الفصل الثالث عشر: ثقل القدر وأعباء الوداع

كانت أشعة الشمس المتسللة عبر ستائر النافذة البسيطة تُنير غرفة المعيشة المتواضعة بضوء ذهبي دافئ، تُلامس وجه السيدة ماكينا أوتشيها وهي جالسة على كرسيها المتحرك، محدقة في الفراغ بوجهٍ يحمل آثار سنين من الحكمة والألم. في الزاوية، كان ابنها، شينسي، منشغلاً في المطبخ الصغير المُلاصق للغرفة، تُصدر مقلاهُ أزيزاً خفيفاً وهو يُحضر طبق البيض المخفوق لوجبة الإفطار. رائحة الطعام البسيط ملأت الأجواء، رائحة تُمثل الدفء والأمان في هذا المنزل المتواضع الذي شهد الكثير.

كان شينسي أوتشيها، برغم قوته التي تصل إلى مستوى جونين نخبة، رجلاً بسيطاً في منزله. لم تثر فيه قوته الكبيرة الكبرياء، بل على العكس، كان مصدر فخره الحقيقي هو تراث والده، التشونين الذي سقط في حرب النينجا العظمى الثالثة. كان والده، رغم رتبته المتواضعة نسبياً، بطلاً في عيون ابنه، قد حقق بإرادته الصلبة ما عجز عنه كثيرون من رتب أعلى. هذا الإرث هو ما دفع شينسي لأن يكون نينجا مخلصاً للقرية، ولكنه أيضاً جعله حذراً من سياساتها الخفية.

"شينسي، يا بني، أظن أن هناك من يطرق الباب." انقطع صمت الأم المتأمل بكلماتها الهادئة التي تحمل في طياتها حناناً يخفف من وطأة عجزها.

أومأ شينسي وهو يرفع المقلاة عن النار. "حسناً، أمي."

اتجه نحو الباب الخشبي البسيط، وفتحه ليجد نفسه وجهاً لوجه مع فتى لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره بعد، لكن نضجاً غير معتاد يطفو في عينيه العميقتين والسوداوتين. كان إيتاشي أوتشيها، المعجزة الصغيرة، فخر العشيرة ووريثها الشرعي.

"أوه، من لدينا هنا! إنه إيتاشي!" ارتسمت على وجه شينسي ابتسامة حارة وصادقة، مبتعداً قليلاً ليفسح له مجالاً للدخول. "فخر الأوتشيها بأكمله يكرمني بزيارتي. تفضل بالدخول، لا تقف على العتبة."

لم يكن إيتاشي صديقاً مقرباً لشينسي، فالفارق في العمر والخبرة كان واضحاً. لكن الثقة بينهما كانت متينة. كان شينسي يحترم عقل إيتاشي الاستثنائي وتفانيه، بينما رأى إيتاشي في شينسي نموذجاً للأوتشيها البعيد عن الغرور والاستعلاء، نينجا قوياً بروح متواضعة.

رد إيتاشي على التحية بابتسامته الهادئة واللطيفة التي أخفت وراءها عاصفة من المشاعر المتضاربة. "يسعدني أن أراك بصحة جيدة، شينسي. لقد جئت لأطمئن عليك وعلى الخالة ماكينا، و–"

"هيا أدخل، فقط أدخل!" قاطعه شينسي بطيبته المعهودة. "أنت ضيفنا، دعك من الرسميات. نحن لسنا في اجتماع للعشيرة هنا."

دخل إيتاشي إلى الداخل، وحاول أن لا يبدو وكأنه يفحص المكان بنظره، لكن عينيه التقطتا كل تفصيلة. المنزل كان صغيراً، بسيطاً، لكنه نظيف ومرتب بشدة. أثاثه قليل ومتقشف، لكن الجو العام كان مشبعاً بالدفء العائلي الذي افتقده إيتاشي في منزله الكبير والبارد غالباً. كانت رائحة الطعام تمتزج برائحة الخشب النظيف وزهور صغيرة في مزهرية على طاولة صغيرة.

"كيف حالك اليوم، الخالة ماكينا؟" سأل إيتاشي، وصوته يعلوه قدر إضافي من اللطف والاحترام عندما خاطب الأم.

التفتت ماكينا، البالغة من العمر 52 عاماً – عمراً يعتبر طويلاً ومحظوظاً لنينجا في زمنٍ كان متوسط الأعمار فيه لا يتجاوز الأربعين بسبب الحروب المستمرة والمخاطر – ونظرت إليه بعينين تلمعان بالذكاء رغم السن والألم. "أنا بخير يا بنيَّ، شكراً لسؤالك. الحمد لله على كل حال. ولكن، أرجوك، اعتنِ بشينسي من فضلك."

ضحك شينسي وهو يحمل طبق البيض وكأسين من الشاي. "أمي، لا تبدأي مجددا . إيتاشي أصغر مني سناً!"

" همف السن لا يعني الكثير أمام التهور!" ردت الأم بحنان ممزوج بتوبيخ خفيف. "أنت مثل أبيك تماماً... شجاع إلى حد التهور، تنسى نفسك في حماية الآخرين. أتمنى فقط أن تعود لي سالماً دائماً."

كانت كلماتها كالسكاكين في قلب إيتاشي. ابتسم مبتسماً متكلفاً حاول فيه جاهداً إخفاء العاصفة التي تهدد كيانه. كل ضحكة صادقة، كل نظرة حانة، كل ذرة من الدفء في هذا المنزل كانت تزيد من ثقل الجرم الذي يعلم أنه على وشك ارتكابه.

"لا تقلقي يا خالة، شينسي قوي جداً. هو أقوى مني بمراحل." قال إيتاشي، وصوته يكاد ينهار لو لا إرادته الحديدية. كان عليه أن ينتقل إلى السبب الحقيقي لزيارته قبل أن تنهار قواه. "في الحقيقة، لقد جئت أيضاً لأنني سمعت عن خططك للزواج القريب. أردت أن أعرف الموعد بالتحديد كي أخصص الوقت للحضور، وسمعت أنك ستأخذ إجازة الشهر القادم للتحضيرات."

أومأ شينسي وهو يدعو إيتاشي للجلوس على وسادة بجانب الطاولة المنخفضة. "نعم، هذا صحيح. أنهيت ثلاث مهام من الرتبة B مؤخراً، وأتعافى من بعض الإصابات الطفيفة. بعد ثلاثة أيام، سأنهي مهمة من الرتبة A وأخرى من الرتبة B مع فريقي، ثم سآخذ تلك الإجازة. يجب أن يكون كل شيء على أكمل وجه لزفافي." كان وجهه يشرق بينما يتحدث عن خططه المستقبلية، عن الحياة التي يحلم بها بعيداً عن ساحات القتال، لو لفترة قصيرة.

وفي مكان بعيد، على فرع شجرة عالية تطل على الحي، وقف شخصان يراقبان. كان أحدهما يرتدي قناعاً برتقالياً عليه خطوط سوداء غريبة و بثقب واحد فقط يظهر عيناً واحدة، كان توبي. والآخر كان شريكه الغامض، زيتسو.

"همممم..." همس توبي، محدقاً في المنزل الذي دخل إليه إيتاشي. "إذا تذكرته بشكل صحيح، فهو شينسي أوتشيها. قوته تقدر بمستوى جونين نخبة. إنه عنصر مهم في خطتنا البديلة."

أجاب زيتسو بصوته الناعم والمنقسم، "سنواصل مراقبته. ولكن، هل تعتقد حقاً أنه سيتمكن من إيقاظ 'ذلك' بهذه الطريقة؟ بالقتل؟"

التفت توبي نحوه، وفي عينه الواحدة التي كانت مرئية عبر القناع، برقت شرارة من ذكرى مؤلمة، مشهد حزين ظل ملازماً له كشبح لا يفارقه. "أنت لا تفهم عمق مشاعر البشر بعد، زيتسو. الأوتشيها من نوعه... الأكثر خطورة. اقتل كل ما يحبونه، المس شعرة من أحبائهم، وسوف ترى قوة اليأس والحزن وهي تطلق العنان لقوى لا يمكن تصورها. إنها سيمفونية مأساوية، برق من الألم يغرد لينتج جحيماً يجعل العالم من حوله غير قابل للحياة... فقط بسبب غياب 'هم'."

سكت زيتسو للحظة، مفكراً. "إذن... أنت لا تزال تتذكرها." همس في نفسه أكثر منه لتوبي، "همس البشر... كائنات يسهل خداعها بالذكريات والعواطف، أليس كذلك؟ حقاً مخلوقات مأساوية."

وفي طرف آخر من القرية، وفي منزل أكثر فخامة من منزل شينسي، كان شيسوي أوتشيها يزور توأمي أوتشيها الشهيرين: ناغاما وتوكو. كانا شقيقين متطابقين، قويين، ومحترمين داخل القرية و العشيرة . تعاونهما في القتال كان أسطورياً، لدرجة أنهما كانا قادرين على مواجهة جونين نخبة وهزيمتهما. كانا دعامتين أساسيتين في خطط الانقلاب، وموقعهما المرموق في العشيرة والقرية جعلهما أهدافاً حيوية يجب تحييدها.

كانا يُلقبان بـ "توأم الشيطان"، ليس فقط لقوتهما، ولكن لشراستهما في المعارك. لكن شيسوي، الذي يعرفهما منذ طفولتهما، يعلم أن وراء هذا القناع هناك قصة حزينة. لقد أصبحا يتيمين بسبب الحرب، وكبرا معتمدين فقط على بعضهما البعض، يحميان ظهور بعضهما البعض في عالم قاس. هذه الرابطة القوية هي التي جعلت المهمة أكثر صعوبة على شيسوي نفسياً.

كان يتحدث معهما ببرودة ظاهرية، لكن داخله كان يتمزق. هذا النفاق يؤلمه، لكنه كان يعتبر إيتاشي أخاه الأصغر، وكان مصمماً على أن لا يتحمل هذا الفتى عبء هذه المهمة الشنيعة وحده. سيسير معه في جحيمهم الخاص ليكونا درعاً للقرية من وراء الكواليس.

بعد أن جمع المعلومات الكافية عن جداول التوأم ونقاط قوتهما وضعفهما، غادر شيسوي منزلهما واتجه نحو المخبأ السري الجديد للمجموعة. كان مكاناً منعزلاً، مجرد كهف مُعدّ على عجل في غابة خارج القرية، قبيحاً ولكنه يفي بالغاية في الوقت الحالي.

دخل شيسوي ليجد كوروتو في وسط الكهف، منغمساً في تمارينه الجسدية. كان الفتى يتدرب بتركيز مطلق، جسده يتصبب عرقاً وهو يؤدي تمارين ضغط بوتيرة مذهلة.

"... 788 ... 789 ... 790 ... لقد وصلتم أخيراً?" قال كوروتو دون أن يتوقف عن حركته، كأنه يحسب دقات قلبه أكثر من كلمات ترحيبه.

"ماذا جمعتم من معلومات؟" سأل وهو يستمر في التمرين.

سلمه إيتاشي وشيسوي التقارير المفصلة التي جمعوها: جداول الضحايا، عاداتهم، نقاط قوتهم، أفراد عائلاتهم، كل تفصيلة قد تكون مفيدة – أو مؤلمة – للمهمة المقبلة.

استغرق كوروتو خمس دقائق من الصمت التام وهو يقلب الصفحات بعينيه الثاقبتين، يمتص كل معلومة كأنه آلة. ثم رفع رأسه، نظراته باردة وحاسمة.

"جيد. إليكم الخطة: أنا وشيسوي سنتولى عملية التصفية. إيتاشي، مهمتك هي تغطية وجود شيسوي داخل العشيرة خلال توقيت الهجوم. عليك أن توفر له غطاءً كاملاً لا يدع مجالاً لأي شك."

ساد صمت ثقيل في الكهف، لا يُكسر إلا بأنفاس كوروتو المنتظمة وهو يستأنف تمارينه. ثم، كسر إيتاشي الصمت، صوته يحمل هزة خفيفة، حاملاً كل ثقل الأسئلة الوجودية التي تملأ رأسه ذي الاثني عشر ربيعاً فقط.

"كوروتو... أليس هذا نفاقاً؟ كل واحد من هؤلاء... لديه عائلة. لديه أحلام. لديه أشخاص يحبهم وأشياء يستحق أن يعيش من أجلها... لماذا... لماذا يجب أن يكون العالم بهذه القسوة؟ لماذا يجب أن نكون نحن من يفعل هذا؟"

كان سؤالاً يعكس براءة مازالت حية في قلب إيتاشي، براءة لم تُمحَ كلياً بعد بسبب وجود كوروتو بجواره. كوروتو، هذا الوجود الغامض الذي كان بالنسبة لإيتاشي كالحكيم في جسد صغير، الذي أجاب على أسئلته الوجودية وقاده إلى طريق البقاء للقرية، حتى لو كان طريقاً مظلماً. في هذا الجدول الزمني، لم يمر إيتاشي بعد بكل الخيانات التي قست قلبه (مكائد دانزو، ضغوط توبي، مراقبة الأكاتسكي)، لذا كانت شكوكه وآلامه أكثر بروزاً وطفولة.

توقف كوروتو عن تمارينه أخيراً. جلس مستقيماً، نظراته لا تزال ثابتة وكأنها تنظر إلى شيء أبعد من هذا الكهف، أبعد من هذه اللحظة.

"هذا الكلام يذكرني بقصة... قصة خيالية سمعتها مرة." بدأ كوروتو، صوته هادئاً لكنه حاملٌ لثقل لا يُحتمل. "كان هناك شاب خالد، لكن قدره كان أن يكون 'كبش فداء' لأن آلامه كانت تتحول سعادة للأخرين. كلما زادت معاناته، كلما زاد النعيم والسلام الذي يعيشه أفراد ذلك البلد. كل ألم يشعر به، كل دمعة يذرفها، تتحول إلى حصاد من السعادة للآخرين."

أدار نظرته إلى إيتاشي مباشرة. "لكن... هل هناك من يستطيع إلقاء اللوم على أهل تلك البلدة؟ هل يفعلون شيئاً سيئاً؟ إذا تحمل ذلك الشاب العذاب، فإنه بذلك يحمي معظم الأطفال من معاناة وحياة بائسة. إنها جنة... لكنها مُفْرَشَةٌ بطريق من الجحيم. وهذا بالضبط ما نفعله الآن. نحن الشياطين، أوحش الكائنات في هذه المسرحية، الذين سيذبحون الأقلية... من أجل أن تعيش الأغلبية. من أجل أن تزدهر القرية. من أجل أن يعيش 'ساسكي'... وغيره من الأطفال، في عالم أكثر أماناً، حتى ولو كان سلاماً قائماً على جبل من أكاذيبنا وجرائمنا."

ساد الصمت مرة أخرى، لكن هذه المرة كان صمتاً مختلفاً، ثقيلاً بالموافقة الأخلاقية الممزقة والقسوة الضرورية. كانت الاستعدادات النهائية قد اكتملت، ليس فقط للهجوم، ولكن لتغيير مسار أرواحهم إلى الأبد. كانوا على حافة الهاوية، مستعدين ليقفزوا للجحيم مباشرة .

---------

المؤلف : السلام عليكم أيها القراء سأبدأ اني أنزل فصول لا تقل عن 1000 من الأن فصاعدا.

أشكر بشكل شخصي أول شخص أو أسميه ثاني شخص؟

SIR.ZIZO على دعمه لي بتعليقاته وبكونها اول مرة شخص يدعم روايتي بهذا الشكل هنزل فصلين اليوم بالليل🫡

وطال يومكم بالبهجة والسرور إنشاء الله.

2025/09/09 · 68 مشاهدة · 1619 كلمة
راكاشا
نادي الروايات - 2025