نظرتُ حولي بتوتر، أبحث بعيني عن مصدر تلك الهالة، حتى توقفت نظراتي على رف قديم من الخشب الداكن، يعلوه غبار السنين. الهالة... كانت تنبعث من هناك. تقدّمت بخطوات حذرة، كأن شيئًا بداخلي يرشدني إليه.
رفعت يدي، ومددت أصابعي ببطء، فتوقفت عند كتاب بلون بنفسجي داكن، يعلوه تصميم معقد، تتوسّطه بلورة صغيرة تُشعّ بضوء خافت يكاد لا يُرى. سحبته من بين الكتب، وكان دافئًا بشكل غريب تحت يدي، كأن فيه نبضًا.
جلستُ على ركبتيّ، ووضعت الكتاب على الأرض، ثم حاولت فتحه... لكنه لم يتحرك.
"ما الذي يحدث بحق الجحيم؟ لماذا لا يفتح؟" تمتمت بضيق، وأنا أضغط على الغلاف مجددًا، لكن دون جدوى. لم يكن مجرد كتاب عادي... لا، هذا الشيء يُخفي شيئًا.
وقبل أن أستغرق أكثر، سمعت وقع خطوات متسارعة، ثم صوتًا مألوفًا يتبعها. التفتُّ فرأيت الرجل الذي رافقني قبل قليل يركض خلفي، وجهه يتقلب بين القلق والتعب.
"يا آنسة...!" ناداني، ثم توقف أمامي، ووضع يديه على ركبتيه، يلتقط أنفاسه بصعوبة.
"هاه... هاه... لماذا ركضتِ هكذا فجأة؟"
راقبته بدهشة، ثم رفعت حاجبيّ بسخرية خفيفة.
"ما هذا؟ لماذا تلهث بهذا الشكل؟ الذي يراك سيظن أنك ركضتَ كيلومترات أو هربت من تنين."
نظر إلى الكتاب الذي كنتُ ما زلتُ ممسكة به، عيناه تتفحصانه باهتمام خافت، ثم قال:
"ما هذا الكتاب الذي تحملينه؟"
رفعت رأسي إليه، ورددت ببرود متعمد:
"كتاب أثار فضولي، أردت فقط إلقاء نظرة عليه... لكنه لا يفتح."
ابتسم بخفة، وكأنه سمع شيئًا سخيفًا، ثم قال بنبرة واثقة:
"هذا طبيعي، يا آنسة. ذلك الكتاب لا قيمة له. حاولنا فتحه من قبل باستخدام كل أنواع التعاويذ... دون جدوى.
بل وأكثر من ذلك، لا يحتوي على أي طاقة سحرية تُذكر. مجرد قطعة خردة محفوظة منذ زمن."
تجمدت كلماته في أذني. للحظة، لم أفهم... لا طاقة؟
نظرت مجددًا إلى الغلاف البارد الذي كنت لا أزال أشعر بنبض خافت ينبعث منه... نبض لا يراه سواي.
"ما هذا الهراء؟"
كتمت دهشتي، لكن قلبي بدأ ينبض بسرعة.
كيف لا يشعر بشيء؟
الطاقة تنبعث منه بوضوح... تكاد تلامس جلدي، تهمس لي، تدعوني.
هل هو أعمى؟ أم أن الكتاب يختار من يرى؟
كل شيء في هذا المشهد بدا... غير منطقي.
نظرت إليه بثبات وقلت، دون تردد:
"إذاً، أنا أختار هذا الكتاب. أريد شراءه."
تجمد لثانية، كما لو أن كلماتي لم تكن منطقية بالنسبة له.
"ماذا؟"
نطقها بدهشة مبالغ فيها.
رفعت حاجبي ببرود، وأعدت الجملة بنبرة أثقل:
"الم تسمعني؟ قلت إنني أريد شراءه. ما الغريب في ذلك؟ كم ثمنه؟"
بدأ يفرك خده بإصبعه بتوتر خفيف، ثم تمتم بعد لحظة:
"حسنًا... يا آنسة، سعره... مئتا قطعة ذهبية."
...صمت.
أعدت كلماته في رأسي ببطء، وكأنني أحاول التأكد من أنني لم أسمع خطأ.
مئتان؟
تلك الكلمة وحدها كانت كفيلة بأن تفجّر في داخلي سلسلة من علامات الاستفهام.
لحظة.
ألم يقل قبل لحظات فقط إن الكتاب لا قيمة له؟ بلا طاقة؟ مجرد "خردة قديمة"؟
ومع ذلك، يريد بيعه لي بسعر يمكن أن يشتري لي مكتبة كاملة؟
انعكست ابتسامة خفيفة على شفتي، لم تكن ودودة أبدًا.
هل يظنني مغفلة؟
ذلك الأحمق يعتقد أنه قادر على خداعي فقط لأني أظهرت اهتمامًا.
حسنًا... لنعلمه درسًا صغيرًا.
"أوه، مئتا قطعة ذهبية؟ لا بأس."
ابتسمت ابتسامة خافتة، ومددت يدي ببطء نحو حقيبة المال التي أحملها دائمًا في معطفي.
أخرجتها بعناية، وبدأت أفتحها أمام ناظريه. كانت نظراته تتابع حركتي بشغف واضح، وكأنه لا يصدق حظه.
لكن قبل أن أبدأ بعدّ القطع الذهبية، رفعت بصري إليه وتحدثت بنبرة ناعمة... لكنها مشبعة بالمعنى:
"لكن، يا سيدي... أريد أن أخبرك بشيء صغير، أتمنى أن تسمعه جيدًا."
تجمد في مكانه.
"في إحدى المرات، كان هناك رجل ظنّ أنه أذكى من الجميع... فحاول خداع سيدة نبيلة، دون أن يعلم من تكون.
وتعرف ماذا حدث له؟"
توقفت للحظة، ثم همست بابتسامة هادئة:
"لقد تم إعدامه."
تغيرت ملامح وجهه، وتلاشت الثقة من عينيه تدريجيًا.
واصلت كلامي وأنا أنظر إلى الكتاب بين يديّ:
"أنت قلت بنفسك إن هذا الكتاب بلا قيمة. لا يحتوي على طاقة سحرية، ولا يمكن فتحه... ومع ذلك، تريده بسعر مئتي قطعة ذهبية؟"
أغلقت حقيبة المال، وأسندتها ببطء على الطاولة أمامي.
"هل تظنني مغفلة؟"
توتر وجهه، وبدأ يفرك راحة يده بقلق:
"يا آنسة، هذا الكتاب... حاولنا فتحه، وقد أنفقت الكثير... أعني..."
قاطعته بنبرة أكثر حدة، دون أن أرفع صوتي:
"لكنه لم يُفتح."
اقتربت خطوة منه، ونظرت في عينيه مباشرة:
"أليس كذلك؟ كل تلك الأموال التي أنفقتها، لم تغير شيئًا. فكيف تحاول بيعه بهذا السعر؟"
صمت للحظة، ثم أضفت ببرود قاتل:
"سأدفع، نعم. لكن ليس لك... بل للمقيّم السحري الرسمي. ستأتي معي الآن، وسنُقيّم الكتاب سويًا.
وإن ثبت أنك كذبت... فدعنا نرَ من منا سينتهي في الزنزانة."
ثم ابتسمت ابتسامة ناعمة، بريئة في مظهرها، لاذعة في معناها.
"ولا تظن للحظة أن كوني فتاة صغيرة يعني أنك قادر على خداعي."
نظرت إليه مرة أخرى، وصوتي هذه المرة كان هادئًا لكنه حاد كحد السكين:
"حسنًا، يا سيدي... سأطرح عليك السؤال مجددًا. كم هو السعر الحقيقي لهذا الكتاب؟"
"تلعثم لثوانٍ، ثم حاول: 'يا أنسة، الكتاب نادر، لكنه مقفل، لذا السعر...' لكنه خفض بصره وقال بصوت بالكاد يُسمع: 'قطعة ذهبية واحدة.
حدقت فيه ببرود، وكأنني أمهلته للحظة يفكر في غبائه.
قطعة واحدة؟
كان يريد مني أن أدفع مئتي ضعف السعر الحقيقي...! لو لم أكن حذرة، لوقعت فريسة سهلة.
تنهدت، ثم قلت ببطء، مع ابتسامة خفيفة لا تخلو من التحذير:
"لا أصدق... كنت على وشك أن تدفعني مئتي قطعة ذهبية لشيء لا يساوي حتى واحدة؟"
اقتربت منه قليلًا وهمست:
"سأغضّ البصر عن هذا... هذه المرة."
ثم أخذت الكتاب من الطاولة، ووضعت أمامه القطعة الذهبية الوحيدة ببرود تام،
استدرت وغادرت المكان دون أن ألتفت خلفي، لكن صوتي ارتدّ إليه كصفعة:
"لكن إن تكرر هذا... فلن تكون هناك فرصة أخرى."
غادرت المكان دون أن ألتفت إليه. لم أرد أن أرى ملامح وجهه بعد الآن، لا خوفه، ولا خجله... ولا طمعه.
لكن قبل أن أصل إلى باب الحانة المؤدي إلى السلالم الخلفية، توقفت في الظل.
مددت يدي بهدوء إلى جيب الرداء الداخلي، وأخرجت القرط السحري.
ارتديته في أذني اليمنى، وفي لحظة، تغير كل شيء.
انعكاس صورتي في زجاج النافذة الصغيرة أظهر الصبي مجددًا...
شعر أسود فاحم، وعينان زرقاوان كسماء شتوية. ملامحي الذكورية المعتادة عادت لتغطي وجهي الحقيقي، وتخفي هويتي.
تنفست بعمق.
"حسنًا... الآن يمكنني المغادرة."
نزلت السلالم بهدوء، متجنبة أن أُلفت النظر، ثم عبرت الحانة بخطى ثابتة، كما لو أنني مجرد فتى أنهى عمله للتو.
خرجت.
أشعة الشمس كانت أخف مما توقعت. السماء ملبدة بغيوم رمادية.
"عليّ أن أعود بسرعة..."
لم يكن من المفترض أن أتأخر هنا أكثر. لقد اخترت هذا التوقيت تحديدًا لسبب واضح:
تشاجرت مع أوسكار صباحًا، ولن يجرؤ على الصعود إلى غرفتي الآن.
وليونارد؟ تشاجرت معه كذلك. لا أحد يجرؤ على مقاطعتي حين أكون في ذلك المزاج.
لكن... ذلك لا يعني أنني في مأمن.
"يجب أن أسرع... فلو اكتشف أحد تحركاتي، قد لا تكون هناك فرصة ثانية."
أمسكت الكتاب بإحكام، وانطلقت نحو الطريق المؤدي إلى الدوقية، أتنقل بين الزوايا والطرق الخلفية.
هذا الكتاب... مهما كان، فهو ليس عاديًا. وأنا... لن أسمح لأحد بأخذه مني.
أثناء سيري في الطريق الخلفي المؤدي إلى البوابة الغربية، تسلّل شعور غريب إلى ظهري...
كأن شيئًا ما-لا، كأن أحدًا ما-يلتصق بي بنظراته.
توقفت خطواتي للحظة، دون أن أبدو مترددة.
رعشة خفيفة سرت في جسدي، امتدت من عنقي حتى أطراف أصابعي.
هذا ليس وهمًا. هناك أحد يراقبني.
بدأت ألتفت ببطء، بعيني فقط، دون أن أحرّك رأسي كثيرًا.
"الزقاق هادئ... صامت كأنفاس الموت، يحمل رائحة رطوبة قديمة وصدى خطوة بعيدة تتلاشى.
لا أحد هنا.
ولا صوت... سوى صوت الريح الخفيفة التي تداعب أطراف معطفي.
"من هناك؟"
سؤالي لم يخرج من فمي، لكنه ارتطم بجدران قلبي كصرخة مكبوتة.
لكن لا أحد أجاب... لا أحد ظهر.
ضغطت على الكتاب بين ذراعي أكثر. قلبي ينبض بقوة، ليس من الخوف فقط، بل من الحذر.
لا يجب أن أبدو مضطربة... لا يجب أن أركض...
لكن في الوقت ذاته، لا يمكنني التباطؤ.
سحقًا. عليّ أن أتحرك. بسرعة... لكن دون أن ألفت الانتباه.
ثبت خطواتي مجددًا، ومشيت وكأن شيئًا لم يحدث.
لكن أذني كانت تُنصت لكل همسة، وظهري كان يحترق بشعور النظرات الخفية.
"إن كان هناك من يراقبني... فليحاول الاقتراب."
ارتسمت على شفتيّ ابتسامة صغيرة، لا دفء فيها... فقط سخرية باردة.
"لن أكون فريسة سهلة... ليس هذه المرة."
يدي تحركت ببطء إلى جانب خصري، حيث يختبئ الخنجر الذي أخفيته بعناية.
برودة مقبضه المعدني لامست جلدي، وذكّرتني أنني لستُ بلا حول.
هذه المرة... أنا مستعدة
على سطح مبنى قديم يطلّ على الزقاق الضيّق، وقف شاب طويل القامة، تغلّف جسده عباءة داكنة تخفي ملامحه عن بعد.
شعره الأسود انسدل على جبهته بانسيابية، تتحرك خصلاته قليلاً مع نسمات الهواء الباردة التي حملت معها رائحة الغبار والليل.
عينيه، بلونهما الأخضر الهادئ، كانتا مثبتتين على الأرض أسفل المبنى، تراقبان شخصًا يتحرّك بخفة وسط الظلال.
رفّت فراشة خضراء صغيرة، حطّت على طرف إصبعه الأوسط، وكأنها جاءت لتؤكد له ما يشعر به.
"سيد لوسيان..."
انطلقت الخطوات بخفة خلفه، وتوقف تابع شاب أمامه، يحمل بين ذراعيه عباءة سوداء مزينة بخيوط فضية.
"لقد أحضرت العباءة التي طلبتها... هل نبدأ العملية الآن؟ يمكننا التوجّه فورًا للقبض على من في المزاد السري."
لم يرد لوسيان، ولم يتحرّك حتى.
جبينه كان مقطبًا قليلاً، وعيناه تلمعان بنظرة شاردة، كأنه يرى شيئًا أبعد من الزقاق... أو شخصًا لم يكن موجودًا حقًا.
"سيدي...؟"
رفع التابع حاجبه بقلق، واقترب خطوة.
"هل أنت بخير؟ لقد ناديتك أكثر من مرة... بدا وكأنك لم تكن هنا أصلًا."
تنهد لوسيان ببطء، رفع إصبعه ومسح بيده شعرة سقطت على عينه، ثم تمتم بنبرة بالكاد تُسمع:
"سحقًا... لقد اختفت..."
"اختفت؟ من؟ هل رأيت أحدًا؟"
أغمض لوسيان عينيه للحظة، وكأن قلبه لا يزال يحاول اللحاق بذلك الشعور.
ثم فتحهما، وقال بهدوء فيه غصة:
"كنت متأكدًا أنني رأيت طاقة مانا مألوفة... قوية، دافئة، لا يمكن أن أخطئها. لكن... يبدو أنني توهمت."
"شخص تعرفه؟"
اقترب التابع أكثر، ورفع العباءة قليلاً ليزيحها عن يده.
"من هو؟"
ارتسمت على وجه لوسيان ابتسامة باهتة، بالكاد رفعت زاوية فمه، لكنه لم يجب مباشرة.
عاد بصره إلى الزقاق، وقال:
"شخص جميل."
رفع التابع حاجبه بمرح، وهو يمازحه:
"جميل؟ أهو فتى أم فتاة؟"
وقبل أن يُكمل، تلقّى لكمة خفيفة على ذراعه من لوسيان.
"توقف عن الترهات، أيها الأحمق."
قهقه التابع وهو يمسك بذراعه:
"كما تشاء، سيد لوسيان."
لكن لوسيان لم يتحرك مباشرة. بقي يحدّق للحظة أطول نحو الزقاق، حيث اختفت تلك المانا الخفية.
"أوريانا... لا يمكن أن تكوني أنتِ، أليس كذلك؟"
"ما الذي قد يدفع سيدة نبيلة... للخروج في هذا الوقت، في هذا المكان؟"
"سيدي لوسيان!"
صوت التابع أعاده إلى الواقع.
"هيا بنا. علينا إنهاء هذا الأمر قبل أن يتنبهوا لوجودنا."
في ذلك الوقت عند أوريانا
وأخيرًا... وصلتُ إلى الدوقية.
ركضت خطواتي الأخيرة إلى تلك الزاوية المهجورة عند الحديقة الشرقية، حيث الحفرة الصغيرة التي حفرها ليونارد من يومين.
انحنيت بسرعة، أدخلت جسدي النحيل في النفق الضيق الذي شقّ طريقه تحت جدران الدوقية.
الأرض الرطبة لامست كاحلي، والغبار علق بثوبي. لكنني واصلت الزحف دون تردد، وكل ما كان يدور في ذهني:
"قريبًا... سأكون داخل غرفتي. كل شيء سيكون بخير."
مررت عبر الممر حتى شعرت بنسمة مألوفة، ذلك الهواء الراكد الذي يحمل عبق الدوقية.
اعتدلت واقفة، وبدأت أزيح العُشب الجاف عن ثوبي، وأنا أتنفّس أخيرًا بعمق.
"انتهى الجزء الأصعب..."
مددت يدي إلى أذني، وسحبت القرط السحري الذي أخفى هيئتي.
شعرت بدوخة خفيفة حين عاد جسدي إلى هيئته الأصلية، شعري البنفسجي الطويل انسدل على كتفيّ، وملامحي استعادت صرامتها المعتادة.
"أفضل أن أكون أوريانا الآن. على الأقل إن رآني أحد... يمكنني التظاهر أنني كنت أتمشى في الحديقة."
لكن قلبي لم يهدأ.
"أتمنى فقط ألا أقابل أوسكار... أو ليونارد."
همهمتُ لنفسي بغيظ، والشرارة التي تومض في صدري لم تكن إلا كرهًا نقيًّا يحرقني بصمت.
"أنا... أكرههما حتى الموت."
كلماتي لم تخرج سوى همس، لكنّها كانت مشبعة بكل ما لا يُقال.
أوسكار... بنظراته التي تمزّق، وكلماته التي تنخر كأنها سكاكين مصقولة.
وليونارد، ذاك المتحذلق مدعي دور اللطف والبراءة الذي يتعامل معي كما لو كنت كذبة تمشي على قدمين.
"لا ينقصني الآن سوى تلك الحيّة المتلونة... فيكتوريا."
شعرت بعضّات في أسناني من شدة الانقباض الذي أصاب فكي.
"إن رأيتها... لا أريد رؤيتها، لا الآن، ولا أبدًا."
زفرت بعمق. لا وقت للمشاعر الآن.
انحنيت قليلًا، وبدأت أخفي الكتاب تحت طبقات فستاني الواسع، ثم دسست العباءة والقناع بجانبه، وثبّتّ كل شيء بإحكام تحت الطيّات.
لم أكن واثقة تمامًا إن كانت التخمينات الصائبة، لكن عليّ ألا أثير أي شبهة.
استقمتُ ببطء، وربّتّ على جوانب فستاني لأزيل آثار التراب. ثم مشيت... لا، تقدّمت بخطى ثابتة لكن سريعة.
كلما اقتربت من الممرات الرئيسية داخل القصر، تزايد خفقان قلبي.
الجدران العالية، والسجاد الأحمر تحت قدمي، والثريات المذهّبة التي تعكس وهجًا خافتًا...
كلها لم تشعرني يومًا بالأمان، بل كأنها تهمس لي:
"كل حركة تُرصد... كل أنفاسك محسوبة."
رفعتُ ذقني قليلًا، كما اعتدت.
ذلك الارتفاع البسيط في الرأس... كدرع أرتديه حين تتساقط عليّ نظراتهم كالسهام.
مظهري البارد المعتاد، سلاحي الأول.
خطوت داخل قصر الدوقية، والعالم بدا كأنّه يُنكر وجودي.
الخدم مرّوا بجانبي دون حتى لمحة، وكأن الهواء له حضور أكبر مني.
لكنني رأيتها... تلك النظرات الخفية التي تندسّ في الزوايا.
نظرات احتقار، لا تُقال... بل تُزرع في الصدور وتُحصد بالصمت.
لا بأس.
لقد اعتدتُ هذه النظرات...
في حياتي السابقة، كنت أبتسم رغم الألم، أحاول كسب رضا الجميع...
لكنني الآن... لا أحتاجهم. ولا أريدهم.
خطايَ كانت ثابتة.
كل خطوة تُقرّبني من غرفتي، من الملاذ الذي سيحميني مؤقتًا من كل شيء.
لحسن الحظ، لم يكن هناك أثر لأوسكار... ولا ليونارد.
ربما لا يزالان في جناحهما، نائمين أو غارقين في هموم لا تعنيني.
مضيتُ قُدمًا عبر الممرات الباردة. الستائر تتمايل مع تيار الهواء، والهدوء الخافت في القصر يعزف لحنًا من الترقب.
وأخيرًا...
وقفتُ أمام باب غرفتي، وفتحتُه بهدوء.
دخلتُ، ثم أغلقتُ الباب خلفي...
وأدرت المفتاح ببطء، بصوت خافت لكنه حاسم.
وأخيرًا... وحدي.
أسندتُ ظهري إلى الباب، وزفرتُ بعمق.
الهدوء الذي لطالما رغبتُ به... عاد لي، ولو للحظة.
نهضتُ من مكاني بخفة، يداي ترتجفان قليلًا من الترقب.
أمسكتُ بطرف فستاني، وسحبتُ الكتاب من تحته ببطء...
ذلك الشيء الذي أخفيته طوال الوقت، وكأنني أخشى أن يأخذه من بين أيدي أحد سواي.
تأملتُ الغلاف البنفسجي الداكن،
كان يبدو عاديًا في ظاهره...
لكن البلورة الصغيرة في منتصفه...
كانت تنبض بضوء خافت، كقلبٍ حيّ.
"عليّ أن أحاول فتحه... ربما أحتاج إلى ساحر... أو شيء آخر."
همستُ بالكلمات، كأنها مجرد حجة لأُقنع نفسي بالمحاولة.
أطراف أصابعي تحسست الغلاف، برفق، كما لو كنت ألمس شيئًا مهما.
وما إن لامستُ البلورة...
حتى اشتعلت فجأة.
نور بنفسجي نقيّ انفجر من البلورة، خافتًا أولًا... ثم اشتدّ، حتى أضاء الغرفة بأكملها.
قلبي قفز في صدري-"شعرت بشيءٍ يسحبني من الداخل، وكأن البلورة تمتص مانا قلبي. هل تتفاعل مع طاقتي؟
"ما هذا...؟!" همستُ، لكن صوتي تلاشى وسط الضوء.
ثم...
انفجر حولي نور-بنفسجي ممزوج بخيوط ذهبية،
كان كعناقٍ من السحر... دافئًا، لكنه غريب.
التفّ حولي كدوّامة حية، تنبض بالطاقة.
شعري ارتفع في الهواء،
وفستاني تراقص بعشوائية، كأنني وسط عاصفة من مانا جامحة.
عيني اتسعتا، والهواء اختنق في صدري.
ما هذا؟!
لكن قبل أن أجد إجابة...
اختفى الضوء فجأة.
تلاشى كما جاء، كأن شيئًا لم يكن.
"هـ... لحظة، ما الذي...؟"
الكلمات بالكاد خرجت، إذ اجتاحني ألم مفاجئ،
كأن شيئًا يغلي في أعماقي... لا، ينفجر.
وفجأة، تقيّأت.
لون أحمر داكن تساقط على الأرضية الباردة.
دم...؟!
بل دم يحترق.
لهبٌ داخلي مزّق أحشائي، وكأن شيئًا غريبًا، دخيلًا، يرفض البقاء داخلي.
الدوار اجتاح رأسي، والرؤية تذبذبت.
سقطتُ على ركبتي، ألهث، أرتجف...
"لا... لا أريد أن... أموت الآن..."
لكن الألم لا يرحم.
كل خلية في جسدي تصرخ.
عيناي بدأت تغبشان،
أنفاسي تتقطع...
قلبي ينبض بعنف، وكأنه يقاوم شيئًا أكبر منه.
"آه... هل... هكذا... ستكون نهايتي؟"
همستها بصوت باهت، بينما سقطتُ على جانبي.
على الأقل... هذه المرة... لن أندم.
في النهاية، كنتُ دومًا شخصًا ميتًا يسير على قدميه.
أعتذر... أيتها الدوقة...
لم أستطع إنقاذكِ...
أتمنى فقط... أن ينقذكِ أحدهم... يوماً ما.
وأغمضتُ عيني،
لتسقط يدي المرتجفة جانبًا...
ويسكن كل شيء.
التعليقات... ثم التعليقات... ثم التعليقات! التعليقات أهم منك 😂👇
طبعا بهزار
بس بجد، بدونكم القصة مش هتتم ☕️💔