سرت عبر المدينة بخطى سريعة، متجنبة الطرق المزدحمة والأنظار الفضولية.

الضوء الخافت للفوانيس المتناثرة كان يراقبني بصمت، والليل نفسه بدا وكأنه يحبس أنفاسه.

كانت هذه المدينة جميلة… لكنها تحمل قسوة لا يراها إلا من جُرِح.

مررت بالسوق، حيث الأضواء الباهتة تتراقص على الواجهات، والباعة يوشكون على إنهاء يومهم.

لم أتوقف، لم ألتفت.

ليلة كهذه لا تتحمل الأخطاء.

— "جيد جدًا…"

همست لنفسي وأنا أُمسك بطرف عباءتي.

"هذه المرة… علي ألا أُعرض نفسي للمشاكل. لن أتدخل. لن أُخدع."

رفعت رأسي قليلًا، أنفاسي هادئة لكن قلبي ينبض كطبول الحرب.

كان هناك جزء مني يكره هذا الشكل… شكل الصبي المتنكر.

صوتي، مشيتي، حتى ظلّي… لا يشبهونني.

— "لا أحب الدخول بهذا الشكل."

يدي تحسست داخل العباءة، وأخرجت قطعة القماش السوداء.

عباءتي المفضلة… حافتها مطرزة بخيوط داكنة بالكاد تُرى، لكنها تمنحني بعض الطمأنينة.

ارتديتها ببطء، كما لو كنت أرتدي هوية جديدة.

لكن لا زال هناك شيء ناقص…

— "أحتاج إلى قناع… لا يمكن أن يراني أحد بوجهي هذا. ليس في دار المزادات السوداء."

نظرت حولي. الباعة على وشك المغادرة، لكن في أحد الزوايا، رأيت دكانًا صغيرًا، قديمًا، بالكاد تضيئه شمعة داخلية.

لافتته خشبية، نصفها مكسور، مكتوب عليها بخط باهت: "أقنعة - تمائم - سحر وهم."

ابتسمت بخفة.

— "تمامًا ما أحتاجه."

دخلتُ المتجر، ولفحني هواء بارد، مشبع برائحة قديمة… رائحة الخشب، والجلد، ولمسة من عبق البخور الخفيف.

لم يكن المكان مضاءً بالكامل، فقط عدة شموع متناثرة تلقي بظلال طويلة فوق الرفوف والمعلّقات.

سرت بين الممرات بصمت، أناملي تلامس بعض القطع الخفيفة من القماش، والتمائم، والمرايا الصغيرة التي تعكس وجهي المتنكر.

ثم وقعت عيناي عليه…

قناع أبيض، بتفاصيل ذهبية دقيقة.

كأنّه نُحت ليخصّني. أنيق، بسيط، لكن يحمل هالة من الغموض.

— "هذا هو."

مددت يدي والتقطته برفق.

وزنه خفيف… ناعم الملمس… لكنه يخفي وجهًا أنهكته الأرواح، والهوية.

أخرجت كيسًا صغيرًا من بين طيات ملابسي…

بعض القطع الذهبية، المتبقي من مصروف أوريانا لهذا الشهر.

كنت قد خططت لادخارها، لاستخدامها في الضروريات… لم أكن أحب التبذير. لم أكن أعرفه حتى.

لكنني حين استدرت لأتوجه نحو البائع، لمحت شيئًا آخر.

مروحة فضية، على أرضية سوداء مخملية، يزينها نقوش فراشات رقيقة.

تقدّمت منها، كأن شيئًا يسحبني بلطف نحوها.

أمسكت بها… لم تكن ثقيلة، بل خفيفة كهمسة، وعندما فتحتها، صدرت منها نقرة رقيقة هادئة… أنيقة للغاية.

— "أليست هذه المراوح التي تستعملها النبيلات؟"

همست وأنا أتأمل انعكاسها الخافت على سطح الطاولة.

في حياتي السابقة… لم أمتلك شيئًا كهذا.

لم أجرب يومًا أن أشتري شيئًا لمجرد أنه جميل. دائمًا كنت أبحث عن "النافع"… عن الضرورة.

لكن هذه اللحظة… هذه الرغبة الصغيرة… لم تكن تافهة.

— "هل يعد شراء مروحة… تبذيرًا؟"

سؤال سخيف، لكن قلبي نبض له بإصرار.

ابتسمتُ بخفة وأنا أضمها برفق.

— "ربما، لكن… سأشتريها."

ليس لأنها ضرورية.

بل لأني أريدها.

ولأني – لوهلة – أريد أن أسمح لنفسي بأن أرغب.

دفعت المال بهدوء، تأكدت أن لا أحد يراقبني، ثم التقطت القناع والمروحة وخرجت من المتجر دون أن ألتفت خلفي.

الهواء في الخارج كان بارداً قليلاً، محملاً برائحة الغبار والدخان، وأصوات المدينة في الليل بدت بعيدة، كأنها خلف ستار من الصمت المتعمد.

سرتُ خطوات قليلة، ثم لمحت رواقًا ضيقًا بين مبنيين، مظلمًا وخاليًا من المارة.

"جيد… هذا ما أحتاجه."

دخلتُ الرواق بخفة خطوات خادم اعتاد التواري عن الأنظار.

الجدران كانت متشققة قليلاً، وبعض نباتات الزينة الذابلة تساقطت من شرفات مهملة.

تأكدت من عدم وجود أحد، ثم رفعت يدي إلى أذني وخلعت القرط السحري.

"هكذا… انتهى دور الصبي."

في لحظة، تلاشت الوهم، وعادت ملامحي الحقيقية.

شعري الطويل انسدل مجددًا، وملامحي الأنثوية عادت لتتجلى تحت ضوء القمر الخافت الذي تسلل من بين المباني.

أخرجت العباءة السوداء من الحقيبة الصغيرة التي أخفيتها تحت ملابسي، وارتديتها بعناية.

نسيجها الثقيل احتضن جسدي، وشعرت كأنني أعود لطبقة أخرى من التخفي. ثم فتحت القناع الأبيض ذو التفاصيل الذهبية، ورفعته ببطء لأضعه على وجهي.

نظرت إلى نفسي في مرآة صغيرة أخرجتها للحظة.

"مجهولة… وغامضة… تمامًا كما يجب أن أكون."

أخرجت الختم الذي أعطتني إياه السيدة العجوز من جيب العباءة، وتفحصته مرة أخرى تحت ضوء القمر الخافت.

نقشٌ صغير كان محفورًا في الخلف، بالكاد يُرى… لكنه كان هناك.

"حانة الغراب – بجوار برج السحرة."

فتحت عيني بدهشة خفيفة.

"حقًا؟ دار المزاد السوداء… مختبئ في حانة؟! بل وبجانب برج السحرة؟"

نظرت إلى الورقة مجددًا كأنني أتأكد أني لم أُخطئ القراءة.

"ألا يخافون أن يُكشف أمرهم؟ أم أن هذا هو ذكاؤهم الحقيقي؟ إخفاء الأسرار في أوضح الأماكن..."

أخفيت الختم جيدًا، وشددت العباءة حولي، ثم تنفّست بعمق.

"لا بأس… عليّ الذهاب بسرعة قبل أن يغلقوا الدخول."

ثم بدأت أسير بخطى هادئة بين الأزقة، تاركة وراء ظهري المدينة التي لا تنام… ومتجهة نحو حانة "الغراب "، حيث تختبئ أسرار لا تُقال، وأشياء لا تُباع إلا في الظلام.

وصلتُ إلى الحانة أخيرًا. من الخارج، بدت عادية… بل عادية إلى حد مريب. لا لافتة براقة، ولا موسيقى صاخبة، فقط ضوء خافت يتسرّب من النوافذ الصغيرة، ورائحة الخشب القديم ممزوجة بدخان خفيف تلوح من الباب.

وقفت أمامها للحظة، ثم دفعت الباب ودخلت.

كخطوة أولى، لم أذهب مباشرة للنادل.

بل توجهت إلى طاولة بعيدة في الزاوية، حيث يمكنني رؤية كل من يدخل ويخرج. جلستُ، وسحبت قبعتي قليلًا للأسفل فوق القناع. لا يجب أن أندفع… عليّ أن أراقب أولًا.

"هل هناك كلمة سرّية؟ أم أن الختم وحده كافٍ؟"

تساؤل دار في رأسي وأنا أراقب حركة النادل، خطوات الزبائن، والتبادل الغامض بينهم. المكان لم يكن مكتظًا، لكنه ليس فارغًا كذلك، وبعض الوجوه فيه... لا تشعرك بالراحة.

ثم اقترب مني النادل، شاب يبدو في منتصف العشرينات، شعره مربوط للخلف ونظرته حادة لكنها محترفة.

— "آنستي، ماذا ترغبين بطلبه؟"

شعرت بالارتباك للحظة.

"ما الذي يمكنني طلبه في حانة كهذه؟! لا أحب الكحول، ولا حتى أستطيع طلبه… أنا قاصر في هذا العالم أيضًا."

ثم أجبت بتردد، محاوِلة الحفاظ على نبرة صوتي هادئة:

— "أه… هل يمكنني الحصول على بعض الماء إلى أن أقرر؟"

توقّف النادل لوهلة، كأنه استغرب طلبي، أو أنه لم يسمع مثله كثيرًا هنا. لكن سرعان ما انحنى وقال:

— "حاضر، كما ترغبين يا آنسة."

راقبته يبتعد، وأنا أحاول قراءة أي علامات غير طبيعية من حولي.

"الآن... متى أعطيهم الختم؟ هل أنتظر إشارة؟ أم أن النادل نفسه هو الوسيط؟"

وضعت يدي على الجيب الداخلي حيث أخفيت الختم، وأغمضت عيني للحظة.

"أحتاج أن أتحرك بحذر. خطوة واحدة خاطئة، وقد لا أخرج من هذا المكان حيّة."

بينما كنت أرتشف ببطء الماء الموضوع أمامي، رأيت شخصًا يدخل من الباب الخلفي الجانبي.

كان يرتدي عباءة سوداء مشابهة لعباءتي، ووجهه مخفي تمامًا خلف قناع داكن. خطواته كانت واثقة، ولكن لا تخلو من الحذر.

عيني لاحقته فورًا.

"هل هو من روّاد المزاد أيضًا؟"

تحرك مباشرة نحو النادل الذي كان قد أخذ طلبي منذ قليل. لم يكن يتصرف كزبون عادي. وقف قربه وهمس بشيءٍ ما.

اقتربت بخفة من الطاولة المجاورة، متظاهرة بأنني أبحث عن كرسي، ثم جلست في صمت، أرهف السمع بكل جوارحي.

"شرابٌ داكن، يُقدَّم في صمت، ويُنسى ببطء."

قالها بصوت خافت، بالكاد يُسمع، ولكنها كانت واضحة بالنسبة لي.

رأيت النادل يومئ برأسه بإيماءة شبه غير ملحوظة، ثم مدّ يده نحو الرجل بخفة.

ذلك الشخص أخرج شيئًا من عباءته…

ختم! بدا مشابهًا تمامًا للختم الذي أملكه.

تناول النادل الختم، نظر إليه سريعًا، ثم أومأ من جديد وهمس:

— "اتبعني."

ثم اختفى الاثنان خلف ستارة داكنة قرب الدرج المؤدي للأسفل.

ابتسمت، ووضعت يدي فورًا على الختم الذي أخفيته في جيبي الداخلي.

"رائع… الآن أعلم كلمة السر، وأعلم الطريق."

قلبي بدأ ينبض بقوة، ليس خوفًا… بل من شدّة التركيز.

"شرابٌ داكن، يُقدَّم في صمت، ويُنسى ببطء…"

همست بالكلمات لنفسي، وكأنني أتمرن على نطقها دون تردد.

انتظرت بصبر حتى عاد النادل، بعد أن رافق الرجل الآخر خلف الستارة الداكنة. نهضت بهدوء وتقدمت نحوه بخطى واثقة.

رفع نظره نحوي بابتسامة خفيفة وقال:

— "آنستي، هل قررتِ ما الذي تودين طلبه؟ يمكنك الجلوس وسأحضره لك."

نظرت إليه بثبات، ثم نطقت الكلمات بهدوء مقصود:

— "أريد شرابًا داكنًا… يُقدَّم في صمت، ويُنسى ببطء."

تجمد للحظة. كانت ردّة فعله دقيقة، لكنها لم تفلت من عيني. نظرة خاطفة، ووميض شكٍ في عينيه، ثم ارتباك طفيف في نبرة صوته.

هل سمعتها من أحد؟ مستحيل… كنت حذرًا. أم أنها تعرف؟ هل هناك خطب ما؟

كانت الأسئلة تدور في رأسه، قرأتها في صمته.

لكني لم أمنحه الوقت ليسترسل أكثر.

قاطعته بنبرة ثابتة، دون أن أرفع صوتي:

— "عذرًا، سيدي. كما أخبرتك… أريد شرابًا داكنًا، يُقدَّم في صمت، ويُنسى ببطء."

ثم أخرجت الختم من جيبي الداخلي ومددته إليه بهدوء.

تردد قليلاً قبل أن يتناوله، ثم تفحصه بعين خبيرة.

مرّت ثوانٍ، قبل أن يومئ لي بإيماءة خفيفة تغيرت معها ملامحه.

همس:

— "من هذه الطريق، آنستي… من فضلك."

ثم التفت وسار نحو الستارة الداكنة ذاتها، القابعة بجوار السلم المؤدي إلى الأسفل.

نهضت ببطء، أحكمت تثبيت القناع على وجهي، وسرت خلفه بثقة.

الآن... تبدأ الرحلة الحقيقية.

دخلت خلف النادل، وسرت خلفه عبر ممر ضيق يلفّه الظل. السلالم التي قادتني للأسفل كانت باردة، كل خطوة تصدر صدى خافتًا يتردد على الجدران الحجرية. شعرت وكأنني أنزل إلى أعماق العالم، إلى مكان لا تنتمي إليه أشعة الشمس.

وصلنا إلى باب خشبي ضخم، طرقه النادل ثلاث طرقات قصيرة قبل أن يُفتح من الداخل بصمت غريب.

دخلت.

كانت القاعة فسيحة، مضاءة بأضواء خافتة تنبعث من ثريات زجاجية منخفضة. كراسي فاخرة مصطفّة بانتظام، وكل من يجلس عليها يرتدي قناعًا يخفي ملامحه. الأصوات منخفضة، والهمسات تتناثر كأنها نداءات سرّية.

يبدو أن المزاد لم يبدأ بعد...

اخترت مقعدًا في الزاوية، مظللًا قليلاً ومبتعدًا عن الأنظار. الجلوس هنا يُشعرني بالأمان... أو على الأقل، يمنحني مساحة للمراقبة دون لفت الانتباه.

جلست بهدوء، وضعت يدي على خدي وسندت رأسي كما لو أنني شخص معتاد على هذه الأجواء. لكن عيناي لم تتوقفا عن التجوال. كل حركة، كل نظرة، كل همسة... كنت ألتقطها وكأنني صائدة أسرار.

"لنرَ ما الذي سيُعرض في هذا المكان... دار المزاد السوداء، حيث لا شيء عادي، وكل شيء يُباع، حتى الأرواح."

تمنيت فقط... أن أجد شيئًا، أي شيء يقودني إلى "زهرة ميرفيا"، أو حتى مجرد تلميح عنها.

شيء يساعدني في إنقاذ الدوقة، قبل فوات الأوان.

ضغطت أصابعي على قبضتي دون أن أشعر، وقلبي تمتم:

"لو كان هناك أمل واحد... فأنا مستعدة للمخاطرة بكل شيء."

دخل الرجل بخطوات ثابتة إلى وسط المنصة، عباءته السوداء تلمع تحت أضواء القاعة الخافتة، وقناعه المعدني يخفي ملامحه تمامًا، لكنه لم يُخف هيبته.

"أعزائي السادة والسيدات..."

قال بصوت عميق يشبه صدى ناعمًا يتردد في القاعة الكبيرة،

"يسعدنا انضمامكم إلينا الليلة، ونعدكم بتجربة لا تنسى. اليوم لا نبيع أشياء... بل نمنحكم قوى، أسرار، وربما... مصيرًا جديدًا."

صمت للحظة، ثم أشار إلى مساعدته ذات الرداء الأحمر، التي تقدمت بخطى محسوبة ورفعت الغطاء عن المنصة الأولى.

دخل رجل يرتدي بدلة سوداء فاخرة، يغطي وجهه بقناع معدني ذهبي لامع لا يظهر منه سوى عينيه الباردتين. وقف وسط المنصة المرتفعة، ثم فتح ذراعيه مرحبًا، وصوته الجهوري يملأ القاعة:

"أعزائي السادة والسيدات... نرحب بكم في هذا المزاد الليلي الحصري."

"ليلة أخرى... من الأسرار، والقوة، والفرص التي لا تمنح سوى مرة واحدة في العمر."

توقف لحظة، دارت عيناه بين الحضور الجالسين على المقاعد المبطنة المخملية، وكل منهم يخفي هويته خلف قناع فاخر.

"فلنبدأ، ولنرَ من يملك الجرأة... والذهب."

صفق بيديه مرتين، فخرجت فتاة ترتدي معطفًا أسود طويلًا وهي تدفع منصة بعجلات، مغطاة بقماش مخملي أحمر.

وقف بجانب المنصة، ورفع طرف القماش بحركة مسرحية:

كشف الغطاء، ليظهر صندوق زجاجي داخله عين زجاجية بلون وردي شاحب، تدور ببطء في مكانها وكأنها تنظر إلى الجميع.

"عين الدُمية النائمة. يُقال أنها ترى الأحلام، وتُظهر كوابيس من تقترب منه. استخدمت سابقًا في الاستجوابات سحرية، وأُغلقت بأمر ملكي. نادرة، خطيرة، ومثيرة للفضول."

لوح أحد الحضور بلا تردد.

"خمسون قطعة ذهبية!"

المزايد قال بسرعة:

"خمسون! هل من يزيد؟"

"ثمانون!"

"مئة وعشرون!"

ازدادت سرعة التزايد، الألواح ترتفع في الهواء بلا توقف.

"مئتان وخمسون!"

"ثلاثمئة!"

"بيعت!"

ضرب المطرقة الخشبية على المنصة بقوة، ثم أُخذت القطعة خلف الستار.

"القطعة الثانية!"

كُشف القماش عن قنينة صغيرة داخل إطار ذهبي، بداخلها سائل نحاسي يتوهج وينبض.

"قطرة واحدة توقف الزمن لعشر ثوانٍ... مصنوعة في مختبرات الظل في مملكة فيريا. محظورة في ثلاث ممالك، وتُهرّب بسرية تامة."

"أبدأ بـ 100 قطعة ذهبية!"

"مئتان!"

"ثلاثمئة!"

"خمسمئة!"!"

"ألف قطعة ذهبية!"

صرخ أحدهم من آخر القاعة.

المزايد لوّح بالمطرقة بتردد مسرحي، ثم ضربها:

"بيعت!"

مرآة صغيرة ذات إطار فضي فاخر، لا تعكس الوجه، بل... تظهر كلمات باهتة عندما يُنظر فيها.

"مرآة أوراسيا. لا تُريك صورتك، بل تُريك نيتك… وأحيانًا، نية من ينظر إليك."

صمت غير مريح خيم على القاعة…

"مئتان."

"ثلاثمئة وخمسون."

"خمسمئة!"

"بيعت!"

صوت المطرقة تردّد مجددًا.

أشعر بالملل يتسلل إليّ ببطء، أنظر حولي وأتساءل متى سينتهي هذا المزاد الممل؟ استسلمت تمامًا وأصبحت متيقنة بأنني لن أجد شيئًا يسعدني هنا. تلك الأشياء أمامي، رغم قيمتها الظاهرة، تبدو بلا معنى، بلا جدوى حقيقية. أراقب النبلاء وهم يدفعون أموالًا طائلة بلا مبالاة، كأنهم لا يعرفون كيف وأين يُبذرون أموالهم، فقط يفعلون ذلك دون تفكير أو هدف.

أخذت نفسًا عميقًا، وفكرت هل عليّ أن أغادر؟ ألوذ بالظلال وأختفي بعيدًا عن هذا المكان؟ لكن هناك شيء ما يدفعني للبقاء. يبدو أنهم لا ينون بيع أي شيء مهم، أو ربما أنا لا أملك الصبر الكافي.

فجأة، ارتفعت الأصوات في القاعة، وتحولت الحركات إلى زخم أكبر، وصوت المزايد الذي كان يختبئ خلف الستار يعود مجددًا، مفعمًا بالحيوية والحدة:

"الآن يا سادة، أقدم لكم أعظم قطعة في هذا المزاد!"

دخل مجموعة من الخدم مسرعين حاملين صندوقًا مغطى بقطعة قماش سوداء، ومثبت عليه ختم أحمر بارز. يتوقفون في منتصف القاعة، تحت أضواء خافتة تُسلط على الصندوق، وكأنهم يحضرون شيئًا مقدسًا.

تنفست بعمق، وقلبي بدأ يدق بسرعة من الفضول، بينما تنبهت كل حواسي، عينيّ تتابعان كل حركة، ويدي تلمس برودة الطاولة المجاورة.

رفع المزايد الغطاء ببطء شديد، وأظهر كرة سوداء داكنة تلمع بخفة تحت الأضواء الخافتة. وجهه مشرق بالحماس، قال بصوت جهوري:

"هذه الكرة تساعد على زيادة قوة السحر الأسود. يمكنكم أن تصبحوا أعظم السحرة دون بذل أي مجهود!"

تبع كلماته موجة من الهمسات والنظرات المذهولة. بدأت المزيدات تنهال من الحضور بسرعة، أصواتهم تتعالى، أيدي ترفع وتخفض، والعينان تتبادلان التحدي والدهشة.

رأيت وجوهًا تحمر من الحماس، وأخرى تخفي قلقًا عميقًا. شعرت بالدوار. هؤلاء المجانين يدفعون الأموال على كرة تزيد من السحر الأسود! بصراحة، لا أعرف الكثير عن هذا السحر، لكن الاسم وحده يوحي بالخطر.

وضعت يدي على رأسي محاولة أن أهدئ أعصابي، وأمنع أفكاري المشتتة من السيطرة عليّ.

فكرت بمرارة: "سحقًا، كيف يمكن لابن تلك العجوز أن يكون فارسًا ويمتلك ختمًا لدخول مزاد كهذا؟"

نظرت حولي بقلق، لم أرغب في التورط في مشاكل هنا، لكنني كنت أحتاج لفرصة أخيرة.

فأشرت إلى رجل يبدو من ضمن الحضور، يرتدي ملابسهم الرسمية، واقفًا على بعد خطوات مني.

ناديت عليه بهدوء:

"عذرًا، أيها السيد، هل تسمح لي؟"

تقدم إليّ بثقة، عيونه تتفحصني عن قرب، قال:

"ماذا تريدين يا آنسة؟"

أجبت بصوت منخفض، لكن حازم:

"كنت أبحث عن كتب نادرة وسحرية... هل تُباع هنا؟ أم أن الكتب لا تُعرض في هذا المزاد؟"

قال الرجل بصوت هادئ لكنه يحمل في نبرته احترامًا واضحًا:

"آنسة، لو كنتِ تريدين كتبًا، كان بإمكانك قول ذلك منذ البداية. نحن نمتلك مكتبة خاصة تحتوي على أندر وأثمن الكتب السحرية، لكنها لا تُعرض هنا في المزاد."

أومأ برأسه بدعوة واضحة، وأضاف:

"إن كنتِ ترغبين، اتبعيني."

نهضتُ من مكاني بهدوء، وبدأت أمشي خلفه عبر ممرات القاعة، حيث هدأت الأصوات قليلاً وتلاشى صخب المزاد في الخلفية، وكأننا نغوص في هدوء غامض مختلف تمامًا عن الضجيج السابق.

سرت خلفه بخطوات متثاقلة، وأنا أراقب كل تفاصيل المكان من حولي؛ الجدران المزينة بلوحات قديمة وأرفف طويلة تحوي كتبًا مهترئة وأخرى تبدو كأنها تحمل أسرارًا دفينة.

وصلنا إلى باب ضخم من خشب العتيق مزين بنقوش غريبة، فتحه الرجل ببطء، وأدخلني إلى غرفة واسعة مضاءة بنور خافت ينبعث من شمعدانات معدنية معلقة على الجدران.

داخل المكتبة، كان الهواء مشبعًا برائحة الورق القديم والحبر، وكان هناك آلاف الكتب مصطفة على رفوف تمتد من الأرض حتى السقف، بعضها ذات أغلفة جلدية مزخرفة، وبعضها الآخر يلمع بعلامات غامضة.

توقف الرجل أمام رفٍّ وأشار إليه قائلاً:

"هنا تجدين الكتب التي لن تراها في أي مكان آخر، كتبٌ نادرة وسحرية تخبئ في صفحاتها أسرارًا لا يعرفها إلا القليل."

نظرتُ حولي وأنا أشعر بفضولٍ متزايد، وكأنني على وشك اكتشاف شيء قد يغيّر مسار حياتي كلها.

مالَتُ قليلاً بين الرفوف، وأمسكتُ بأحد الكتب أتفحصه بيد مرتعشة قليلاً. كانت رائحة الورق القديم تعبق في المكان، والأضواء الخافتة تعكس ظلالاً طويلة بين الرفوف العالية. نظرتُ إليه بترقب، ثم قلت بصوت منخفض وحذر:

"هل تعرف أين أجد كتابًا عن زهرة ميرفيا؟"

توقف عن ترتيب الكتب ونظر إليّ بملامح مشوبة بالدهشة والقلق. قال ببطء:

"آه، يا آنسة... زهرة ميرفيا... تلك الزهرة الأسطورية وخرافاتها."

وقفت للحظة صامتة، تنهدت في نفسي بمرارة، وبدأت أفكر: هذا مزعج حقًا... هذه المرة الثانية التي أسمع فيها كلمة 'أسطورية' عنها، بعد ما سمعتها من أمين المكتبة. لماذا كل من أقابلهم يقولون هذا، ويهدمون أملي بهذه السرعة؟

التفت إليه مجددًا، وهو يحدّق بي بعينين تنطويان على حذر، وقال:

"كما تعلمين، هذه الكتب هنا لا تتحدث عن الأساطير والخرافات. معظمها كتب محرمة، بعضها نادر وقيم، لكن لا يوجد أي كتاب يتناول الأطروحات والأساطير التي تسأل عنها."

وقفت للحظة أطالع الكتب من حولي، أشعر بثقل الإحباط يغلف روحي، لكنني لم أكن مستعدة للتراجع بعد.

فجأةً، اجتاحني شعور غريب، قوة عميقة ومهيبة تخترق الهواء حولي، كأنها سحر قوي ينبعث من مكان ما قريب. توقفت فجأةً والتفتُّ نحو الرجل الذي كان بجانبي، بصوت هامس لكن مرتجف من الدهشة:

"هل شعرت بما شعرت به؟"

ارتبك للحظة، ثم نظر إليّ باستفهام:

"ماذا يا آنستي؟ بماذا شعرتِ؟ لم أفهم."

تأملتُه نظرة حازمة، وأجبت بلا تردد:

"مستحيل... أنا وحدي من شعر بذلك؟ لا، بالتأكيد هناك شيء... شيء قوي جدًا... لا يمكن إنكاره."

بدون تفكير، انطلقتُ أجري نحو مصدر هذه الطاقة الغامضة، أشعر بنبضات قلبي تتسارع والضغط يحيط بي كالهالة، كأنها قوة تجذبني بقوة لا أستطيع مقاومتها. كان الهواء مشحونًا بثقل غير مرئي، كأن شيئًا عظيمًا يستيقظ.

ركضت حتى وصلت إلى المكان الذي ينبعث منه ذلك الشعور، ونظرت أمامي بتعجب وذهول:

"مهلاً... ما هذا؟"

╰⊱⋅━✿━⋅⊰╯╰⊱⋅━✿━⋅⊰╯╰⊱⋅━✿━⋅⊰╯╰⊱⋅━

🌙✨ أعزائي الغامضين ✨🌙

أحم أحم... مرحبًا بالجميع! 💬💖

بصراحة، حبيت أطلع أفضفض لكم شويّة 🥹. حاليًا، لسه ما بدأت الموسم الثاني رسميًا، فالفصل اللي نزلته اعتبروه زي "فصل تصبيري" 😅📖 — مجرد لمسة خفيفة أروي بيها عطشكم قبل ما نبدأ الرحلة الحقيقية من جديد.

ليه؟ 😔 لأن بصراحة لو بدأت الموسم، لازم ألتزم وأنزّل فصل كل يوم زي ما حصل في الموسم الأول. وده مش هينفع دلوقتي، لأن وقتي محدود جدًا 🕰️💼، ومش هقدر ألتزم بجدول يومي إلا بعد شهرين أو يمكن تلاتة.

لكن قلبي ما قدرش يصبر 😭 فقلت أنزل فصل كده أعيّشكم فيه شويّة، ولو ربنا كرمني بوقت إضافي، أو فضيت فجأة، هتلاقوني نازلة عليكم بفصول تانية إن شاء الله 🔥📚

شكرًا لصبركم، لحماسكم، ولقلبكم الدافي اللي بيخليني دايمًا أرجع أكتب 💌💫

2025/05/29 · 11 مشاهدة · 2917 كلمة
نادي الروايات - 2025