"... لذا أعلن بموجب هذا إقرار التشريع الجديد".
بعد إتمام التعيين الوزاري مضى كل شيء بسلاسة كبيرة.
بالتعاون مع حزب الوسط وحزب الشعب الوطني تم إقرار قانون "التمكين" دون أية مشاكل.
لم يسكت الحزبان الديموقراطي الإشتراكي والحزب الشيوعي عن ذلك، بل وإهتاجو مدعين أن هذا القرار باطل وغير قانوني، ولم تكن إحتجاجاتهم تتعدا كونها صراعًا عقيمًا.
بعد إقرار قانون التمكين أعلن رسميًا أن الحزب الشيوعي غير قانوني ومنع من دخول البرلمان، كما تم حل الحزب الديموقراطي الإشتراكي.
بالإضافة إلى حزب الشعب الوطني وحزب الوسط الذين شاركونا في الجريمة، أبقيت أيضًا على أحزاب صغيرة مثل حزب الشعب البافاري والحزب الوطني وحزب الفلاحين.
على الرغم من أن بقائهم كان ببساطة غض الطرف عنهم، لكننا إحتجنا في الوقت الحالي بعض المظاهر لإدعاء إحتفاظنا بشكل من أشكال الديموقراطية أمام البلدان الأخرى من خلال ترك التكتلات الحزبية التي قد يمكن أن تطلق على نفسها إسم "المعارضة" خلفنا.
"لو كان الأمر كما في التريخ لما بقو على وجه البسيطة، عليهم أن يكونو شاكرين-".
"مالخطب سعادتك؟".
"كلا، لا شيء يدعو للقلق، لعلي حدثت نفسي بٍفعل الإرهاق".
لا أصدق أني لا زلت أحدث نفسي، عدم قدرتي على التخلص من هذه العادة السيئة مخزي حقًا.
"ألا تعتقد أنك تشق على نفسك كثرًا خلال الأيام الماضية؟ عليك بأخذ قسط من الراحة".
"أنا أيضًا أعتقد ذلك، كما لا يوجد ما هو أهم من صحة رئيس الوزراء، لذا فإني أطلب منك يا سيدي أن لا تحمل نفسك ما لا طاقة لها به".
"أرى أنه سيكون من الأفضل رؤية الطبيب هذا المساء، فقط في حالة"..-
ما قلته كان كذبة عشوائية لتخفيف الحرج الذي إعتراني، لكني لم أتوقع أن يأخذ جورينج وجوبلز وهيملر الأمر على محمل الجد، فقد إعتقدو أني كنت مرهقًا حقًا وأحدثو ضجة بهذا الشأن.
الإرهاق الحقيقي يتجسد في الإستماع إلى شكواهم، ولم أستطيع قول ذلك، ولو أستمرو في الطنين حولي قد أصاب بنزيف من الضغط وأفقد الوعي.
"يكفي هذا، سأعتني بصحتي لذا لنتوقف عن البت في هذا الأمر".
كنا حاليًا في إجتماع لوضع الحل الأمثل لتصرفات روم وقواته.
لا جدال في أن روم قد قدم إسهامات كبيرة في صعودي للسلطة.
ومع ذلك فإن الغرور الذي تملكه مع بلوغ عدد القوات تحت إمرته عتبة الثلاثة ملايين أصبح يشكل خطرًا، وبالتالي مسألته جلبت صداعًا للحزب النازي بأكمله.
"تحركات الجيش غامضة في الأونة الأخيرة، في السابق كانو قد أعربو عن نواياهم للتأز معنا بفضل جهود صاحب السعادة، لكن وجود روم عصف بكل ذلك مهب الريح".
تحدث جورينج بسخط وبدا أن محض ذكر الأمر يغيظه.
حتى غوبلز الذي لم تجمعه بجورينج علاقة حسنة أومأ برأسه مرارًا معربًا عن إتفاقه معه، بدا أنه لا يحب روم أكثر من جورينج.
روم الذي لم يكن بطبيعته إجتماعيًا ولا حتى مهذبًا أو متواضع بشكل ملحوظ جلب على نفسه الكثير من العداء.
وكما أسلفت، قليلون هم من جمعتهم علاقة طيبة بروم، سواءً في الجيش أو حتى على صعيد الحزب.
الشخص الوحيد الذي ربطته به علاقة طيبة كان هيس الذي عرفه منذ أيام الحزب الأولى، لكن حتى هيس لم يقل كلمة إعتراضًا على مزاعم جورينج وستمع بصمت، لعله ظن أيضًا أن روم تجاوز حدوده مؤخرا.
"سعادتك إسمح لي بإبلاغك" جاء الدور على هيملر بعد جورينج :"هذه المعلومة هي ما جمعته من الجواسيس في كل من الجيش وقوات العاصفة".
تضمنت الوثائق التي قدمها لي موجز تحركات روم وقواته خلال الفترة الأخيرة، وملحق بأراء الجيش عنها.
"إن تصرفات روم تتعدا الحدود بوتيرة متزايدة، ويقال أنه أدلا بتصريحات وقحة تمس بسعادتك خلال إحدا تجمعاته، بل ونتقد سياسة الحزب علانية وأيده في ذلك أغلبية كبار أعوانه، ومن بين ضباطه وحده فيكتور لوس أخبرنا بما جرا".
فيكتور لوس، هذا الرجل قام بذات الأمر في التاريخ إذ قام بالوشاية بروم عند هتلر، مكتسبًا بذلك ثقة هذا الأخير، وبعد القضاء على الروم وأعوانه أصبح هو قائد قوات العاصفة.
وتوفي عام 1943 في حادث سير يعد أن أصبحت قوات العاصفة منظمة عسكرية لائقة بفضله.
"الإستياء منهم كبير، وليس ذلك في صفوف الجيش وحده، بل وحتى في الشرطة، إذ طلب منهم تسليم السلطة الأدارية زاعمًا تولي دور الشرطة".
بعد أن إنتهى هيملر من إضافة الزيت على النار، جاء دور هيدريش ليكمل من بعده.
راينهارد هيدريش، الملقب بجزار براغ والوحش الأشقر.
كان هذا الرجل أحد العقول الأكثر دهاءً في ألمانيا النازية، حيث نجح في العديد من العمليات التي قادها قبل أن يتم إغتياله في جمهورية تشيك عام 1942.
أومأ هيدريش برأسه قليلا ثم سحب الوثائق التي نظمها وعرضها علي واحدة تلو الأخر مثل مدعي عام متمرس.
"بداية هذه قائمة بالرشاوي التي تلقاها روم".
"لقد أكل الكثير من الرشاوي.. أهو خنزير أم ماذا؟".
رغم جدية الموضوع إلا أني بالكاد منعت نفسي من الإنفجار ضاحكًا على كلمات جورينج، إن قالها شخص آخر ماكنت لأمتلك رد الفعل نفسه... لكن ربما لم يعد الأمر مهمًا لأنه لم يعد خنزيرًا بعد الآن؟..
وتابع هيدريش فبعد تفصيل قائمة الرشاوي، تطرق إلى أولئك الذين طلبو منه خدمات، وصولًا إلى المسؤولين الذين إتصل بهم روم من الأحزاب الإشتراكية وكانو على علاقة به.
تفاجئت بمقدار هذه المعلومات، صحيح أني قد توقعت ذلك، ولكن ليس إلا هذا الحد الذي أخرجه هيدريش.
وقد توصلنا إلى قرار بإختتام الإجتماع.
إعدام روم.
يجب إستئصال كل الجذور الفاسدة قبل أن تستفحل.
"إن لم نعدم روم مبكرًا فلا أعرف العواقب التي ستترتب على ذلك في المستقبل".
"نعم يا صاحب السعدة، علينا تصفية روم".
"همم..."
في التاريخ قرر هتلر ضرورة تحييد خطر روم لكنه تردد في قتله، لعل ذلك كان بسبب سنين العشرة بينهم.
عندها أصر عليه جورينج وهيملر وجوبلز بضرورة إعدامه، وقد قبل ذلك، لكنه ظل متردد حتى اللحظة الأخيرة معتقدًا أن الأنسب هو سجنه عوضًا عن سفك دمه.
في ترجبتي الماضية لم يتعين علي القلق منه، إذ سار معي خلال أعمال شغب قاعة البيرة وقتل برصاصة، وبعده منحت هيس المسؤولية عن قوات العاصفة، ولم يتفاقم خطرها قط.
لعله كان من الأفضل له أن يموت حينها هذه المرة أيضًا لأن لا يضطر إلا الموت على أيدي زملائه، لكن بما أنه عاش، يجب إتخاذ تدابير عاجلًا أم أجلًا.
من الناحية الواقعية، من الصواب قتله والتخلص من خطره.
وقد عزمت على أن أقوم بكل ما يقتضيه الأمر لأنجح في محاولتي هذه، ولن يكون روم عائقي.
فهو مثل التحلية بالنسبة لي.
كل ما علي فعله هو قول "نعم" وسينهي أتباعي المخلصون الأمر دون أن يتطلب الأمر مني رفع إصبع واحد.
ومع ذلك فإني حين عدت إلى رشدي وأدركت أني لا أبالي بقتل زميل من لحم ودم، صافحته وتقاسمت معه على عبور الصعاب طوال السنوات العشر الماضية.
الأمر مثير للسخرية، متى بلغت هذا المستوى؟
متى تناسيت أني لست هتلر بل رجل كوري عادي عاش خلال القرن الحادي العشرين؟ لقد إستهلكني واقعي دون أن أدرك، ومع مرور السنين.
تجارب الموت المتعددة التي عشتها جعلتي أخذ فكرة خاطئة عن الموت، إذ أصبحت أنظر للموت بدونية أسوأ من هتلر.
"صاحب الساعدة، من فضلك، القرار في يدك": قال جورينج ملحًا علي.
في حين نظر إلي هيملر وجوبلز وهيدريش، وحتى هيس بصمت، منتظرين نطقي لحكم روم.
"روم..."
"نعم؟.."
"كان روم رفيقي منذ فترة طويلة".
"ذلك صحيح فعلًا-..."
إختنق جورينج لأن إجابتي لم تكن ما توقعه.
وتقدم هيملر الذي بدا أسوأ حالًا منه إلى الأمام :"سعادتك، لا تؤخذني رغم إيقاني أن العلاقة التي تربطك به لابد أن تكون عميقة ووثيقة، لكن التضحيات لا غنى عنها في سبيل المصلحة الأكبر".
"ما قاله قائد قوات الأمن الخاصة السيد هيملر صحيح، إذا أبقيت على هيملر بفعل عاطفة الماضي سيضرك ذلك في المستقبل": تقدم جوبلز لتأييد كلمات هيملر.
"لا تستبقو الأمور".
"سعادتك؟..."
"ما كنت لأحكم بغير معاقبة روم".
أنار وجه جورينج بالبهجة حين سمع إخيرًا الإجابة التي إنتظرها، وإرتسمت إبتسانة على محياه، كما بدت على جوبلز وهيملر وهيدريش علامات الرضى.
"قرار حكيم سعادتك".
"إنه القرار الصائب، وسيدون التاريخ ذلك".
"لقد أنقذت ألمانيا بقرارك يا صاحب الساعدة".
أوه، نوعًا ما.
***
أعلمت هيندنبورغ أولا بنيتي قتل روم.
في التاريخ ضغط هيندنبورغ لأول مرة على هتلر، وكان ضد هذا القرار زاعمًا في رأيه أنه إذا قتل روم يجب أن تقتل معه قوات العاصفة، حينها مارس هتلر بدوره الضغط على هيندنبورغ من خلال وزير الدفاع فيرنر فون بلومبرج للمضي في مخططه.
ولكن لا ينبغي أن يتكرر صداع الرأس هذا.
بداية وثق بي هيندنبورغ كثيرًا، وقد حرصت على إبلاغه قبل الأمر برمته.
وكما توقعت بدا مسرورًا بسماع ذلك.
"فكرة حسنة، يجب إزالة الورم قبل إستفحاله بالبدن".
بدت على هيندنبورغ بوادر الرضا، وتناول قضمة كبيرة من البومكوتشن. (حلوى تقليدية ألمانية تشبه الدونات)
"أنا لا أحب ما بفعله روم وعصابته، لذا فقد كنت أفكر في ما أفعله بهم لكنك أرحتني من هذا العناء، لعلك لا تعرف ذلك، لكن روم ذاك هو حقًا إبن ساقطة من الرائع التخلص منه".
"هذا هو ما يجب القيام به لا أكثر".
"بالضبط، خاصة وأنه مثلي، هل سبق لك أن سمعت بذلك؟ وفي هذه البلاد! إن فكرة إحتكاك أجساد الرجال ببعضها بتلك الدهون المتراخية تثير إشمئزازي إلى أبعد الحدود، حتى ذكرهم يفقدني الشهية".
أصبني وصفه بالقشعريرة.
بينما إستمر هيندنبورغ في تناول معجناته -حسنًا على كل حال، أعتقد أنه يأكل جيدًا رغم مزاعمه السابقة.. بالرغم من أن ذوقه قد لا يكون الأفضل.- شرحت له الخطة التي وضعتها لإنهاء روم، طوال شرحي ظل يهز رأسه راضيًا.
"سأعهد بالأمر إليك، فأنا واثق بحكمك".
"أشكرك على ثقتك هذه".
بعد الحصول على موافقة هيندنبورغ، شرحت خطة تطهير روم لبلومبرج أيضًا، وكما توقعت فقد أيدني بشدة.
"هذا هو الحكم الصائب سيدي المستشار، هذا الرجل هو وعصابته تمادو كثيرًا، وقد كنت أنظر في مناقشة هذا الأمر معك إن سنحت لي الفرصة، لكني معجب بإتخاذك القرار قبل ذلك".
على الرغم من أنه لم يصل لنفسه مستوى جورينج وهيملر وجبلز، فقد كان مع ذلك من أشد معجبي هتلر، لذا لم يهدر هذه الفرصة لتقديم الإطاء.
وبذلك تعاهد بلومبرج على دعمي في خطتي هذه بالعتاد والعساكر إذا لزم الأمر.
أتساءل عن حجم الخطيئة التي إرتكبها روم ليرغب الجميع في قتله.. ههههه...
***
اليوم سار كل شيء كما تقتضي العادة، حضر روم الإجتماعات غير مدرك للمكائد التي تحاك تحته - ليس من قبل الجيش وحده، فحتى رفاقه الذين جلس معهم بالطاولة ذاتها أرادو قتله.
منذ وقت طويل حرص روم على أن يكون قادة قوات العاصفة من صفوة أتباعه، رجال لا يتبعون إلا أوامره وحده.
في الواقع لم يكن أكثر من حديث عادي حيث بت روم في أمر أزعجه.
"أشعر بخيبة أمل كبيرة من هتلر".
بدأ روم بين أتباعه بعد الإجتماع بإنتقاد هتلر.
"حسبت أنني وهو تشاطرنا نفس الطموح والأراء، لكن تبين أني أخطأت الحكم عليه".
كان روم مستاءً من هتلر.
إعتقد روم في السابق أن هتلر سيلبي الأسس التي قام عليه الحزب الإشتراكي ويحفظ عهد السنين التي بينهم بعد أن يصل للسلطة.
لكن مطالب روم أصبحت جنونية أكثر من الغرض ولم تتسم بأنش من التواضع.
مطالبته بجعل الشرطة تحت لوائه وحل الجيش لدمجه بقوات العاصفة أثارت تعجب مسؤولي الحزب النازي، حتى الذين كانو على خلاف مع الجيش.
وحده روم ورفاقه أمنو أن مطالبهم لم تكن أكثر من حق معقول إستحقوه نظرًا لإسهاماتهم.
"حين تمكنا أخيرًا من رسم إطار للثورة أظهر التردد والتقهقهر! وقد إتضح لي منذ ذلك الحين أن هتلر لا يختلف عن نبلاء اليونكرز أو الرأسماليين الذين لا تجوب أذهانهم إلا منافعهم الشخصية!".
"أنت محق!".
"لقد خان المستشار هتلر الثورة!".
وفي كل مرة يستمع فيها روم إلى هتاف مرؤوسيه يزداد فخرًا.
لكن تصريحاتهم العرضية تخطت بالتأكيد أبسط الخطوط الحمراء.
"إن إستمر هتلر بفعل ما يفعله فلن يكون في أيدينا خيار إلا أن نفعل شيئًا، لدينا ثلاثة ملايين من الجند المخلصين، إن منح كل واحد منهم سلاحًا لن يجدو صعوبة في القضاء على بعض قوات الجيش والشرطة!".
خلال اعمال شغب قاعة البيرة هزمت مليشيات قوات العاصفة المكونة من مئات الرجال بمجرد أن بدأ الجيش تحركه.
لكن الوضع تغير الآن، وهو في صالح قوات العاصفة، فقد زاد عددهم بشكل مهول، وأصبحو بذلك أكبر قوة مسلحة في ألمانيا حيث يبلغ تعدادهم الثلاثة ملايين رجل.
على الرغم من أن تسليحهم ومستوى تدريبهم لما يكونا على قدر كبير من الإحترافية، إلا أن التعداد لا زال مهولًا، لذا لم يتكن الجيش من التعامل مع خطرهم دون إحتراز.
"سعادتك، مالذي ستفعله تاليًا؟".
لقد إعتاد روم الألقاب التشريفية مثل "صاحب السعادة" من أتباعه منذ زمن.
"في الوقت الراهن لست متفائلًا للغاية، لكني أظن أن ثمت أمل في التفواض مع هتلر، على الرغم من أن السلطة قد أفسدته إلا أنه يظل زميلًا يفكر وذو عقل رجيح على عكس النبلاء الذين أوصدو عقولهم إلا درجة لم يعد فيها التحدث إليهم ممكنًا".
"وإن ظل رافضًا-؟".
"حينها أنوي إستخدام قواتنا للضغط عليه للقبول، على الرغم من أني لا أريد أن يحدث ذلك، فهو قبل كل شيء صديق قديم، ألم نتشارك ذات مرة القضية ذاتها ونزج في السجن في سبيلها؟ لذا لنأمل أن يتخذ هتلر القرار الأسلم".
أغفل روم نقطة واحدة.
وهي أن لا احد كان ينوي الإستماع إليه منذ البداية.
-نهاية الفصل-