برزت الأسلحة الألمانية التي قدمتها لفيلق الكوندور عند القوميين الإسبان، وقد عُرف عنها أدائها الممتاز، وبدا لبرهة أن كلمة 'صناعة ألمانية' برهان على كون السلاح أدات قتل كفؤة وذات جودة عالية.
لكن لكل جواد كبوة.
-ثمت دبابة للعدو في الأفق، اللعنة! إنها T-26!
-أصبنا بقذيفة! لا نستطيع التقدم!
-العدو قادم عن يمينك!
أصيب قادة دبابات Panzer 1 بالذعر إذ رأو عددًا كبيرًا من دبابات T-26 التابعة للفصيل الجمهوري أمامهم.
وحاول بعض الشجعان القتال، لكن إختراق دبابة العدو بالرشاش كان مستحيلًا.
وسرعان ما بدأت T-26 التي كانت تتقدم هجومها.
تحولت Panzer 1 التي أصيبت بقذيفة مدفع T-26 من عيار 45 ملم إلى كرة من اللهيب وتوفي طاقمها دونما فرصة للهرب.
-أصيبت الدبابة الثالثة!
-ألا لعنة الله عليهم! كيف لنا أن نهزم هذه الأشياء؟!
يعد درع T-26 ضعيفًا بسمك 15 ملم فقط في أصلب نقاطه لكنه لم يواجه مشاكل في حمايتها من رصاص مدفع رشاش.
كما كان اساس قوة T-26 في مدفع 20-K المزود به برجها، والذي له أن يخترق دروع كل من Panzer 1 و Panzer 2 الألمانيتن بطلقة واحدة من مسافة الإشتباك النموذجية.
وفي حالة Panzer 1، قتالها لـT-26 الروسية يبدو كمحاولة فلق صخرة ببيضة.
-الأنذال الفيشيون يلوذون بالفرار!
-تابعو الإطلاق! لا تدعو أولئك الخنازير يفلتون من بين أيدينا!
أطلق جند الدبابات الجمهورية القذائف تباعًا ضاحكين على أعداهم الذين شُغلو بالفرار كالأرنب يرتجف في حضرة النمر.
ولا أسهل من صيد الدبابات المنسحب، سهل كقنص البط.
"كيااا!!!"
وقد أشعلت القذائف المتتابعة دبابات القومين وخرج منها جندها والنار تنهش أجسادهم.
كما أصيب جند الدبابات السليمة الذين حاولو الهرب ما إن أخرجو رؤوسهم بوابل من الرصاص وسقطو أرضًا.
وسرعان ما حترقت دبابات Panzer 1 بطواقمها تباعًا، ولم تعد أكثر من خردة بعد أن كتب على سطحها "دمر" بالإسبانية.
دُمر فصيلان من دبابة Panzer 1، في حين كان الضرر الوحيد الذي أصاب الجمهوريين دبابة توقفت بسبب عطل في المحرك.
إختتمت المعركة بنصر ساحق للجمهوريين.
***
عقب المعركة شن الجمهريون هجومًا مضادًا متسلحين بنشوة النصر الماضي.
هدف الهجوم إستعادة المرتفعات المحيطة بالقرية والتي إحتلها القوميون قبل أسبوع.
كانت دبابات T-26 وBT-5 طليعة الهجوم وخلفهم جند المشاة.
الجند الذين حشدو لهذا الهجوم هم من المتطوعين وقد إفتقرو للخبرة القتالية ولم يمنحو من التدريب ما يكفي، بيد أن وجود الدبابات السوفيتية أمامهم منحهم قدرًا من التفائل.
فمالذي قد يخشونه وهذه الوحوش الفولاذية أمامهم؟
"لابد أن يفزع الأنذال الفاشيون برؤيتنا، ألا تتفق معي؟".
"أراهن أنهم سيبللون سراويلهم".
"آمل أن تنتهي المعركة سريعا حتى يتسنى لنا تناول الطعام".
كان لديهم إيمان بالنصر، فقد كانو نصرة المستضعفين والشعب الإسباني.
ألا ينتصر الخير دائمًا؟
وقد تراخا الجنود كأنهم ليسو مقبلين على معركة حقيقية.
وبدل خشية الموت أو الإصابة كان شغلهم الشاغل كيفية التعامل مع أعدائهم الأسرى.
"يجب أن يُقتل الفاشيون، فهم لا يستحقون الأسر".
"لا يمكننا قتلهم جميعًا، أليس من الأجدر بنا ترك من ينظف المراحيض؟".
"اوه، أوتحسب أني لا أعرف أنك المسؤول عنهم هذا الأسبوع؟".
"يجب قتل بعضهم على الأقل لأن يكونو عبرة لغيرهم".
وحين علقت مجندة من اللواتي شاركن في الهجوم بأنهم سينزلون سراويل الفاشيين ويركلون شيئهم هم الجند يتضاحون يمينًا وشمالًا.
وعن غفلة منهم بدأ الهجوم.
سُمع دوي شديد لإصطدام قذيفة بدروع دبابة T-26 التي إهتزت بشدة قبيل أن تشتعل فيها النيران.
"اااه!!!".
زحف مجند من الدبابة يجر ساقه الفقيدت قبل أن يرديه الرصاص من الهضبة قتيلًا.
"هجوم، بادرنا العدو!"..
"إنبطح!".
وقد تساقط الجنود الجمهوريون الذين تضاحكو في ما مضى كسعف النخل بفعل الهجوم المفاجئ.
كتب للجند الذين حالفهم الحظ في الإنبطاح باكرًا العيش أطول من غيرهم، وأدرك هؤلاء مغبة ما وقع بهم.
أرديت مجندة كانت تهادد بما ستفعله بالسجناء برصاصة إخترقت صدغها.
أطلقت مدافع Ker98K وMG34 ألمانية الصنع بحوزة الفصيل القومي النار كما أطلق PaK 36 المضاد للدبابات قذائفه.
دُمرت دبابة T-26 التي تستطيع صد الرصاص العادي بسهولة تحت وابل القذائف الأشد كالقذائف الخارقة للدروع من عيار 37 ملم.
إمتلكت BT-5 سطحًا مائلًا على عكس T-26، لكن حالهما واحد، فقد عجزت بدورها عن الصمود أمام المدافع المضادة للدبابات طويلًا، وقد دمرت دبابات من هذا النوع سلفًا وغدو حطامًا مشتعلًا.
"دبابة T-26 للعدو عند الساعة الحادية عشرة! المسافة 400، نار!".
وحين أطلق القوميون النار لم يقف جنود فيلق الكوندور من الفيرماخت مكتوفي الأيدي، فقد أطلقو المدافع ودمرو دبابات الجمهوريين تباعًا.
وبفضل التمويه الإحترافي لم يتمكن الجمهوريون من رصد مدافع عدوهم.
"زيراث! زيراث!.. اللعنة مات زيراث!".
أمي- أبي... النجدة"...
"أعد تحميل رصاصك، عجل!".
وندفعت دبابات القوميين نحو جموع الجموهريين الذين أصابتهم الربكة.
أطلق جند المدرعات الذين رغبو في الإنتقام للأمس النار على كل عدو يتحرك أمامهم.
"أدر البرج يا فرناندو! العدو عن يسارك!".
"ماهي إحداثياتهم؟".
"عند الساعة الثانية! وأنت، حمل القذائف المضادة للدروع!".
"علم!".
دمرت دبابة T-36 فور إصابتها بقذيفة مضادة للدروع ما إن أدارت برجها.
ودمرت T-26 أخرى بوابل من مدفع دبابة Panzer 2 ذو الـ20 ملم وتصاعد الدخان من الحفر التي إخترقتها القذائف.
كما شنت دبابات الجمهورين هجومًا مضادًا على Panzer 2، ولأن الهجوم أصاب أسفل الهيكل فقد قُتل السائق ولم ينجو سوى القائد ومحمل الذخيرة.
هاجمت دبابة BT-5 أحد Panzer 2 ولكنها تعرضت لهجوم مضاد لإظهارها زاويتها الهشة لمدفع Panzer 2 ودمرت.
حين دمرت أو تضررت جميع دباباتهم تخلا الجمهوريون عن خطة الهجوم وشرعو في التراجع، بيد أن عدوهم لم يكن ليسمح لهم بذلك.
طاردت دبابات Panzer 1 و 2 الجمهوريين الفارين مطلقة النار على ظهورهم.
إمتلئت ساحة المعركة المنصرمة بالجثث المشوهة وأوصالها.
كما دغدغت روائح البارود والدماء المسفوكة واللحم المحتق الأنوف.
كما تصيد الذباب والغربان هذه الوليمة بعد أن شموها من البعيد.
أينما تقع المعرك فإنها وليمتهم، معبين بطونهم من لحوم ودماء البشر الذين فُقدو في صراع لا معنى له.
وكل ما يبقى من أثر المعركة هو رائحة الموت التي أعقبت تعفن الجثث وإنسلاخ اللحم عن العظام البيضاء.
***
"تسك، عرفت أن هذا سيحدث".
إمتلئت التقارير التي أرسلها فيلق الكوندور الذي يقاتل على الأراضي الإسبانية بالمعلومات القيمة.
وكما جف حلقي وأنا أؤكد، لم تكن لـPanzer 1 الكثير من المنفعة.
وعلى الرغم من أنها تظل أفضل من لا شيء، ولكن بما أنها مرسلة من باب التجربة فإن أدائها المخزي أمام T-26 وBT-5 يعد وصمت عار.
على الرغم من أن أداء Panzer 2 أقل خزيًا، إلا أن الأراء تكاد تجمع على أنها لا تستطيع مجابهة الدبابات السوفيتية واحدًا لواحد.
بين دبابات القوميين تتميز Panzer 2 بمدفعها ذي الـ20 ملم إذ كان أقوى من بقية الدبابات التي في حوزتهم، ويمكن القول أن قوتها النارية ليست سيئة، إلا أن من عيوبها أنه تسليحها الوحيد.
وكذلك ورغم أن درعها أسمك من Panzer 1 ألا أن عجزهما واحد أمام مدفع دبابة من عيار 45 ملم.
"عظيم، ألديكم ما ترغبون في قوله؟ إن كانت لديكم مزيد من الأقاويل للدفاع عن أرائكم السابقة فكلي أذان صاغية".
"..."
خرس الجنرالات الذين تصايحو وتحججو بكفاية Panzer 1 في الحرب الإسبانية حين عرضت عليهم تقارير فيلق الكوندور وقد تحاشا بعضم النظر إلي.
وذلك أفضل لهم.
لأني نويت إن حاول أحدهم التحدث مبررًا أن لا يرى شروق الشمس، سيسحب ليلًا من داره ككلب ذليل، خير لهم أن تحلو بقدر من العقل.
"أتعرفون مالذي كتبه لي الكولونيل توماس؟ لقد كتب قائلًا أن أقوى الدبابات التي يمتلكها جيشنا هما T-26 وBT-5 الواتي صنعهن الروس، وأحسب أن بعضكم قد قال لي أن لا أرسل بانزر 2، مقنعين أياي بكفائة بانزر 1".
"خـ... خالص إعتذاري"..
"كنت قصير البصيرة"...
بأن رأيت الجنرالات ذو الأصوات العالية يخفضون رؤوسهم تباعًا كالحملان الوديعة أحسست بقدر من الراحة النفسية.
في نظري إستحق الأمر إرسال تلك الخردة.
لابد أن الخجل يغمرهم الآن وقد ثبت خطأ ما صاحو به أمام الفوهرر مرارًا وعارضوه لأجله.
عمومًا، بعد أن إشتفيت برؤية حالهم قد أترك الأمر عند هذا الحد وأهم بشؤوني.
وبعد أن حصلنا على هذه النتائج بدماء الجندي بديهي أن لا نضيعها.
أليس ما دون ذلك إهانة لتضحيات جندنا الأشاوس؟
"بانزر 1، بل وحتى بانزر 2، كلتاهما دون المستوى، لذا فما بقي لنا من أمل مرهون ببانزر 4 عساها تكون متاحة عام 1939، علينا التركيز عليها كالدبابة الرئيسية للفيرماخت، ولا يمكن إستخدام 1 و 2 إلى كدبابات مؤخرة أو لتسليح الفرق من الدرجة الثانية، أمل أن يوضع كلامي في الإعتبار".
نحن في أمس الحاجة إلى سلاح أكثر قوة وأفضل أداءً.
ولفعلها نحتاج مالًا.
لا يمكن فعل شيء بالمال وحده كما لا يمكن فعل شيء دون المال، هذه هي قيمة العملة.
وحين كنت أحملق في الخريطة بحثًا عن ما لنا أن نملئ به جيوبنا لأجل المستقبل وقعت عيناي على الصين.
وحينها أدركت أنها ضالتي.
قطع نظام شيانج كاي شيك الصيني علاقاته بالإتحاد السوفيتي عام 1927 لتمويله للحزب الشيوعي الصينين الذي تسبب بأعمال شغب عمت غوانغتشو، ومنذ ذلك الحين والصين تبحث عن حلفاء جدد لبدئ تعاون.
وقد كانت الأمة التي جذبت إهتمام شيانج كاي شيك للتعاون معها هي ألمانيا.
بدأ التعاون العسكري بين الصين وألمانيا عام 1928 حين أرسل مستشار لودندورف العقيد ماكس باور محل الثقة الذي عمل إستشاريًا عسكريًا في بلدان عديدة قبل ذلك إلى الصين كمستشار عسكري.
لكنه توفي بالجدري عام 1929، وخلفه هيرمان كريبل رئيسًا للموفد الإستشاري، وهو مقدم إحتياط وعضو رفيع في الحزب النازي شارك في أنشطته الأولى كشغب قاعة البيرة.
لكنه أحال منصبه لجورج ويتزل وعاد لألمانيا.
بعد ويتزل جاء هانز فون سكيت، أحد كبار الجنرالات الألمان.
والذي عاد إلى موطنه عام 1935 لتدهور صحته، ومنذ عام 1936 أصبح رئيس البعثة الإستشارية العسكرية الألمانية في الصين هو ألكسندر فون فالكنهاوزن.
ومن باب التنويه، عاد كريبل إلى الصين قبل عامين، وهو الآن القنصل الألماني في شنغهاي ورئيس فرع الحزب النازي في الشرق الأقصى.
ولذا فإن العلاقة بين الصين وألمانيا قد بدأت بمسار ودي.
لكن ذلك إنتهى بعد أن بدأت الحرب اليابانية الصينية وجتذبت إنتصارات اليابان المتعاقبة هتلر فقرر المراهنة على اليابان، الأمر الذي دفع الصين لقطع علاقتها بألمانيا.
كان التاريخ ليأخذ مسارًا مختلفًا إن لم يتخذ هذه الخطوة.
لو إختارت ألمانيا الصين عوضًا عن اليابان لما كانت لتُسحب في حرب مفاجئة ضد أمريكا بعد بيرل هاربور، وما كانت الولايات المتحدة لتجد ذريعة لإرسال جندها إلى أوروبا وتدفع الجيش الألماني من الغرب.
لا وجود لكلمة "لو" في تاريخ قضي أمره، لكنه يظال إفتراضًا يستحق التدبر.
قوة اليابان في أسيا جذابة أكثر من الصين إلا أن متاعبها كثيرة، فهي مسئلة وقت حتى تعادي بريطانيا ومن بعدها الولايات المتحدة، وما فينا يكفينا، لذا فإني أخطط للإختفاظ بعلاقة طيبة مع الصين لفترة أطول.
كما أن الصين ظلت زبونة كبيرة للأسلحة الألمانية، وقد صدرت كميات من المواد الخام لألمانيا حتى القطيعة التي حصلت بينهم.
بفضل التعاملات مع الصين لم تحصل ألمانيا على ربح جيد فحسب بل وتمكنت من تخزين مختلف الموارد من المطاط والمعدن وغيرها من ما إحتاجته لحربها.
بيع السلاح والحصول على المال والموارد بأثمان زهيدة، أثمت صفقات أكثر منفعة من هذه التي نمضيها معها؟
على هذه السيرة في أي يوم نحن؟.. ألسنا في الثاني والعشرين من نوفمبر؟
وهذا يعني أن حدثًا كبيرًا سيقع في الصين.
"لربما يتعين علي التواصل مع شيانج كاي شيك عما قريب".
-نهاية الفصل-