13 - ليلة السكاكين الطويلة: II

عقد إجتماع أخير قبل المضي في إعدام روم.

كان الغرض منه وضع قائمة بمن تجب تصفيتهم من قوات العاصفة مع روم، ودار النقاش كذلك حول الذين لم ينتمو لقوات العاصفة، لكنهم شكلو تهديدً يوجب القضاء عليهم.

الأول هو كورت فون شلايشر.

كان يفترض به أن يصبح المستشار الألماني قبل هتلر، لكن بسبب تغير مجرى التاريخ لم يحدث ذلك.

لن يدوم إلى الأبد.

هذا ما ظنه شلايشر الذي إعتقد أنه سيصبح مستشارًا عوضًا عني، لكن حي علم بتعيين هيندنبورغ لي، سخط وبدأ يتحدث بالسوء عن هيندنبورغ دون علمه.

"لدينا أدلة على إتصال جمعه بالسفير الفرنسي، وتلقيه الرشاوي منه".

أثارت الكلمات التي قالها هيدريش عن علاقة شلايشر بالفرنسسين غضب الجميع، لكني بقيت صامتًا.

على الرغم من أن هيدريش يجيد نبش المعلومات وجمعها، لكنه برع كذلك في خلق خطايا لم تكن موجودة وإلصاقها بالأخرين محل اللوم.

وبسبب موهبته المثالية في ذلك يصعب أن تفصل بين صدقه وإفترائه.

لكن الواضح والأكيد هو أن شلايشر يضمر الكراهية لي، ولن يتردد في طعن ظهري أن حصل على فرصة لذلك.

إن تركت المشكلة تتخمر فلا أعرف متى ستنفجر في وجهي.

الخيار السديد في هذه الحالة هو إسقاطه مبكرًا.

"مع ذلك فقد كان جنرالًا ذات يوم، لعل من الأجدر بنا إسقاطه بطريقة بها شيء من 'الإحترام' الذي يليق بمكانته الرفيعة".

"ماهي الطريقة التي تود إستخدامها سعاتك؟".

"لنرى.. البنادق والقنابل يحدثان الضجة، السم خيار أفضل إذ أنه أكثر هدوءً وجمالية، نعم، السم مناسب تمامًا".

"سأحرص على تنفيذ ذلك": دون هيدريش إجابتي بحرص على دفتر ملاحظات صغير يحمله معه دائمًا.

بعد شلايشر جاء الدور على بابن.

فرانز فون بابن.

في التاريخ خلف هاينريش برونينج كمستشار، لكنه أقيل سريعًا بسبب قلة كفائته، وعين من بعده شلايشر.

تعاون بابن الذي حمل ضغينة تجاه شلايشر مع هتلر لأسقاطه، وساعد هتلر على الظفر بالسلطة، لكن هتلر لم يقبل محاولات بابن للتلاعب به.

عندها هاجم بابن هتلر علانية بإلقاء خطاب مناهض له وللنازية في جامعة ماربورغ، وجاء تحذير هتلر لبابن بإعدام رفيق له خلال ليلة السكاكين الطويلة، وقد كانت رسالة هتلر واضحة، أطل لسانك ثانية وستحصل على المصير ذاته.

إستسلم بابن بعدها لهتلر، وخدم في مناصب عدة، منها أن عمل سفير في النمسا، ومن بعدها تركيا، حتى وفاته عام 1969.

"إمسح بابن من القائمة".

"مالسبب سعادتك؟".

سأل هيملر بحيرة، كان في ظنه أن بابن سيقتل هو أيضا بعد أن قُررت تصفية شلايشر، ولم يتوقع هذا الرد.

"في الوقت الراهن يتعاون بابن معنا، كما يثق به الرئيس كثيرًا، وإن ألحقنا الضرر به فقد يستاء من ذلك، وفوقها من المبكر إعتباره خطرًا".

"لكن يا سيدي- لدينا أدلة على قوله أنه من كان ينبغي أن صبح المستشار لا أنتم".

وقد إحتج هيدريش كهيملر، ربما أراد موت بابن، لكنه كلماته لم تغير رأيي.

"ليقل ما يحلو له، بما أنه لا يتمادا أو يحاول الإقاع بي مثل شلايشر، فأنا مستعد لأن أكون رحيمًا، لا حرج في سفك الدماء إذا ما دعت الحاجة، لكن لا ينبغي لنا الإسراف في القتل".

"صدقت يا صاحب السعادة": كما وافقني جورينج الرأي، في التاريخ عارض قتل بابن الذي كان على علاقة جيدة به، وقام بحمايته.

"حسنًا.. بما أن هذا هو قول سعادتكم..": كما وافقني جوبلز أيضًا.

"أنت على حق، لابد من أن يتم الذبح بإعتدال": صوت هيس كذلك لصالح كلماتي، وتم إلغاء فكرة إعدام بابن.

التالي هو جريجور ستراسر.

على الرغم من عدم إمتلاكه قوة كالتي يتمتع بها روم، إلا أن ستراسر إمتلك ميول قوية نحو الإشتراكية، كما عارض هتلر مرات إذ رأى أن الحزب النازي كان يمينيًا للغاية.

تحسنت علاقتهما بعد حادث السيرة الذي وقع لستراسر، لكن دعمه بعدها لمقترح شلاشر الإئتلافي أثار حفيظة هتلر، ما إضره للإستقالة من كل المناصب العامة.

وحتى بعد أن أصبح هتلر مستشارًا لم يعد ستراسر إلى الحزب النازي وعمل لصالح شركة للأدوية، ومع ذلك فقد جرت تصفيته في ليلة السكاكين الطويلة.

ومع ذلك في هذا العالم لم يصبح شلايشر مستشارًا ولم يقترح حكومة ائتلافية، وبالتالي لم يدعمه ستراسر، لذا ظل يشغل منصبه كمدير تنظيمي للحزب النازي.

وأضاف هيدريش :"هذا الشخص لا زال يصر على مطالبه بتغيير سياسات الحزب مدعيًا أنه بات منحطًا، وقيال أنه مثل شلايشر لا يتردد في إنتقاد سعادة المستشار في السر".

"حسنًا، ما دليل ذلك؟".

"بالطبع، أنظر هنا-".

تظاهرت بإلاء إهتمام بالأدلة التي قدمها لي هيدريش ثم وضعتها جانبًا على الطاولة بهدوء.

"أظن أن هذه الأدلة ليست كافية".

"نعم؟"..

"لعلك لا تعرف بذلك، لكنه أرسل لي رسالة مع هيس معتذرًا فيها عن كل ما بدر منه منذ أسبوعين تقريبًا، وأكد على أنه سيتبع أوامري دون أي جدال".

"لابد أنها كذبة سيدي! لا بد أنه-!"..

رفعت يدي لمقاطعة شكوى هيدريش.

"هذا يكفي، الله وحده يعلم إن كان كاذبًا، على كل حال أنا مستعد لمنحه فرصة طالما أنه لا يعود إلى عوائده القديمة، لكني لن أنسى صدامه معي في الماضي. بالرغم من ذلك أظنه شيئًا بديهي أن يتشاجر الأصدقاء القداما مرت على الأقل، طالما أن الأمر لا يخرج عن السيطرة، ألا تعتقد ذلك؟".

"هذا صحيح سيدي، لكن الوضع أخطر من محض شجار، فمن يربي في قلبه التمرد لن ينبت به غيره".

"قد تعتقد ذلك لكني لا زلت أثق بستراسر، لقد تبعني طويلًا وشاركني أفكاري لنهضة ألمانيا، وقد قتل شقيقه أوتو بالرصاص أثناء مسيرتنا في ميونخ، وبدلا من إلقاء الائمة علي لم يذكر الأمر قط، وظل مخلصًا دونما لغط، لو أراد خيانتي حقًا لغرس سكينًا في صدري منذ دهر، ولا أجد أي صعوبة في منحه فرصة ثانية".

على الرغم من أن ستراسر تجادل مع هتلر بسبب توجه الحزب، إلا أنه ظل مخلصًا لهتلر كشخص حتى النهاية.

وفي ليلة السكاكين الطويلة حين جائت قوات الأمن الخاصة لإعتقاله ظل يكرر :"محال أن يفعل ذلك-".

في التاريخ مات ستراسر الأكبر، في حين عاش الأصغر، لكن هذه المرة حدث العكس.

بعد الإنتهاء من قضية ستراسر، تم التطرق لعدة شخصيات منهم كار - حاكم ولاية بفاريا، وعدة شخصيات سياسية أخرى، وقد جرى التغاضي عن بعضهم وإلحاق بعضهم بالقائمة السوداء.

والآن وبعد أن إكتملت قائمة الإعدام لم يبقى عدا تنفيذ الحكم.

***

الثامن والعشرين من يناير، عام 1933.

إتصلت بروم.

"مرحبًا روم، هل لي بالتحدث معك قليلا؟".

-أدولف؟ مالأمر؟.

"الأمر ليس بالجلل، إتصلت بك لعقد إجتماع عادي، أين أنت الآن؟".

-أنا عند ينابيع باد وايز الساخنة.

"حسنًا أرجو منك جمع قادتك هناك بحلول الثلاثين من هذا الشهر، سأتي أنا كذلك، وحتى ذلك الحين أتمنى لك إجازة مريحة".

-لابأس بذلك، أنت كذلك في أمس الحاجة لأخذ قسط من الراحة، ألا زلت تعاني من الإرهاق؟

"حسنًا.. في هذا الشأن"...

-عليك أن الإسترخاء بشكل مناسب أحيانًا، أنت تعمل كثيرًا، ولا أعني في الينابيع وحدها، بل بالطعام الجيد كذلك، يوجد مكان جيد يدعى شفاين هاكس، عليك تجربته إذا ما سنحت لك الفرصة، كل ما يسعني قوله عنه هو أنه مثير للإعجاب.

"سأفكر في الأمر-".

ثم أغلقت الهاتف.

"قرف".

تنهدت دون أن أدرك.

سأل هيملر :"ماذا حدث؟".

"صدق ذلك، ولم تظهر عليه أي علامات للشك".

"كما هو متوقع منه.. إنه رجل ضيق الأفق".

"بل كان ذلك لأنه وثق بي".

في الغالب سيمضي وقت طويل قبل أن أكون قادرًا على إستخدام ذلك الينبوع الساخن ثانية، لول (يضحك بشدة).

***

الثلاثين من يناير.

بزغ فجر اليون الشؤوم.

أكد لنا الجواسيس الذين أرسلو إلى باد وايز وجود روم وضباطه من فيلق العاصفة جميعًا.

"الجميع هنا دونما إستثناء".

"صحيح، لذا الأجدر بنا أن لا نتأخر بدورنا".

أمسكت مسدس في يدي وتحسسته، لقد مر وقت طويل حقًا هذه المرة، بعد أن وضعت مسدس في الحافظة الموجودة عند خصري وغطيته بالسترة خرجت من المكتب.

"تحية للمستشار!".

كان هيدريش وهيملر ينتظرانني عند الباب، إرتديا زي قوات الأمن الخاصة العسكري ذي اللون الأسود، وقد وفر الجيش كل الأسلحة اللازمة.

كما إنتظرني رجال قوات الأمن الخاصة، وقد كانو مسلحين حتى أخمص أقدامهم كما لو أنهم ذاهبون للحرب.

كل شيء بدا عاديًا، لكن رؤية هيملر وهيدريش يرتدين الخوذ بدل القبعات العسكرية بدا مشهدًا غريبًا -بل ومحرجًا قيلا-

"نحن لن نذهب إلى الجبهة، ما قصة هذه الخوذ؟".

"على المرء أن يكون مستعدًا دائما لحالات الطوارئ يا صاحب السعادة!".

"..."

هل ذلك ضروي حقًا بالرغم من ذلك؟

حاول هيملر بعدها أن يقنعني بجدية بإرتداء خوذة لكني رفضت قطعًا، لقد إرتديتها كثيرًا خلال وقت الحرب إلى درجة أني لم أعد أريدها أن تلمس رأسي ثانية.

"لنمضي".

حسب التاريخ كان يجب أن يكن هذا هو اليوم الذي يصبح فيه هتلر مستشارًا، لكني أصبحت في العام الماضي سلفًا.

لذا في تاريخ هذا العالم، سيتم ذكر هذا اليوم على أنه يوم التطهير- عوضًا عن يوم تنصيب هتلر.

***

جوزيف ديتريش هو مشرع الولاية البروسية، ويحمل رتبة اللفتانت جنرال في قوات الأمن الخاصة، وقد وصل بالفعل إلى ميونخ مع فرقتين من قوات الأمن الخاصة ونتظرنا.

بعد الإنضمام إلى ديتريش وقواته توجهنا على الفور إلى حيث يوجد روم، وحين وصلنا إلى المسكن الذي مكث فيه إستقبلنا إثنان من قادة كتيبة العاصفة.

"أهلًا بك يا سعادة المستشار، إن رئيس الأركن في الوقت الحاضر-"...

"أقبضو عليهما".

حين لوحت بيدي قفز رجال قوات الأمن الخاصة الأقوياء وكبلو قائدي قوات العاصفة.

"ل..-لماذا؟!" ..

"مالذي يحدث هنا؟!".

"بعد أن نحل قضية روم سأقرر كيفية التعامل معهما، خذوهم بعيدًا".

صعدت الدرج وخلفي رجال قوات الأمن الخاصة، وعندما وصلنا غرفة روم ركل ديدريش الباب وفتح مباشرة.

كان روم يرتدي بيجامة ويحدق بي بصمت، وبدا أنه لم يستطع قول شيء أثر الدهشة.

"روم، أنت رهن الإعتقال".

-نهاية الفصل-

2024/05/25 · 79 مشاهدة · 1443 كلمة
نادي الروايات - 2025