التفت لي ذلك الشخص... بعينين زرقاوين وشعر أزرق داكن، لا يمكنني الخطأ في معرفته.

إنه هو... أخي، أوسكار.

شعرت بأن قلبي توقف لوهلة. حاولت أن أتماسك، أن أبدو طبيعية، ألا أُظهر أي ذرة من التوتر أو الخوف... لكن عينيه كانتا تحاصراني، كأنهما تبحثان في أعماقي عن حقيقة ما.

تقدم نحوي بخطوات هادئة، مريبة، ثم مال بجسده قليلًا نحوي، وعيناه لازالتا مغروزتين في عينيّ مباشرة، وقال بصوت منخفض لكن حاد:

"إذًا... تقولين إن أوريانا طلبت منك الخروج؟ وما هو الشيء الذي طلبته؟"

تبًا... لم أفكر في ذلك! لماذا لم أفكر في حجة مناسبة قبل أن أخرج؟!

شفتاي ارتجفتا قليلًا، حاولت أن أقول شيئًا... أي شيء، لكن الكلمات علقت في حلقي.

"لـ... لقد طلبت-"

سحقًا! ماذا أقول؟! لا شيء يبدو منطقيًا الآن!

بدأ العرق يتجمع في راحتيّ، وأوسكار ما زال يحدق بي وكأنه يقرأ أفكاري.

لماذا... لماذا عليه أن يظهر الآن؟ ذلك الحقير، دائمًا يظهر في أسوأ الأوقات...

"لـ... لقد طلبت-"

توقفت، أحاول جمع أفكاري المبعثرة. عينا أوسكار لم ترحماني، كأنهما تنتظران أدنى زلة.

تنفستُ بعمق، وأجبرتُ نفسي على الثبات.

"طلبت مني شراء بعض الأعشاب النادرة من السوق... قالت إنها تحتاجها لتجربة خاصة."

رفع أوسكار حاجبه، ومرّت على شفتيه ابتسامة خفيفة-لكنها لم تكن مطمئنة.

"أعشاب نادرة؟ في منتصف الليل؟"

اقترب خطوة، حتى شعرتُ بأنفاسه الساخنة تلامس وجهي.

"أوريانا ليست من النوع الذي يرسل خادمة في مهمة كهذه دون إخباري. أنتِ... لستِ خادمة، أليس كذلك؟"

شعرت بأن الأرض تتلاشى تحت قدمي، لكن بدلاً من الاستسلام، رفعتُ ذقني وتكلمت بنبرة متحدية:

"إذا لم تصدقني، اذهب واسأل الآنسة أوريانا بنفسك. لكن لا تلمني إذا غضبت لأنك شككتَ في أوامرها."

توقف أوسكار، عيناه تتفحصانني ببطء، كأنهما تحاولان اختراقي.

ثم، فجأة، ضحك بصوت خافت، خالٍ من الدفء.

"جريئة... حسنًا، سأسمح لكِ بالمرور هذه المرة. لكن إن اكتشفتُ أنك تكذبين، يا 'إيرين'... ستندمين."

تراجع خطوة للخلف، وأشار للحارسين بإيماءة سريعة.

"دعوها تمر."

تحركت بسرعة، قلبي يخفق كطبول الحرب، لكني شعرت بنظراته تحترق في ظهري وأنا أعبر البوابة.

كنت أعلم جيدًا... هذه ليست النهاية.

أوسكار لن يتركني بهذه السهولة.

كنتُ أسير بين الشوارع بهدوء، أراقب الوجوه حولي بعناية، وأبدأ بسؤال المارة عن الطريق إلى السوق.

والجيد في الأمر... أنه لم يتعرف عليّ أحد.

لم يشك بي أحد، وهذا طبيعي-فأوريانا بالكاد كانت تغادر القصر، ولا يعرفها أحد من عامة الناس.

رغم ذلك، شعرتُ بتوتر يتسلل إلى صدري. هذا العالم جديد عليّ، وأنا أتحرك فيه كمن يمشي على قشرة بيضة.

لكن لا وقت للتردد الآن. عليّ أن أجد ما أبحث عنه... وبسرعة.

بدأتُ أتمشى في السوق ببطء، أراقب الأضواء المعلقة تتلألأ بهدوء، تنعكس على الطرقات وتمنح المكان سحرًا خاصًا.

هذه أول مرة أرى فيها هذا العصر عن قرب.

صحيح، لا وجود لهواتف أو إلكترونيات، ولا تكنولوجيا متقدمة كما في حياتي السابقة، لكن...

المشي في الهواء الطلق هكذا؟ كنتُ أحلم به دومًا.

في حياتي الماضية، لم يكن الأمر سهلاً أبدًا.

هنا، رغم كل شيء، يبدو الناس أقرب لبعضهم. لا أحد يركض خلف وهم الإنجازات أو يغرق في الشاشات. الجميع منشغل بعمله، نعم، لكن بطريقة مختلفة... أكثر إنسانية، أكثر دفئًا.

هذه الأجواء... تجعلني أتمنى لو لم أكن مرتبطة بشيء.

لو لم أكن "أوريانا".

لكن لا فائدة من التمني. يجب أن أنقذ الدوقة، ثم... أقبل قدري.

هذا المكان ليس مكاني على أي حال.

في النهاية، أنا شخص "ميت"... فقط أعيش حياة لا تخصني.

كنت أتمشى وسط السوق، أراقب الأضواء المعلقة على واجهات المحال، تنعكس على الحصى الرطب كأنها نجوم سقطت على الأرض. الهواء كان عليلًا، محمّلًا برائحة الخبز الطازج والتوابل، وصوت الباعة يتناثر في المكان مثل موج هادئ.

وسط كل هذا، لفتت انتباهي امرأة عجوز، ظهرها محني وأصابعها النحيلة تقبض على حقيبة قماشية ممتلئة بالخضار. خطواتها كانت ثقيلة، وأنفاسها متقطعة، وكأن كل خطوة تنزع من عمرها سنة.

هممت أن أشيح بنظري، أقنعت نفسي أن لا دخل لي. "سأرحل في النهاية، أليس كذلك؟ ما الداعي للتورط؟"

لكن قبل أن أقرر، انطلقت مجموعة من الفتية يركضون في الطريق. ثلاثة أو أربعة، ضحكاتهم عالية، أرجلهم تدوس الأرض دون وعي. أحدهم اصطدم بالسيدة.

"آه!" صرخت وهي تهوي جانبًا، تتناثر الخضروات من الحقيبة، وتنكسر بيضة كانت ملفوفة في قطعة قماش.

تجمّع الشباب حولها، أحدهم—بشعر كستنائي مبعثر وعينين ضيقتين—صرخ بعنف:

"هل أنتِ غبية؟! امشي بعينك على الأقل!"

ثم نظر إلى يده بازدراء، وكأن شيئًا نجسًا لامسه:

"سحقًا... لا أصدق أني لمستك."

اقترب خطوة منها، ورفع يده كأنه سيضربها.

في داخلي، شيء اشتعل. قبضتُ يدي بقوة. قلبي كان يصرخ "لا تتدخلي!"، لكن قدمي تقدمتا من تلقاء نفسي.

ترددت لحظة. "إنهم شخصيات خيالية... لماذا عليّ أن أعرّض نفسي للخطر؟"

لكن عينَي العجوز، الممتلئتان بالخوف، أعادتاني سنين للوراء. تذكّرتُ لحظة كنتُ فيها أنا على الأرض... وأهلي كانوا يمرون بجانبي دون أن تلتفت.

"إذا كانوا يشعرون كما أشعر... فلا فرق بيننا."

أخذت نفسًا عميقًا، وتقدّمت خطوة.

أسرعتُ بخطاي، ووضعتُ كلتا يدي أمام السيدة العجوز، حاجزةً بينها وبين الشاب الذي كان يهمّ بضربها.

قلت بصوت ثابت رغم ارتجاف قلبي:

"هيه، أنت! أهذه رجولة؟ تضرب امرأة؟ ثم إنها بعمر جدتك!"

توقف الشاب، ورفع حاجبه بازدراء وهو ينظر إليّ من أعلى لأسفل.

"وما شأنكِ أنتِ؟ اذهبي في حال سبيلك، لا أريد إيذاء فتاة جميلة مثلك."

قبل أن أرد، اقترب أحد رفاقه—يبدو أهدأ، بملامح أقل عدوانية—ووضع يده على كتف الأول وقال:

"ريكو، دع السيدة وشأنها. هذا ليس وقت الشجار."

ثم التفت إليّ، وعلى وجهه ابتسامة لا تخلو من خبث:

"وأنتِ... ما اسمك؟"

نظرتُ إليه بحذر، حدسي يصرخ بوجود خطر رغم ابتسامته المتصنعة. لكنه تجاهل نظراتي الباردة واستمر في حديثه بنبرة متسلية:

"فتاة جميلة... وجريئة أيضًا. أليس كذلك؟ ما رأيكِ أن تأتي معنا؟ نُريكِ المدينة... بطريقتنا الخاصة."

اشمئززت من نبرته، ومن تلك النظرات التي لا تجهل ما تريد. عضضتُ على شفتي للحظة، ثم نطقتُ بثبات لم أكن أشعر به داخليًا:

"أيها الحثالة، ابتعد عني. هذا مقزز. أنا لست سهلة المنال كما تعتقد."

رغم أن صوتي خرج واثقًا، كانت يداي ترتجفان بخفة. في حياتي السابقة، كنت رياضية، أمارس الكاراتيه والجري يوميًا، وكان جسدي أداة قوية للدفاع. لكن هذا الجسد؟ جسد أوريانا... لا أعلم ما إن كان يمتلك ذات اللياقة أو القوة. في أفضل الأحوال، قد أستطيع إسقاط واحد منهم فقط، قبل أن ينقضّ الباقون.

اقترب أحدهم — كان يبدو أكثر هدوءًا من الآخرين، بملامح متزنة وشعر أسود منسدل يغطي جانبًا من وجهه. حرّك خصلاته بأصابع طويلة قبل أن يبتسم بخبث:

"هيا، لا تتحدثي بجُرأة هكذا. نحن جميعًا وسيمون هنا، ألا تلاحظين؟ فلتأتي معنا، لن تندمي..."

اقترب ببطء، ثم مد يده ليضعها عليّ. وفي لحظة، دون أن أفكر، تحرك جسدي تلقائيًا كما لو كان يتذكر تدريبات الماضي. رفعت قدمي، وبحركة حادة وسريعة، ركلت رأسه بقوة، فهُوي على الأرض بقوة كافية ليرتطم رأسه بالحجارة الصلبة.

صوت الاصطدام تردد في المكان، تلاه صمت ثقيل للحظة. الشاب الآخر، الذي تحدث أولًا، تراجع خطوة، يتطلع لي بعينين متسعتين، وقد تحول استهزاؤه إلى غضب متصاعد.

شعرت بالأنفاس تُحبس من حولي، وبنظرات المتفرجين بدأت تتجه إلينا. لم أكن واثقة مما سيحدث الآن، لكن شيئًا في داخلي كان يهمس بثقة:

"قد لا أكون من هذا العالم، لكني لست ضحية هنا أيضًا."

نهض الشاب الذي أسقطته أرضًا ببطء، وعيناه مشتعلتان بالغضب. مسح الدم عن زاوية فمه وهو يزأر:

"أيتها... كيف تجرؤين!"

تحرك نحوي بخطوات سريعة، وبقية رفاقه التفوا حولي وكأنهم ذئاب تطوق فريستها. قلبي بدأ يخفق بجنون. لا… لا يمكنني القتال الآن، ليس ضد هذا العدد.

"لماذا دائمًا أنا؟" همست في داخلي. "كلما حاولت فقط أن أعيش، تأتي مشكلة من العدم ولماذا كان على أن أتدخل أنا حمقاء!"

نظرت حولي بحثًا عن أي وجه مألوف، عن شخص يُبدي رغبة في التدخل… ولكن لا شيء. الناس يتراجعون خطوة تلو الأخرى، يتظاهرون بعدم رؤية شيء، وبعضهم يشيح ببصره فورًا. شعور بالخوف تملكهم… وأتفهمهم.

كانت العصابة توحي بالخطر. ملابسهم القذرة، نظراتهم الوقحة، الثقة التي يمشون بها وكأن المدينة كلها تخافهم.

"ماذا سأفعل؟" حاولت التفكير بسرعة، لكن قبل أن أقرر، أحسست بيد تمسك بذراعي بعنف.

نفس اليد.

نفس القبضة التي شدني بها أوسكار من قبل.

أدرت رأسي بسرعة، فرأيت وجه الشاب القذر يبتسم بسخرية، يشدني نحوه بقوة.

"سحقًا...!" تمتمت. "ما قصة شباب هذا العالم؟ هل هم جميعًا مجانين؟!"

صرخت وغضبي يتصاعد، حاولت أن أرفس ساقه، لكن يدًا أخرى أمسكت بمعصمي قبل أن أتحرك.

"الآن، ستأتين معنا... بالقوة."

ابتسم بخبث وهو يقترب مني أكثر، صوته منخفض وملوث بالتهديد:

"وستندمين... أشد الندم."

مصيبة… مصيبة… يا لي من حمقاء!

لماذا لم أحضر شيئًا أدافع به عن نفسي؟ كيف أغفلت هذا؟!

وقفتُ في مكاني، يداي ترتجفان، وقلبي ينبض بعنفٍ أشعر به في أذنيّ. الأشخاص من حولي يبدون مرعبين، وكلهم ينظرون نحوي بنية واضحة.

كنت أظن أنني قادرة على التعامل مع الموقف… لكنهم كثيرون، وأنا لست في جسدي السابق. جسد أوريانا أضعف، لا يتمتع بنفس القوة أو المرونة التي كنت أمتلكها من قبل.

ربما أستطيع إسقاط أحدهم، لكن... ليس جميعهم.

يا ليته كان هنا...

ليونارد.

رغم كراهيتي له، إلا أنني أعلم أنه كان سيتدخل. على الأقل كان سيمنعني من السقوط في هذا الموقف.

شعرت بقبضة قوية تشدّني من ذراعي، نفس القبضة التي جرّني بها أوسكار من قبل، نفس الإذلال، نفس العجز…

سحقًا لكم… جميع شباب هذا العالم مجانين.

حاولت أن أركله، أن أُبعده عني، لكن أحدهم أمسَك بذراعي الأخرى.

"الآن ستأتين معنا بالقوة… وستندمين أشد الندم."

قالها بصوت بارد كالسّم، وكانت عيونه تلمع بخبث.

رأسي كان يصرخ… لكني لن أستسلم!

في لحظة انفعال، تحرّك جسدي دون تفكير… انحنيتُ بسرعة وعضضت يد من كان يمسك بي بكل ما أوتيت من قوة، وصوت صرخته اخترق المكان.

ثم التفتُّ وضربت الآخر في عينه بكل قوتي، دفعت بأظافري في وجهه دون تردد.

"الآن!"

كان هذا كل ما فكرتُ فيه… يجب أن أهرب الآن، فورًا!

نظرتُ للسيدة العجوز التي لا تزال مُلقاة على الأرض، وقلبي ينكمش من الخوف عليها، لكنني أعلم أن أنظارهم الآن موجهة إليّ، لا إليها.

بدأت أركض بأقصى ما أملك من سرعة، أحاول التوغل في الأزقة والشوارع الضيقة، أصواتهم لا تزال خلفي:

"أمسِكوا بها! لا تدَعوا تلك الحقيرة تهرب!"

ركضت… وركضت… أقدامي تلامس الأرض كأنها تطير، أتنقل من شارع لآخر، لا أعرف إلى أين، فقط أريد أن أبتعد، أن أُخفي أثري.

وأخيرًا، "وصلت إلى شارع مسدود، رائحة القمامة تخنق الهواء. توقفت، ألهث، وظلال الجدران العالية تحاصرني، أتنفس بصعوبة، ظهري ملتصق بالجدار.

انزلقت قدماي وسقطت جالسة، ويديّ ترتعشان.

"هاه… هاه… أنا متعبة."

لكنني نجوت. على الأقل… هذه المرة.

بدأت ألتفت حولي ببطء، أحاول أن أتحقق إن كانوا قد تبعوني.

لكن لا أثر لهم.

لا صوت لخطوات ثقيلة، لا صراخ أو تهديد…

فقط أنفاسي المتقطعة تملأ الصمت من حولي.

"هاه… هاه… يبدو أنهم لم يأتوا… الحمد لله…"

انهرت جالسة على الأرض، جسدي منهك تمامًا، وكأنني حملت جبالًا على ظهري.

ضممت يديّ فوق ركبتيّ، وانحنيت برأسي عليهما.

شعور بالخزي… بالغضب… بالحماقة… اجتاحني دفعة واحدة.

"سُحقًا… لماذا جئتُ إلى هذا العالم؟!

لماذا أقع في المشاكل منذ لحظة ظهوري؟!

لماذا... ساعدت تلك السيدة العجوز؟"

كنت أحاول أن أجد مبررًا، أي مبرر يجعل ما فعلته يبدو منطقيًا.

ربما لو تجاهلتها فقط… ربما كانوا سيصرخون وينصرفون.

كنت سأُكمل طريقي، أبحث عن معنى لتجسدي، عن هدف…

لكن لا، أنا تدخّلت، تصرفت باندفاع… وها أنا الآن، في شارع مسدود، خائفة، متألمة، ولم أُنجز شيئًا.

"أنا… حمقاء."

وفجأة، سمعت صوت خطوات… بطيئة، لكنها تقترب.

تجمّدت.

شعرت بقشعريرة تزحف على ظهري، وكل خلية في جسدي صرخت:

"هل لحقوا بي؟!"

رفعت رأسي ببطء، عيناي تتفحّصان الاتجاه الذي يأتي منه الصوت، وقلبي يكاد ينفجر من الرعب...

2025/05/09 · 24 مشاهدة · 1763 كلمة
نادي الروايات - 2025