جانباً."
عند سماع هذه الكلمات، بدأ بيل وكلاريس يرتجفان في نفس الوقت.
اتسعت حدقات كلاريس في لحظة بينما استجابت بيل بصوت مرتعش، على عكس نبرة صوتها المعتادة، لتؤكد أنها لم تكن تسمع الأشياء.
"هـ-هل كنت تعلم ذلك بالفعل...؟"
"أنا أيضًا مؤمن من جماعة تيلوس الدينية وقد تم تعميدي بنفسي. كوني قريبًا منكِ عند مشاهدة سحر التخفي يتلاشى، كان من السهل التعرف عليكِ."
"حـ-حقاً...؟"
في الواقع، لم يكن هذا هو الحال تمامًا.
في وقت امتحان تحديد الفصل الدراسي، لم يكن سحر تخفي كايلي قد تلاشى تمامًا. وحتى لو كان الأمر كذلك، فلا يزال من الصعب تبرير سبب منحها الدبوس بشكل طبيعي.
وبطبيعة الحال، كان من الصعب إثبات أي شيء. لذا طالما استخدمت القليل من الارتجال والتفكير السريع، فلن يكون لديها ما تقوله.
بخلاف ذلك، لم يكن من المنطقي أن إد قد أكتشف بالفعل هوية كايلي.
"ثـ-ثم..."
"لقد أخبرتكِ، يمكنكِ ترك الكرسي الآن."
"آه... حـ-حسنًا..."
أما ما يجب فعله فقد تم أرساء الأساس له.
على أية حال، لم يرغب إد في التورط أكثر من ذلك مع القديسة كلاريس.
لذا، بعد الاعتراف بأنه كان على علم واضح بهويتها الحقيقية، أول شيء كان عليه فعله هو التخلص مما كان يجعلها قلقة للغاية.
والشيء التالي الذي يجب فعله هو غرس الثقة فيها بأنه لن يكشف عن هويتها لأي شخص.
"بصفتي عضوًا في جماعة تيلوس الدينية، أنا آسف لأنني فعلت هذا الشيء المشين للقديسة التي أحترمها بشدة. ومع ذلك، كان من واجبي أيضًا أن أظهر لكِ المخاوف التي تأتي مع الحرية."
المقصورة المظلمة. الرياح القوية. أصوات الريح المتقطعة التي تضرب السقف.
كانت البيئة سيئة للغاية لدرجة أنها كانت على النقيض تمامًا من غرفة نوم القديسة الخاصة في مبنى الأب المقدس أو قاعة أوفيليس.
النظر إلى إد، الذي كان يجلس على الكرسي، وخلفه كانت هناك جدران مغطاة بالدماء.
كانت هناك أفخاخ صيد ومناشير ملطخة بالدماء وجثث وأعضاء خنازير برية وحيوانات أخرى يتم تجفيفها على خطافات، ورائحة الدم كانت تملأ الغرفة.
بالطبع، نظرًا للعاصفة الثلجية، اضطر إلى إحضار كل شيء إلى داخل المقصورة، لكن كلاريس لم تكن في وضع يسمح لها بالتفكير في مثل هذه الأشياء.
ومع ذلك، عند النظر إلى إد ويداه متشابكتان معًا، يميل إلى الأمام بينما يواصل الحديث... كان ذلك عكس ما تصورته تمامًا.
المرة الأولى التي رأت فيها إد كانت عندما كان يحرس المذبح وينظر للأسفل نحوها.
كان يحمل خنجرًا في إحدى يديه بينما يجمع القوة السحرية في اليد الأخرى، ينظر للأسفل نحو طلاب السنة الأولى.
في ذلك الوقت، بدلًا من كونه إنسانًا، كان يبدو أشبه بجدار أو محنة يجب التغلب عليها... لم تفكر يومًا في إد كإنسان عادي لديه أعباءه الخاصة ليعيش معها.
"نظرًا لأنكِ تخفين هويتكِ وتحاولين الاختلاط مع الأشخاص في الأكاديمية بشكل عرضي... يبدو أن لديكِ رومانسية غريبة عندما يتعلق الأمر بالحرية. قد يتفق البعض معكِ. وهي بالتأكيد... شيء يستحق العناء."
"هـ-هذا..."
"أنا أيضًا في وضع يمكنني فيه العيش بحرية هنا في الغابة. لذا، فأنا أيضًا أدرك جيدًا مدى الإحباط والصعوبة التي تكون عليها الحياة عند العيش مع قيود."
المنظر الجميل الذي تغنت به أديل الرومانسية.
لم يكن غريباً أن نضفي طابعاً رومانسياً على عالم مليء بالألوان ورائحة الزهور.
ومع ذلك، فإن هذا الطريق إلى الحرية لم يكن دائمًا مليئًا بالزهور.
في الحقيقة، تمامًا مثل المقصورة، كان مليئًا برائحة الدم... كانت هناك أوقات عديدة حيث يتعين عليك فيها حبس أنفاسك والضغط على رئتيك للبقاء على قيد الحياة.h
"أما بالنسبة الى نوع الحياة التي أعيشها... هل تستطيع التخمين؟"
زميل أكبر منها بسنتين. كان من الصعب وصفه بأنه ببساطة قوي ومرعب.
في زاوية المقصورة، جلس هناك غير مكترث لجرحه النازف... محاطًا بجثث الحيوانات التي قُتلت بطريقة فظيعة... كان بإمكانها معرفة أن نوع الحياة التي يعيشها كان مختلفًا تمامًا.
كان مؤمنو جماعة تيلوس الدينية يركعون إجلالًا واحترامًا كلما رأوا القديسة كلاريس. بدت فكرة الغضب من قديسة ومعاقبتها مستحيلة.
ومع ذلك، كان هناك صبي استمر بشكل عرضي في النظر للاسفل نحو القديسة بعينيه الباردتين تلك.
كان يعرف المعنى والقيمة التي تأتي مع الإيمان، ولكن ما يسبق ذلك هو نجاة المرء. على أقل تقدير، نشأ الصبي ونجا في مثل هذه البيئة.
حياته... بدلاً من كونه 'يعيش'، فهو فقط يحاول 'البقاء على قيد الحياة'... على الرغم من أن الفرق بين الكلمات قد يبدو تافهاً، إلا أنه في الواقع كان كبيراً جداً.
في كل شيء هناك نور وظلام. الحرية ليست استثناء.
لو كانت أديل شاعرة تمجّد جمال الحرية...
فمن ثم كان هو الشخص الذي أظهر النضالات والظلام الذي يأتي مع الحرية بشكل أكثر وضوحًا من أي شخص آخر.
"سيكون من الأفضل أن تذهبي الآن. لا تقتربي من هذه المقصورة مرة أخرى. حتى مع البركة المقدسة، لا يزال تجنب المعاناة والجوع أمرًا لا مفر منه."
واصل إد الحديث وهو يخفض رأسه.
"أنا آسف على فظاظتي. لسوء الحظ، لا يبدو أن هناك أي شخص من حولكِ، أيتها القديسة، يمكنه التحدث معكِ حول مثل هذا الموضوع."
ثم وقف وهو يتخذ قراره.
"الآن، يجب عليكِ التوجه والعودة."
من وجهة نظر كلاريس، لم تكن هناك حتى فرصة للرد.
استدار إد بسرعة. لم يكن لدى كلاريس حتى الفرصة للنطق بكلمة واحدة.
* * *
كان عليهما العودة إلى قاعة أوفيليس على الفور، قبل أن تتفاقم العاصفة. ومع قيادة بيل للطريق، سيعودان في أسرع وقت.
بمجرد عودتهم إلى قاعة أوفيليس، يمكنها التدفئ أثناء تناول بعض الحساء اللذيذ في غرفة دافئة ومريحة.
يمكنها الجلوس في غرفة جيدة التنظيم بينما تقرأ كتابًا بسلام. سيكون الأمر كما لو أنه بلد مختلف تمامًا، بعيدًا عن العاصفة الثلجية.
طالما تبقى داخل قاعة أوفيليس، فإن العاصفة الثلجية العنيفة ستصبح مجرد قصة عابرة تحدث 'خارج النافذة'.
غادرت كلاريس المخيم ممسكةً بيد بيل، ونظرت للخلف نحوه بصعوبة.
بعد مشاهدة الاثنين وهما يغادران المخيم، عاد إد إلى المقصورة حاملًا فأسًا على كتفه.
سيظل الجزء الداخلي من المقصورة باردًا، وستبقى رائحة الدم. ثقل الواقع سقط على كتفيها من جديد. هذا المشهد الذي كان محفورا في ذهن كلاريس لن يختفي أبدا.
لم يشعر ذلك الصبي بأي عبء من ثقل الواقع. بالنسبة له، كان ذلك مجرد ثقل الحياة الذي يجب على المرء أن يتحمله من أجل البقاء.
لقد قرأت كلاريس عن ذلك مرة من قبل في كتاب. يقال أنه حتى أجمل البجعات ما تزال تحتفظ بأقدامها القبيحة تحت الماء. ولم تكن الحياة الحرة استثناءًا.
عند رؤيته يدافع عن المذبح وهو يوقف طلاب السنة الأولى، ويستخدم السحر ضدهم دون إهتمام، كان من المستحيل تخيل كل ما كان يتعامل معه خلف الكواليس.
"السيدة بيل."
"نعم يا سيدة كلاريس؟"
"أنا آسفة لأنكِ قطعتِ كل هذه المسافة إلى هنا بسببي..."
"كنت أفعل فقط ما يجب علي فعله. لا تقلقي بشأن ذلك كثيرًا."
كانت كلاريس ممسكة بيد بيل خلال العاصفة الثلجية، بينما ظلت تنظر للوراء نحو المقصورة.
على أي حال، منذ قدومها إلى سيلفينيا، كانت هذه هي المرة الأولى التي تقابل فيها زميلًا أكبر تحترمه بشدة من كل قلبها.
على أقل تقدير، في المدينة المقدسة... لم تكن لتحظى بفرصة مقابلة مثل هذا الشخص.
"......"
بالطبع، بيل، غير قادرة على معرفة ما كان يحدث بالفعل، استمرت في التعرق بعرق بارد بينما كانت تشاهد كلاريس وهي تنظر للخلف نحو إد بينما يتركونه وراءهم.
لا يمكن أن يكون ذلك. صحيح؟ من المستحيل ذلك...؟ صحيح؟ أنا... أنا ليس لدي أدنى فكرة...
ظلت بيل غارقة في مثل هذه المخاوف.
* * *
كانت العاصفة الثلجية ما تزال مستمرة مع مرور الشتاء ببطء. مع أن الأمر كان واضحًا، الا أن الشتاء كان مختلفًا بالنسبة لكل شخص.
قد يبقى البعض في مكتبة تحت الأرض يدرسون الهندسة السحرية، بينما يتجاذب آخرون أطراف الحديث مع الأرواح أثناء جلوسهم على النافذة في قاعة ديكس.
في هذه الأثناء، في غرفة نوم خاصة في قاعة أوفيليس، كانت هناك فتاة تجلس بمفردها، تعتني بكتب شركتها. ومن ثم هناك فتاة أخرى محاصرة في غرفتها، تراقبها الخادمات باستمرار وهي تصرخ من الألم.
أستاذة مساعدة كانت تعمل خلال فترة العطلة لإنهاء الاهتمام بأية أوراق للأكاديمية. يواصل سياف فاشل التدريب بجد. يجلس الوصي الذي جاء من الأراضي العشبية الشمالية في قاعة الطلاب ويقرأ كتابًا عن الخيمياء. يحبس النصل الشيطاني الجبان نفسه في غرفته، غير راغب في الخروج. كان لكل شخص طريقته الخاصة في قضاء فصل الشتاء.
وينطبق الشيء نفسه على الفتاة ذو الشعر الاشقر البلاتيني التي جلست بهدوء في غرفة نومها الخاصة في القصر الملكي، تنظر من نافذتها.
أثناء مشاهدة العاصفة الثلجية المستعرة، خفضت الأميرة بينيا نظرتها الحزينة وهي تتخذ قرارها.
سيأتي الربيع وسيبدأ فصل دراسي جديد. زمن ستتغير فيه أشياء كثيرة.
اقتربت انتخابات رئيس مجلس الطلاب.
كانت بينيا إلياس كرويل، التي حظت بثقة العديد من الأفراد في جميع أنحاء الأكاديمية، تعتبر مرشحًا قويًا لمنصب رئيس مجلس الطلبة.
"أعتقد، أنني بعد كل شيء... لن أترشح لمنصب رئيس مجلس الطلاب..."
من وجهة نظر إد روثستايلور، كان ذلك أشبه بصوت هيكل القصة بأكمله ينهار. بداية كل الكوارث.