الفصل 530 - أبيغيل [3]
----------
هووو~!
عوت الرياح عبر المناظر الطبيعية المتجمدة، مثيرة زوابع من الثلج التي رقصت في الهواء مثل شظايا بلورية صغيرة.
امتدت الأرض البيضاء بلا نهاية في كل اتجاه، ولم يقطعها سوى نتوءات جليدية متفرقة.
تحركت امرأة بثبات عبر الثلج، تاركة آثار أقدام واضحة ودقيقة في المسحوق الأبيض. كان كل خطوة محسوبة، وحركتها لم تتأثر بالبرد القارس أو الرياح العاتية التي ضربتها بلا رحمة.
كان جسدها مغطى بملابس معزولة، مصممة لتحمل أقسى البيئات. غطت نظارات واقية عينيها، لتحميها من لسعات الثلج وسطوع العالم الأبيض من حولها. على الرغم من الظروف القاسية، ظلت وضعية المرأة متماسكة، وحضورها ثابتًا كصلابة الشتاء المحيط بها.
وأثناء سيرها، اهتزت الساعة الذكية على معصمها، كانت ذبذباتها خفيفة لكنها مستحيلة التجاهل.
رنين!
"تنهد..."
توقفت، حيث خفت صوت الرنين للحظة وسط صفير الرياح، ثم رفعت ذراعها. بحركة سلسة، لمست الشاشة لتفعيل المكالمة.
توهج العرض الهولوغرافي في الهواء البارد، وجاء صوت رجل عبره، واضحًا وحاسمًا.
"الحارسة رينا،" كان صوته يحمل ثقلًا اخترق هدير الرياح، آمراً لكنه محترم.
ظلت نظرة رينا ثابتة على الثلج أمامها، تعابيرها مخفية خلف العتاد الواقي، لكن نبرتها كانت هادئة ومحسوبة وهي ترد، "المرساة ستيلكلايد."
"المرساة الأخرى تطلب تقريرًا."
"تقرير؟"
"نعم، بخصوص المبتدئ ناتوسالوني. كما تعلمين، هناك بعض الشكاوى."
أومأت رينا برأسها مرة واحدة، بالكاد يمكن ملاحظة الإيماءة تحت طبقات ملابسها العازلة.
فرقعة!
بحركة من أصابعها، تموجت موجة من الطاقة في الهواء، وفي لحظة، تُركت الجبال الثلجية خلفها في صمت، ولم يبقَ أي أثر لوجودها سوى آثار الأقدام التي تلاشت بسرعة في الثلج.
انتقل المشهد بسلاسة من البرية المتجمدة إلى دفء ودقة مكتب رينا. تزينت الجدران بخرائط إستراتيجية مختلفة وتدفقات بيانات متوهجة، تنبض بهدوء مع همهمة التكنولوجيا المتقدمة.
وقفت رينا الآن في وسط الغرفة، وقد تحولت ملابسها إلى زي داكن أنيق ينبعث منه هالة من السلطة والكفاءة. استُبدلت نظاراتها الواقية بنظرة حادة لم تفوّت أي تفصيل، واندمجت ساعتها الذكية بسلاسة مع الواجهة الهولوغرافية أمامها.
ظهر أمامها الهولوغرام الخاص بـ"المرساة ستيلكلايد"، كان شكله المهيب يقف بتباين صارخ مع بيئة المكتب المعقمة.
"يرجى الانتظار قليلًا، الحارسة رينا."
قال ذلك بينما نقر على مكتبه.
"أنا أقوم بالاتصال بباقي المراسي."
ظلت رينا بلا حراك، وعيناها الحادتان مركّزتان على العرض الهولوغرافي بينما كان ستيلكلايد يعمل على مكتبه. ملأت همهمة التكنولوجيا المتقدمة الغرفة أثناء إنشاء الاتصال، وواحدًا تلو الآخر، بدأت هولوغرامات المراسي الأخرى بالظهور في أرجاء الغرفة.
كانت هيئاتهم مهيبة، كل واحد منهم يشع سلطة وقوة، لكن كان هناك توتر واضح في الجو بينما استقروا في الاجتماع.
"الحارسة رينا،" حيّاها أحد المراسي ببرود، ونبرته خالية من الدفء. "تم إبلاغنا بأن لديك تحديثات مهمة بشأن المبتدئ ناتوسالوني. نحن هنا لمراجعة البيانات."
قاطعت مرساة أخرى، صوتها يحمل نبرة من الشك، "آمل أن يبرر هذا الاستخدام الكبير للموارد لهذا المتدرب. يبدو الأمر مبالغًا فيه بالنسبة للبعض منا."
ظلت تعابير رينا متماسكة، ولم تهتز ثقتها من الشكوك في الغرفة. لقد توقعت هذه الردود، مدركة أن البعض سيشكك في الاستثمار في أسترون. بيد ثابتة، قامت بتفعيل الواجهة الهولوغرافية، وعرضت البيانات التي جمعتها بدقة.
"شكرًا لكم، أيها المراسي،" بدأت رينا، صوتها هادئ ومدروس. "أتفهم أن هناك مخاوف بشأن تخصيص الموارد للمبتدئ ناتوسالوني. ومع ذلك، أعتقد أن أداءه الأخير سيتحدث عن نفسه."
نقرت على أمر، وتحول العرض الهولوغرافي ليعرض بيانات تفصيلية عن المهمة الأولى لأسترون في "فيلكروفت". تم تقديم التمثيل البصري لجدول المهمة، والأحداث الرئيسية، والنتائج بدقة، مع إبراز مساهمات أسترون.
"كما ترون، لم تكن مهمته الأولى في فيلكروفت مجرد مهمة بسيطة. استمر التحقيق لمدة شهرين دون نجاح يُذكر، حتى تم تعيين المبتدئ ناتوسالوني في الفريق. سمح له فهمه الفريد للأمور ومنظوره المختلف بتحديد معلومات حاسمة تم التغاضي عنها من قبل الآخرين. كانت مهاراته في الملاحظة وقدرته على استيعاب المواقف المعقدة هي الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نجاح العملية."
عززت نقاط البيانات في الهولوغرام بالتقارير الرسمية، بما في ذلك تقرير بارز وقّعه الحارس شانكس ، الذي أشرف على المهمة. تابعت رينا، صوتها ثابت لا يتزعزع، "لقد وثّق الحارس شانكس نفسه أن مساهمات المبتدئ ناتوسالوني كانت حاسمة، متجاوزة حتى بقية المبتدئين المشاركين في العملية. هذا ليس مجرد بيان عن الإمكانيات، بل هو سجل واضح للنتائج."
أحد القادة، رجل ذو ملامح صارمة وتجاعيد عميقة تعكس شكوكه، تحدث بصوت يحمل نبرة من الريبة. "سواء كانت هناك نتائج أم لا، فإن الموارد التي تم تخصيصها لهذا الفرد كانت هائلة. لماذا يجب أن نستمر في الاستثمار بهذا الشكل في شخص واحد فقط؟"
[المترجم: sauron]
واجهته رينا بنظرة ثابتة، وصوتها كان حازمًا ولكن محترمًا. "لأن المتدرب ناتوسالوني ليس مجرد فرد عادي. قدراته في التحقيق والقتال قد وضعت بالفعل معيارًا جديدًا داخل صفوفنا. أداؤه تحت الضغط، قدرته على معالجة المعلومات والتصرف بسرعة، وهدوؤه في مواجهة الخطر هي بالضبط الصفات التي نحتاجها في عملائنا. الموارد التي تم إنفاقها عليه هي استثمار في مستقبل منظمتنا."
ساد الصمت للحظات بينما استوعب القادة كلماتها، والبيانات لا تزال معروضة أمامهم. عندها، تحدث ستيلكلاد، الذي ظل صامتًا حتى الآن، بصوت يحمل ثقل منصبه. "النتائج التي تم تحقيقها في فيلكروفت لا يمكن إنكارها. سيتم اتخاذ قرار متابعة دعم تطوير المتدرب ناتوسالوني بناءً على هذه النتائج الملموسة. إذا استمر في تقديم هذه الإنجازات، فإن الموارد مبررة."
قالت رينا بثقة هادئة، "اطمئنوا، لقد تلقيت تقريرًا جديدًا هذا الصباح"، بينما أحضرت وثيقة أخرى إلى واجهة العرض الهولوجرافية. تحولت البيانات لتظهر تقريرًا مفصلاً عن مهمة أسترون ناتوسالوني الفردية الأخيرة.
"كما يعلم معظمكم"، بدأت بصوت قوي ومتزن، "هناك العديد من البلدات النائية تحت سيطرتنا والتي تعتبر حيوية لزراعة مواد معينة ضرورية لعملياتنا. بلدة شانج هي إحدى هذه المواقع، وهي معروفة بمحاصيلها من التوت القمري، وهو عنصر أساسي في العديد من عملياتنا الكيميائية."
أظهرت الهولوجرام خريطة لبلدة شانج، مسلطة الضوء على أهميتها الاستراتيجية. تابعت رينا قائلة: "مؤخرًا، ظهرت مشكلة تتعلق بالمحاصيل في بلدة شانج. كانت المحاصيل تتعرض للتلف، ولم تتمكن السلطات المحلية من تحديد السبب."
توقفت للحظة، مما سمح للحاضرين باستيعاب الوضع. "تم إرسال المتدرب ناتوسالوني للتحقيق في الأمر. نظرًا لموقع البلدة النائي والطبيعة الغامضة للمشكلة، كانت هذه المهمة تتطلب مهارات تحقيقية عميقة بالإضافة إلى فهم شامل لطاقة الأرض وتدفقاتها."
اقتربت صورة البلدة في الهولوجرام، مظهرة الحقول التي تضررت بسبب المرض الغامض. "ما اكتشفه لم يكن مجرد مشكلة زراعية بسيطة، بل شيئًا أكثر خبثًا بكثير. التلف الذي أصاب المحاصيل كان نتيجة فعل متعمد، يستنزف طاقة الحياة من الأرض نفسها. هذه لم تكن مجرد مهمة عادية—لقد تطلبت عينًا ثاقبة وفهمًا عميقًا لتدفقات المانا والتلاعب البيئي. وكما تعلمون، فإن هذه المهام غالبًا ما تستخدم كاختبار تدريبي لمهام أكثر تعقيدًا، حيث أنها عادة ما تكون محكومة بالفشل."
جالت عينا رينا بين القادة المجتمعين، ملاحظة تعابيرهم التي ازدادت انتباهاً. "ولكن، وعلى عكس التوقعات، تمكن المتدرب ناتوسالوني من تحديد مصدر الفساد الذي استعصى حتى على أكثر عملائنا خبرة. كانت قدرته الفريدة على ملاحظة أنماط الطاقة سببًا في كشف حدث مروع وقع في البلدة."
وأثناء قراءة القادة للتقرير الذي عُرض أمامهم، لم يستطع معظمهم إلا أن يهزوا رؤوسهم بالموافقة. ما قالته رينا كان صحيحًا بالفعل.
كانت هذه المهام تُستخدم لإرسال المتدربين الجدد إلى أماكن نائية، حيث تعمل كتدريب يجعلهم يدركون أهمية الوقت والموارد البشرية.
كان معظمهم يفشلون في المهام الفردية، مما يجعلهم يدركون أهمية العمل الجماعي، وبالتالي يتحسنون في العمل مع الفرق.
ولكن حتى مع ذلك، بدت هذه المهمة صعبة للغاية، حيث كان هناك ظاهرة نادرة تُعرف باسم "الرنين المتبقي"، وهي نادرًا ما تُرصد في هذه البلدة.
تحدث أحد القادة بنبرة حذرة، محدقًا في رينا بريبة. "هل أنت متأكدة من صحة هذا التقرير؟" سأل، وهو يضيق عينيه. "مثل هذه القصة تبدو أقرب إلى الخيال منها إلى تقرير مهمة واقعي. أن يتمكن متدرب منفرد من اكتشاف ظاهرة معقدة ونادرة كالرنين المتبقي، هذا أمر يكاد يكون غير مسبوق."
أضافت قائدة أخرى، وهي امرأة ذات مظهر صارم، "بالفعل. الرنين المتبقي هو ظاهرة حتى العملاء المخضرمين يواجهون صعوبة في التعامل معها. أن يتمكن مبتدئ من تحديدها والتعامل معها بنجاح—قد يكون من الطبيعي التشكيك في مصداقية هذا التقرير."
واجهت رينا شكوكهم بثبات، وظل تعبيرها غير متأثر. "أتفهم مخاوفكم، ولكن أؤكد لكم أن التقرير دقيق وتم التحقق منه بشكل شامل. الفريق الذي تم إرساله لمتابعة التحقيق بعد عمل المتدرب ناتوسالوني وجد أدلة لا يمكن إنكارها تدعم استنتاجاته."
نقرت على الواجهة الهولوجرافية، مما أظهر بيانات إضافية تم تسجيلها من قبل فريق المتابعة. "اكتشف الفريق أن العمدة وعددًا من الأفراد الآخرين في بلدة شانج تعرضوا لطاقة الهاوية، وهي قوة مفسدة تتوافق مع وجود الرنين المتبقي. وقد تم تتبع هذه الطاقة إلى حدث مأساوي وقع في الماضي، مما ترك بصمة عاطفية وروحية قوية على البلدة."
رينيا أوضحت أنها لم تذكر أن العمدة وجميع الأشخاص الآخرين الذين تورطوا في هذه المأساة لم يعودوا موجودين في هذا العالم.
"لقد قمت بشيء متهور، لكنني سأغطي عليك هذه المرة."
لم يكن هناك داعٍ لذكر مثل هذه التفاصيل، أليس كذلك؟
واصلت رينيا حديثها بعد أن توقفت قليلًا حتى يتمكن الجميع من استيعاب المعلومات.
"لقد سمحت قدرة أديبت ناتوسالوني الفريدة على الإدراك له بتحديد أنماط الطاقة وتعقبها إلى المصدر—روح فتاة صغيرة كانت عالقة في حالة من العذاب بسبب الصدمة غير المحلولة. كانت طاقة الهاوية تجسيدًا لألمها ومعاناتها، مما أثر على البلدة بأكملها ومحاصيلها."
تحول الهولوغرام ليعرض النتائج التفصيلية لفريق المتابعة. "أكد الفريق وجود الرنين المتبقي، وبعد التحقيق الأولي لأديبت ناتوسالوني، تمكنوا من أداء طقوس تطهير لتحرير روح الفتاة، مما سمح لها أخيرًا بالراحة. تم احتواء الظاهرة، وبدأت الآفة التي أصابت الأرض في الانحسار، بفضل الإجراءات التي تم اتخاذها."
ساد الصمت في الغرفة للحظات بينما استوعب الأنكورز هذه المعلومات. بدأ الشك في أعينهم بالتلاشي تدريجيًا، وحل محله قبول متردد. لقد أدركوا أن الوضع في بلدة شانج لم يكن مجرد مهمة عادية، بل كان أكثر تعقيدًا بكثير.
ورغم أن الخطر الذي كان يمثله لم يكن جسيمًا، إلا أن حلّ المشكلة كان التحدي الحقيقي.
كان ستيلكلايد، الذي ظل يراقب النقاش بصمت، أول من تحدث، بنبرة جادة: "وجود طاقة الهاوية والرنين المتبقي ليس أمرًا يمكن الاستهانة به. إذا كان التقرير دقيقًا، وليس لدي سبب للشك في مصادقة الحارسة رينيا، فإن هذه المهمة كانت استثنائية بحق."
أومأ الأنكور الحذر الذي تحدث في وقت سابق ببطء، وقد بدأ شكه يتلاشى. "إذا كان هذا صحيحًا، فإن أديبت ناتوسالوني تعامل مع موقف كان سيتحدّى حتى أكثر عملائنا خبرة. قدرته على الكشف عن الحقيقة وراء ظاهرة معقدة كهذه تدل على إمكاناته الفريدة."
أومأت رينيا، وصوتها هادئ وسلطوي: "بالضبط. لقد أظهر أديبت ناتوسالوني ليس فقط مهارات تحقيقية استثنائية، بل أيضًا فهمًا عميقًا للقوى التي نواجهها في عالمنا."
تبادل الأنكورز النظرات، وقد تحوّلت شكوكهم السابقة إلى اقتناع تدريجي. أعطى ستيلكلايد إيماءة أخيرة بالموافقة، بنبرة حازمة وهو يخاطب الحاضرين: "سنواصل مراقبة تقدم أديبت ناتوسالوني عن كثب، ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن استثمارنا فيه كان أكثر من مبرر."
أمالت رينيا رأسها في إيماءة تقدير، وكان في ملامحها رضا هادئ. "شكرًا لكم، أيها الأنكورز. سأحرص على أن يواصل أديبت ناتوسالوني تلقي الدعم الذي يحتاجه لتطوير قدراته أكثر."