الفصل الثامن عشر: قرار إيتاشي
كان الليلُ قد نثرَ نجومَه على بساط كونوها الداكن، والهدوءُ يُخيِّم على أحياء الأوتشيها النائمة، وكأنما القرية تتنفس الصعداء مؤقتًا من همومها. في منزلٍ متواضع عند أطراف المجمع، كان شينسي منهمكًا في رعاية والدته المريضة، وهي امرأة أنهكها المرض والحزن على فقدان زوجها ثمّ فقدان ماكي، العروس التي كانت تنتظر أن تراها زوجةً لابنها. كان يمسح بقطعة قماش مبللة على جبينها الحار، ويده ترتجف قليلاً كلما تذكر أن اليد التي كانت ستمسك بيد ماكي في حفل زفافهما لن تفعل ذلك أبدًا.
لم يفاجأ عندما سمع طرقًا خفيفًا على الباب. خلال الأيام الماضية، تناوب العديد من أفراد العشيرة على زيارته، إما لعزائه أو لاستجوابه بطريقة غير مباشرة عن تفاصيل تلك الليلة المشؤومة. فتح الباب ليجد إيتاشي وشيسوي واقفين على عتبته. نظرة إيتاشي كانت هادئة كالمعتاد، لكن شيسوي بدا قلقًا بعض الشيء، وكأنه يحمل ثقلاً لا يستطيع إخفاءه تمامًا.
"إيتاشي، شيسوي"، رحب بهما شينسي بصوتٍ أجش، "تفضلوا."
دخلا إلى الداخل المتواضع. كانت رائحة الأدوية والعفن الخفيف تملأ المكان. سلمّا على الوالدة المريضة التي ردت التحية بصوت ضعيف قبل أن تستسلم مرة أخرى لنوم مضطرب. جلسوا جميعًا في صمتٍ محرج لبعض الوقت، تحدثوا عن أحوال العشيرة، عن الوضع المتوتر، عن ضرورة التوحد في وجه العدو الغامض "D". كانت محادثة عادية، مليئة بالكليشيهات التي يرددها الجميع هذه الأيام.
لكن شينسي كان يشعر بأن هناك شيئًا ما غير طبيعي. كانت نظرات إيساشي تتجه أحيانًا نحو النافذة وكأنه يترقب شيئًا، وكان شيسوي يلمس يدقه بين الحين والآخر، إشارة العصبية المعتادة لديه. بعد ما يقارب نصف ساعة، وقف إيتاشي للرحيل، وتبعه شيسوي. مشى شينسي معهما نحو الباب ليودعهما، ظنًا منه أن الزيارة انتهت.
وهناك، على عتبة الباب، تحت ضوء القمر الباهت، التفت إيتاشي فجأة. لم تكن نظراته هادئة بعد الآن، بل كانت حادة وثاقبة. همس بكلماتٍ كانت كالصاعقة على مسامع شينسي: "منظمة 'D' تدعوك."
تجمد شينسي في مكانه. الدماء似乎 توقفَت في عروقه. لم يستطع أن يحرك ساكنًا. قبل أن يتمكن من أي رد فعل، شعر بلمسة خفيفة على كتفه من شيسوي. في اللحظة التالية، لم يعد يقف أمام الباب، بل كان محاصرًا بظلال متحركة انبثقت من الأشجار القريبة. لقد كانت نسخًا ظلية من إيتاشي وشيسوي، تم استدعاؤها مسبقًا، تقوم بمهمتها في التمويه والاحتيال على حراس العشيرة الذين كانوا يراقبون منزل الناجي الوحيد من مذبحة الغابة. بينما كان النسخ يتظاهران بالوداع ويدخلان مرة أخرى إلى المنزل ليستمرا في خداع الحراس، انطلق الإيتاشي وشيسوي الحقيقيان، مع شينسي الذي كان ما يزال في حالة صدمة، عبر ظلال الأزقة، باستخدام تقنيات التخفي والحركة السريعة التي تثير الإعجاب، مبتعدين عن أعين الحراس الذين كانوا يراقبون الظلَّين الوهميَّين.
كانت الرحلة صامتة ومتوترة. شينسي، برغم ارتباكه، لم يقاوم. كان فضوله، ورغبته الجامحة في معرفة المزيد عن المنظمة التي وعدته باستحالة، أقوى من خوفه. تسلّقوا الجبال المحيطة بكونوها بسرعة خارقة، حتى وصلوا إلى قمة عالية ومهجورة، حيث لا شيء سوى صفير الريح وعواء الذئاب البعيدة.
وهناك، عند حافة الجبل، تحت النجوم المتلألئة، رأوا كوروتو واقفًا، ظهره لهم، يتأمل الظلام. وإلى كتفه ، كان هناك كائن طائر غريب، زرق اللون، يشبه الببغاء لاكنه اكبر لكنه ليس كأي طائر عادي ، مع . كان بيكو لكنه تطور اكثر .
"لماذا يتحارب البشر؟" سأل بيكو بصوته الخشن وغير المألوف، كصوت أحجار تطحن بعضها. "هل يحبون الحرب والقتل؟ هل يتلذذون بالألم؟"
التفت كوروتو قليلاً، وكأنه كان يعلم بوجودهم لكنه لم يكترث. أجاب بصوت هادئ وحزين: "حسنًا... البشر لا يحبون القتل بحد ذاته. لكنهم يتحاربون لأنه لا يوجد من يوحدهم. لا يوجد قوة أو فكرة عادلة تجعلهم ينسون خطايا الماضي وأحقاد الحاضر ويتصالحون مع بعضهم البعض. في الماضي السحيق، كان هناك من حاول أن يوحدهم، ولم تكن في تلك الفترة حروب تُذكر، هل تتذكر التماثيل للشخصين العظيمين الذين سألت عنهما ذات مرة؟"
"نعم. أتذكر." أجاب بيكو باهتمام.
"هذان الشخصان، كانا أعز أصدقاء، وكلاهما كان يريد السلام، لكنهما تحاربا في النهاية."
"لماذا يتحاربان وهما يحبان السلام؟ هذه سذاجة." قال بيكو باستغراب.
"لأن لكل منهما نظرة مختلفة للسلام. الأولى تهدف إلى إعطاء الجميع قوة متساوية، وجعلهم يعيشون في عالمٍ يخلو من الكراهية عن طريق فهم بعضهم البعض دون حاجة للحكام. والثانية تهدف إلى السيطرة على العالم من الأعلى، وحكمه بقوة مطلقة لخلق نظام صارم يمنع الحرب من الأساس. من برأيك منهما كانت فكرته صحيحة؟"
"الأولى. إنها تبدو أكثر بساطة ومسالمة." أجاب بيكو بعد تفكير.
"وهي الفكرة التي تم تطبيقها لفترة. لكن هل تعلم ما الذي حصل بعد أن غاب صاحب هذه الفكرة؟"
"ماذا حصل؟"
"ثلاث حروب عظيمة هزت العالم، ومات فيها الملايين." قال كوروتو بنبرة مليئة بالمرارة.
"لكن لماذا حصل هذا؟ إذا كانت الفكرة جيدة؟"
"لأن البشر، يا بيكو، أقبح مما تتخيل، وأجمل مما تتصور في نفس الوقت."
"كيف ذلك؟ ولم تجبني على سؤالي بعد."
"جمالهم يتجلى في لطافتهم، في تعاطفهم، في قدرتهم على الحب والتضحية عندما يرضون بحالهم وبما لديهم. وقبحهم يظهر في طمعهم، في حسدهم لما يملكه غيرهم، في خوفهم الذي يتحول إلى عنف. هذه الطبيعة المزدوجة هي ما يجعل السيطرة عليهم كقطيع مهمة مستحيلة."
"إذن، هل تقصد أنه بعد رحيل الشخصين الذين كانا في قمة العالم، طمع باقي البشر فيما يملكه غيرهم، فحصلت الحروب؟"
"بالضبط. وهذه الرذيلة، تسمى 'الحسد'، وهي واحدة من أقدم وأقوى الخطايا في تاريخ البشرية."
"الحسد... كوروتو، أنتم كائنات غريبة ومعقدة بحق."
"هاهاهاهاها... اعلم ذلك جيدًا، يا صديقي."
"أنا أريد أن آكل الآن." قال بيكو فجأة، وكأن المحادثة العميقة قد استنزفت طاقته.
"ماذا؟ ألم تأكل قبل قليل؟"
"حسنًا، بعد تطوري وصار بإمكاني الكلام والتفكير بشكل أوضح، أصبحت أفقد الطاقة أسرع. الكلام يستهلكني."
"حسنًا، حسنًا، ارفع الراية البيضاء. هاك، خذ هذا." قال كوروتو وهو يرمي له كيسًا من الحلوى التي يحبها.
"أنت الأفضل، كوروتو." قال بيكو وهو يلتقط الكيس بفرح طفولي، ثم قفز من كتف كوروتو ليهبط إلى الأرض ويستمتع بوجبته.
طوال هذه المحادثة، كان الثلاثة الأوتشيها واقفين في الظل، يسمعون كل كلمة. كانت الكلمات تتساقط على أرواحهم المتوترة كقطرات المطر على النار، فتثير دخانًا من التأملات والأسئلة القديمة. شعروا وكأن الخطاب لم يكن موجهاً لبيكو فقط، بل كان يسائل ضمائرهم هم أيضًا.
بعد صمت طويل ومحمل بثقل ما سمعوه، كسر شينسي الصمت، صوته يرتجف قليلاً: "إذا... هل أنت عضو آخر في المنظمة؟ متى سيصل الأعضاء الرئيسيون الآخرون؟ أظن أني رأيت ثلاثة حتى الآن."
التفت كوروتو نحوهم تمامًا هذه المرة، وابتسم ابتسامة غامضة. "لا داعي للانتظار. نحن مكتملون هنا فعليًا."
"لكن كيف؟" استفسر شينسي بحيرة. "أتذكر أن عنصر الهاكي، القائد، لديه هالة قمعية خاصة، وله يدان، ويمكنه شفاء الآخرين أيضًا. أين هو؟"
"إنه أنا." قال كوروتو ببساطة.
ساد صمت ثقيل. نظرات الشك والعدم التصديق من الثلاثة كانت واضحة، خاصة من شينسي.
"لكن... كيف؟ أين يدك؟ وعينك؟ وكيف فقدتهمما في هذه الفترة القصيرة؟ وأنت... تبدو مختلفًا!"
ضحك كوروتو ضحكة مكتومة. "شينسي، يا شينسي... الاسم الذي سمعته، 'كوروتو'، هو اسمي الحقيقي. أنا كوروتو هيوغا."
صدمة أخرى. عيون شينسي اتسعت. "أنت... أنت هو ذلك الهيوغا الخائن؟ الذي هرب من القرية بعد أن تم قطع يديه وثقب عينيه كعقاب؟"
"أه، الشائعات تنتشر كالنار في الهشيم. نعم، أنا هو. لكن دعوني أوضح بعض الأمور. اليدان اللتان رأيتهما كانتا مجرد تقنية متطورة لإنشاء نسخ ظلية مؤقتة، لكنها لا تبقى لأكثر من خمس دقائق وهي غير مريحة وصعبة التحكم بها. أما هالتي القمعية... يمكنك القول إنني في حالة ضعف حاليًا، أو أنني كنت أتحكم بمستوى إطلاقها ذلك اليوم."
كانت الحقائق تتكشف بسرعة كبيرة لدرجة أن شينسي لم يعد يعرف ماذا يقول.
أكمل بيكو، الذي كان قد عاد إلى كتف كوروتو و تكلم نيابة عنه : "نعم نعم! شرح سريع: أنت، شينسي، ستكون ممثلاً لعنصر 'الين' في المنظمة، مثل شيسوي هنا لانكما أيقظتماها . أما كوروتو ، فيمثل عنصر 'الهاكي' وإيتاشي... هو في طريقه ليرتقي ليمثل عنصر 'النار' أو 'ين' قريبًا."
أخذ كوروتو زمام الحديث مرة أخرى، ونبرته أصبحت جدية وحاسمة. "إذاً، بما أن الجميع حاضر، الإجتماع الأول للمنظمة يبدأ الآن."
نظر إلى كل واحد منهم نظرة ثاقبة. "الخطة القادمة بسيطة ومباشرة، لكنها خطيرة. أنا وشينسي سنتوجه لاقتلال الخمسة شيوخ الذين يرأسون مجلس الإنقلاب داخل العشيرة. هم عقول المؤامرة وأصحاب القرار. شيسو وإيتاشي... ستتوجهان للتعامل مع فوغاكو أوتشيها، زعيم العشيرة الحالي و... والد إيتاشي يجب إقتلاع عينيه ."
صمت مطبق. ثم كسر شيسوي الصمت، صوته يحمل ذرة من القلق وهو ينظر إلى إيتاشي الجالس صامتًا كتمثال: "كوروتو... لكن فوغاكو هو أب إيتاشي. هذا..."
قال إيتاشي بصوت هادئ لكنه يحمل ألماً هائلاً في أعماقه: "كوروتو... أليس هناك طريقة أخرى؟ أي طريقة أخرى؟ لا يمكنني... لا أستطيع..."
"أعلم أنني أطلب منك شيئًا يفوق التحمل." قال كوروتو، ونبرته لم تخلُ من تعاطف نادر. "ولكن ما لا تعرفونه هو أن فوغاكو ليس مجرد زعيم عشيرة. هو أيضًا موقظ لعين المانجيكيو شارينغان، مثلي ومثل شينسي. قوته هائلة وخطيرة. والأهم من ذلك... لا يجب قتله. ليس الآن. هذا الأمر بالغ الأهمية للمستقبل البعيد، وخاصة لمستقبل أخيك الصغير، ساسكي."
كانت كلمات كوروتو كالمطرقة تضرب على سندان روح إيتاشي. رأى أمام عينيه طفلًا صغيرًا ذا عينين براقتين يلاحقه و يقول نيسان! (نيسان: أخي الكبير). ثم رأى والده، الرجل القوي الصارم الذي علمه كيف يمسك بالكونوه، الذي كان يحمل هموم العشيرة كلها على كتفيه. الحب مقابل الواجب. العائلة مقابل "السلام". المستقبل المجهول مقابل الحاضر الملطخ بالدماء.
صارخًا داخليًا. دموع لا يستطيع إراقةها تتجمع في قلبه. كم ثمنًا يجب أن يدفعه؟ كم مرة يجب أن يخون فيها مشاعره من أجل "الخير الأكبر" الذي كان يشك فيه أكثر فأكثر؟
بعد صمتٍ ياد لفترة طويلة، رفع إيتاشي رأسه. عيناه الحمراوان، اللتان رأتا الكثير من المآسي، كانتا تحملان قرارًا مؤلمًا، لكنه قرار. نظرة التردد قد زالت، وحل محلها إصرارٌ كالإصرار الذي كان يمتلكه عندما قرر ذات يوم أن يصبح نينجا ليرعى أخاه.
"حسنًا." قالها بكلمة واحدة، بسيطة، لكنها كانت تحمل ثقل عالم بأكمله. "سأفعلها."
في تلك اللحظة، تحت ضوء النجوم البارد، اتخذ إيتاشي أوتشيها خيارًا سيحفر جرحًا جديدًا في روحه، جرحًا لن يندمل أبدًا، مضيفًا طبقة أخرى من المأساة إلى مصيره الذي بدأ يبدو وكأنه أسطورة حزينة تُروى للأجيال القادمة.
---
جمعة مباركة عليكم أيها القراء الأعزاء.
هذا شكل البس الأولي لكل الأعضاء المنظمة