بدأت MA في إختبار التقنيات والمخطوكات التي قدمتها اليابان بإقبال بالغ.
وبذلك فإني قد منحت البحرية كل ما تحتاجه للبدئ في العمل والأمر مرهون بجهدهم.
لكن ثمت شيء آخر وصل من اليابان، وهو ليس مجرد طوربيد أو سفينة هذه المرة، بل هو أكثر أهمية من ذلك.
والفرق هو أن كل ما إحتاجه كان جلسة من الإقناع ومبلغًا من المال على نقيض الشد والجذب الذي إتسمت بها الصفقة مع الحكومة اليابانية.
***
".. بصدق.. إنه لشرف لي أن دعوتني يا صاحب السعادة"..
وكان الرجل الياباني ضئيل الحجم الواقف أمامي كالقصبة المرتعشة هو شينتارو أودا.
ظل يرمش كأنه يحسب أن ما حوله وهم وسيتبدد.
إنه حلم بلا شاك، وسيصحو منه في أي لحظة.
وبدأت أسئلة عديدة تحوم في رأسه.
لم هو في ألمانيا؟
وهل هذا الرجل أمامه هو هتلر حقًا؟
أيعقل أنه شبيه هتلر؟ معقول، فقصة شاربه رائجة مؤخرًا في ألمانيا.
"كما سعدت أيضا بلقائك سيد شينتارو أودا، أنا أدولف هتلر أرحب بك في الرايخ الثالث".
وترجم المترجم الكلمات من الألمانية لشينتارو باليابانية.
ساعتها أدرك أن ما كان أمامه واقع وما هو بالحلم.
إنه فعلًا أدولف هتلر.
الثوري والكاتب والفوهرر الألماني حاليًا.
الرجل الذي عرفه من أغلفة المجلات وصفحات الجرائد أمامه الآن.
"كنت قلقًا من أن لا تقبل دعوتي، ولكم أنا سعيد بقدومك إلى ألمانيا، أخبرني كيف مضت رحلتك، أكانت عصيبة؟".
"اه-.. كلا بل هي غاية في الراحة".
"رويدك يا رجل، من ينظر إليك سيحسبني أبتزك وأهددك".
"اه.. إعذرني ما قصدت ذلك-..."
ثمت سبب يجعلني أسعى لدعوة أودا مخصوصًا دون غيره.
كان ذلك لختراغه.
"إختراعي؟..."
"بالضبط، ألم تكن من إخترع هوائي ياغي-أودا؟".
صنع هوائي Yagi-Uda على أيدي المهندس الياباني شينتارو أودا وزميله هيديتسوغو ياغي وقد كان إسمه دمج بين أسمائهم العائلية.
الهوائي الشائع ينشر موجات الراديو بالإعتماد على تدفق التيار عبر الهواء، أما Yagi-Uda فيوجه من خلال دليل موجات بسلك قصير من الأمام وآخر طويل من الخلف مرتبط بالهوائي ثنائي القطب نصف الموجة.
هذا الهوائي لم يسبق عهده بدقة توجيهه فحسب، بل لكفائته العالية في إلتقاط موجات الراديو.
رغم أن الهوائي يحمل إسم هيديتسوغو ياغي كذلك إلا أن العمل والتصميم تم أغلبه من قبل شينتارو أودا وحده.
ومع ذلك إستخدم ياغي سلطته للظفر بإنجازات أودا وحتكار الإختراع لنفسه، وصنع لنفسه ثروة طائلة منه حين أسس شركة ياغي أنتين بعدها.
و واضح أن أودا كان ضحية قصة النجاح هذه.
لقد ألف هذا الرجل التهميش وأن ينسب الناس إنجازاته لياغي، لذا وجد أنه على شفى خسارة رباطة جأشه حين أنصفه هتلر.
كما أنه مهتم ببتكاره الذي يحسبه الجميع إبتكار ياغي!
أحلم هذا أم علم؟
"أحسب أني ملم بعض الشيء بالمصاعب التي مررت بها بعد أن سلب زميلك كل جهدك منك وتربح منه وحيدا، فحتى براءة الأختراع بسمه...
لكن عودك لم ينكسر وواصلت العمل والإسهام في مجالك، يصعب إيجاد رجل بعزمك وصبرك حتى في ألمانيا".
"لكم تشرفني كلماتك..."
بالكاد يعرف أحد في موطنه اليابان إنجازاته، لكن زعيم أمة أجنببة بعيدة يقر بصنيعه.
أودا الذي لا زال قلبه يحمل مظالم الماضي ترقرقت عيناه بالدمع رغمًا عنه.
"تمالك نفسك سيد أودا".. هتلر الذي بدا خجلا من دموع أودا أخرج منديلا من جيبه وقدمه إليه وأردف قوله :"ما صنعته أذهلني حقا، وقد ذهلت أكثر حين سمعت أن بلدك بدل أن يكرمك عليه تعاما عنك كليًا".
لهوائي Yagi-Uda مساهمة كبيرة في تطوير تقنيات الرادار، لكن اليابان بلد أودا لم تعره أهتماما، بل وحظرت نشر أجهزة الرديو في البلاد عام ١٩٣٦.
كانت الحجة التخوف من أن الراديو قد يدمر عقائد المواطنين وأديولوجياتهم بالبثوث الأجنبية التي يمكن ألتقاطها على الموجات القصيرة.
كما لم يستخدمه الجيش الياباني وقتها خوفًا من ألتقاط العدو لموجاتهم ما يفضح أماكن القوات، وتغافلو عن أودا الذي أصر على قيمته.
الأمم التي أدركت قيمته مبكرا كبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة لم يدخرو جهدًا لتطويره، وقد لعب دورا كبيرا في حروبهم.
أما اليابان فقد بدأت تهتم بتكنلوجيا الرادار فقط عام ١٩٤١، لكن الوقت قد تأخر سلفا.
"لذا فإن لدي عرض لأقدمه لك سيد أودا".
"أرجوك تفضل".
"ما قولك في إستكمال أبحاثك هنا؟ أضمن لك أن ألمانيا ستقدم لك كل ما تحتاجه، ويشمل ذلك كل من نفقات الأبحاث والمعيشة، إن خبرتك تهمنا حقا، أنها أساسية لتنمية ألمانيا، بل العالم أجمع".
لم يقتصر العرض على تقديم التميول الذي لطالما حلم به لأبحاثه، بل وتشتمل على وعد بتقديم معاملة من الدرجة الأولى، من له أن يفرض ذلك؟
"بالطبع، أعهد الأمر إلي وأنت مرتاح البال".
***
خصص لشينتارو أودا قصر كبير ومختبر حديث الطراز في ضواحي برلين.
إضافة إلى علماء وباحثين لمساعدته، كان له مترجم وطاهي وسائق شخصي.
بخصوص آخر واحد، بلغني أن أودا منهمك في العمل منذ أول يوم وطأت فيه قدمه القصر ولم يغادره تقريبًا، وهوأمر رائع.
هذا ليس إستغلال، بل هي منفعة متبادلة.
هو يحصل على التمويل وبيئة فارهة مريحة لإتمام بحثه، ونحن نحصل على أحدث تقنيات الرادار.
أن تفوق بريطانيا في الحرب الجوية بفضل راداراتها المتقدمة نقطة معروفة للجميع.
ومنذ ذلك الوقت وألمانيا التي أضر بها الرادار حبوسًا أنهمكت في تسريع أبحاثها هي أيضا.
ومع ذلك ظلت المشكلة أن العدو بدهائه قد يجعل الرادار عديم الفائدة.
اما اليابان التي شغلتها عيوب الرادار فلم تبدأ بألقاء بال له إلا بعد السمعة التي أكتسبها في أنقاذ السواحل البريطانية عام ١٩٤١.
لكن الوقت كان متأخرا، والحرب بدأت تأخذ منحنيات مجهولة نحو النهاية، ما جعل الأمر مضيعة للوقت.
يال ضيق أفاقهم.
حسنا، بفضل غبائهم أنا قادر على حيازة أحد أفضل مهنسي هذا القرن، الأجدر بي أن أظهر الأمتنان لسذاجتهم العظيمة.
كما كلل التفاوض مع الرأس مالي الأمريكي هنري فورد بالنجاح.
بصراحة هنري فورد صديق للنازيين منذ البداية، لذا كان التفاوض معه مجرد إسم لدعوة إحتساء الشاي معا.
عكس العدائية التي أظهرتها حكومة روزفلت للنازيين ظلت علاقة الشركات الأمريكية وأصحاب الثروة بألمانيا سمنًا على عسل حتى ساعة أعلان أمريكا دخولها الحرب، ومن المدهش أنها الحقيقة يغفل عنها الكثير.
للشركات الأمريكية أسهام حقيقي في إعادة تسليح ألمانيا وأكتمال تطويرها العسكري، وقد بلغ الأمر ان ذكر وزير التسليح الألماني ألبرت سبير وأحد أقرب الرجال إلى هتلر في مذكراته أن ألمانيا ما كانت لتغزو بولندا في هذه المرحلة لولا النفط الأمركي.
عموما هناك العديد من الأشياء في قائمة مشتريات الجيش الألماني ولا يمكنني التطرق إليها جميعا، لكن المركبات أهمها حاليا.
عكس التصور السائد عانا الجيش الألماني الذي يعرف بأنه قوة آلية بالكامل نقصًا حقيقيًا في المركبات من بداية الحرب حتى نهايتها.
ألمانيا، أكبر عمالقة التصنيع في أوروبا عانت نقصًا في المركبات دفعها لإستخدام عربات الخيل؟ محال أن يحدث ذلك! - هذا ما سيفكر به البعض، لكنها الحقيقة.
بسبب نقص المركبات مقارنة بالإستهلاك أستخدم الجيش الألماني عربات تجرها الخيول العسكرية بكثرة، وكانت لكل فرقة وحدة متخصصة في علاج الخيول.
لعبت الخيول دورًا هامًا في الجيش الألماني خلال الحرب، لدرجة أن رواية تدعي أن جورينج أجاب حين سُأل في محكمة نورمبرغ عن السبب الذي منع الألمان من أستخدام الغازات السامة :"لم تكن هناك أقنعة غاز كافية للخيول".
لست متحيزا ضد الخيول، لكنها بطبيعة الحال أبطئ من المركبات، ومشاكلها أكثر، وإن إعتمدنا عليها في نقل الأمدادات ستحتاج لوقت أطول.
ووقت أطول، يعني جنودًا أكثر ينزفون في الجبهة.
لذا فإن الحاجة تفرض توفير عدد أكبر من المركبات قبل أي حرب مستقبلية.
لم تكن شركة فورد وحدها التي أظهرت الأستعدادية للمساهمة، بل أعربت شركة "GM" -جنرال موترز- عن نيتها لتقديم بضاعتها بأثمان مناسبة، وهو ما لا يختلف عن التاريخ الذي أعرفه.
لكن ما تغير أن الشركات اليهودية التي كانت تقاطع السوق الألمانية بادرت في عرض خدماتها.
المشهد غريب إلى درجة جعلتني أنفر منه.
من الغريب أن ترى اليهود يدعمون النازيين.
والأمر الأكثر غرابة هو أن هناك حركة غريبة من "جنون الفضول" حول هتلر بين الأقليات الأمريكية.
وثمت تقارير تثبت أن أغلب مشتري كتاب كفاحي هم من هذه الفئات.
أكان لخطابي هذا القدر من الصدا؟ - يبدو أن الناس في هذا العهد أكثر إيمانا بالسياسيين من ما أعتقد -
بصراحة لا أستطيع تخيل يهودي يقرأ أي كتاب يحمل عنوان كفاحي.
"... عموما، ألا يصب هذا في مصلحتنا؟.. كلما زاد عدد الأمريكين المتعاطفين مع قضية الأشتراكية القومية كان ذلك أفضل".
"لن يكون ذلك سيئا بالتأكيد، لكنه لن يكون جيدًا إن أخطأ شعبنا في النظر إليك يا صاحب الجلالة كمعشوق اليهود".
كانت هذه كلمات جوبلز الذي لازال يحمل في قلبه تحيزا عميقا .
بالنظر إلى تعبيره بدا خائفا علي من أن أصبح مسيح اليهود، ولربما كانت لهيملر وهايدريش أفكار مماثلة.
ولم أكن أخطط للحصول على هذا المنصب المؤثر على أي حال، لذا هززت رأسي نافيا :"ما من داعي للقلق، فحين أتخذ قرار لا أبه لما يراني عليه الأخرون، بل ما إذا كان قراري في صالح ألمانيا، في النهاية لم تأت النتيجة بذلك السوء".
على الرغم من أننا نستفيد كثيرا من التبادل الحاصل مع اليابان، إلا أن الميزانية لم تكن تكفي لأتمام مخططات التسليح.
لذا جاء أسهام الشركات الأمركية في محله.
لعل هذا هو السبب الذي يدفع الناس لقول أنك إن عشت صالحًا ستلقا الخير يومًا.
تعد دول البلقان ورومانيا والمجر وبلغريا من أهم عملاء ألمانيا حاليا.
تحديدا رومانيا التي لم تتردد في أستيراد الأسلحة الألمانية رغم تحالفها مع كل من بولندا وفرنسا التين لم تجمعهما بألمانيا علاقة حميدة.
لكن سلوك رومانيا مفهوم أن نظرنا إلى موقعهما بين المجر وبلغاريا والأتحاد السوفيتي، من الطبيعي أن يزداد أهتمامها بتعزيز دفاعها مع هكذا جيران.
كما لم تتدخل بولندا وفرنسا كثيرا في هذه المسألة، أردتا تجنب دخول مشاكل مع حلفائهم لمجرد واردات من السلاح.
وكان أكبر تدخل لهم هو أن عرضو على رومانيا الشراء منهم.
وأما المجر وبلغاريا فقد أبديا جدية أكبر في إستيراد السلاح الألماني، وعدونيتهما تفهم إن نظرنا إلى كم الأراضي التي فقدتاها لرومانيا بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى.
بالنسبة لهم، الجيش القوي لا غنى عنه في مسعى إسترجاع الأرض التي سلبت منهم بعد الحرب.
لجيش قوي تحتاج سلاحًا قويا، وصادف أن ثمت جارًا قريبا يبيع السلاح بكميات محترمة.
طلبات البلدين كبيرة، إلى حد بدأ يعرقل خط أنتاج الأسلحة المخصص للفيرمخت لمجرد مواكبة الطلب.
حتى Panzer 1 تم إستئناف أنتاجها بكميات كبيرة بسبب الطلب المتزايد عليها.
"ما الشيء الرائع في دبابة خفيفة مزودة بمدفعين رشاشين والذي يدفعهم لطلبها بهذا الكم من اللهفة، أم أني الوحيد الذي يتعجب من ذلك؟"
"يبدو أن أخبار أدائها في أسبانيا لم تنتشر حتى الآن، عموما ما يهم هو أننا قادرون على التكسب منها".
نظرا للمشاكل المتكررة في عملية أنتاج الدبابات بت أصبحت أقضي الكثير من الوقت مع جوديريان.
كوني مطلع على أمكانيات جوديريان لم أدخر جهدًا في ترقيته كلما سنحت الفرصة، وهو الآن يحمل على كتفيه شارة كابتن.
جوديريان بدوره أظهر لي أمتنانه من خلال عمله ليل نهار ولم يخذل توقعاتي.
"تواصلت معنا كل من أيران وسويسرا والسويد لشراء الدبابات، كما أنهم مهتمون أيضا بـPanzer 2، أعتقد أن عروضهم جيدة، ما قولك جنرال؟".
"قولي كقولك حضرة الفوهرر، تظل Panzer 4 قوتنا الأساسية رغم كونها قيد التطوير، أما دبابتان 1 و 2 فلا حرج في توريدهما لقلة إعتمادنا عليهم في المستقبل".
كانت الخطة إنتاج 500 دبابة، ولكن بفضل طلبات الشراء تعدا الأنتاج 2000 دبابة.
ستساهم الأرباح المكتسبة من بيع الدبابتين في تطوير أسلحة أخرى، ومن ضمنها Panzer 4 التي ستظهر قريبا للعالم.
إن لم يكن هذا أستثمارا ناجحًا، فماذا يسمونه إذا؟
-نهاية الفصل-