الفصل الرابع عشر: أول خطيئة للمنظمة "D"
كان الليل وشاحًا أسودًا كثيفًا يُلقي بظلاله الثقيلة على حي الأوتشيها، يحجب القمر ويخنق النجوم. لم يكن ليلًا عاديًا، بل كان ليلًا ستُكتب فيه فصول الدم، وتُعقد فيه مواثيق الشيطان، وتُزرع فيه بذور الكراهية التي ستنمو لتصبح غابة تحرق كل شيء. كان صمت الليل ثقيلاً، مريباً، ينقطع فقط بصرخة بعيدة لطائر ليلي أو همسة ريح عابرة تحمل في ثناياها نذيراً بأن المصير يُحاك في الخفاء. في هذا الظلام، تحرك ظلان لا يكاد يراهما بصر. لم يكونا جزءًا من الليل، بل كانا الليل ذاته.
أحدهما كان كوروتو هيوغا. كان يتحرك ببرودة جليدية، كل خطوة محسوبة بدقة عالم رياضيات، كل نفس منضبط كأنه آلة. عقله، على عكس جسده الهادئ، كان يعمل بلا توقف، يحسب كل احتمال، كل مفترق طرق، كل ظل يمكن أن يختبئ فيه عدو. لقد كان سيد اللعبة قبل أن تبدأ، ولكن حتى السيد يمكن أن يفاجأ بتحركات لم يتوقعها على رقعة الشطرنج. لم يكن في مهمة اغتيال، بل في عملية جراحية لاستئصال ورم خبيث. لم يكن يشعر بشيء، لا تردد، لا شفقة، لا غضب. كان مجرد أداة لتنفيذ إرادة مطلقة، إرادته هو. كان المبضع في يد القدر.
والآخر كان شيسوي أوتشيها. كان يتحرك برشاقة النمر، وسرعة البرق، لكن قلبه كان يرزح تحت ثقل جبل. كان كل نبضة قلب تذكرّه بأنه على وشك خيانة كل ما كبر عليه، كل رابط من روابط الدم والولاء التي شكلت هويته. "هل هذا هو الطريق الوحيد؟" تساءل في صمت، لكنه دفع السؤال إلى أعماقه، مقيداً إياه بإيمان أعمى بفكرة "قرية تستحق التضحية". كل خطوة كانت تطأ على ذكرى، كل زقاق يمر به كان مسرحًا لطفولته. كان يرى وجوه أصدقائه، يسمع ضحكات جيرانه، يشم رائحة الطعام المنبعثة من منازل أناس يعرفهم بالاسم. لم يكن مبضعًا، بل كان مطرقة على وشك تهشيم مرآة، مرآة تعكس وجهه ووجوه عشيرته.
كان هدفهما الأول هو منزل شينسي أوتشيها.
تسللا عبر الأسوار كأشباح، هبطا في حديقة المنزل الخلفية دون أن يُحدثا حفيفًا واحدًا لورقة شجر. وقف كوروتو ساكنًا، مغمض العينين خلف عصبته البيضاء. كانت العصابة أكثر من مجرد غطاء؛ كانت رمزاً لرفضه لعالم النور العادي، وإعلاناً عن تفوق إحساسه الداخلي الذي يتخطى حدود البصر العادي. لم يكن بحاجة للبصر، فالهاكي الخاص به كان يرسم له خريطة ثلاثية الأبعاد للمكان. كان "يشعر" بكل شيء. شعر بالدفء الخافت المنبعث من المنزل، شعر بصور معلقة على الجدران تحمل ضحكات ولحظات سعيدة، شعر بهالة امرأة عجوز نائمة بسلام في غرفتها، والدة شينسي. وشعر بفراغ في غرفة شينسي نفسها.
"إنه ليس هنا"، همس كوروتو، وصوته لم يكن أعلى من حفيف الريح. نبرته كانت محايدة، لكن شيسوي، الذي يعرفه جيداً، استطاع أن يلتقط ذرة من الدهشة المحسوبة التي خالفت برودة كوروتو المعتادة.
لكن شيئًا ما كان خاطئًا. شعر كوروتو بحاجز غير مرئي، شبكة من التشاكرا تحيط بالمنزل. أختام حماية وعزل. كانت متقنة، لكنها لم تكن كافية لحجب الهاكي تمامًا، بل كانت كوضع قطعة قماش رقيقة على مصباح قوي، تُخفت الضوء ولكنها لا تطفئه. هذا العزل أجبر كوروتو على تركيز الهاكي الخاص به إلى أقصى حد ممكن ليخترق الضباب الطاقي.
وهنا، شعر به.
لم تكن هالة بشرية، ولم تكن حيوانية. كانت أصداء هالة غريبة متبقية، نباتية، طفيلية، تختبئ في زاوية من الحديقة، كدخان شمعة انطفأت للتو. لكنها كانت هناك. هالة لم يكن ليتعرف عليها سوى شخص واحد يملك ذكريات من المستقبل.
زيتسو.
مشهد من الماضي البعيد انطلق في عقل كوروتو: وجه توبي المخادع، ووعوده الملغومة، وخيوط الدماء التي امتدت من حرب العالم الثالث إلى هذه الليلة. كان زيتسو هو العين التي ترى، والأذن التي تسمع، واليد التي تسرق في صمت. تجمد كوروتو للحظة، وعقله يعمل بسرعة تفوق سرعة شيسوي الجسدية. زيتسو هنا. وزيتسو يتبع أوامر توبي. هذا يعني أن توبي متورط. هل استدرجه هذا الأحمق إلى فخ ليقوم بتصفيته؟ لا... ليس الآن، ليس بهذا الغباء. إذن، ما هي اللعبة؟ إذا كان زيتسو هنا، فهذا يعني أن غياب شينسي ليس صدفة. لقد تم استدراجه إلى مكان آخر. توبي... إنه يتلاعب بالجميع، يحرك القطع على رقعة الشطرنج الخاصة به.
"تبًا!" كانت الكلمة نادرة تخرج من فم كوروتو، مما يدل على مستوى الخطر الذي شعر به. لقد كان يحسب كل شيء، إلا تدخل هذا اللاعب الخارجي في هذه اللحظة الحاسمة.
"الخطة تغيرت"، قال لشيسوي بلهجة حاسمة لا تقبل النقاش. "شينسي ليس هنا الليلة. هناك لاعب آخر على الرقعة. إذهب و احسم امر التوأم." لم يقدم تفسيراً. لم تكن هناك حاجة للتفسير. السلطة في صوته كانت كافية لإخماد أي سؤال قد يخطر ببال شيسوي.
دون كلمة أخرى، انطلق كوروتو بسرعة مذهلة. لم تكن سرعة شيسوي الأسطورية، لكنها كانت سرعة كافية لمجاراة أي كاجي محترف. كان جسده يندفع بين الظلال كأنه سهم أسود. اتبع كوروتو الأثر الطفيلي الخافت، مثل صياد يتبع أثر دم على الأرض، مصمماً على اكتشاف من كان يصطاد في أرضه.
شعر كوروتو بخيط رفيع من الدم يسيل من أنفه، نتيجة للإجهاد العقلي والضغط الهائل لتفعيل الهاكي إلى هذا المستوى. الهاكي الخاص به كان ممتدًا لأبعد مدى، يقتفي ذلك الأثر الطفيلي الخفيف الذي شعر به، الأثر الذي كان يقوده نحو الشمال الجنوبي للعشيرة ويمتد حتى خارجها وخارج القرية.
في هذه الأثناء، كان لدى شيسوي مهمة أخرى. هدفهم الثاني: "توأم الشيطان"، ناغاما وتوكو.
وجد شيسوي هدفه في أحد الأزقة الضيقة خلف منطقة التدريب. كانا يتحدثان بصوت خفيض، يخططان لخطوتهما التالية في الانقلاب. "الزعيم فوجوكو سيفهم في النهاية أننا كنا على حق"، همس ناغاما بتعصب. "دماؤنا هي التي ستغذي شجرة جديدة للأوتشيها!" لم يشعرا بوجوده حتى أصبح الأوان قد فات.
ظهر شيسوي أمامهما كأنه تجسد من العدم. لم يكن هناك وقت للكلام، لم يكن هناك وقت للصدمة. عيناه الشارينغان ذات الثلاث فواصل كانت تدور ببرود. نظرتا إلى التوأم ليس كبشر، بل كنقطتين على خريطة يجب محوها.
"شيسـ..."
لم يكمل ناغاما اسمه. في اللحظة التي فتح فيها فمه، كان شيسوي قد تحرك. انخفض جسده، وتفادى كوناي ألقاها توكو، وفي نفس الحركة، أطلق كرة نار صغيرة لكنها مركزة للغاية. لم تكن تستهدف الجسد، بل كانت تستهدف الأرض تحت أقدامهما، محدثة انفجارًا من الغبار والدخان حجب الرؤية للحظة.
كانت تلك اللحظة هي كل ما يحتاجه.
باستخدام الشونشين، ظهر خلف توكو. سيفه القصير، التانتو، لمع في الظلام للحظة قبل أن يمر عبر رقبة توكو بسلاسة قاتلة. لم يكن هناك صراع، فقط كفاءة قاتلة. لقد كان القتل بالنسبة لشيسوي لغة يتقنها بطلاقة مطلقة. لم يصدر توكو أي صوت، فقط سقط على الأرض كدمية قُطعت خيوطها.
شعر ناغما بموت أخيه، استدار والغضب والهلع يملآن عينيه. فعل شارينغان الخاص به، مستعدًا لإطلاق أقوى تقنياته. لكنه كان يواجه "شيسوي الشونشين". لقد كان مثل طفل يحاول ضرب إعصار؛ كانت سرعة شيسوي خارج نطاق إدراكه تماماً.
ظهرت عشرات الصور لشيسوي تحيط به من كل جانب، كل واحدة منها تتحرك بشكل مستقل. كان كابوسًا من السرعة والارتباك. لم يعرف ناغاما أيها الحقيقي وأيها مجرد خيال. وفي خضم هذه الفوضى، اخترق نصل شيسوي قلبه من الخلف.
"لماذا... شيسوي؟" همس ناغاما، والدم يتدفق من فمه. كان السؤال يحمل حيرة طفل تعرض للخيانة، ليس فقط من قاتله، ولكن من فكرة القرية التي آمن بها.
لم يجبه شيسوي. سحب سيفه، وترك الجسد الثاني يسقط بجوار أخيه. استغرقت المعركة بأكملها أقل من خمس ثوانٍ. كانت فعالة، ووحشية، وصامتة. صمتٌ كان صاخباً في أذني شيسوي، مليئاً بأنين الموتى وصرخات الخيانة.
وقف شيسوي فوق الجثتين، يتنفس بصعوبة. نظر إلى يديه الملطختين بدماء أبناء عشيرته. شعر بالدماء دافئة ولزجة على جلده، رائحة معدنية ثقيلة تملأ أنفه. لقد كان هذا هو الثمن الحقيقي للحماية: أن تصبح وحشاً لتقتل الوحوش الأخرى. لأول مرة في حياته، شعر بالظلام الحقيقي لحماية القرية. هل هذا هو الطريق الصحيح؟ هل يستحق السلام كل هذا الثمن؟ اهتزت روحه تحت وطأة هذا السؤال.
على بعد شوارع قليلة، كان يسير ساسكي. كان يتم توجيهه من قبل إيتاشي بالوهم.
ساسكي، أخوه الصغير، خرج من منزلهِ بحثًا عن قطتهِ الضالة. كانت عيناهُ البريئتانُ تلمعانِ في الظلام. "ليلي يجب أن تكون خائفة في هذا الظلام"، فكر وهو يمسك بقطعة حلوى كان قد خبأها لها. رأى إيتاشي علامة على أن شيسوي أنهى مهمته. فوجه إيتاشي ساسكي بوهم الصوت حيث اختلق صوت القطة. من وجهة نظر ساسكي الصغير"مياااااو!" سمع ساسكي الصغير المواء "هذا مواء ليلي . ليلي أنا قادم إنتظريني ". ذهب مسرعات و متحمسا لكي يجلب قطته.جرى بإتجاه الصوت وقد وصل إلى مكان التدريب. وقفتْقدما ساسكي الصغيرتانِ في مكانهما. اتسعتْ عيناهُ من الرعبِ والدهشة. لم يستطع عقله الصغير معالجة ما رآه. كانت المشاهد تتزاحم: الظلام، الرجل الطويل، وأشكالاً مظلمة على الأرض تشبه الناس لكنها لا تتحرك.
"هممم أوتشيها صغير؟" أمسكه شيسوي من رقبته ، لم يكن لدى ساسكي حتى فرصة لإستيعاب ما حصل. اللمسة كانت باردة وقاسية، مثل قفاز من حديد، تختلف تماماً عن يدي أخيه إيتاشي الدافئتين.
"لاكن يبدو أنك لست ناضجا بعد لقطف تلك العينين منك يالك من جرو بائس وضعيف! أنا اشفق عليك ولن أقتلك لأنك أضعف من أن يقتلك سيد مثلي!" رماه ذالك المقنع على تلك الجثث.سقط ساسكي على شيء ناعم ورطب. نظر إلى يديه الصغيرتين فرأها حمراء بلون غريب ومخيف.
ساسكي الصغير بدأ مرعوبا ، كانت هذه أول مرة يتم معاملته بهذه الطريقة. رأى ذالك الشكل يختفي. لقد كان خائفا جدا كائن من الموت، وبعدها بدأ يدرك محيطه كان يجلد على شي غير الأرض وقف ساسكي ورأى ما كان ذلك الشيء ولصدمته كانت جثتين لفردين من الأوتشيها وهم لا يملكان عينين. التفاصيل انطبعت في ذاكرته إلى الأبد: الفراغ الأسود في مكان العيون، الوجوه الشاحبة، والرائحة... الرائحة التي لن ينساها أبداً.
"آآآآآآاااااااااااه " لم تكن الصرخة عالية فحسب، بل كانت مليئة بانكسار براءة طفل رأى العالم على حقيقته للمرة الأولى: مكاناً قاسياً ومظلماً.
كانت هذه اللحظةُ هي البذرةُ التي زرعوها في روحه. بذرةُ الكراهيةِ والرعبِ والقوةِ التي ستُنبتُ شجرةً مظلمةً في المستقبل.
أسرع إيتاشي لمكان اللقاء المتفق عليه لم تكن لديه الكثير من التشاكرا كان يملك 20% فقط لأنه صنع نسخة مثالية منه هو شيسوي خارجين مع أحد أصدقائهم لكي يتناولو شيئا ، لقد كانت تغطية كاملة كافية لانهم سيكونو وسط القرية . كانت النسخة تبتسم وتتحدث، لكن عينيها كانتا تفتقران للعمق الحقيقي. كانت صورة مثالية لأخ لم يعد موجوداً في الداخل.
كان قلبهُ ينفطرُ وهو يرى دموعَ الصدمةِ تتساقطُ على خدَّي أخيه. كل دمعة كانت تسقط مثل حمم على روحه، تحرق الصبي الذي كانه، وتشكل الرجل الذي يجب أن يكونه: شريراً في عين من يحب، من أجل خلاصه. لقد مات "إيتاشي الأخُ الحنون" في تلك اللحظة، ووُلدَ بداخله "إيتاشي الخائن" في نظرِ نفسهِ.
عاد الشبحانِ إلى نقطةِ الالتقاء . لكنهما لم يجد كوروتو . كان على ملابسِ شيسوي بقعٌ من الدماء. بينما كان إيتاشي نظيفًا . كان الفرق بينهما صارخاً: واحد تحول إلى قاتل بيديه، والآخر إلى قاتل بإرادته وخططه.
كان مكتوب جانب جثت التوأم بدمائهم: "منظمة D وجدت أن الشارينغان مثير للاهتمام،فاستعارت القليل." قرأ شيسوي الرسالة بصوت عالٍ، ونبرته تحمل خليطاً من الحزن ولكن الإصرار في عينه يدل على أن سيدفع أكثر من أجل السلام إذا لزم الأمر ذلك.
"إذن هذه خطيئتنا... " قال إيتاشي
اجابه شيسوي " لا إنها خطيئة D "