14 - ليلة السكاكين الطويلة: III

"أدولف! هذا لم يعد مضحكًا بعد الآن!".

صاح روم بعدم تصديق، وقد شخر ديتريش الذي وقفًا على جواري من كلمات روم.

"وهل تبدو هذه مزحة؟": بإبتسمة وجه ديتريش مسدسه نحو رأس روم، بدا أنه لن يتردد في قتله على الفور إن طُلب منه ذلك.

"على كل حال إنك وقح إلى حد يمكن أن يطلق فيه عليك إسم 'الهومو'، أنت مثل خنزير مثير للشفقة".

ساهم هيملر أيضًا في ذلك.

"مهلا-.. على الأقل ليشرح لي أحد ما يحدث!".

"خذوه بعيدًا": إستدرت مغادرًا الغرفة متجاهلًا نداء روم اليائس، بكلمتي هذه إندفع رجال قوات الأمن الخاصة إلى الغرفة وأمسكو روم، قاوم روم بشراسة لكن هذا لم يزد إلا من غضب رجال قوات الأمن الخاصة.

"أبق مكانك أيهًا الوغد!".

حين إنهالو عليه ضربًا تردد صدا أشبه بمطرقة جزار تضرب لحمًا.

وبعدها بدقائق خرج الرجال ساحبين روم الذي إمتلئ جسده بالكدمات إلى الخارج.

كان أنفه المكسور نازفًا، وتورمت عيناه إلى درجة أنه لم يعد قادرًا على فتحهم تماما.

"...أيها اللقيط.."

كانت هذه هي الكلمات التي تفوه بها روم حين سحبوه بجواري.

رجل قوات الأمن الخاصة الذي سمع كلماته أرجح مأخرة بندقيته وضرب بها ظهره.

"أنت في حاجة إلى الضرب حتى تستعيد رشدك! أتعرف حتى من تقذف بلسانك هذا؟".

"رويدك أيها المجند".

"؟.."

"كان رفيقي ذات يوم، تغاضا عن كلمته".

"..نعم؟... اه.. مفهوم"..

ألقي روم في حوض الشاحنة مثل رزمة من الطحين.

كما قبض على كل رجال SA -قوات العاصفة- الذي كانو في باد وايز و وتعرضو للسحب والسحل من قبل رجال SS -قوات الأمن الخاصة-.

بعضهم كانو يرتدون ملابس النوم مثل روم، في حين كان بعضهم عراة، ولم أرغب في معرفة ما كانو يفعلونه حين قُبض عليهم.

وقد كانو كروم، غير مدركين لسبب إعتقالهم.

قام عدد منهم بشتمي حين رأوني، وفي كل مرة يحدث ذلك لم يتوانا رجال قوات الأمن الخاصة عن سحبهم وضربهم حتى يدنو من الموت.

"قُبِضَ على جميع الخونة سيدي!".

"صاحب الساعدة لدي إقتراح".

نظرت إلى هيدريش وأومأت له بهدوء حتى يكمل حديثه.

"ما قولك في أن نفتش المنطقة المحيطة للتأكد من عدم وجود فارين؟".

واضح من نبرة هيدريش أنه يعلم جيدًا أن لا أحد قد تمكن من الهرب.

وما كان قوله هذا إلا ليأكد لي على شموليته ويجذب إنتباهي.

"لا حاجة، لو كانت لديهم البديهة التي تمكنهم من الهرب ما حضرو إلى هنا بادئ الأمر".

نظرت إلى المنطقة حول باد وايز، وقد لاحظ العديد من السكان الضجيج الذي أحدثناه في مثل هذه الساعة، فحاولو الخروج لتقصي الأمر، لكن رجال قوات الأمن الخاصة أوقفوهم وأعادوهم إلى الداخل لكن أضواء النوافذ لم تنطفئ.

"أظن أننا أحدثنا الكثير من الجلبة، لنعد أدراجنا".

"علم".

***

ذهبت إلى مقر الحزب النازي في ميونخ، ودعوت إلى إقامة إجتماع عاجل.

وقد كان مسؤولو الحزب الذين أخطرو بالأمر مسبقًا ينتظرونني في المقر، وهرع الأخرون بمجرد أن تلقو الخبر.

عندما إجتمع الجميع أدليت بإعلان هام أمامهم.

"أعتذر عن إستدعائي المفاجئ لكم دون سابق إنذار، الأمر وما فيه أن روم خطط للإنقلاب علي".

حين سمعو أن روم خطط للإنقلاب وقعت القاعة في حالة صخب.

"لا داعي للقلق، فروم وعصابته قد جرت تصفيتهم الليلة".

لقد شرحت ببطئ موجز العملية وكيف سارت لمسؤولي الحزب.

سرعان ما فهم أعضاء الحزب الذين لم تكن لديهم فكرة عن الأمر برمته القضية وأعربو عن دعمهم لما قمت به بالتصفيق والهتافات.

"كما هو متوقع من صاحب السعادة!".

"سيج هايل! هايل هتلر!".

غادرت المقر تاركًا خلفي تصفيقًا حادًا.

هم سيشرحون للسكان ما حدث.

أما أنا فعلي أن أنهي العمل الذي لم أكمله.

***

في الوقت الذي ألقي فيه القبض على روم في ميونخ، قامت قوات الأمن الخاصة والجيش بالتحرك في بقية المدن الألمانية الكبرى، بما فيهم برلين، وقد جُر الكثير من منازلهم.

"أنتم جميعًا رهن الإعتقال!".

"توقف عن المقاومة أيه الشيوعي اللعين!".

لقد قامو بأسر أو قتل كل أتباع روم الذين لم يكونو في ميونخ، بالإضافة إلى المتورطين والمدرجين في القائمة التي أعدت لقوات الأمن الخاصة.

تم تطهير جميع قادة قوات العاصفة بإستثناء المقربين من فيكتور لوس، وحتى عائلات بعضهم قتلت أثناء المقاومة أو إثارة الضجة.

عندما غطت سحابة الدم ألمانيا، كان شلاشير في منزله.

".. هتلر، لقد ظهرت على حقيقتك أخيرًا".

نقر شلاشر لاسانه ورتجف إذ فكر في الأمر، من كان ليعتقد أن سياسيًا سطحيًا كان في ما مضى مجرد رقيب صغير كان في الحقيقة وحشًا في جلد حمل.

حين سمع عن التحركات الغريبة التي تحدث في المدينة من مدبرة المنزل إتصل بمقربيه للتقصي عن الأمر.

وقد عرف منهم أن هتلر حشد قوات الأمن الخاصة لتطهير روم وقادة كتيبة العاصفة، حينها فكر شلاشير في ما يجب عليه فعله.

لو كان لدا هتلر بصيرة فسيدرك بسهولة أنه أضمر له السوء.

وربما أفضل طريقة للتخلص منه هي في مثل هذه الأوقات حيث تبدأ حلقة الذبح.

وحتى لو لم يفعل ذلك بالآن، بالنظر إلى مفعله اليوم لا بد أن هتلر كان مجنون إلى حد يكفي للتخلص منه ولو بعد حين كما فعل بروم.

شلايشر الذي فكر في ذلك إرتجف وتصبب عرقًا.

الشخص الوحيد الذي يستطيع شلاشير الإعتماد عليه لحمايته من سطوة هتلر الذي كان مستشار البلاد هو الرئيس هيندنبورغ.

على الرغم من أن القطيعة توشحت علاقتهما منذ مسئلة تعيين المستشار الجديد إلا أنه إحتفظ بعلاقة طيبة معه إلى حد تبادل الأخبار والأحوال بين الفينة والأخرى.

"إذا فهذه هي الطريقة الوحيدة للعيش-"...

قرر شلايشر إرسال مساعده على الفور لتحديد موعد مع هيندنبورغ حتى يستنجد به.

'على عكس روم، يعرف هتلر بعلاقتي الوثيقة مع الرئيس، إن إستجرت قد لا يجرؤ حينها على مسي بسوء'...

"إنه وقت الإفطار سيدي".

دخلت المدبرة بوجبة الإفطار، لقد كانت أصنافها بسيطة لكنها شهية، تتكون من الخبز الطازج والبيض والجبن وشرائح لحم الخنزير المقدد والقهوة.

كما في عادته، إحتسى شلايشر القهو أولا.

لكن طعمها بدا غريبًا عليه.

هل هي خاثرة أكثر من العادة، أم أنها من نوع رديئ؟

ولم جسدي خدر للغاية.. ثمت شيء غريب في ذلك-

"إلاهي! ما بك يا سيدي؟!".

حين رأت مدبرة المنزل أن شلايشر تهاوا على الأرض أثناء شربه القهوة إندفعت لنجدته، لكنها وجدت أنه قد فقد وعيه سلفًا.

في الصباح التالي نشرت الصحف أنباء وفاة نائب وزير الدفاع واللواء في صفوف الإحتياط، كورت فون شلايشر.

وقد أرفق الخبر بنعي المستشار الحالي أدولف هتلر وتعازيه الحارة لذويه..

***

تم إعتقال روم وجميع قادة الSA في سجن ستاديلهيم في ميونخ.

يومها أعدم جميع المعتقلين رميًا بالرصاص.

بإستثناء روم.

حين إستعاد روم وعيه وجد أن رجلين كانا وقفين أمامه.

رفع روم رأسه بأمل طفيف في أن هتلر قد جاء لمقابلته، لكنه وجد أن من أمامه كانا رجلين من الSS لم يرهما قط قبلًا.

"إستيقظت أخيرًا": تقدم مقدم من قوات الأمن الخاصة تيودور آيك نحو روم المكسو بالدم بتعبير بارد.

"... دعني أقابل هتلر"..

"غادر فخامته ميونخ".

كما قال ذلك، أشار آيك إلى رائد قوات الأمن الخاصة الواقف على جواره مايكل ريبير، وقد تقدم هذا الأخير نحو روم وأعطاه جريدة ومسدس Luger P08.

ولم تكن بالمسدس سوا رصاصة واحدة.

"في الأصل كنت لتعدم رميًا بالرصاص، لكن صاحب السعادة قرر منحك فرصة لإنهاء حياتك بيديك. سأعود في غضون عشرة دقائق".

بعد أن خرج آيك وريبير إلتقط روم الجريدة التي منحت له بأيدي مرتعشة.

ذكر في الجريدة خبر "محاولة إنقلابه" بتحريض قوات العاصفة.

"هراء"-...

لم هذا؟..

وذكرت كذلك أن روم كان فاسقًا ومتعصبًا مشتهيًا للصبية الصغار، وقد قبل كذلك رشاوي من فرنسا للإطاحة بالنظام الحالي.

"ظهر الوجه الحقيقي لقائد قوات العاصفة"...

"لا يستطيع النوم دون رجال"-...

"إنتهت محاولة الإنقلاب بالقبض على جميع الخونة المتورطين"...

"السفير الفرنسي يصدر بيانًا عاجلًا ينفي علاقة فرنسا بالحادث"...

....

"هه... هههههه"..

بعد أن فهم روم وضعه أسقط الجريدة من يده ونظر بهدوء إلى السقف.

عندما قابل هتلر، إعتقد أن لهذا الرجل القدرة على بدء ثورة تغير شكل البلاد تماما، وكان مستعدًا لبذل حياته لمساعدته في ذلك.

وحين وصل إلى السلطة، من البخس القول أن روم كان أسعد الجميع، فقد آمن أن الثورة الحقيقية والتغيير إن لم يحصلو اليوم فهم قادمون غدًا.

بداية من القضاء على الجيش القديم الذي لم يكن أكثر من حارس للفاسديم ورأسماليين الجشعين وغير الأكفاء، وإستعادة الأمل في إنشاء جيش حقيقي للشعب بيديه.

لكن لهتلر أفكار أخرى.

لم تكن لديه أي نية لإنشاء جيش شعبي أو المشاركة في الثورة.

لربما ظل روم بالنسبة له من البداية مجرد دمية يمكن إستخدامها.

لم أدركت ذلك الآن فحسب؟

***

بعد إنقضاء الدقائق العشر، عاد آيك وريبير إلى الزنزانة.

روم لازال حيًا والرصاصة ما زالت في المسدس.

"أهدرت فرصتك الأخيرة".

نقر آيك لسانه وهز رأسه.

تحدث روم ناظرًا إلى إيك بيأس. :"لازال لدي ما أقوله.. لذا-"..

"أطلق".

قبل أن يتمكن روم من إكمال حديثه أمر آيك، أخرج ريبير مسدسه دون تردد وستهدف قلب روم، تطاير الشرر من فوهة البندقية.

روم الذي أصيب بطلق ناري، جفل غريزيًا، أطلق ريبير رصاصة أخرى، وقد إخترقت الرصاصة الثانية صدره أيضًا، تدفق الدم على الجدار خلفه، وأصبح وعيه ضبابيًا.

"سعادة المستشار-..."

كانت هذه الكلمات آخر ما قاله روم الذي كان مستلقيًا على الأرض ويسعل دمًا قبل أن تخور قواه تمامًا.

"كان عليك قولها أبكر من ذلك".

ذاك آخر ما سمعه روم، قبل أن يتوقف عن التنفس.

وترددت صدا طلقات أخرى في الزنزانة.

-نهاية الفصل-

2024/05/25 · 76 مشاهدة · 1412 كلمة
نادي الروايات - 2025