الفصل الثالث: شبح الغابة
ستة أشهر.
مضت ستة أشهر على تلك الليلة التي خرج فيها كوروتو من كونوها كخائن. ستة أشهر من الجحيم على الأرض. كانت الأيام الأولى هي الأصعب. ألم جروحه كان ينهش لحمه، لكن الألم النفسي كان أعمق وأقسى. الظلام الذي حل مكان عينيه لم يكن مجرد غياب للضوء، بل كان فراغًا يسحب روحه إلى الهاوية.
شعر وكأنه أُلقي به في محيط هائج وهو لا يجيد السباحة. كل شيء كان عدوًا: برد الليل الذي يتسلل إلى عظامه، والجوع الذي يقرص أحشاءه كوحش مفترس، والوحوش الحقيقية التي تسكن الغابات.
في الأسابيع الأولى، نجا بمعجزة. نجا بفضل بقايا معرفته الطبية التي سمحت له بالتعرف على الأعشاب الشافية ومعالجة جروحه، وبفضل الصلابة الجسدية والعقلية التي ورثها من حياته الثانية في عالم ون بيس. تلك الحياة التي كانت مجرد ذكريات متقطعة، كانت هي ما يدفعه للاستمرار حين يفقد الأمل. كان يتذكر شعورًا بألم يفوق هذا بألف مرة، وذلك ما كان يجعله يصبر.
لكن سلاحه الحقيقي، الشيء الذي أبقاه حيًا، كان الهاكي.
في البداية، كان مجرد إحساس غامض. كان يشعر بالحجارة تحت قدميه، بالأشجار المحيطة به، بالحيوانات التي تتحرك من بعيد. كان كصدى في عقله. ولكن مع مرور الوقت، ومع الحاجة الملحة للبقاء، بدأ ذلك الإحساس يتطور. لم يعد يشعر بوجود الأشياء فقط، بل أصبح يشعر بحركتها، بنواياها.
أصبح "يرى" العالم بطريقة مختلفة. لا يرى الألوان والأشكال، بل يرى الهالات، يرى تدفق الحياة. الشجرة تبدو له كشعلة طاقة هادئة، والأرنب يراه كنقطة ضوء خفيفة وسريعة، والذئب يراه كلهيب متوهج من الغريزة والجوع. كان هذا هو هاكي التنبؤ (Kenbunshoku Haki) خاصته يولد من جديد في هذا الجسد.
كانت حياته اليومية صراعًا مستمرًا. ليشرب، كان عليه أن يتبع صوت الماء لساعات. ليأكل، كان عليه أن يبقى متجمدًا في مكانه لساعات، منتظرًا أن يقترب منه أرنب أو سمكة، وعندها يوجه ضربته الوحيدة بيده اليمنى. كم مرة فشل، وكم مرة نام ومعدته خاوية. تعلم الصيد بيد واحدة، تعلم سلخ الحيوانات التي يصطادها بسيفه القصير بيد واحدة، تعلم إشعال النار بيد واحدة. كل مهمة بسيطة كانت تحديًا هائلًا.
كانت الوحدة تقتله ببطء. لم يكن لديه من يتحدث معه، لم يسمع صوت إنسان لشهور. كان صديقه الوحيد هو ذلك الصداع في رأسه، ذلك الصوت الذي يناديه من بعيد. أحيانًا، عندما يصل إلى حافة التعب واليأس، كان يشعر بذلك الصوت يقترب، كما لو أنه يواسيه، وأحيانًا أخرى كان يشعر به يزيد من ألمه، كما لو أنه يعاقبه على ضعفه.
في إحدى الليالي، بينما كان نائمًا تحت شجرة ضخمة، حلم. حلم بنفسه في كونوها، يسير مع نيجي ذي الخمس سنوات. كانا يضحكان. وفجأة، نظر إليه نيجي بعينين خائفتين وقال: "أخي، لماذا تركتني وحدي؟" وعندها رأى كوروتو انعكاسه في بركة ماء. رأى وجهه الحالي: أعمى، مشوه، وناقص يد. استيقظ من نومه وهو يصرخ، والعرق البارد يغطي جسده.
جلس في الظلام، يتنفس بصعوبة. وضع يده على وجهه. كانت هذه الكوابيس هي الجزء الأصعب.
"لقد فعلت ذلك من أجلك يا نيجي..." همس في الفراغ. "لتكون حرًا."
في تلك الليلة، قرر أنه يجب أن يتغير. البكاء والشكوى لن يفيدا في شيء. الحنين إلى الماضي ضعف. في هذا العالم، الضعيف يموت. وهو قرر أنه لن يموت.
بدأ يتدرب. كل يوم، من شروق الشمس حتى غروبها. تدرب على استخدام سيفه بيد واحدة، حتى أصبح يعرف مسار كل عضلة في ذراعه اليمنى. تدرب على الهاكي خاصته، محاولًا أن "يرى" أبعد، وأدق. كان يجلس لأيام يتأمل، محاولًا فهم طبيعة تلك الطاقة. ومع التدريب، اكتشف النوع الثاني من الهاكي الذي كان نائمًا بداخله: هاكي التصلب (Busoshoku Haki).
في البداية، شعر به كدرع غير مرئي يغلف جلده. حاول تركيزه في سيفه، وشعر بالنصل يصبح أصلب وأثقل. أصبح قادرًا على قطع الصخور كما لو كانت زبدة.
وفي خضم هذه العزلة والتدريب، جاءه أول اختبار حقيقي.
كان في غابة كثيفة في مكان ما في بلد النار، يتبع رائحة شيء يُشوى. كان الجوع يمزق أحشاءه. عندما اقترب، شعر بثلاث هالات بشرية. كانوا يجلسون حول نار صغيرة، يشوون أرنبًا. من هالاتهم، شعر بالجشع والعنف. كانوا قطاع طرق.
(لقد بدأ الجد، انتهت الدراما والبكاء، الآن فقط الدم)
رآه أحدهم يخرج من بين الأشجار. رأى فتى أعمى، بيد واحدة، يرتدي أسمالًا بالية. ضحك بصوت عالٍ. "أوهو، انظروا ماذا جلبت لنا الرياح! أعمى صغير بائس. تبدو جائعًا، أليس كذلك يا فتى؟"
بدأ الآخران يضحكان أيضًا.
وقف كوروتو، لم يقل شيئًا. "رآهم" بالهاكي خاصته. أحدهم يحمل فأسًا، والثاني لديه سيف طويل، والثالث الذي تحدث يحمل خنجرًا.
"ماذا لديك هناك يا وسيم؟" قال الأول وهو يقترب منه، وعيناه مثبتتان على السيف القصير المعلق في خصر كوروتو. "ذلك السيف يبدو جيدًا. أعطنا إياه، وقد نتركك تلعق عظام الأرنب."
بقي كوروتو صامتًا، يلامس مقبض سيفه بلطف.
تنهد قاطع الطريق. "لا تريد أن تفعل ذلك بالطريقة السهلة، أليس كذلك؟ لا مشكلة." رفع فأسه وهو يضحك، وأهوى به على رأس كوروتو.
وعندها، تغير كل شيء.
بالنسبة لقطاع الطرق، رأوا مجرد طفل أعمى واقف. وفجأة، تحرك ذلك الطفل بسرعة مستحيلة. أمال رأسه إلى الجانب، متفاديًا الفأس التي مرت بجوار أذنه بسنتيمترات قليلة. وفي نفس اللحظة، كوروتو الذي كان واقفًا، انخفض على ركبتيه بحركة انسيابية، سحب سيفه القصير، وأدار جسده دورة كاملة.
نصل السيف، المغلف بهاكي التصلب الأسود الذي لا يُرى بالعين المجردة، مر عبر أرجل قطاع الطرق الثلاثة كمنجل الموت.
كان صراخهم سيمفونية مرعبة في سكون الغابة. سقط الثلاثة على الأرض، ينظرون برعب إلى أرجلهم المقطوعة من تحت الركبة، والدم ينفجر منها كنوافير.
وقف كوروتو بهدوء بينهم. لم يكن يرى الرعب في عيونهم، لكنه كان يشعر به. كان يشعر بخوفهم يتجمد في الهواء.
"الأرنب..." قال كوروتو بصوت بارد وخالٍ من أي عاطفة، "...هل نضج؟"
حاول أحدهم، صاحب السيف الطويل، أن يزحف هاربًا. مشى كوروتو نحوه بهدوء، ووضع قدمه على ظهره ليثبته على الأرض.
"هل تعلم؟" قال كوروتو وهو ينحني نحوه. "الوحدة سيئة. لكن الجوع... الجوع أسوأ."
غرس سيفه في ظهر الرجل بلا رحمة. سحبه، وتوجه إلى الثاني الذي كان يبكي ويتوسل الرحمة. "الرحمة..." قال كوروتو، "لم تعد موجودة في قاموسي." وقتله هو الآخر.
الثالث، الذي تحدث في البداية، كان يشاهد هذا المشهد وهو مصدوم، عاجز حتى عن الصراخ. اقترب كوروتو منه، وجلس القرفصاء بجانبه. كان الدم في كل مكان، على وجه كوروتو، على ملابسه، على الأرض.
"سيفي..." قال كوروتو وهو ينظر في الفراغ، "...أليس جميلًا؟"
رفع السيف، وقطع رأسه بضربة واحدة.
وقف. عاد الصمت إلى الغابة، لكنه هذه المرة كان مشبعًا برائحة الدم. مشى بهدوء إلى النار، أخذ الأرنب المشوي، وجلس يأكل بهدوء، وسط جثث الرجال المقطعة. كان يأكل ببطء، يتذوق كل قضمة. لم يشعر بشيء. لا ندم، لا فرح، لا شيء. مجرد فراغ.
عندما انتهى، مسح يده في ملابس أحد الموتى، وجمع ما كان لديهم: قليل من المال، طعام جاف، وخريطة.
وبينما كان "ينظر" في الخريطة (يقرأها بلمس أصابعه للحبر الجاف)، شعر بشيء.
تمدد الهاكي خاصته إلى مسافة بعيدة جدًا. وشعر بهم.
كانوا ستة. ستة هالات مختلفة عن أي شيء شعر به من قبل. لم يكونوا كقطاع الطرق، ولم يكونوا كالحيوانات. كانوا منضبطين، مركزين، وسريعين. وكانوا يتجهون مباشرة نحوه. ككلاب صيد أُطلقت على فريسة.
وقف كوروتو. "رأى" بإحساسه الاتجاه الذي يأتون منه. كوموغاكوري.
ابتسم. ابتسامة مرعبة كانت لتجمد الدم في عروق أي شخص يراها.
"إذن..." همس للريح. "اللعبة الحقيقية ستبدأ الآن."
جمع أغراضه، وتحرك. ليس هاربًا بخوف، بل كفريسة تتحرك لتختار أرض المعركة. شبح الغابة لم يعد يبحث فقط عن كيفية البقاء حيًا. الآن، أصبح لديه هدف جديد: أن يصطاد الصيادين.
-------------
المؤلف: اكمل ؟
لو عندكم رأي او افكار شاركوها
ذي اول رواية اسويها لذالك ساعدوني بنصيحتك.