حين دخلت الغرفة، وجدت والدي جالسًا خلف مكتبه، يتأمل أوراقًا مبعثرة أمامه. إلى جانبه، وقف رجل غريب ببنية قوية، شعره أسود داكن وعيناه بنّيتان، وكان يرتدي زي الحرس الرسمي. رغم مظهره الجاد، إلا أن حضوره بثّ في نفسي شيئًا من التوتر.

لم تمضِ لحظة حتى ارتفعت نظرة والدي إليه بنوعٍ من التحذير الصامت، ثم قال بصوت بارد:

"نيكولاس، غادر الآن. أريد التقرير لاحقًا، على انفراد."

تحرّك الرجل فورًا دون نقاش. وبينما كان يقترب من الباب، مال قليلًا نحو والدي وهمس بشيء لم أتمكن من التقاطه، رغم أنني حبست أنفاسي في محاولة للإنصات.

"نيكولاس، احرص على ألّا تنطق بأي حرف من التقرير أمام أحد، حتى أمام أوريانا."

كان صوته واضحًا هذه المرة، حادًا كالسيف.

أومأ الرجل باحترام. "حسنًا، سيدي الدوق. عن إذنك."

ثم التفت نحوي، وانحنى قليلًا. "تحياتي، آنسة أوريانا. أعتذر إن تأخرت في تقديمها."

راقبته وهو يغادر. التقت نظراتنا للحظة، وشعرت بشيء غريب في عينيه—كأنه يعرف شيئًا لا أعرفه. ولم تكن نظرته وقحة أو متعالية، بل حملت شيئًا آخر... شيء لم أتمكن من تفسيره بعد.

"أوريانا، اجلسي الآن، أم ستظلين واقفة؟"

كان صوته باردًا جدًا، وعيناه الحمرواتان كانتا تخترقانني حتى شعرت بشيء يشبه الرعشة يجتاح جسدي. رغم ذلك، حاولت أن أتماسك، لألا أظهر الضعف أمامه.

لكن هذا التغير في سلوكه... لم أعد أفهمه. هل كان هكذا من قبل؟ أذكر أنه كان لطيفًا قليلًا، أو ربما كانت تلك الذاكرة مجرد وهم. لماذا تغير فجأة؟ لماذا هو بهذا البعد الآن؟ هل كان ذلك مجرد قناع؟

جلست على الكرسي المجاور لمكتبه، غارقة في أفكاري، أحاول أن ألتقط الخيوط المفقودة. هذا البرود الذي يملأ الغرفة، هل سيبقى هكذا؟ هل سيوافق على ما سأطلبه؟ أنا خائفة... خائفة من أن أتعرض للذل أمامه، أن أخسر كل شيء إذا رفض.

"أوريانا، ماذا تريدين؟"

لم أسمع صوت الدوق بسبب شرود افكاري .

لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ لا أستطيع دخول الأكاديمية بمفردي، ولا أستطيع أن أواجه المجهول بدون مساعدته. لا أستطيع تحمل هذا العبء بمفردي.

"أوريانا، أوريانا..."

شعرت بصوت الدوق يقطع أفكاري، تلك الذكريات التي تغمرني، دون أن أتمكن من فهم ما يحدث.

نظرت إليه، وكان تعبيره باردًا كما كان دائمًا، لكن شيئًا ما في عينيه كان مختلفًا. شيء غريب، شيء يجعلني أشعر بشيء أشبه بالوحدة.

"هل أنتِ بخير؟"

قال ذلك وكأنه يلاحظ لأول مرة غياب نظراتي. ناداني عدة مرات، ثم أضاف: "هل أستدعي الطبيب؟"

رفعت يديّ في حركة مترددة، أحاول أن أتجنب الاهتمام الزائد.

"لا داعي. فقط... شردت قليلاً."

لكن الحقيقة هي أنني كنت أغرق في بحر من القلق والشكوك، وأكاد لا أستطيع العودة إلى نفسي.

"إذاً أنتِ بخير، أليس كذلك؟" قال الدوق بصوت بارد، وعيناه الحمرواتان تراقباني. شعرت وكأنهما يخترقانني، ولكنني قاومت التوتر الذي بدأ يعتريني، محاوِلة التماسك.

"أجل، سيدي الدوق." كانت الإجابة تخرج مني ببطء، وكأنها عالقة في حلقي. هذا التحول في سلوكه كان يسبب لي ارتباكًا داخليًا، ولكنه لم يظهر عليه سوى قسوة أكبر.

في عقله، كانت الأفكار تتزاحم بشكل سريع. ما الذي يحدث مع أوريانا؟. لماذا أصبحت باردة هكذا؟، هل ابتعدت عني لأنني تسببت لها في الألم؟ كانت تلك الحيرة تخنق ذهنه. كان يعتقد أنها تتجنب الحديث معه بعد حادثة الأكاديمية، وربما كانت ترغب في الابتعاد. في البداية، كانت لطيفة معه بعض الشيء، ولكن الآن، لم تعد تناديني "بابي" كما كانت تفعل، بل أصبحت تتعامل معي بكل برود وتخاطبني بـ "الدوق" فقط، وكأنني شخص غريب.

هل فقدت ثقتها بي؟.

كان يشعر كما لو أن كل شيء يتبدل فجأة، وأنه ليس لديه فكرة عن السبب الحقيقي وراء هذا التغيير. فكلما حاول الاقتراب منها، كانت تتراجع. لماذا أصبح كل شيء بيننا بعيدًا، وكأن هناك حاجزًا لا يمكن تحطيمه؟

بينما كان غارقًا في هذه الأفكار، سمع صوتي يقطع صمته: "أيها الدوق، هل يمكنني أن أطلب طلبًا؟ وإن رغبت في رفضه، فلا بأس. سأغادر بسرعة."

طلب؟ كان يكتب على الأوراق بينما يتحدث إليّ، كأن لا شيء يهمه. وعيناه على الورقة، لكنه ظل يراقبني من زاوية عينه، ويسأل بشيء من اللامبالاة: "ما هو؟"

"أنا... أرغب في الانضمام إلى أكاديمية سولفار. هل هذا ممكن؟"

رفَع الدوق عينيه عن الأوراق ببطء، وكأن كلماتي قد أثارته فعلًا، ثم حدّق في وجهي لثوانٍ قبل أن يسأل بصوت هادئ لكنه يحمل بعض الشك:

"هل يمكن أن أسألك لماذا؟ في المرة السابقة لم ترغبي في ذلك بشدة... ما الذي غيّر رأيك الآن؟"

شعرت بأن قلبي يتقلّب في صدري. كان من السهل أن أقول الحقيقة... أنني بحاجة لإنقاذ الدوقة، لفعل ذلك قبل موتي، لكن لا أستطيع فعل ذلك لا أستطيع قول الحقيقة.

"أنا فقط... يا دوق، أرغب في الانضمام الآن. المرة السابقة كنت مجرد فتاة صغيرة... حمقاء، ربما. أما الآن، فقد تغيرت."

ساد الصمت لوهلة. نظراته ثبتت عليّ، وكأنّه يحاول أن يقرأ ما بين السطور. ثم تنهد بهدوء، وأومأ برأسه.

"أنا موافق."

رفعت بصري إليه بدهشة خفية، لكنه أكمل بصوت جاد:

"لكن هذه الأكاديمية لا تقبل أي طالب إلا بعد اجتياز امتحان دخول. هذا أمر لا يمكنني التدخل فيه."

شعرت بتوتر خفيف يعود، لكن كلماته التالية حملت طمأنينة لم أتوقعها:

"لذا، عليكِ أن تبذلي جهدك للدراسة. سأرسل لك كتبًا... وأرتّب مع أستاذ ليرشدك ويساعدك في الفهم."

"لا داعي، يا دوق... أنا فقط أحتاج لمعرفة المواد التي سأمتحن فيها، وأن أحصل على الكتب اللازمة. سأقوم بالدراسة وحدي، لا حاجة لأن تُحضِر أستاذًا... سأعتمد على نفسي."

كنت أظن أن طلبي قد يُقابل بالرفض أو النقاش، وربما بالسخرية حتى، لكنني لم أرد أن أبدو كمن يستجدي شيئًا. يجب ألا أُظهر امتنانًا كبيرًا... لا يجب.

"حسنًا، أوريانا، كما تريدين."

رفعت رأسي فورًا، غير قادرة على إخفاء دهشتي. "ماذا؟"

قالها ببساطة، دون أن يرفع عينيه عن الأوراق التي أمامه، وكأن موافقته لم تكن أمرًا مهمًا على الإطلاق. ملامحه بقيت جامدة، ونظرة البرود لم تفارقه.

"سأرسل الكتب مع الخدم بعد قليل. يمكنكِ العودة إلى غرفتك إذا أردتِ."

توقفت لثانية، وكأنني أردت أن أقول شيئًا... أن أقرأ وجهه، أن أفهم شيئًا خلف هذا الجمود. لكني لم أفعل.

"شكرًا لك، يا دوق."

التفتّ وغادرت بسرعة. لم ألتفت خلفي، لكن قلبي كان يطرق جدرانه بسعادة خفية. على الأقل... مرّ كل شيء بسلاسة، دون صراخ أو رفض أو نظرات احتقار. خطوة واحدة للأمام.

بعد أن غادرت أوريانا من مكتبه، بقي الدوق صامتًا للحظة، يتأمل الباب المغلق أمامه.

"هاه..."

تنهد تنهيدة ثقيلة، تحمل في طيّاتها أكثر من مجرد تعب جسدي. شبك يديه معًا، ثم انحنى برأسه عليهما، وكأن ثقله لم يعد يُحتمل.

كان يبدو منهكًا... منهكًا للغاية.

لا أفهم... ما الذي يحدث؟

همس داخل عقله، وكأن الكلمات أثقل من أن تُقال بصوت مسموع.

أنا حقًا متعب. حالة كاميلا لا تتحسن إطلاقًا، وجميع السحرة... لا يفعلون شيئًا سوى إطلاق النظريات والوعود الفارغة.

مرر يده على وجهه، وكأن ذلك قد يخفف شيئًا من الضغط المتراكم داخله.

وأوريانا... لا أستطيع الوصول إليها. منذ أن سقطت كاميلا في الغيبوبة، أصبحت غريبة. بعيدة. لم تعد تتعامل معي كما كانت تفعل في السابق. لا تناديني "أبي"، لا تنظر إليّ بنفس الطريقة...

كاميلا... كانت تفهم. كانت تعرف كيف تعبر، كيف تحتوي، كيف تفتح قلبها دون أن تخاف. أما الآن...

قالها أخيرًا بصوت منخفض، متهدج:

"لقد تعبت... حقًا... لا أدري ماذا أفعل بعد الآن. أنا فقط... أريد أن تعود كاميلا."

أسند ظهره إلى الكرسي، وأغمض عينيه.

"لم أعد أتحمل هذه الملامح الجليدية... هذا التماسك الزائف... هذا الدور الذي ينهشني كل يوم."

بعد أن عدتُ إلى غرفتي، أغلقت الباب خلفي ببطء وكأنني أُغلق على كل الأصوات التي لم أعد أرغب في سماعها.

أخيرًا...

خطتي للدخول إلى أكاديمية سولفار بدأت تتخذ شكلًا واضحًا. ما زلت في البداية، نعم، ولكنني وضعت أول حجر في طريق طويل قد يقودني نحو شيء... نحو أمل.

تلك الأكاديمية ليست مجرد مكان للدراسة، إنها فرصة. فرصة لأتعلم، لأقابل سحرة، لأكتشف شيئًا—أي شيء—قد يساعدني في إنقاذ الدوقة.

نظرتُ إلى النافذة، إلى السماء الرمادية التي بدأت الغيوم تثقلها.

لكن إن فشلت؟

شعور بارد تسلل إلى قلبي.

لا، يجب أن أكون واقعية. لا شيء مؤكد، ولا أحد مضمون. لذلك... يجب أن أضع خطة بديلة.

يجب أن أكون مستعدة للخروج من حدود هذه الدوقية. أن أبحث بيدي، بقدمي، بروحي إن لزم الأمر. العالم واسع... وفي مكانٍ ما، لا بد أن يوجد مخرج. أو معجزة.

لذا... إن أردت الاستعداد بشكلٍ كامل، فعليّ أن أضع خطة بديلة، في حال فشل أمر الأكاديمية.

الخروج إلى السوق العام فكرة محفوفة بالمخاطر، لكن لا خيار آخر. هناك ربما أجد تاجرًا يحمل مخطوطة سحرية عن الشفاء، أو ساحرًا متجولًا يعرف أسرار الدوقية. أو كتابًا نادرًا قد يقودني إلى خيط يساعدني في إنقاذ الدوقة.

وللقيام بذلك... عليّ التسلل خارج القصر.

لحسن الحظ، كنت قد رتبت لهذا الأمر مسبقًا.

بمساعدة رينا، إحدى الخادمات القليلات اللواتي لا يكرهنني، حصلت على زي بسيط يشبه زي الخدم. ولحسن الحظ، أوريانا الحقيقية نادرًا ما كانت تظهر علنًا، لذا لا يعرف وجهها معظم العامة. بالإضافة إلى ذلك، وجدت في صندوق قديم شعرًا مستعارًا بلون مختلف... سيساعدني على إخفاء هويتي أكثر.

نظرت نحو النافذة، عيني تقيسان المسافة.

أملك بعض الحبال هنا... ويمكنني ربطها جيدًا والتسلل من الشباك. الجميع سيكون نائمًا تلك الساعة.

ابتسمت بخفة، بثقة لم أُظهرها منذ زمن.

في حياتي السابقة كنت رياضية، لا بأس بالقفز أو التسلق... سيكون الأمر ممتعًا حتى

كان الوقت يقترب من منتصف الليل. تمددت على السرير، أغمضت عينيّ للحظات، ثم نهضت ببطء بعد أن تأكدت أن كل الأضواء مطفأة، حتى لا يثير أي تحركي الشك.

الآن... حان الوقت.

فتحت خزانتي بهدوء شديد، أخرجت ملابس الخدم التي أعددتها مسبقًا وارتديتها بسرعة. ثم التقطت الشعر المستعار، لونه بني باهت ومظهره عادي تمامًا، لا يلفت الانتباه.

تقدمت نحو المرآة الصغيرة بجوار السرير، نظرت إلى انعكاسي بدقة.

جيد جدًا... لا أبدو كأوريانا على الإطلاق.

أمسكت خصلة من الشعر المستعار وسويتها خلف أذني، ثم ابتسمت بارتياح خفيف.

لم أعتقد أن مهاراتي في التنكر من الأيام القديمة ستفيدني هنا.

سرت في الغرفة بخفة، وقلبي ينبض بتوتر ممزوج بالحماسة. الآن أين الحبل؟

سحبت الصندوق الخشبي أسفل السرير، وفتحت غطاءه بهدوء. الحبل كان ملفوفًا بعناية كما تركته.

كل شيء يسير حسب الخطة.

حملت الحبل بعناية وتقدمت نحو النافذة. فتحتها بهدوء، تاركة نسيم الليل البارد يلامس وجهي.

حسنًا... لحظة الحقيقة.

ربطت طرف الحبل بعمود الستائر المعدني، ثم أنزلته ببطء حتى لامس الأرض. التفتُّ نحو الغرفة بنظرة أخيرة، ثم تسلقت حافة النافذة وبدأت في النزول ببطء، ممسكة بالحبل بإحكام.

كانت قدماي تنزلقان على الحائط الحجري البارد، ومع كل حركة، كانت هناك أصوات خافتة تصدر عن احتكاك نعلي بالحجارة. حاولت أن أخفف من حدّتها، لكن بعضها خرج رغماً عني، كأن الجدار يرفض أن يتعاون.

أرجوك... فقط القليل بعد.

اقتربت من الأرض، نبضي يتسارع، يداي بدأت تؤلماني، لكنني ضغطت على أسناني وأكملت النزول. ما إن لامست قدماي الأرض حتى سمعت صوت نافذة تُفتح فجأة من فوقي.

اللعنة!

اندفعت بسرعة واختبأت خلف شجرة قريبة، حبست أنفاسي، وألصقت جسدي بجذعها البارد. من خلال الفراغ بين الأغصان، رأيت ليونارد يُطلّ من النافذة، يتلفّت حوله ببطء.

"ما هذا؟" قال بصوت خافت، وعيناه تتفحّصان الظلام، "أنا متأكد من أني سمعت صوت أقدام... كأن أحدًا كان يتسلق."

تجمّدت الدماء في عروقي.

لحظة مرت كأنها دهر، ثم أخيرًا، أغلق النافذة وعاد.

نجوت... بالكاد.

أخرجت الحبل من الأرض بسرعة وخبأته تحت مجموعة من الشجيرات الكثيفة.

نظرت حولي. كل شيء ساكن.

الآن عليّ المغادرة، لا مجال للتراجع.

بدأت أسير بحذر نحو البوابة الرئيسية، أتنقّل بين الظلال، محاوِلة ألا أُظهر نفسي لأي خادم قد يكون في نوبة حراسة ليلية. خطواتي خفيفة، أنفاسي محسوبة، وكل نبضة في قلبي تردد في أذني كجرس إنذار.

فقط القليل بعد... لا أريد أن أُمسَك الآن.

ما إن وصلت إلى البوابة الرئيسية، حتى تجمّدت مكاني للحظة. كان هناك حارسان يقفان متيقظين، سيوفهما تتدلّى على جانبيهما والبرد الليلي يُضفي على وجهيهما قسوة أشد.

اقتربت منهما بخطوات محسوبة، محاوِلة أن أبدو واثقة قدر الإمكان.

"المعذرة... هل يمكنني الخروج؟"

التفت أحدهما ناحيتي، رجل ضخم الجثة ذو نظرات حادة، وقال بصوت خشن مملوء بالريبة:

"هيا، من تظنين نفسك لتطلبي الخروج في هذا الوقت؟ لو أخطأنا وتركناكِ، الدوق لن يرحمنا.

إنه منتصف الليل، أتعرفين ما يعني هذا؟ أم أنك... تحاولين الهرب؟"

اقترب مني حتى صار وجهه أمام وجهي، ورائحة العرق والمعدن تعبق في الهواء، وعيناه تتفحصانني كأنهما تحاولان اختراق قناعي.

نظرت له بثبات وقلت ببرود، دون أن أرمش:

"أنا أخرج لأشتري شيئًا، ثم من أنت لتحاكمني؟"

تحرّك الحارس الآخر بسرعة، وكان أكثر لطفًا، حاول تخفيف التوتر قائلاً بنبرة هادئة:

"آه، إليكس... اهدأ قليلاً. المعذرة، ما اسمك؟"

"إيرين"، أجبت على الفور، حتى إنني اندهشت من سرعة اختلاقي للاسم.

رمش الحارسان بتزامن، وتبادلا النظرات كأنهما يسألان بعضهما: هل علينا تصديقها؟

قال الحارس الودود بصوت معتذر قليلاً:

"حسنًا يا آنسة إيرين، ما كان إليكس يحاول قوله... هو أنك لا يمكنكِ الخروج دون إذن مباشر من الدوق أو من أحد مسؤولي الدوقية."

رفعت رأسي بثقة، وتحدثت بنبرة شبه متعجرفة:

"لقد حصلت على الإذن. أنا ذاهبة بأمر من سيدتي، الآنسة أوريانا."

تغيّرت نظراتهما، وكأن الاسم وحده كان كافيًا لزرع الشك في نفسيهما. تبادلا النظرات من جديد، هذه المرة أكثر حذَرًا.

هيا... صدّقاني، فقط دعاني أمر.

"هيا... ما الذي يحدث هنا؟"

جاء الصوت من بعيد، صوته العميق والواثق اخترق سكون الليل كالسيف، فأصابني بقشعريرة جعلتني أتجمد في مكاني.

لا... لا، ليس هو، مستحيل!

عرفت ذلك الصوت فورًا، لم يكن مجرد صدى عابر. بل كان الصوت الذي لم أكن أتمنى سماعه الليلة، أو في أي ليلة.

رد الحارس الهادئ، محاولًا شرح الموقف:

"هذه الآنسة... إيرين، وتقول إنها تخرج بأمر من الآنسة أوريانا."

"أوريانا؟" تكرّر الاسم منه كطعنة باردة. "إذن هي أنتِ... انظري إليّ."

كلماته الأخيرة كانت أمرًا، لا طلبًا.

تجمدت تمامًا. لم أستطع الحركة. كل خلية في جسدي صرخت: اهربي! لكن قدميّ رفضتا الطاعة.

لا، لا... رجاءً، ليس هو... فقط تشابه في الأصوات... أرجوك، أخبرني أنني أتخيل.

ببطء، وكأن الهواء من حولي صار ثقيلًا كالحديد، التفتُّ نحوه...

وكانت الصدمة.

كنت محقّة... إنه هو.

عينيه، ذلك البرود القاتل، تلك الهيبة المخيفة التي تجبر الجميع على الانحناء دون أن ينطق بكلمة.

لماذا... لماذا عليه أن يظهر الآن؟ لماذا الليلة تحديدًا؟

2025/05/05 · 27 مشاهدة · 2154 كلمة
نادي الروايات - 2025