الفصل 2: - المقدمة [2]
-----
في قلب المدينة المنسية، حيث رقصت الظلال على طول الأزقة المتداعية، همست أرواح الماضي بحكايات الحزن والفداء. ومن بينهم، تكشفت قصة شاب - حكاية مأساوية بدأت بتعطش للانتقام.
ولكن دعونا نعود إلى الوقت الذي كان فيه العالم لا يزال بريئا ومليئا بالإمكانيات.
في منزل متواضع، وسط الخضرة، عاش طفلان - صبي وفتاة - إلى جانب أسرتهما المحبة. كانت أيامهم مليئة بالضحك والأذى والحب غير المشروط لوالديهم.
وُلدا في نفس اليوم تحت وهج البدر الساحر، وكانا توأمان لا ينفصلان، ويرتبطان برابطة غير قابلة للكسر.
تشابكت حياتهم مثل أغصان شجرة بلوط عظيمة، وتشابكت أحلامهم وتطلعاتهم أثناء نموها جنبًا إلى جنب.
ومع مرور السنين، أصبح الصبي الصغير وأخته مختلفين عن بعضهما البعض. ليس لأنهم أرادوا ذلك، بل بسبب واجباتهم.
وفي سن الخامسة اكتشفت الفتاة قدراتها السحرية وأذهلت القرية بموهبتها. ونتيجة لذلك، بدأت في زيارة كوخ الشامان لتلقي التعليم والتدريب.
أما الصبي فلم يكن خاملًا أيضًا وكان يسعى ليكون مفيدًا. على الرغم من ضعفه الجسدي، بدأ بمساعدة والديه في مهامهم اليومية بعد ملاحظة أخلاقيات العمل الدؤوب لأخته.
لكن كان لدى الصبي فضول عميق، ورغبة شديدة في استكشاف الألغاز التي تكمن وراء المشاهد والأصوات المألوفة في منزلهم المتواضع. كان تعطشه للمعرفة لا يشبع، وكان هوايته المفضلة هي التنقيب في صفحات الكتب، والضياع في حكايات الأراضي البعيدة والمغامرات غير العادية.
وفي إحدى الليالي، بينما كانت أمهم تجلس بجانبهم، تقرأ من كتاب قديم مغلف بالجلد، لمعت عيون الصبي بالترقب. استمعت أخته باهتمام، لكن أفكاره انجرفت إلى العالم خارج قريتهم.
بدأ صوته مليئًا بالإثارة: "أمي، لماذا لا نترك قريتنا أبدًا؟ أريد أن أرى العالم الخارجي، وأن أختبر العجائب التي تقع خارج حدودنا".
وتحولت على وجه أمه مزيج من الحزن والشوق يغمر ملامحها. توقفت للحظة، وعيناها تحدقان في المسافة كما لو أنها فقدت في ذكريات زمن مضى. ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة قبل أن تجيب، وهي تختار كلماتها بعناية.
بدأت صوتها مشوب بلمحة من الحزن: "طفلتي العزيزة، قريتنا تحمل أسرارًا، أسرار تربطنا بهذه الأرض، أسرار يجب أن نحميها. العالم الخارجي ليس دائمًا مرحبًا كما قد يبدو. "
عقد الصبي حواجبه. انحنى أقرب، باحثا عن فهم أعمق. "ما هي الأسرار يا أمي؟ لماذا يجب أن نبقيها مخفية؟"
على الرغم من أنه كان طفلاً، إلا أنه كان ذكيًا، وأدرك على الفور المعنى الكامن وراء كلمات والدته.
ومع ذلك، أصبحت نظرة والدتها ناعمة وهي تبتسم، وتخفي حزنها.
"طفلي... نحن سعداء كما نحن الآن... نحن فقط بحاجة لبعضنا البعض لنعيش... سوف تفهم كل شيء عندما يحين الوقت..."
وضعت يدها اللطيفة على يده، وكانت لمستها مريحة لكنها مليئة بالحذر غير المعلن. بغض النظر عن مدى ذكائه، لم يكن قادرًا على رؤية الكآبة خلف وجه والدتها.
ومرت الأيام وتغير المشهد وأشرقت أشعة الشمس بقوة.
كان للصبي عيون أرجوانية زاهية، ينظر من النافذة ويراقب المساحات الخضراء. كان شعره الأسود متتاليًا إلى خصره. "أختي متى ستأتي؟" تمتم وهو يبدأ بتنظيف المنزل من الداخل.
كان الصبي بمفرده داخل منزله لأن أخته كانت بحاجة إلى إكمال واجباتها. "إنها تدفع نفسها دائمًا..." تحدث بينما رأى صورة صغيرة له ولأخته يبتسمان. "يجب أن أكمل كل شيء، حتى تتمكن من الحصول على الراحة في منزلنا." وبهذا ركز على عمله.
وبعد الانتهاء من روتينه اليومي في المنزل، رأى السحب في الهواء وهو يتحدث. "آه، أنا بحاجة لتخزين الحطب. الشتاء قادم." غادرت تلك الغمغمة شفتيه.
وباعتباره من يحتاج إلى توفير المنزل، كان عمله هو قطع الحطب.
وبهذه الطريقة، غادر المنزل وبدأ المشي نحو الغابة.
كانت القرية التي كانوا فيها قريبة من سلسلة الجبال، لذلك لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يصل إلى الغابة. ثم بدأ في البحث عن الأشجار الضعيفة بعض الشيء ليقطعها، لأنه كان يعلم أنه لن يكون من المفيد إضاعة الكثير من الوقت والطاقة على شجرة صغيرة. لقد عرف ذلك من تجربة سابقة حيث كان منهكاً قبل قطع الشجرة بسبب ضعف جسده.
"أثناء قيامه بعمله، كانت أفكاره تدور حول أخته."
بالنسبة له، كانت دائما قدوة.
لقد كانت ملاكاً.
لقد كان شعرها الأبيض الناصع وعيونها الزرقاء هو ما جعله يفكر بهذه الطريقة لأنها ستنير حياته دائمًا…..
داخل هذه القرية المنسية، حيث لا أحد يزورها، كانت أختها هي التي تحمي القرية من المخاطر، وتساعد القرويين المحتاجين...
لأنها كانت تتمتع بقوى سحرية منذ صغرها، ووفقًا للتقاليد، تلقت تدريبها السحري خلفًا للشامان.
بعد وفاة والديهم مع شامان القرية، بفضل الحياة، كان هو وهي دائمًا يراقبان ظهورهما.
في البداية، خيمت مسحة من الحسد على قلب الصبي عندما شهد قوة أخته وموهبتها. لكن هذا الشعور سرعان ما تحول إلى إصرار. لقد أدرك أنه أيضًا يمكن أن يكون مفيدًا ويساهم في رفاهية منزله ومجتمعه.
في تلك اللحظة، توقف الصبي واضعًا فأسه على كتفه وهو يحدق في الأشجار الشاهقة المحيطة به.
"هف... هوف..." كان أنفاسه متقطعًا لأن جسده بدأ بالفعل تظهر عليه علامات التعب.
لكن في تلك اللحظة لفت انتباهه عمود من الدخان يتصاعد فوق رؤوس الأشجار باتجاه القرية. اتسعت عيناه، وشعور بالحاجة الملحة يسيطر على قلبه.
"دخان؟" تمتم وصوته مليئ بالقلق. "إنها قادمة من القرية!"
تحركت غرائزه، وجرى الأدرينالين في عروقه. وبدون تفكير آخر، أسقط الحطب الذي جمعه، وتركه خلفه بينما كان يركض نحو القرية. كانت كل خطوة تدفعه أقرب إلى مصدر الدخان، وكان عقله يتسابق بآلاف الاحتمالات.
واختلط الخوف والقلق بداخله. ماذا يمكن أن يحدث؟ هل كان هناك حريق؟ هل كان القرويون في خطر؟ كانت الأسئلة تدور في ذهنه، لكنه دفعها جانبًا، وركز فقط على الوصول إلى القرية بأسرع ما يمكن أن تحمله ساقاه.
قصف قلبه في صدره، مرددا إلحاح خطواته. ظهرت ألفة القرية، ولكن كان هناك شيء خاطئ.
حتى لو كان جسده ضعيفًا، حتى لو لم يكن موهوبًا في السحر مثل أخته، كان يثق دائمًا في حواسه.
/فلينش/
وكانت تلك الحواس تصرخ عليه ليختبئ.
وسرعان ما لإثبات صحة كلامه، نزل على القرية وجود مرعب، اخترق الليل الهادئ بحقده.
أصبح الهواء كثيفًا بهالة من عالم آخر، وانخفض قلب الصبي عندما هاجمت رائحة الحديد الثقيلة وشيء محترق حواسه. اختلطت الرائحة النفاذة بأصوات طقطقة النار، وملأت الليل بسيمفونية قاتمة.
ومع ذلك، قاوم الصبي الضغط. كان يعلم أن أخته كانت هناك وسط تلك الفوضى. كان يعلم أنه بحاجة إلى القيام بشيء ما. لذلك صر على أسنانه.... سقط الدم من شفتيه المعضتين ويديه المشدودتين بشكل مفرط.
ومع ذلك، لم يهتم بالألم وهو يسير نحو القرية. فقط لنشهد مشهدا مرعبا. لقد شاهد في رعب بينما كان فيلق من المخلوقات السوداء، بأشكالها الملتوية والوحشية، ينزل على قريتهم التي كانت هادئة في السابق. تحركت شخصياتهم البشعة بخفة الحركة والشراسة غير الطبيعية، وكانت عيونهم تتلألأ بجوع قاسٍ للتدمير.
شعر بمرور الوقت وكأنه يتباطأ بينما كان يبحث بفارغ الصبر عن أخته. كان قلبه ينبض بمزيج من الخوف واليأس.
وسط الفوضى وألسنة اللهب المتلألئة، رآها أخيرًا تقف شامخة ومصممة. لقد استخدمت سحرها القوي للدفاع ببسالة عن منزلهم وشعبهم.
اختلط الخوف باليأس عندما أدرك أن الاحتمالات مكدسة ضدهم. ومع ذلك، ظل جسد الصبي يتحرك بشكل غريزي، مدفوعًا بالحاجة الماسة لحماية أخته ومساعدتها.
لكن أفعاله لم تمر مرور الكرام.
الفتاة التي كانت تبذل قصارى جهدها للدفاع عن مواطنيها بسحرها لاحظت أن توأمها يحاول الاقتراب منها.
/جلجل/
وفي تلك اللحظة جاءت حركات الصبي مفاجئة. 'همم؟' ولم يلاحظ سبب حدوث ذلك، حاول تحريك جسده ولكن دون جدوى.
تم دفع جسده الذي كان مفتوحا على مصراعيه، إلى الغابة مرة أخرى.
في تلك اللحظة بالذات التقت عيناه بعيني أخته.
وبعينين مليئتين بالحزن والحب الذي تجاوز ظروفهما الصعبة، كانت تنظر إليه بابتسامة.
وقد فهم.
سبب عدم قدرته على تحريك جسده.
السبب الذي دفعه إلى التراجع.
منذ أن كانت ذراعيه وساقيه مقيدة بالضوء الأبيض الساطع.
'لا! لااااااااااا! أراد الصراخ. أراد جذب انتباه محيطه. اهتمام ذلك المخلوق الحقير هو إنقاذ أخته.
ولكن، دون جدوى. لأنه لم تترك أي كلمة من فمه على الإطلاق.
تدفقت الدموع على وجهه بينما كان يكافح ضد القيود السحرية، وعيناه مقفلتان مع أخته. تلفظت بكلمات لم يستطع سماعها، وكانت نظراتها مليئة بالحب والحزن.
عاجزًا، لم يكن بإمكانه إلا أن يشاهدها وهي تعود لمواجهة الحشد الشيطاني، وسحرها يتوهج أكثر إشراقًا من أي وقت مضى. لقد قاتلت بشجاعة نابعة من الحب، فتصدت الضربات ووجهت الضربات بإصرار لا يتزعزع.
تحطم قلب الصبي عندما تغلبت تلك المخلوقات الدنيئة على أخته، وأكل هجومها الذي لا هوادة فيه نورها.
عينيه التي كانت مليئة بالضوء، فقدت لونها ببطء عندما بدأ الدم يتدفق من تلك الجفون.
أراد أن يغمض عينيه.
أراد أن يصرف نظره.. أراد التخلص من هذا المشهد...
لكنه لم يفعل.
واصل المشاهدة، وجسده يرتجف من الحزن والتصميم الجديد. إن مذبحة قريته ومقتل أخته طبعت في روحه مثل ندبة لن تتلاشى أبدًا.
لقد استقر عليه ثقل الخسارة، وأشعل النار في قلبه - نار الانتقام.
في لحظاتها الأخيرة، نظرت إليه مرة أخيرة، وعيناها ممتلئتان بالحب، وهي تنطق الكلمات….
على الرغم من أن الصبي لم يكن قادرا على فهم ما كانت تقوله على الإطلاق ...
وفي تلك اللحظة ولد بورن ...
---------------
[بورن = رجس]