الفصل الأول: تضحية الشيطان
كان الليلُ وشاحًا أسودًا كثيفًا يُلقي بظلاله الثقيلة على قرية كونوها. لم تكن ليلة عادية كتلك الليالي التي تعجُّ فيها الشوارع بالضحكات وحركة النينجا العائدين من مهامهم. بل كانت ليلة صامتة، صمتًا مشؤومًا يحمل في طياته ترقبًا لكارثة وشيكة. الهواء نفسه بدا وكأنه قد حبس أنفاسه، متجمدًا في انتظار أن ينطق القدر بكلمته.
في قلب هذا السكون المريب، وداخل أسوار أعرق وأقوى عشائر القرية، عشيرة الهيوغا، كان اجتماعٌ مصيريٌّ يُعقد في الخفاء. القاعة كانت فسيحة ومهيبة، جدرانها الخشبية الداكنة مزينة برموز قديمة تحكي عن أمجاد العشيرة وتاريخها الدموي. لكن كل تلك الهيبة لم تفلح في تبديد التوتر الخانق الذي جعل الهواء ثقيلًا وكثيفًا كالزئبق.
في صدر القاعة، جلس هياشي هيوغا، زعيم العشيرة، بوجهه الصارم الذي حفرت فيه تجاعيد الهم والغضب أخاديد عميقة. عيناه البيضاوان، البياكوغان الأسطورية، كانتا تحدقان في الشاب الواقف أمامه بنظرة معقدة، مزيج من خيبة الأمل وإعجاب مكبوت لم يكن ليجرؤ على الاعتراف به. إلى جواره، جلس شيوخ العشيرة، وجوههم كتماثيل حجرية نحتتها السنون، لا تعكس سوى برود وحكمة قاسية لا تعرف الرحمة.
على جانب القاعة، وقف هيزاشي هيوغا، الأخ التوأم لهياشي ورئيس الفرع الثانوي للعشيرة، والأهم من كل ذلك، والد كوروتو. كان هيزاشي يرتجف من الداخل، والخوف على مصير ابنه الوحيد كان يأكل روحه، لكن ختم "الطائر في القفص" اللعين المنقوش على جبهته، وتقاليد العشيرة الصارمة، حكمت عليه بالصمت والعجز.
وفي المنتصف، شامخًا وهادئًا، وقف هو. كوروتو هيوغا.
كان في الحادية عشرة من عمره، لكن وقفته كانت وقفة رجل عاش قرونًا من الألم والحكمة. شعره الأسود الفاحم، ناعم كالحرير، ينسدل على جبهته ليغطي جزءًا من عينيه البيضاوين الشاحبتين. كانت ملامحه جميلة جمالًا خارقًا، كتمثال إغريقي منحوت بإتقان، لكن البرودة القطبية الساكنة في تلك الملامح كانت تمنح من يراه شعورًا بأنه لا ينتمي إلى عالم البشر. كان يرتدي الزي التقليدي لعشيرة الهيوغا، وعلى خصره الأيسر، عُلق سيف "تانتو" قصير، وظلت يده اليمنى دائمًا قريبة من مقبضه، كما لو كانت امتدادًا طبيعيًا لجسده.
"كوروتو..." انطلق صوت هياشي، ثقيلًا وجافًا كصخرتين تحتكان. "هل تدرك حجم الكارثة التي تسببت بها؟ لقد قتلت مبعوث كوموغاكوري. ليس أي مبعوث، بل النينجا الرئيسي الذي أتى ظاهريًا لتوقيع معاهدة سلام."
رفع كوروتو حاجبيه بهدوء، لم ترمش عيناه للحظة. "المبعوث حاول اختطاف الأميرة هيناتا. حاول سرقة أسرار العشيرة. لقد كان تهديدًا، وقد تعاملتُ معه ، انت تعلم يا رئيس العشيرة انه لو تم اختطاف ابنتك فسيتم معاملتها كألة توليد كيكي جينكاي؟."
تحدث أحد الشيوخ، رجل عجوز غارت عيناه في محجريهما وتجعد وجهه كخريطة قديمة، بصوت مبحوح أجش: "التعامل معه كان يجب أن يتم بطرق أخرى! الآن، قرية السحاب تطالب برأس القاتل. تطالب بالبياكوغان خاصتك كتعويض. إنهم يزعمون أن مبعوثهم قُتل غدرًا على أرض كونوها. إما أن نسلمك إليهم، أو تندلع الحرب."
الحرب. كلمة واحدة كانت كفيلة بزعزعة أركان القاعة. كونوها لم تكن قد تعافت بالكامل بعد من أهوال حرب النينجا العظمى الثالثة، وما زالت تلعق جراحها. حرب جديدة مع قرية السحاب القوية كانت آخر ما تحتاجه القرية.
كاد هيزاشي أن يتكلم، أن يعرض نفسه فداءً، تمامًا كما كانت الخطة الأصلية في العالم الذي يتذكره كوروتو من حياته الأولى. كان مستعدًا للموت بدلًا من أخيه هياشي لحماية أسرار الفرع الرئيسي.و هذه المرة إبنه البكر لكن قبل أن يخرج أي حرف من فمه، سبقه صوت كوروتو، هادئ وبارد كشفرة سيف في ليلة شتوية.
"لن تكون هناك حرب، ولن يموت أحد منكم."
صمت الجميع وحدقوا فيه. كلماته كانت تحمل ثقة لا تتناسب مطلقًا مع عمره.
أكمل كوروتو بنفس النبرة الجليدية: "كوموغاكوري لا تريد مجرد جثة. إنهم يريدون البياكوغان. تلك هي الجائزة الحقيقية. إذا سلمناهم جثة هيزاشي-ساما، سيدرسونها وقد يتمكنون من كشف أسرار العين. والأهم من ذلك، سيفقد الفرع الرئيسي فردًا من أقوى أفراده، وسيظل الفرع الثانوي يعيش في هذا الذل الأبدي. المشكلة ليست في الشخص، المشكلة في العين."
ضيق هياشي عينيه. "ماذا تقصد؟"
ارتسمت على شفتي كوروتو ابتسامة خفيفة، ابتسامة لم تصل أبدًا إلى عينيه اللتين بقيتا جامدتين كبحيرتين من الجليد. "أنا القاتل. أنا من يجب أن يتحمل المسؤولية. ولكن، لن أذهب إليهم حيًا."
أدخل يده في جيبه وأخرج منها سكين كوناي حادة، برق نصلها في ضوء الشموع الخافت. شهق هيزاشي وحاول التحرك، لكن نظرة واحدة من ابنه جمدته في مكانه. كانت نظرة تقول: "ثق بي."
"كوموغاكوري تريد البياكوغان، أليس كذلك؟ تريد العدالة؟ سأعطيهم أكثر مما يحلمون به."
وفي لحظة خاطفة، قبل أن يستوعب أي شخص ما يحدث، رفع كوروتو الكوناي بسرعة البرق وغرسها عميقًا في عينه اليمنى.
(هنا يظهر معدن الهيوغا الحقيقي، لا تراه في بكاء هيناتا التي تسقط كل خمس دقائق)
كان صوت تمزق اللحم وخدش النصل لعظم محجر العين هو الصوت الوحيد الذي كسر الصمت المطبق. انفجر الدم الساخن من عينه، وسال على خده كشلال أحمر قاني. وقف الشيوخ مذهولين، فتح هياشي فمه عاجزًا عن إغلاقه، بينما أطلق هيزاشي صرخة ألم مكتومة، كما لو أن الطعنة أصابته هو.
لكن كوروتو لم يتوقف. لم يتغير أي تعبير على وجهه، لم يظهر عليه أي أثر للألم، وكأن ما يفعله يحدث لجسد شخص آخر. بنفس الهدوء المرعب، سحب الكوناي من عينه اليمنى التي تحولت إلى حفرة دامية، وبنفس السرعة، غرسها في عينه اليسرى.
كانت صرخة هيزاشي الثانية أعلى، لكن أحدًا لم يتحرك. كان المشهد سرياليًا ومروعًا يفوق أي تصور. كوروتو يقف في وسط القاعة، حفرتان داميتان تنزفان بغزارة مكان عينيه البيضاوين النقيّتين، وعلى وجهه نفس تلك الابتسامة الخفيفة والباردة.
"هكذا..." قال بصوت متقطع قليلًا، "لن تحصل كوموغاكوري على البياكوغان خاصتي. ولكن هذا ليس كافيًا."
ألقى الكوناي على الأرض، فارتطمت بالخشب محدثةً رنينًا حادًا. ثم سحب سيفه القصير من غمده. لمعان النصل عكس الرعب الصافي في عيون الحاضرين.
"حادثة اختطاف الأميرة هيناتا أظهرت لنا ضعفنا. لكن المشكلة الأكبر ليست في العدو الخارجي، بل فينا نحن، في الداخل. الفرع الثانوي محكوم بختم 'الطائر في القفص'، ختم يحولكم إلى عبيد. أخي الصغير، نيجي، يبلغ الآن الخامسة من عمره. وقريبًا سيأتي اليوم الذي ستضعون فيه ختمكم اللعين على جبهته. وأنا أرفض أن يعيش حياته كعبد لهذه العشيرة."
تحدث هياشي بصوت يرتجف من مزيج الغضب والصدمة: "هذه تقاليدنا! هذا الختم يحمي أسرار البياكوغان!"
"يحمي الأسرار ويدمر الأرواح!" صرخ كوروتو للمرة الأولى، وتردد صدى صوته في القاعة. "أنا، كوروتو هيوغا، الابن الأكبر لرئيس الفرع الثانوي، أقدم لكم عرضًا. سأضحي بعينيّ، وسأضيف إليهما يدي اليسرى، ككفارة عن قتلي لمبعوث كوموغاكوري. سأصبح نينجا هاربًا (Nukenin)، وسأحمل لعنة خيانة كونوها. وفي المقابل..."
نظر ببصيرته، التي كانت أقوى من أي بياكوغان، في اتجاه والده. "...أخي نيجي لن يوضع عليه ختم القفص. سيعيش حرًا. هذه هي تضحيتي، ليست لإرضاء كوموغاكوري، بل لتحرير أخي."
(هذه هي الرجولة، يضحي بعينيه ويده من أجل أخيه. لا كبعض الناس يبيعون إخوتهم من أجل كلمة سر الواي فاي)
عاد الصمت مرة أخرى، لكنه كان أثقل هذه المرة، صمتًا مشبعًا برائحة الدم وصدمة المستحيل. نظر الشيوخ إلى بعضهم البعض. كان العرض مغريًا. سيتجنبون الحرب، وسيرضون كوموغاكوري بطريقة مهينة لهم (بتسليمهم نينجا أعمى وذا يد واحدة)، وفي نفس الوقت سيتخلصون من شاب أظهر بوضوح أنه سيكون مصدر تمرد ومشاكل في المستقبل. ومقابل كل هذا، عليهم فقط التخلي عن ختم واحد لطفل في الخامسة. كانت الصفقة رابحة من جميع الجوانب.
نظر هياشي إلى أخيه هيزاشي، الذي كان ينزف من الداخل، وينظر إلى ابنه بنظرات تمزج بين الفخر والحزن والعجز المطلق.
لم ينتظر كوروتو جوابهم. لقد عرف أنهم سيوافقون. هؤلاء الشيوخ يفكرون بمصلحة العشيرة فوق كل شيء. رفع سيفه بيده اليمنى، ووضع نصله الحاد على كوعه الأيسر.
"وهذا عربون اتفاقي."
وقبل أن ينطق أحد بكلمة، أهوى بالنصل على ذراعه بكل قوته. انكسر العظم، وتمزق اللحم، وسقطت يده اليسرى على الأرضية الخشبية محدثةً صوتًا مكتومًا، وتبعها شلال آخر من الدم.
ترنح كوروتو قليلًا، ولأول مرة ظهر عليه أثر الإرهاق الجسدي. كان الألم حقيقيًا، وفقدان الدم بدأ يؤتي مفعوله. لكنه ظل واقفًا، يتنفس بصعوبة، والدم يقطر من محجري عينيه ومن كتفه المبتور، مصبغًا الأرضية تحته باللون الأحمر القاني.
"والآن..." قال بصوت واهن، "...هل اتفقنا؟"
لم يجبه أحد. مشهد طفل في الحادية عشرة من عمره، أعمى، بيد واحدة، يقف وسط بركة من دمه، ويفرض شروطه على أقوى عشيرة في كونوها، كان أكبر من أن تستوعبه عقولهم.