الفصل الثامن والعشرون: زابوزا و هاكو {2}

بعد ثمانية أيام من المراقبة الصامتة، قرر كوروتو أن الوقت قد حان. لقد رأى ما يكفي. رأى قوة زابوزا الوحشية المنضبطة، وإصرار هاكو الخام غير المنضبط. رأى الرابط الغريب بينهما، تلك الرابطة التي لم تكن أبوية تمامًا ولا تكافلية بحتة، بل كانت شيئًا فريدًا، كجذر شوكي نبت في تربة مسمومة.

في صباح اليوم التاسع، بينما كان هاكو يتدرب على تشكيل مرآة جليدية هشة، وزابوزا يراقب بعينين نصف مغمضتين، تحركت الظلال عند حافة الوادي.

لم يخرج كوروتو متسللاً. خرج بخطوات واثقة، صامتة، تعلن عن وجوده قبل أن يروه. توقف على بعد عشرة أمتار، معطفه الأسود يرفرف قليلاً في الرياح الباردة، وعصابته البيضاء تبرز بشكل شاحب ضد صخور الأودية الداكنة.

زابوزا كان أول من ردّ. بسرعة خاطفة، كان سيفه الكبير، "المحاصِر"، في يده، وجسده يتخذ وضعية هجوم. هاكو قفز إلى الخلف، وأصابعه بدأت تتشكل في الأختام الأولى لهجوم جليدي.

"من هناك؟!" زأر زابوزا، صوته كهدير الوحش الجريح.

كوروتو لم يرد على الفور. "نظره" البصير تجول بينهما، يدرس، يقيم. ثم قال بصوته الهادئ الذي قطع الهواء كشفرة باردة:

"زابوزا موموتشيكي. السيف السابق للضباب. الهارب. الفاشل."

كل كلمة كانت كالسوط. زابوزا هجم. لم يكن هجومًا استراتيجيًا، بل كان انفجارًا من الغضب المكبوت. سيفه الكبير انقضّ على كوروتو بسرعة مذهلة لقوة جسده.

لكن كوروتو لم يتحرك من مكانه. قبل أن يلمسه السيف ببضع بوصات، اختفى بشكل ضبابي ليظهر على بعد قدمين إلى اليسار. الـ"شونشين" لم يكن سريعًا فحسب، كان دقيقًا بشكل غير طبيعي، كما لو كان يعرف بالضبط أين ستهبط الضربة.

"وهاكو"، واصل كوروتو، وكأن شيئًا لم يحدث قط ، متجهًا "بنظره" نحو الفتى المرتجف. "آخر سليل لعشيرة الجليد. القاتل. المشرد. اليائس."

هاكو، مدفوعًا بالخوف والغضب، أطلق وابلاً من الإبر الجليدية الحادة. كانت سريعة ودقيقة بشكل يفوق عمره، تحمل برودة الموت.

كوروتو لم يحاول حتى تفاديها جميعًا. رفع ذراعه اليمنى الوحيدة، وغلفها في لمحة خاطفة بطبقة رقيقة من الـهاكي الأسود القاتم المضغوط . الإبر الجليدية تحطمت عليها كما لو اصطدمت بجبل من الألماس، متحولة إلى غبار أبيض.

صمت قصير مذهول.

ثم، وكأنه يقرأ من مخطوطة، قال كوروتو: "كوروتو هيوغا. عنصر الهاكي. زعيم منظمة D."

زابوزا تجمد للحظة، ثم ضحكة مكتومة، مليئة بالسخرية والاستياء خرجت من حنجرته. "ها! الهيوغا الخائن؟ الطفل المشوّه الذي هرب من كونوها؟ أتيت لتموت؟"

"أتيت لأعرض عليك فرصة"، رد كوروتو ببرودة تطابق الجليد المحيط. "فرصة لترك إرثٍ ليس الفشل والنسيان."

هذه المرة، هجم الاثنان معًا. زابوزا من الأمام، بسيفه الذي يشق الهواء بشراسة. هاكو من الخلف، محاولًا تكبيل حركة كوروتو بأسلاك جليدية وحواجز متجمدة.

كانت رقصة مدمرة. زابوزا كان قوة جبارة، وهاكو كان مزعجًا بشكل لا يصدق، يهاجم من الزوايا العمياء. لكن كوروتو كان كالشبح. كان يتفادى كل ضربة، يتحرك بدقة مطلقة، سيفه القصير "تانتو" يلمع ويصد كل هجوم دون أن يهاجم هو نفسه. كان يختبرهما.

وبعد دقائق، قرر أن يكفي.

"كفى"، همس.

وانفجرت منه موجة من الـهاكي الملكي المليء القمع ونية القتل.

لم تكن موجة عادية. كانت موجة مركزة، موجهة نحوهم خصيصًا. هاكو، الأقل خبرة والأكثر حساسية، تأثر فورًا. عيناه تدحرجتان إلى الخلف، وسقط على الأرض فاقدًا للوعي، مشاهد من ماضيه المأساوي تتقافز أمامه: والده يقتل أمه، وهو يطعن والده، التشرد، الجوع، الخوف. كان حقًا كما قال كوروتو: "رؤية حياتك كلها أمام عينيك".

زابوزا، بقوته الإرادة الحديدية، قاوم. ترنح إلى الوراء، قدماه حفرتا أخدودين في الأرض، وأسنانه صرّت بشراسة. عيناه كانتا واسعتين من الصدمة والمجهود الهائل لمقاومة هذه القوة التي كانت تحاول سحق إرادته.

وفي تلك اللحظة، لحظة ضعفه، تحرك كوروتو.

ظهر خلف زابوزا في ومضة. يده اليمنى، المغلفة بالهاكي الأسود القاتم، انقضت ليس لقطع، بل للضرب. كمة مركزة على قاعدة جمجمته. صدمة من القوة المطلقة اخترقت درعه العضلي، مرسلةً موجات عبر جهازه العصبي.

زابوزا، السيد المقاتل، لم يستطع حتى الصراخ. عيناه التقتا، ثم أغمضتا. هو أيضًا سقط على الأرض، مغمىً عليه بجانب تلميذه.

---

استيقظ هاكو أولاً. وجد نفسه مقيدًا بحبال تشاكرا في زاوية كهف مظلم. رأسه كان يدوي من تأثير الهاكي الملكي. ثم رأى زابوزا مقيدًا أيضًا مقابلته، لا يزال فاقدًا للوعي.

وفجأة، سمع صوتًا هادئًا.

"هاكو. أليس كذلك؟ موهبتك... استثنائية."

هاكو رفع نظره. جالسًا على صخرة في الظل، كان كوروتو. عصابته لا تزال على عينيه، لكن هاكو شعر بأنه يُرى بأكمله، يُقرأ ككتاب مفتوح.

"ماذا... ماذا تريد منا؟" همس هاكو، صوته مرتجفًا.

"أريد أن أعرض عليكما الانضمام"، قال كوروتو ببساطة. "ليس كعبيد، بل كأعضاء. كُمَثِّلٍ لعنصر الماء في منظمتي، وتابع له."

في تلك اللحظة، استيقظ زابوزا. لم يكن مفاجئًا أو غاضبًا، بل كان هادئًا بشكل خطر. عيناه التقتا بعيني كوروتو.

"منظمتك؟" سأل زابوزا، صوته أجش. "منظمة D؟ ولماذا تظن أنني سأقبل أن أكون تابعًا لأحد، خاصةً لطفل مشوه من الهيوغا؟"

كوروتو لم يغضب. "لأن منظمتي ستقف على قمة هذا العالم خلال العشر سنوات القادمة. هذه ليست رغبة، بل حتمية. ولأنك لست عبدًا. العبودية هي البقاء هنا، في هذا الوادي، تنتظر الموت ببطء. أنا أقدم لك هدفًا. قوة حقيقية. ومعنى." ثم أشار إلى هاكو. "وهو... مشروع 'سوبر كاجي'. عمود من أعمدة المستقبل. في منظمتي، سينمو ليصبح أقوى مما كنت تحلم له."

صمت زابوزا. كان يحلل، يقارن. الكبرياء ضد الفرصة. العزلة ضد القوة.

"والمقابل؟" سأل أخيرًا.

"الولاء"، قال كوروتو بصرامة. "ولاء مطلق. لا خيانة، مهما كانت الظروف. في المقابل، تحصل على الموارد، التدريب، الحماية، وحرية التصرف في المهام ما لم تتعارض مع مصلحة المنظمة. يمكنك حتى طلب مهمات شخصية."

نظر زابوزا إلى هاكو، الذي كان ينظر إليه بقلق واضح، ينتظر قراره. رأى في عيني الفتى الخوف من التخلي عنه مرة أخرى.

بعد ما بدا كدهر، تنهد زابوزا. "حسنًا... قد أكون مجنونًا بما يكفي لأقبل." كانت موافقته مشروطة، مليئة بالتحفظ.

كوروتو أطلق سراحهما. وفي اللحظة التي شعر فيها زابوزا بالحرية، تحرك. ليس بالهجوم، بل بمحاولة اختطاف هاكو والفرار. كانت خدعة، اختبارًا أخيرًا.

لكن قبل أن تلمس يده هاكو، سمع صوت كوروتو البارد كالجليد خلفه مباشرة:

"هذه هي المرة الأولى."

زابوزا تجمد. لم يسمعه يتحرك.

"المرة الثانية"، استمر صوت كوروتو، "ستكون يدك مع سيفك."

استدار زابوزا ببطء ليجد طرف سيف "تانتو" موجهًا نحو حلقه، والهاكي الأسود يغطيه.

"المرة الثالثة ستكون موتك."

لم تكن هناك تهديدات صارخة، فقط حقائق مطلقة. زابوزا نظر إلى العصابة البيضاء، ورأى انعكاس خياله المهزوم فيها. أخيرًا، أدرك. هذا لم يكن طفلًا. هذا كان وحشًا من نوع مختلف تماما .

أخفض رأسه، ليس خضوعًا، بل اعترافًا. "مفهوم."

هكذا، في كهف حدودي منسي، وُلد تحالف جديد. تحالف قائم على القوة، المصلحة، والخوف، لكنه حمل بذور مستقبل قد يغير مصير العالم بأسره. وكوروتو، بعينيه المبصرتين في العمى، كان يعلم أن اللعبة قد أصبحت أكثر تعقيدًا، وأكثر إثارة.

-------------

المؤلف : جمعة مباركة لجميع القراء ، لا تنسوا أن تدعو مع إخواننا من فلسطين 🇵🇸 ، أراكم بعد غد بالفصل 28 ، كما انكم قد اوصلتم هذه الرواية إلى التصنيف الرابع بالروايات المتصدرة وهذا انجاز أفخر به ، شكرا لكم🫡🫡🫡، و سأحاول جعل الفصول أطول في المستقبل القريب .

اتمنى لكم يوما مليء بالبهجة و السرور أيها القراء الأعزاء.

2025/09/26 · 29 مشاهدة · 1084 كلمة
راكاشا
نادي الروايات - 2025