إزداد الإحتكاك بين ألمانيا وتشيكسلوفاكيا، وقد راقبته بريطانيا بحرص متأهبة للأسوء.
أعلت فرنسا حليفة بريطانيا أنا ستحارب ألمانيا إن تعدت على حليفتها تشيكسلوفاكيا، لكن بريطانيا لم تكن متيقنة إذا كانت مهاددة فرنسا مجردد مهاددة أم أنها جادة في ذلك.
"أتطلب فرنسا مساعدتنا؟".
"ليس طلب للمساعدة، تود فرنسا أن تعرف موقف بريطانيا من الحرب إن أعلت فرنسا الحرب على ألمانيا".
"أليس هذا طلبًا مبطنًا للمساعدة؟".
مهما زيفت المصطلحات وتبدلت، ذاك كفيل بأن يوضح لبريطانيا أن فرنسا لم تكن متحمسة للغاية لهذه الحرب إذ طلبت دعمهم قبل بدأ الشجار.
عانت فرنسا عدد من المشاكل الداخلية المستورة، ولكن بريطانيا بذاتها أمتلكت نصيبها من المشاكل.
فعلا عكس البحرية الملكية الجاهزة كل الوقت، لم يمتلك الجيش البريطاني فرق جاهزة للنشر فور إندلاع الحرب، كما لم يبدو الرأي العام متحمسًا للمشاركة في اي حرب أوروبية أخرى.
ولكن بريطانيا خشيت أنها إن لم تشارك ستنق فرنسا عن رأسها نقا وتعدها خيانة وهكذا دواليك مشاكل دبلوماسية، أو الأسوء من ذلك أن تسقط فرنسا لألمانيا.
وإن حصل ذلك لا سمح الله سيكون لزامًا على بريطانيا مواجهة ألمانيا وحيدة في أوروبا دون موطئ حقيقي، وساعتها ستواجه بريطانيا التي تعد نفسها القوة الأولى عالميًا صعوبة في أخضاع ألمانيا وحيدة.
وبذلك زنقت الحكومة البريطانية.
إن وقفو في صف فرنسا وخاضو حربا سيغضب العامة، وإن إختارو المشاهدة ستغضب فرنسا.
ألا يوجد حل وسط لهذه القضية؟
"لم لا نجرب ذلك؟"..
"ماذا؟ أعندك فكرة؟".
"ألا يطالب هتلر بالسوديت لأنه موطن أغلبية ألمانية؟".
"بلا"..
"وبموجب حق الشعوب في تقرير مصيرها كما يدعي هتلر يحق لشعب السوديت إختيار وطنه، صحيح؟".
"لكن، ألا تعلم أن هذه مجرد ذرائع واهية؟".
مع أنه تبرير سطحي فهو يظل حجة ألمانيا، إن قدمت السوديت لألمانيا فسترضى ويحل النزاع، وبذلك يمكن تجنب الحرب.
"إن أرضينا ألمانيا لن تندلع حرب ما يعني أننا لن نخذل فرنسا، والرأي العام سيظل هادئًا، ألن نصيد عصفورين بحجر واحد؟".
"..!"
إن سلمنا منطقة السوديت سبب الصراع فيمكن تجنب الحرب!
وهو نهج يخلو من الكرامة، و أشبه بأعطاء مالك للحرامي لكي لا يضرك، لكن الحكومة البريطانية رأت فيه الآن نهجًا مثاليًا لا تعيبه عائبة.
فما يهم بريطانيا تجنب الحرب، وليس السيادة القومية لتشيكسلوفاكيا وما تريده.
"سأذهب إلى ألمانيا بنفسي لأبحث الأمر مع هتلر وأفهم نواياه".
وبذلك سافر رئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين إلى ميونيخ الألمانية.
***
الخامس عشر من سبتمبر عام 1938.
ميونخ، ألمانيا.
"قف، أنتبه!".
حيا حرس الشرف الأسود -من الـSS- الوفد البريطاني تحية مهيبة على أصوات النشيد النشيد الوطني البريطاني الذي عزفته الفرقة العسكرية لقوات الأمن الخاصة.
على السارية خلفهم رفرف علم هاكنكروز وعلم الكمنلوث البريطاني معا.
لم يكن مشهد الفرقة العسكرية لقوات الأمن الخاصة وهي تعزف النشيد البريطاني 'ليحفظ الرب الملك' في ظل علم الكمنلوث مشهدًا يُرى كل يوم.
أوما تشامبرلين برضى عن الأداء شبه المثالي لحرس الشرف من قوات الأمن الخاصة.
"إنضباط راسخ، أحسب أنهم يستحقون سمعة الـSS".
"هوه؟ ياله من ثناء معتبر".
وقد علق الفوهرر الألماني أدولف هتلر من مديح تشامبرلين.
لم يرمش رجال قوات الأمن الخاصة أو يدنو صدورهم حين مر بهم الوفدان الألماني والبريطاني، وهذا الإنضباط نتاج تدريبهم اليومي الشاق.
ما إن بدأ الإجتماع حتى أقترح تشامبرلين وضع المجاملات جانبًا والحديث رجلا لرجل.
"سيد هتلر، لقد بلغنا هذا الموطئ لذا أرجو أن نتحدث بصدق في بعض الأمور".
"بالطبع، من سيتحدث أولا؟".
"هذه قاعة ألمانية على أرض ألمانية، لا بد أن يبدأ الفوهرر الألماني أولا".
"حسنًا إذا، بما أنك طلبت مني أن أكون صريحا فسأقولها مباشرة، تريد ألمانيا كامل منطقة السوديت التي تحتلها تشيكسلوفاكيا".
وكما يتوقع من رجل مثله، لم يكن لديه أدنى تردد في طرح ما تريده بلاده.
وقد كان لهتلر مطلب واحد: السوديت بأكملها.
وقد كان صاملا عند قوله.
لم يعطي تشامبرلين إجابة واضحة في هذه المرحلة، وعاد إلى إنجلترا في اليوم التالي للتنسيق مع فرنسا في ما يتعلق بما أراده هتلر.
"لأنهاء هذه القصة وديًا لا نملك خيارًا سوى تقديم السوديت لألمانيا، ما رأيك يا رئيس الوزراء؟"
-لا مانع لدينا.
"إذا فأنكم لن تمانعو أن تبحث المملكة المتحدة الأمر مع تشيكسلوفاكيا؟"
-لابأس بذلك.
وقد كان رأي رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد دالادييه متاخمًا لتشامبرلين.
رغم زعمها أنها ستحمي تشيكسلوفاكيا تخوفت فرنسا من الحرب سرًا، وهي مستعدة لفعل أي شيء في سبيل تجنبها.
ذاك مشين في حق تشيكسلوفلكيا، لكن سلامة فرنسا وأولها أهم بعشات المرات من أي أرض اجنبية.
"إن وقعت حرب ألن تكون تشيكسلوفاكيا المتضرر الأكبر؟ وإن أنتصرت في الحرب مالذي ستستفيده من أرض باتت خرابًا، إننا نفعل ما نفعله لمصلحتها".
- هذا صحيح.
"قد نسمع بعض الإستهجان من التشيكسلوفاكيين اليوم، لكنهم لن يلبثو حتى يفهمو قيمة ما فعلناه لأجلهم".
-بلا، فالسلام أغلى من الحرب.
طبلت بريطانيا وفرنسا الجانغو في مزيج رائع.
وبذلك فإن تشيكسلوفاكيا تكاد تسعل دمًا من القهر.
"أي منطق هذا!".
أثناء مكالمة جمعته بتشامبرلين أحس الرئيس التشيكسلوفاكي إدوارد بينش بالأرتباك وقد غمره الغضب أيضا.
وعلى عكس بينش الذي بدا منفعلا ظلت نبرة تشامبرلين هادئة.
-يؤسفني أن أبلغك بهذه الأخبار سيد إدوارد.
"كيف لك أن تتحدث بهذا الجفاء يا رئيس الوزراء، ألا تعي أهمية السوديت لتشيكسلوفاكيا؟".
تحدث بينش كاظمًا غيظه.
السوديت هي درع تشيكسلوفاكيا.
درع يحميها من أنياب الوحش المجاور المدعو ألمانيا.
منطقة السوديت التي يتكون أغلبها من الأراضي الجبلية والمرتفعات هي موقع العديد من الحصون الدفاعية التي عملت تشيكسلوفاكيا بجد على بنائها.
كانت الوسيلة الوحيدة لحمايتهم من أي مطامع ألمانية.
إن أخذت ألمانيا السوديت ستغدو الحصون التي عملت عليها تشيكسلوفاكيا بكد وجتهاد ملك لألمانيا وهي مضيعة حقيقية.
"إسمح لي أن أقولها صراحة يا رئيس الوزراء، تشيكوسلوفاكيا لا تستطيع الأنصياع لطلبكم!".
ظل تشامبرلين صامتًا لبرهة.
هل قطع الخط؟ ذاك ما ظنه بينش.
وحين كاد يتيقن من ذلك سمع تنهيدة تشامبرلين الذي تحدث بنبرة تزداد برودًا وجفاءً.
-هل أعتبر أن هذا هو اخر موقف للحكومة التشيكوسلافية؟
"هذا صحيح".
-إذا امل أن لا تتوقع معونة المملكة البريطانية في أي حرب ضد ألمانيا.
"مـ... ماذا؟"...
بدا بينش متوترًا إلى درجة أنه نسي ما أراد قوله.
-ما بك؟ ما هذا إلا موقف الحكومة البريطانية، ألم تتستقل تشيكسلوفاكيا برأيها لأنها مستعدة لهكذا أحتمال؟
كان بينش محرجًا جدًا لدرجة أنه نسي ما كان سيقوله.
-ما هي المشكلة؟ هذا هو الموقف الرسمي لحكومة الإمبراطورية البريطانية. ألم تظهر تشيكوسلوفاكيا هذا الموقف لأن لديها معتقداتها الخاصة أيضًا؟ قلت ما يسعني قوله كرئيس وزراء المملكة البريطانية، وليس لدي ما أزيدكم به غير أني امل أن تتخذو قراركم بحكمة.
وحتى بعد أن أغلق تشامبرلين الخط، ظل بينش ممسكا بالهاتف.
بريطانيا أقوى امة في العالم تخلت عنهم.
لأنها تخشى ألمانيا.
***
ومن سوء حظ بينش أن المصائب لا تأتي فرادا.
فقد غمرته المكالمة التالية مع رئيس الوزراء الفرنسي دالادييه باليأس.
"لكن يا رئيس الزراء هذا غير ممكن!".
-وماذا عسانا نفعل؟ إن لم تكن بريطانيا مشاركة، فهل ستحارب فرنسا وحيدة؟
"مهلا، أليس الجيش الفرنسي الأقوى في أوروربا؟ إن هاجم غرب ألمانيا فقد يتراجع-"...
-أخبرني قادة هذا الجيش 'الأقوى' أننا لا نستطيع محاربة ألمانيا بمفردنا وإلا فلا فرصة للنصر، وكما ترى فإن الواقع لا يتماشا مع رغباتنا دائما، أليس علينا أن نضع السلام قبل الحرب؟ أظنك لا تريد رؤية براغ تحترق بقدر ما لا أريد رؤية باريس تحترق.
"..."
ولم يختلف موقف دالادييه عن تشامبرلين.
ومضمونه: من الأسلم لتشيكسلوفاكيا تسليم السوديت لألمانيا، وإذا أرادتم الحرب فتلك حريتكم الشخصية ولن نوقفكم لكنكم ستحاربون ألمانيا بمفردكم، سنكتفي بالتشجيع.
لذافإن السؤال الآن هو..
هل ستخوض حربًا وتضع مستقبل بلادك على المحك؟
أم ستتحمل الإذلال مقابل السلام؟
اختار بينش اخر واحدة
***
في الثاني والعشرين من سبتمبر عام 1938.
ميونيخ، ألمانيا.
"..وبذلك قررت تشيكوسلوفاكيا التنازل عن منطقة السوديت".
قابل تشامبرلين هتلر مجددا بعد أسبوع مقدمًا له وثقة.
وهذه الوثقة تقر بتخلي الحكومة التشيكوسلوفاكية عن السوديت.
وبموجبها أيضا ضمنت بريطانيا وفرنسا أمن تشيكسلوفاكيا مستقبلًا وذاك في مقابل تخليها عن السوديت.
كما وعدت ألمانيا أن لا تطالب بأي أرض تشيكسلوفاكية أخرى.
بالنسبة لتشيكسلوفاكيا الأمر كأعطاء المسكنات لمريض السرطان، وبالطبع هم مريض السرطان، لكن الوقت لم يسعفهم للأهتمام بذلك فقد قبلو مكرهين.
ومع فقدات السوديت أصبحت تشيكسلوفاكيا طفلا عاريا ملقًا في الغابة.
أرتسمت على وجه هتلر أبتسامة عرضة حين إستلم الوثيقة من تشامبرلين
"أشكرك يا رئيس الوزراء، بفضل جهودك المضنية عاد السلام إلى أوروبا".
"هاهاها، هذا الثناء كثير علي فلكم أسهامكم في هذا".
بعد التوقيع أقيمت مأدبة كبيرة بها ما لذ وطاب على شرف الوفد البريطاني.
"لنشرب نخب السلام الأوروبي ورئيس الوزراء تشامبرلين بطل هذا السلام!".
بدا هتلر سعيدًا أيما سعادة بهذا الإتفاق الناجح، فتجول في القاعة ونقر كأسه مع كل من صادف.
"جرب بعضًا من هذا الطبق، فهو دجاج مقلي على الطريقة الأمريكية، وقد قلي منزوع العظم لتسهيل تناوله".
فضل هتلر الدجاج المقلي بعظمه، لكنه علم أن ضيوفه البريطانيين لن يرتاحو لأمساك الدجاج بأيديهم لذا قدم شرائح دجاج منزوعة العظم.
يسهل تناول الدجاج منزوع العظم بالشوكة والسكينة.
"همم! هذه الحلوى لذيذة حقا، مسمها؟".
"لا تملك أسمًا رسميًا بعد فقد أنشئت منذ وقت قريب".
"أحقا؟ أنها لذيذة جدا، لا أعتقد أنني سأتمكن من نسيانها حين أعود إلى أنجيلترا".
"هوه، هل أعجبتك؟ إذا ساقدم لك الوصفة حتى تستمتع بها في المملكة المتحدة، وأحسب أنها ستعجب زوجتك".
"هاهاها!"
-نهاية الفصل-
أن كنت تستمتع بهذه القصة أترك تعليقك! D: