إنه العام 1929.

تم نفي ليف تروتسكي بعد أن خسر في صراع السلطة بالحزب الشيوعي السوفيتي ضد ستالين.

كما نشر إريك ماريا ريمارك تحفته الخالدة المنهاضة للحرب.

يوم الخميس الموافق للرابع والعشرين من أكتوبر.

"كلام واهي!".

"محال أن يحدث هذا!".

"محال محال! لابد أنها عملية إحتيال!".

وقعت الحادثة الشهيرة التي عصفت بأسواق البورصة في نيويورك، ما تسبب في إنخافض حاد لأسعار الأسهم.

أطلق على هذا اليوم في ما بعد إسم "الخميس الأسود" وكان بمثابة بداية الكساد العظيم الذي غير من شكل العالم.

وسرعان ما إكتسح هذا الكساد الذي بدأ من الولايات المتحدة الأمركية العالم بأسره.

ضرب الكساد الإقتصاد الألماني الذي بدأ يخطو أول خطوات التعافي في الصميم، وبدأت الشوارع تكتظ بالعاطلين.

شد رجال الأعمال شعورهم وأنهى من لم يستطع تحمل خسارة شقاء العمر حياته.

ما تلا ذلك كان إضرابات واسعة وإحتجاجات، وأخذ الحزب الشيوعي الذي كانت شعبيته تتضاءل في الأعوام الماضية يزداد سلطة.

ومع ذلك فإن شعبيته لا تقارع ما حشده الحزب الوطني الإشتراكي الألماني.

حين وقع الكساد المذكور في كتاب "كفاحي" بالفعل أحدث ذلك ضجة كبيرة.

قبلها أطلقت عليه عدة ألقاب منها منحك الهراء والصيني الفخري، لكن ذلك كله إنتهى هنا.

بعد أن حدث الكساد العظيم لم يعد هناك من يجرؤ على السخرية.

وقد بيع "كفاحي" كالكعك الساخن ما جعله يحقق مبيعات تتجاوز أضعاف أرقامه السابقة، وقد زاد ذلك من شعبية الحزب.

في العام الذي أعقب ذلك فاز الحزب في الإنتخابات العامة لجمهورية فايمر في الرابع عشر من سبتمبر عام 1930 ب302 مقعدً، وقد وقف بذلك شامخًا على رؤوس الأحزب الأخرى، وأصبح أكبر حزب في الجمعية الوطنية.

ولم يعد مجرد حزب بافاري صغير إذ أصبح تحزبًا كبيرًا على مستوى ألمانيا.

وبعدها بعام - الثامن عشر من سبتمبر 1931 هاجمت اليابان الصين وحتلت منشوريا.

ووقعت حادثة منشوريا.

وعلى الرغم من أنه كان حدثًا حزينًا للصين إلا أني كنت مرتاحًا، بل وفرحًا، سقوط منشوريا هو نعمة بالنسبة لي.

"أي نوع من الأشخاص هو هتلر هذا لتكون له مثل هذه البصيرة..."

"هل جاء من المستقبل؟ وإلا كيف لنظرياته أن تصدق جميعًا!".

ورغم أن الوعي بي قد زاد حين حدث الكساد العظيم، إلا أن إستيلاء اليابان على منشويا لم يسمع بمجال للشك، و نظر إلي تقريبًا كنوستراداموس العهد.

أهذا ما أحس به يوجين كيم يا ترى؟ على الرغم من أنه شخصية خيالية من رواية، مع ذلك أعتقد أني فهمت شعوره تقريبًا.

وبينما أنا أفرش لنفسي البيساط الأحمر جاء اليوم الذي كنت أنتظره.

***

30 مايو، 1932.

"أرجو منك تفهم ذلك، وأعلم أنك لم تقصر أبدًا، فعذرني على هذا القرار".

أقيل هاينريش برونينج من منصبه مستشارً من قِبل الرئيس الألماني هيندنبورغ.

"بما أن هذا هو ما تراه مناسبًا يا صاحب السعادة... فإني أتفهم ذلك".

عارض برونينج قرار هيندنبورغ لكنه لم يظهر ذلك ولم يقل أي كلمات تظره إعتراضه هذا.

ورغم الإستياء الذي حمله إلا أنه قبل وضعه بتواضع.

لم تكن علاقة هيندنبورغ ببرونينج سيئة إطلاقًا.

فعلا العكس من ذلك، إحترم برونينج هيندنبورغ، كما قدره هيندنبورغ وغالبًا ما كانا يتناولان العشاء معا لمناقشة الأمور الهامة.

ومع ذلك فقد لاقت سياسة برونينج الإقتصادية سخط الشعب الألماني، كما لم يحبه نبلاء يونكرز بسبب قضية ضريبة الأراضي التي جاء بها.

ولم يعد في وسع هيندنبورغ الذي كان من اليونكرز قبل أن يصبحًا رئيسًا الإحتفاظ ببرونينج كمستشار له.

وبذلك إستقال برونينج من منصبه.

"آمل أن لا تحملها في خاطرك، أود حقًا إبقائك إلى جانبي لكن ذلك قد يُحدِث ما لا تحمد عقباه، هل تفهم ما أعنيه؟".

"بالطبع سعادتك".

أقام هيندنبورغ الذي حمل مشاعر متضاربة حيال برونينج حفل توديعه شخصيًا على الرغم من كونه الشخص الذي قطع رأسه بيديه. -تعبير مجازي-

أثناء عزف الأوركيسترا رفع هيندنبورغ كأس النبيذ في يده عاليًا.

"لنشرب نخب المستشار برونينج الذي عمل بإخلاص للأمة!".

كما رفع برونينج كأسه ونظر بعدها إلى النبيذ في كوبه، قد يكون من أعلى أنواع الكحول جودة، لكن الليلة بدا له أن الكأس مكيل بالسم.

تلك الليلة عاد برونينج إلى بيته سكيرًا.

بتنحي برونينج عن هذا المقعد عين أدولف هتلر الغني عن التعريف خلفًا له.

***

"مر زمن طويل على لقائنا".

"شرف لي أن أقابلكم ثانية يا صاحب السعادة".

لم ينسى هيندنبورغ لقائه بهتلر في المستشفى حين كان عريفًا صغيرًا قبل إثني عشر عامًا.

وكان الإنطباع الذي شكله عنه ذلك الحين هو أنه رجل شجاع وصادق يجيد إرضاء رؤسائه.

وليس معروفًا فحسب بتحليلاته التي يُزعم أنها لا تخطئ، بل وفوقها يجيد جذب الجماهير إليه.

تعمق الإطباع الإيجابي الذي كونه هيندنبورغ عن هتلر حين سمع أنه تخلا عن خوض الإنتخابات ضده قبل عدة أشهر.

وكان ذلك على الرغم من سماعه أن أعوان هتلر نصحوه بل وحثوه على خوض هذه الإنتخابات، لكنه رفض قائلًا أنه لا يريد منافسة قائده السابق.

وبسبب ذلك وثق هيندنبورغ بهتلر حق الثقة.

"على الرغم من أن قولي لذلك الآن قد يبدو لك نفاقًا.. إلا أني حقيقة لم أرد الرئاسة لولاية ثانية".

"لم ذلك؟".

"لقد شغلت منصب الرئيس مرة، كما أني هرمت الآن، وكل ما أرديه هو الراحة في أيامي الأخيرة، لكن من حولي أصرو أنه بإستقالتي في مثل هذه الأوقات لابد أن تتداعا ألمانيا، وأن تصبح وكر للشيوعين. والمثير للسخرية هو أن من دعموني كانو في الغالب من الشيوعين، أشعر بالخجل حين أتطرق لذلك".

قدم الحزب الديموقراطي الإجتمامي إسهامان كبيرة خلال إنتخابات هيندنبورغ، ولكن بالنسبة لهيندنبورغ الذي نظر لهذا الحزب على أنه حزب شيوعي بجلد جديد، عد هذا الدعم وصمة عار ستلاحقه طوال حياته.

"صاحب السعادة، رغم أن هذا هو ظنك إلا أني لا أفكر بالأمر بهذه الطريقة".

"وما قولك إذا؟".

"أرى أنه لخدمة أهدافك السامية لابد من معرفة كيفية التعاون مع العدو ساعة الحاجة، فلو لم تصل للسلطة يا صاحبة السعادة ألن تكون البيئة السياسية أفضل للشيوعين؟".

"اه، لو لم أترشح ألم تكن لتفعلها أنت؟".

رددت بإحترام :"لن أنكر أني كنت لأحول، لكن بما أنك في السلطة فمن العاقل الذي سيطمع بها؟".

"لابد أني إخترت الرجل المناسب".

ضحك هيندنبورغ بحرارة، لابد أنه أعجب بإختياره.

***

"تهانينا!".

"مبارك يا زعيم- أعني يا سعادة المستشار!".

في اليوم الذي أعقب حفل تعيني مستشارًا، أقمت حفلًا شخصيًا في منزلي بهذه المناسبة ودعوت مسؤولي الحزب.

"كان إقتراحي السابق قصير النظر يا سيدي، كيف علمت أن الرئيس هيندنبورغ سيتخذ مثل هذه الخطوة؟": سأل جزبلز.

لقد حاول جوبلز منذ بعض الوقت إقناعي بالترشح للرئاسة، لكني رفضت ذلك تماما.

في التاريخ قبل هتلر مقترح جوبلز وترشح للرئاسة.

ورغم أنه هزم في الإنتخابات إلى أنه ترك إنطباعًا عميقًا على الجمهور بحصوله على المركز الثاني من حيث عدد الأصوات.

لكني لا أرى حاجة لذلك هذه المرة.

إذا ترشحت للرئسة فإني محكوم علي بالخسارة أمام خصم مثل هيندنبورغ، وأما من حيث الحصول الشعبية فلا أحتاج إلى ذلك، فقليلون من لا يعرفونني في ألمانيا.

وهل علي حقًا الإضرار بعلاقتي مع هيندنبورغ لمجرد الحصول على مكاسب لا أحتاجها؟

وقد كانت حساباتي صحيحة، إذ أقال هيندنبورغ برونينج وعينني مستشارًا طوعًا.

"الآن وبعد أن أصبحت رئيسًا للوزراء لابد أن تتغير هذه البلاد!"- : قالها جورينج لذي بدا سكيرًا بالفعل، وأومأت برأسي له.

جورينج يتحدث بصوت عالي عادة، لكن صوته يعلو أكثر حين سكر.

ومع ذلك إن قارنته بجورينج الأصلي قد لا تتعرف عليه.

وفقًا للتاريخ أصيب جورينج برصاصة في الخاصية أثناء أعمال شغب قاعة البيرة، ومنذ ذلك اليحن وهو يتعاطى المورفين لينسى الألم، وإنتهى الأمر به إلى الإدمان.

أصبح إدمان جورينج أسوأ مع الوقت ما جعله يتخذ قرارات غريبة لعلها عجلت في هزيمة ألمانيا.

ولمنع حدوث ذلك أبعدت جورينج بادئ الأمر.

والنتيجة أن جورينج لم يصب وبالتالي لم يجرب المورفين.

بالإضافة إلى ذلك وبسبب إلحاحي وموعظتي المستمرة بشأن العناية بصحته ووضع نظام غذائي متوازن، إعتدل وزنه ما إنعكس على مظهره، فقد أصبح يمزج بين بقايا من مجد شبابه كطيار وسيم خلال الحرب العالمية الأولى وسحر رجل في منتصف العمر تسقط له النساء.

الآن ولت أيام السخرية من بطنه البارزة -أشعر أني فخور به-.

وحين بلغ الحفل ذروته إقترب مني هاينريش هيملر، رئيس قوات الأمن الخاصة.

"سيدي، ثمت ما أود إعلامك به، هلا منحتني دقيقة من وقتك؟".

"إتبعني".

سرت نحو زاوية لا يستطيع الناس فيها التنسط على حديثنا، وقد تبعني هيملر الذي لم يضيع الوقت للوصول إلى صلب الموضوع.

"سعادتك، الأمر متعلق بروم".

عرفت أن هذا سيحدث عاجلًا أم أجلًا.

"أعرف مالذي تود قوله، الجيش ليس راضيًا عنه، أليس كذلك؟".

"إذا فإنك قد خمت بالفعل، سيدي، هذه معلومات حصلنا عليها من جواسيس زرعو في الجيش، وثمت شائعات تفيد بتخطيطهم لفعل شيء يكبح تفشي قوات العاصفة".

"اه، إذا فلا تزال أمامنا قمم كثيرة لنبلغها".

على الرغم من أن روم إنتمى للحزب النازي المناهض للشيوعية، إلا أنه كان مخلص للفكر الإشراكي، ودعا للثورة الثانية وهو أمر متناقض حقًا.

وكانت من أساسيات هذه الثورة التي دعا إليها تأميم المصانع ومصادرة أملاك الرأس ماليين وتوزيعها على العمال.

بل وطالب بأكثر من ذلك، إذ نادا بضرورة إنشاء "جيش الشعب" بالدمج بين الجيش وقوات العاصفة التي قادها.

وبالطبع لم يكن الجيش الذي هيمت عليه طبقة من نبلاء يونكرز والمحفظين ليقبل هراء روم.

"لا بأس، كنت أفكر بالفعل بما يجب علينا فعله بروم، إن تركنا الأمور تسير في هذا الطريق ستحدث مشاكل لا داعي لها".

"كلماتك هذه هي عين الصواب يا صاحب السعادة، أرجوك أن تستدعيني إذا قررت إتخاذ خطوة، فطالما تستدعيني فإني متأهب في أي زمان وأي مكان -"..

"حسنًا، لنعد لتناول الطعام".

هذا الرجل لا يتعب من تملقي في كل مرة تتاح له الفرصة.

يا رجل، لا حاجة لذلك حقًا.

-نهاية الفصل-

قلت أني سأنشر هذه الفصول البارحة؟ إنها عادتي القديمة، حين أضع موعدين احدهما مبكر والأخر متأخر، أعلم أنني سأختار المتأخر دون شك.

على كل حال هذه هي فصول اليوم، إن أكملت المزيد سأنشره لاحقً.

2024/05/22 · 93 مشاهدة · 1488 كلمة
نادي الروايات - 2025