وفي يومٍ لن أنساه أبدًا...
كنت ألعب مع صديقتي الوحيدة، تشاه إن. كانت الشخص الوحيد الذي أحببته بعد أمي،. عاشت بجوارنا، وعلى عكس الجميع، لم تخشَ الاقتراب مني رغم الشائعات التي نشرها أخي الأوسط عني—بأن من يلعب معي سيصاب بلعنة ويمرض ويموت كما حدث مع أمي.
كنا نركض في الحديقة، أضحك وهي تلاحقني، وعيناي تلمعان بانتظار أمي لتخرج كعادتها وتلعب معي. لكنها لم تفعل.
بدلًا من ذلك، رأيت أشخاصًا يركضون داخل منزلنا، يحملون معدات غريبة، وجوههم متوترة، وأصواتهم تعج بالقلق. شعرت بالبرد يزحف إلى أطرافي رغم حرارة الشمس.
توقفت تشاه إن عن اللعب، ونظرت إليّ بقلق. "بين سوه، ما الذي يحدث؟"
تجمدت في مكاني، نظري متعلق بالمدخل حيث كان الجميع يركضون. لم أعلم... لم أفهم... لكنني شعرت بالخوف ينهش صدري.
ابتلعت ريقي بصعوبة، ثم تمتمت بصوتٍ لم يكن ليشبه صوتي المعتاد: "لا أعرف، تشاه إن... عودي إلى منزلك الآن، سأذهب لأرى ما يحدث. سأناديك لاحقًا لنكمل اللعب، حسنًا؟"
أومأت تشاه إن، لكنها لم تتحرك فورًا، وكأنها لم ترد تركي وحدي. لكنني دفعتها برفق، فاستدارت وغادرت على مضض.
ثم خطوتُ نحو المنزل.
أقدامي كانت ثقيلة، وكأن الأرض تحاول سحبي إلى الأسفل. عبرتُ المدخل، وبينما كنت أقترب، رأيت كل من كان يركض ويخرج ويدخل... جميعهم تجمعوا أمام غرفة أمي.
في تلك اللحظة، شعرت بأنفاسي تنقطع.
لا... لا يمكن أن يكون...
تقدمتُ ببطء نحو الباب، وعندما حاولتُ الدخول، اصطدمتُ بجسدٍ قوي. رفعتُ رأسي لأجد أبي واقفًا أمامي، نظر إليّ بعينين لم أرهما بهذا الشكل من قبل—مزيج من الألم والرفض القاطع.
"لا يمكنكِ الدخول، بين سوه." قالها بصوت منخفض لكنه صارم، قبل أن يدفعني برفق للخلف.
لكن الباب لم يكن مغلقًا تمامًا... كان مواربًا قليلًا. وكأي طفلة تملؤها الفضول، انحنيتُ قليلًا ونظرتُ من خلاله.
ما رأيته هناك سيبقى محفورًا في ذاكرتي للأبد.
هناك، وسط الغرفة، رأيتُ أمي مستلقية على سريرها، أنفاسها متقطعة، صدرها يعلو ويهبط بصعوبة. كانت تمسك حاجز السرير بيدها، أصابعها مشدودة لدرجة أن مفاصلها أصبحت بيضاء.
"أمي؟" حاولتُ أن أناديها، لكن صوتي لم يخرج.
الأطباء كانوا يحيطون بها، يغطون جسدها بأجهزتهم، ويهمسون بأمورٍ لم أفهمها. لم أستطع رؤية وجهها بوضوح، لكنني استطعتُ رؤية يدها.
كانت تمسك بالحاجز بشدة... ثم، ببطء شديد، بدأ ضغط أصابعها يخف. ارتخت يدها تدريجيًا... ببطء شديد... حتى سقطت بلا حراك على السرير.
شعرتُ بجسدي يتجمد في مكاني.
"أمي؟" همستُ مرة أخرى، لكن لا أحد أجابني.
لم تتحرك يدها مجددًا.
أصبحت الدموع تنهمر من عيني دون أن أدري...
ذلك اليوم حطّم كل شيء في داخلي. في لحظةٍ واحدة، انتُزِعَ مني أعزُّ شخصٍ في هذا العالم، أغلى ما لدي... أمي.
شعرتُ بحسرةٍ لا نهاية لها، وكأن ثقبًا أسود قد انفتح في صدري، يبتلع كل ما تبقى من روحي. كنتُ صغيرة... ضعيفة... لم أستطع إنقاذها.
لم أستطع فعل شيء...
وقفتُ هناك، أنظر إلى يدها التي سقطت بلا حراك، بينما العالم من حولي بدأ يتلاشى، يُطمس كل شيء بلونٍ رمادي باهت، لم يبقَ فيه سوى صوت أنفاسي المرتجفة ووقع دموعي التي لم أعد أشعر بها.
أمي... رحلتِ وتركتِني وحدي.
منذ ذلك اليوم، تغيّرت معاملة أبي وإخوتي نحوي. لم يعودوا كما كانوا، بل أصبحوا أكثر قسوة، وألقي عليّ اللوم في وفاة أمي. نظراتهم كانت تحمل شيئًا لم أفهمه حينها، لكنني شعرت به... شعرت بالذنب، حتى دون أن أعرف السبب الحقيقي.
وعندما كبرت، عرفت الحقيقة.
كنتُ أنا السبب في موت أمي.
أثناء ولادتي، أصيبت أمي بنزيف حاد. أخبر الأطباء أنها كانت تستطيع التعافي لو تلقت العلاج اللازم بانتظام، لكن ذلك لم يحدث. صحتها بدأت تتدهور يومًا بعد يوم، ببطء، بصمت، دون أن يستطيع أحد إيقاف ذلك. حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم... اليوم الذي رأيتها فيه تتشبث بالحياة أمامي، ثم تتركها بيديها المرتخيتين.
منذ ذلك الحين، لم يفارقني ألم الحسرة والمرارة. لم يخف، لم يهدأ... بل ظل يكبر معي يومًا بعد يوم، يذكرني دائمًا بأنني كنت السبب، وبأنني لم أستطع إنقاذ أمي.
في لحظةٍ ما، انفتح جفناي ببطء...
شعرتُ بالضوء الخافت يتسلل إلى عينيّ، لأدرك أنني لم أعد هناك، في ذلك الماضي المؤلم. كنتُ في غرفةٍ مألوفة... غرفة الدوقة.
أنفاسي كانت هادئة، لكن صدري كان مثقلًا بشيءٍ يصعب وصفه. تلك الذكريات... كانت من حياتي السابقة.
في ذلك الوقت، كنتُ مجرد طفلة، لا حول لي ولا قوة. لم أستطع فعل أي شيءٍ لإنقاذ أمي. كنتُ ضعيفة، عاجزة، مجرد متفرجة على النهاية. لكن الآن... لا. لم أعد تلك الطفلة.
أنا لستُ مجرد أوريانا ذات السبعة عشر عامًا. أنا أملك عقل امرأةٍ ناضجة، امرأةٍ بلغت السابعة والعشرين، امرأةٍ تعلم جيدًا أن هناك أشياء لا يجب أن تتكرر.
خفضتُ رأسي ببطء، متخليةً عن تأملي في السقف، ثم استدرتُ نحو السرير.
هناك، وسط زهور الفورافي، كانت الدوقة مستلقية. أنفاسها هادئة، شعرها الوردي ينساب على الوسادة كضوء القمر.
مددتُ يدي ببطء، ومررتُ أصابعي على خصلاتها. كانت ناعمة... دافئة...
لماذا كنت أرغب في رؤيتها بشدة؟
الآن فقط أدركت السبب... إنها تشبه أمي.
ربما لم تكن تشبهها في الملامح تمامًا، لكن هناك شيئًا في هدوئها، في طريقة استلقائها على السرير، في ملامحها وهي نائمة... شيء جعل قلبي يضيق كما لو أنني عدتُ إلى ذلك اليوم المشؤوم مجددًا.
هل كان هذا بسبب اشتياقي إلى أمي؟ هل كنت أبحث دون وعي عن شخص يشبهها، فقط لأشعر للحظة أنها لم ترحل؟
مددتُ يدي بحذر، أطراف أصابعي تلامس شعرها برفق. كان شعور الحرير الناعم تحت أناملي مألوفًا إلى حدٍ مؤلم، ذكّرني بتلك الأيام التي كنتُ أجلس فيها بجوار سرير أمي، أراقب أنفاسها المتعبة وأتمنى لو أستطيع إنقاذها.
هل سيكون الأمر مختلفًا هذه المرة؟
إذا أنقذتُ الدوقة... هل سيخف هذا الشعور بالذنب الذي يلتهمني منذ سنوات؟ هل سيكون ذلك كافيًا لتعويض ما حدث في الماضي؟
ربما... وربما لا.
لكن هذه المرة، لن أقف مكتوفة اليدين.
على الأقل، لقد وُلدتُ من جديد...
وهذه المرة، قبل أن يأتي يومي المحتوم، سأفعل شيئًا برغبتي حقيقية، شيئًا أريده أنا، لا شيئًا يهدف فقط إلى كسب محبة الآخرين أو نيل إعجابهم.
لقد عشتُ حياةً كاملة أبحث فيها عن رضا الآخرين، عن كلمة تقدير، عن لمحة قبول، لكن ليس بعد الآن.
لحسن الحظ، أنا أعرف كيف أنقذ الدوقة...
في الرواية الأصلية، تم اكتشاف علاج لحالة الغيبوبة... لكن بعد فوات الأوان، بعد أن فارقت الدوقة الحياة.
زهرة ميرفيا... نبتة نادرة، تنمو في جبال سيرون المحظورة، كانت هي المفتاح. ولكن المشكلة الحقيقية ليست فقط في العثور عليها، بل في كيفية استخدامها. كيف يمكنني علاج الدوقة بها؟
لا أملك كل الإجابات، لكن هناك شيئًا واحدًا أعرفه جيدًا...
نهضتُ بسرعة، دافعةً الكرسي بعيدًا، وشعورٌ ثقيلٌ يضغط على صدري. لا وقت للتردد، لا مجال للانتظار.
سأنقذ الدوقة.
ليس لأنها والدة أوريانا فقط، بل لأنها الوحيدة التي منحتها الحنان وسط عالمٍ لم يرَ فيها سوى الشر. ولأنني، بطريقةٍ ما، أصبحتُ أوريانا الآن... فهذا أقل ما يمكنني فعله من أجلها.
عليّ التحرك فورًا.
الدوقة ماتت في ربيع العام الذي بلغت فيه أوريانا الثامنة عشرة. والآن... نحن بالفعل في فصل الربيع.
مما يعني أن أمامي عامًا واحدًا فقط.
عامٌ واحد لإنقاذها، عامٌ واحد لقلب القدر رأسًا على عقب.
ولا أنوي إضاعته.
المعرفة هي القوة، وإذا كنت أريد إنقاذ الدوقة، فعليّ أن أبدأ من هنا.
غادرتُ غرفتي بسرعة، متوجهةً مباشرة إلى مكتبة الدوقية. كنت أعرف أن الوصول إلى المعلومات التي أبحث عنها لن يكون سهلًا، لكنني لم أكن مستعدة للتراجع.
ما إن دخلتُ المكتبة حتى استقبلني ضوء الشموع الخافت ورائحة الورق القديم. بين الرفوف العالية، كان شابٌ يقف ممسكًا بعدة كتب، لكنه ما إن لمحني حتى تجمّد للحظة قبل أن يضع الكتب جانبًا ويتجه نحوي.
"آنسة أوريانا؟" بدت الدهشة واضحة في صوته، وكأن وجودي هنا أمرٌ غير متوقع تمامًا. "ما الذي تفعلينه في المكتبة؟"
لم أضيّع وقتي وقلت مباشرةً: "أريد قراءة بعض الكتب حول—"
لكنه قاطعني بإيماءة سريعة ونبرة جافة، "إن كنتِ تبحثين عن كتب رومانسية أو قصصٍ للمراهقين، فللأسف، لن تجديها هنا."
خرجت الكلمات من فمه بينما كان مشغولًا بترتيب الكتب:
"كما تعلمين، آنسة أوريانا، هذه المكتبة تخص الدوقية، وهي تحتوي على كتب قيمة، ليست متاحة لأي شخصٍ عادي. يمكنكِ طلب الكتب التي تبحثين عنها من المكتبات العامة خارج الدوقية."
كنتُ أستمع إليه بصبرٍ حتى الآن، لكن ما قاله بعد ذلك جعلني أرفع حاجبي ببطء.
"كما أن هذه الكتب مخصصة للعلماء والمؤرخين، وليست للهواة... بالإضافة إلى أنه لا توجد هنا كتب رومانسية أو عاطفية أو كتب للمراهقين، لذا—"
"هاه؟" قاطعته بحدة، ناظرةً إليه ببرودٍ واضح.
توقفت يداه عن ترتيب الكتب فورًا، وارتبك للحظة قبل أن يرفع رأسه وينظر إليّ بتوتر.
تقدمتُ خطوة إلى الأمام، صوتي منخفض لكن كل كلمة خرجت بحزمٍ واضح:
"ما الذي تعتقد نفسك قائلاً؟ هل تجرؤ على القول أنني من مستوى العامة؟"
رأيته يبتلع ريقه، ثم سارع إلى التوضيح، متلعثمًا قليلًا:
"لا، لا! آنسة أوريانا، لم أقصد ذلك! أنا فقط... أعني أن هذه الكتب ليست للهواة، ولا يمكنني السماح لكِ بأخذها."
ضحكتُ بسخرية، قبل أن أتابع بصوتٍ أكثر هدوءًا، لكنه مشحونٌ بالتهديد:
"يبدو أنك مختبئ هنا كالفأر، ألم تسمع بما حدث للخادمتين اللتين تم طردهما الأسبوع الماضي؟ يبدو أننا بحاجة إلى شخصٍ آخر ليتم طرده... شخص لا يعرف كيف يتحدث أمام من هم أعلى منه شأنًا."
اتسعت عيناه، وتراجع خطوة، محاولًا تهدئتي بسرعة:
"لا، آنسة أوريانا! لم يكن هذا قصدي على الإطلاق!"
عقدتُ ذراعيّ ونظرتُ إليه بلا تعبير:
"إذن، إن كنتَ تعرف مصلحتك وتود الحفاظ على وظيفتك، فلتبتعد عن طريقي..." ثم أضفت بنبرةٍ أكثر صرامة:
"والآن، أخبرني أين أجد الكتب الخاصة بالنباتات."
أشار الشاب إلى رفٍ في الزاوية دون أن يجرؤ على رفع رأسه. لم أعطه اهتمامًا أكثر من اللازم، بل توجهتُ مباشرةً إلى المكان الذي حدده، خطواتي ثابتة وصوت كعبي يتردد في أرجاء المكتبة الهادئة.
مررتُ بأصابعي على الكتب المتراصة بعناية، أبحث عن العناوين التي قد تفيدني. سرعان ما وجدتُ مجموعة من المجلدات تتحدث عن النباتات النادرة، فسحبتها واحدةً تلو الأخرى، قبل أن أتوجه إلى إحدى الطاولات القريبة وأضعها أمامي.
ما إن فتحتُ أول كتاب حتى غُصتُ في سطوره كليًا. كل معلومة كنتُ أقرؤها كنتُ أراجعها في ذهني، أحاول ربطها بما أعرفه مسبقًا. كنت أقلب الصفحات بتركيزٍ حاد، وكأنني أبحث عن مفتاحٍ مخفي وسط الكلمات.
مر الوقت دون أن أشعر، ولم ألتفت حتى حين خفتت أضواء الشمس المتسللة عبر النوافذ العالية. لم ألاحظ كيف تحولت ظلال الرفوف إلى أشباحٍ طويلة تمتد عبر الأرضية، أو كيف ساد السكون المكتبة بعد مغادرة الجميع.
لم أنتبه لذلك إلا عندما شعرت بإرهاقٍ طفيفٍ في عيني. رفعت رأسي أخيرًا، لتقابلني عتمة الليل.
لكن هذا لم يكن مهمًا...
ما زلتُ بحاجةٍ إلى المزيد. ما زال هناك الكثير لأبحث عنه.
بينما كنتُ غارقةً في القراءة، قطع صوتُ أمين المكتبة تركيزي.
"آنسة أوريانا، الليل حلّ... وحان وقت إغلاق المكتبة."
رفعتُ عيني إليه ببطء قبل أن أجيب بلا اكتراث: "حسنًا، سأرحل، لكنني سأخذ هذه الكتب معي."
بينما كنت أجمع المجلدات، لمعت في ذهني فكرة: لا يمكنني المغادرة هكذا، لم أجد أي معلومة عن زهرة ميرفيا حتى الآن. لا بد أن أبحث طوال الليل، لا وقت لإضاعة الفرص.
لكن الشاب تراجع خطوة، محاولًا التمسك بموقفه. "لا يمكنك ذلك، آنسة أوريانا. هذه الكتب ثمينة، ولا أستطيع السماح لأي أحد بأخذها دون إذنٍ رسمي."
توقفتُ للحظة، ثم نظرتُ إليه مباشرة، نبرتي باردة وحادة:
"هيه؟ هذه الكتب ليست ملكك، بل كتب الدوقية. بل الأدق، هي الكتب الخاصة بالدوق. أخبرني، بأي حق تظن أنك تستطيع تقرير من يأخذها ومن لا؟"
بدا عليه التوتر لكنه تشبث بموقفه، محاولًا الرد بثقة زائفة: "الدوق هو من أوكل إليّ مسؤولية المكتبة، ومنحني صلاحية تحديد من يحصل على الكتب ومن لا."
ابتسمتُ ابتسامة باردة وقلت بنبرة هادئة، لكنها مفعمة بالسيطرة: "حسنًا إذن، سأبقى هنا."
"ماذا؟" بدت عليه الصدمة، فأضفت بهدوء: "يمكنك إغلاق المكتبة، لكنني سأبقى."
حاول أن يحتج، لكنه لم يجد حجة قوية. بقي صامتًا للحظات، ثم تنهد باستسلام.
"هاه... حسنًا، يمكنك أخذها، لكن عليكِ إعادتها غدًا أو بعد غدٍ على الأكثر."
التقطتُ الكتب بهدوء، وقلت دون أن أنظر إليه: "هذا يعتمد على ما إذا كنتُ سأجد ما أبحث عنه أم لا."
حين وصلتُ إلى باب غرفتي، لاحظتُ وجود رجل يقف هناك، يطرق الباب برفق وكأنه ينتظر الرد. ما إن وقعت عيناه عليّ حتى تقدم خطوة وانحنى باحترام قبل أن يقول بصوت هادئ:
"آنسة أوريانا، الدوق كان يسأل إن كنتِ قد تناولتِ الإفطار، كما يريد معرفة إن كنتِ ستحضرين الغداء معه."
لم أجب فورًا. كنتُ مشغولة بحمل كومة ثقيلة من الكتب، ويدي بالكاد تستطيعان الإمساك بها جميعًا. لكن فجأة، شعرتُ بأن الوزن قد خفَّ، نظرتُ إلى جانبي لأرى يدًا تمسك ببعض الكتب، مما أزال عني بعض العبء.
رفعتُ رأسي ببطء، وحينها رأيته—رجل بشعر أبيض وعيون سوداء، هالة من الهدوء والاتزان تحيط به. كان سيلاس، كبير خدم الدوقية.
قال بصوت ثابت لكن يحمل شيئًا من العتاب:
"آنسة أوريانا، لماذا تحملين كل هذه الكتب بنفسك؟ إنها ثقيلة، كان عليكِ طلب المساعدة من الخدم."
نظرتُ إليه للحظة قبل أن أحوّل بصري إلى الكتب التي بين يديه. بالطبع، كان سيلاس شخصًا مألوفًا لي. لقد كان كبير الخدم المخلص لعائلة الدوقة كاميلا، وكان مقربًا منها بشدة، ولذلك، كان أيضًا مقربًا من أوريانا... لكنه لم يكن يتدخل في شؤونها بشكل مباشر، بل كان يساعدها بصمت، من بعيد.
كان الخدم يمرون بجانبنا وكأنهم لم يلاحظوا شيئًا، لكنني شعرت بضغط غريب عندما رأيت سيلاس ينقل بصره إليهم ببرود، ثم قال بنبرة جامدة لكنها حملت تهديدًا مبطنًا:
"هل أصبتم بالعمى؟ ألا ترون الآنسة تحمل هذه الكتب الثقيلة؟ أم أنكم فقدتم الإحساس بالمسؤولية؟"
تجمد الخدم في أماكنهم للحظة قبل أن يسارعوا بحمل بقية الكتب المرتبة بين يديّ، رؤوسهم منخفضة كأنهم يهربون من عاصفة وشيكة. فتحوا باب الغرفة، ووضعوا الكتب بداخلها بسرعة قبل أن يغادروا على عجل.
عندما أُغلق الباب، بقيت وحدي مع سيلاس. أعدت ترتيب تنفسي، ثم نظرت إليه قائلة بنبرة هادئة لكن حاسمة:
"بخصوص ما قلته سابقًا، لن أذهب لتناول الغداء مع الدوق، سأتناوله هنا."
أومأ سيلاس بتفهم، ثم قال: "سأخبر الخدم ليحضروا الطعام."
أشرت بيدي بلا مبالاة: "لا داعي لذلك، سأكتفي بطعام الإفطار الموجود هناك."
توقف فجأة، ونظر إليّ نظرة فاحصة قبل أن يسأل بحدة: "مهلًا... لا تخبريني أنك لم تتناولي الإفطار حتى الآن؟"
تجاهلت قلقه ورددت ببرود: "هذا صحيح، لم أكن متفرغة لذلك."
زفر بضيق، وكأنه يحاول السيطرة على استيائه: "آنسة أوريانا، لا يجوز تناول طعام بارد متبقٍ من الصباح. سأطلب منهم إعداد وجبة طازجة وإرسالها في الحال."
قال ذلك بينما كان يدفع عربة الطعام نحو الباب، فلم أملك سوى أن أجيبه بإيماءة خفيفة: "حسنًا... شكرًا لك على لطفك."
قبل أن يخرج، توقف فجأة والتفت إليّ: "صحيح، آنسة، هناك رسالة وصلت إليكِ اليوم."
لم أرفع عيني نحوه حتى، واكتفيت بالقول ببرود: "أحرقها."
"ماذا؟"
نظرت إليه هذه المرة مباشرة، وكررت بأكثر وضوحًا: "أحرقها. لا حاجة لي بأي رسائل أو دعوات. أنا مشغولة."
لكن هذه المرة، لم يتحرك فورًا. ظل واقفًا لثوانٍ قبل أن يقول بنبرة أهدأ: "ولكن يا آنسة... إنها من الماركيز رولين مارلو."
شعرت بدم بارد يجري في عروقي للحظة، قبل أن أعضّ شفتي ببطء. كيف نسيت أمر ذلك الشخص؟
مددت يدي إليه ببطء، ونطقت بصوت منخفض لكنه لم يخلُ من التوتر: "أعطني إياها، سيلاس... يمكنك المغادرة الآن."
وما إن غادر، حتى فتحت الرسالة بيدٍ ثابتة، وعيناي تتنقلان بين سطورها...
ثم تمتمت بامتعاض:
"هاه... ذلك الوغد."
آراؤكم وتعليقاتكم تهمني جدًا! ✨💬 كل تعليق منكم يساعدني في تحسين القصة وجعلها أكثر إثارة! 🔥 لا تبخلوا علي بأفكاركم وتوقعاتكم! 💖👇
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طبعا أنا لسه مخلصتش امتحانات بس ده جزء بما أني هفضل تلاتة شهور في الامتحانات وهيبقي في تلاتة او أربع فصول مش هوعدكم يعدد محدد بس فس كذا فصل بينزل بمناسبة العيد هتنزل يوم السبت بإذن الله