الفصل الثامن: رسالةٌ من الشبح
عامٌ وأربعةُ أشهر.
ستةَ عشرَ شهرًا من العزلةِ التامة، ستةَ عشرَ شهرًا تحولتْ فيها الغابةُ من جحيمٍ للبقاء إلى صومعةٍ للتدريبِ والتأمل. كوروتو، الذي يبلغُ الآن 13 عامًا، لم يعدْ ذلك الطفلَ الهاربَ الذي خرجَ من كونوها.
جسدُه طالَ وتنسَّق، العضلاتُ تحددتْ تحتَ جلدِه الأسمرِ من الشمس، ليستْ ضخمةً كشخصٍ يعملُ بالتايجتسو، لكنها مرنةٌ وقويةٌ كالنمر. شعرُه الأسودُ الحريريُّ طالَ قليلًا، أصبحَ يصلُ إلى كتفه، ودائمًا يربطُ جزءًا منه إلى الخلفِ حتى لا يغطيَ على حاسةِ السمعِ الخارقةِ خاصتِه. الندوبُ القديمةُ على جسدِه بقيتْ، لكن أضيفتْ إليها ندوبٌ جديدةٌ من تدريباتِه القاسية، كلُّ واحدةٍ منها قصةُ ألمٍ وإصرار. وجهُه زادَ جمالًا وحدة، لكن البرودةَ فيه أصبحتْ أعمق، كبحيرةٍ جليديةٍ لا يصلُها ضوءُ الشمس.
كان جالسًا على حافةِ جرفٍ عالٍ، قدماه تتدليانِ في الهواء، وتحتَه كانت غابةٌ كثيفةٌ تمتدُ لأميال. لم يكن ينظرُ إلى المنظر، لكنه كان "يشعرُ" به. كان يشعرُ بحركةِ كلِ ورقةِ شجر، طيرانِ كلِ حشرة، جريانِ الماءِ في عروقِ الأرض. كان جزءًا من هذه الطبيعة.
على كتفِه الأيمن، كان يقفُ طائرٌ صغيرٌ وأنيق يشبه نوع من بالببغاء يسمى الكواكر، ريشُه خليطٌ بين الأزرقِ الفاتح السماوي و الأزرق الداكن ، وله عرفٌ أبيضُ فوقَ رأسِه. كان ينقرُ بلطفٍ على شعرِ كوروتو الذي قصه خلال هذه الفترة ليصل إلى الكتفين.
"أنا جائع، كوروتو."
الصوتُ لم يكن مسموعًا، كان صدىً في عقلِ كوروتو. هذا هو "بيكو"، أولُ صديقٍ له منذُ ستةَ عشرَ شهرًا. وجدَه مصابًا بجناحٍ مهشم، وعالجَه. ومنذُ ذلك الحين، بفضلِ الهاكي الملكيِّ الذي تطور، استطاعَ التواصلَ معه.
ابتسمَ كوروتو ابتسامةً خفيفة. "بيكو، لقد أكلتَ للتوِ قبيلةً من الدودِ كاملة. أين يذهبُ كلُّ ذلك؟"
"محركي يحرقُ الكثيرَ من الوقود. الطيرانُ بسرعةِ الصوتِ ليسَ سهلًا." أجابَ الطائرُ بكبرياء.
ضحكَ كوروتو. "ستصبحُ سمينًا ولن تستطيعَ الطيرانَ أبدًا."
هذه الحواراتُ البسيطةُ كانت هي الشيءَ الوحيدَ الذي يكسرُ الصمتَ الطويلَ في حياته. في ذلك العامِ وأربعةِ أشهر، عملَ كوروتو على نفسِه بلا رحمة. ذلك الجردُ الذي قامَ به لقدراتِه كان هو خريطتَه. عرفَ نقاطَ ضعفه، وحاولَ أن يصلحَ ما يمكنُ إصلاحُه، وأن يعوضَ ما لا يملكُ له حلًا.
أكبرُ عونٍ له كانت تلك الشظايا من الذكريات. كانت تأتي فجأةً، في وسطِ تدريبٍ أو حينَ يكونُ يتأمل. كان يرى نفسَه مرةً أخرى في ذلك العالمِ الآخر، يحاربُ بذلك السيفِ الأسودِ "ناوي-تشان"، وبجانبِه يزأرُ رفيقُه الضخم، البيجو ذو الذيولِ الثلاثة، إيسوبو، الذي كان يدلعُه في الحلمِ باسمِ "سوبي".
كانت المشاعرُ في تلك الذكرياتِ معقدة. حينَ كان يلوحُ بسيفِه ويحصدُ أرواحَ جنودِ "حكومةِ العالم"، كان يشعرُ بحزنٍ وشفقةٍ عليهم. كانوا مجردَ بيادق، شبابٌ مثله يتبعونَ الأوامر. لكن في نفسِ الوقت، كان يشعرُ بطمأنينةٍ وسعادةٍ لم يشعرْ بهما في حياتِه الثالثةِ هذه. سعادةُ القتالِ مع رفاقٍ يثقُ فيهم ثقةً عمياء: سيفُه "ناوي-تشان" الذي كان يشعرُ به كأنه جزءٌ من روحِه، و"سوبي" الذي كان تواصلُهما يتعدى كونه جينشوريكي وبيجو، كانوا إخوةً في السلاح. آه، كان جينشوريكي أيضًا... هذه الحقيقةُ وحدَها كانت ما تزالُ تجعله مصدومًا.
مع الذكريات، جاءتِ الألقاب:
"القائدُ الأولُ لكتيبةِ الثوار."
"المنجلُ الذابحُ للتنانينِ السماوية."
واللقبُ الذي كان دائمًا يحيرُه: "سلفُ المتمردين." ماذا كان يعني؟ هل كان هو من بدأ التمرد؟ لم يفهم.
لكن هذه الذكرياتِ لم تكن مجردَ قصص. كانت دروسًا. كلُّ ذكرى كانت تورثُ له خبرة. كان يرى تقنيةَ سيفٍ معقدةً في الحلم، وفي الغدِ كان يكررُها لأسابيعَ حتى يتقنَها جسدُه. كان يشعرُ بإرادته تندمجُ مع إرادةِ "سوبي"، وهاكي الحكمِ خاصتِه يتطور.
وهكذا، بعدَ ستةَ عشرَ شهرًا، هذه هي النتيجة:
* الهاكي: فرضيةُ الضررِ الروحيِّ لديه كانت صحيحة. عندما توقفتِ الأحلامُ والذكرياتُ منذُ شهرين، توقفَ تطورُ الهاكي خاصتِه تقريبًا. وصلَ إلى سقف.
* الملاحظة: وصلَ إلى مستوى "أقلَّ من جيد". كان يستطيعُ أن يشعرَ بالهجماتِ قبلَ وصولِها بثوانٍ، ويقرأَ النوايا بدقة، لكنه لم يصلْ بعدُ إلى مرحلةِ رؤيةِ المستقبلِ الحقيقية.
* التصلب: وصلَ إلى مستوى "أفضلَ من المتوسط". الآنَ يستطيعُ أن يغلفَ سيفَه وذراعَه بالكاملِ بسوادٍ حالكٍ وصلب، مما يجعلُ ضرباتِه أكثرَ فتكًا ودفاعَه أقوى.
* الملكي: هذا هو الذي تطورَ كثيرًا. "ههه لقد أصبحتُ ملكَ الغابةِ حقًا." فكرَ كوروتو. الآنَ يستطيعُ أن يتكلمَ مع الحيواناتِ بطلاقة، ويستطيعُ أن يطلقَ موجةَ إرادةٍ تجعلُ أيَ حيوانٍ عاديٍ في المنطقةِ يغمى عليه. أما الحيواناتُ التي تستخدمُ التشاكرا، مثلَ كلابِ النينجا، فلم تعدْ تنظرُ إليه بشفقة. أصبحتْ تنظرُ إليه بحذرٍ وخوف. "هير بلاتي عليك أ داك الكلب."
* مهاراتُ السيف: "أسطورية." لم يكن غرورًا، كانت ثقةً مبنيةً على التجربة. عندما كان يقارنُ أسلوبَه بما يعرفُه عن السيافينَ في عالمِ النينجا، كان يعرفُ أنه يمكنُ أن يكونَ من بينِ أفضلِ 30 سيافًا في العالمِ حاليًا.
* القدرةُ الجسدية: تطورتْ كثيرًا. بلا تشاكرا، جسدُه يملكُ قوةَ وسرعةَ جونين مبتدئ.
* التشاكرا: هذه هي التي بقيتْ كما هي. لم تتحسنْ كثيرًا. موهبتُه في عنصرِ الريحِ ظهرتْ أنها كبيرة، واستطاعَ أن يطورَ تقنيتينِ رياحٍ خاصتينِ به، لكن الكميةَ القليلةَ من التشاكرا كانت دائمًا عائقًا. "لو كنتُ في القرية، كنتُ سأكونُ صاحبَ غاي في التنافسِ على لقبِ 'الأكثرِ فشلًا في النينجتسو'." ضحكَ لنفسِه. كان يعرفُ أنه إذا أرادَ أن يطلقَ العنانَ لقوتهِ الحقيقية، فعليه أن يجدَ حلًا لذلك الصداع، عليه أن يعالجَ روحَه.
"كوروتو." صوتُ بيكو قاطعَ أفكارَه. "شيءٌ ما قادم. سريعٌ جدًا."
وقفَ كوروتو. هاكيَه شعرَ به في نفسِ اللحظة. هالةُ تشاكرا مألوفة... لكنها حذرةٌ ومتوترة.
بعدَ دقائق، هبطَ من السماءِ صقرٌ من كونوها، وعلى رجلِه كانت معلقةٌ رسالة. الصقرُ حطَّ على الجرفِ على بُعدِ مسافةٍ من كوروتو، وكان ينظرُ إليه بحذر.
مدَّ كوروتو يدَه. ترددَ الصقر، لكنه في النهايةِ طارَ ووضعَ الرسالةَ في يدِه وعادَ طائرًا إلى السماءِ بسرعة.
حلَّ كوروتو الرسالة. كانت مكتوبةً بشفرةٍ كان هو وإيتاشي قد طوراها حينَ كانا صغيرين.
"مكانُ اللقاء: وادي النهاية.
الوقت: بعدَ ثلاثةِ أيام، عندَ غروبِ الشمس.
تَعالَ وحدك. سآتي وحدي."
الإمضاءُ كان عبارةً عن رسمةِ غرابٍ صغير.
ابتسمَ كوروتو. إيتاشي لم يتغيرْ بعد، دائمًا حذر. قبلَ يومين، كان كوروتو قد أرسلَ بيكو لأولِ مرةٍ إلى كونوها، برسالةٍ بسيطةٍ لإيتاشي. كان يعرفُ أن إيتاشي هو الوحيدُ الذي سيستطيعُ أن يفهمَ أن الرسالةَ من عنده.
"بيكو،" قالَ كوروتو وهو يحرقُ الرسالةَ بكرةِ نارٍ صغيرةٍ من التشاكرا خاصتِه.
"نعم؟"
"المرحلةُ الأولى من الخطةِ نجحت. الآن، سنبدأُ المرحلةَ الثانية."
رجعَ إلى كهفه. جمعَ الأغراضَ القليلةَ التي كانت لديه: حجرٌ لإشعالِ النار، بعضُ الأعشابِ الطبية، وخريطةٌ قديمة. لبسَ معطفًا أسودَ له قبعةٌ كبيرة، ليخفيَ وجهَه. علَّقَ سيفَه "تانتو" في خصرِه.
قبلَ أن يخرج، وقفَ ونظرَ إلى الكهف. هذا المكانُ كان بيتَه لستةَ عشرَ شهرًا. رأى فيه الألمَ، الوحدةَ، والنمو. الآن، حانَ الوقتُ ليتركه.
"هل سنرجعُ يومًا ما؟" سألَ بيكو وهو يستقرُ على كتفِ كوروتو.
نظرَ كوروتو في اتجاهِ كونوها.
"لا أعرف، بيكو. لا أعرف."
خرجَ من الكهف، وشبحُ الغابةِ بدأَ رحلتَه للعودة. لم يعدْ فريسةً هاربة. الآن، هو صيادٌ راجعٌ إلى القرية ، ولديه خططٌ ستغيرُ مصيرَ الكثيرِ من الناس. وادي النهايةِ كان ينتظرُه. واللقاءُ مع الماضي، كان على بُعدِ ثلاثةِ أيامٍ فقط.
-------------
المؤلف: السلام عليكم أيها القراء أنا حاليا قد وصلت للفصل 15 فالكتابة.
لكن لاحظت ان الرواية تسير بشكل سريع
لذلك إنشاء الله سأحاول أن أحافظ على وتيرة ثابتة في النشر
حوالي فصل كل يوم أو يومين . وفي بعض الأحيان مجموعة فصول في إطلاق واحد.
المهم قد تتأخر الفصول مستقبلا لأنني أحوال ترتيب أفكاري للرواية، لأن لدي الكثير من الأفكار.
كما ستلاحظون اختلاف السرد في الرواية لأنني سأحاول أن أجد افضل طريقة للسرد لكي تريحني و تريحكم.
وأتمنى لكم جمعة مباركة للجميع.