────────────────────────
الفصل الاجابه ــ حديث بين المؤلف والقاري
────────────────────────
كانت نسمة باردة تهمس عبر الفراغ الرقمي حيث تتكوّن أفكاري، حاملة معها رائحة الأوزون ومسودّات قد نُسيت منذ زمن. أصابعي، المعلّقة فوق لوحة المفاتيح، شعرت كأنها آثار قديمة أوكلت إليها مهمة ترجمة الأشباح إلى نص.
«مرحبًا يا أصدقائي.»
ظهرت الكلمات على الشاشة، ناصعة وبيضاء على نمط الكتابة الداكن. ارتسمت على شفتي ابتسامة خفيفة، ساخرة من ذاتها. كان المؤشر يومض، نابضًا بنغمة ثابتة تشبه دقات المترونوم في الغرفة الهادئة.
«يسعدني أنكم تستمتعون بالرواية التي أكتبها.»
كان الاعتراف أشبه بانتزاع شوكة غرست عميقًا في جسدي الإبداعي. الصمت الذي سبق تعليقاتكم كان بطانية ثقيلة تخنق جمرات الدافع بداخلي.
«لأكون صريحًا… لقد هجرتها لفترة طويلة.»
كانت ذكرى ذلك الهجران ثقلًا حقيقيًا في صدري. اتكأتُ إلى الخلف في الكرسي، فأطلق الجلد العتيق أنينًا معارضًا.
«صرير.»
«وكان السبب هو غياب التعليقات.»
كل إشعار، أو عدمه، كان بمثابة حكم. كلمة تشجيع واحدة كانت تشبه انفجار سوبرنوفا في فراغ الشك الإبداعي.
«تعلمون… أنتم من يمنحني القوة لأستمر في هذا الطريق.»
كان طنين خفيف يصدر من حاسوبي هو الجواب الوحيد، رفيقًا ثابتًا في هذه الساعات المنفردة.
«بصراحة، حين خطرت لي فكرة كتابة هذه القصة لأول مرة، كنت أركز فقط على فكرة ’العنقاء‘.»
عاد ذهني إلى تلك الشرارة الأولى، إلى تلك الصورة الوحيدة المتوهجة في ظلام مخيلتي.
«أحببت تلك الهيئة القوية.»
كانت الرؤية واضحة: أجنحة من لهب متّقد، وصيحة قادرة على تحطيم الجبال، كائن من النهوض والبعث الخالص.
«لذا قررت أن يكون بطل القصة ابن عائلة العنقاء.»
بدأ التصميم العظيم من هناك، من ذلك الرمز الواحد.
«في البداية، فكرت أن أجعل القصة مرتبطة بالوحوش والأساطير.»
كأنني أشم رائحة الكبريت وأسمع خشخشة قشور أسطورية. تخيّلت عالمًا يعج بالقوة الكامنة.
«عالم يُولد فيه الناس حاملين في داخلهم قوة مخلوق خاص.»
كل شخصية، حاوية لروح قديمة. وكل روح مفتاح لباب من القدرات المستحيلة.
«وكل مخلوق يمتلكه شخص يمنحه قدرات فريدة.»
كان الاحتمال بلا حدود… صندوق رمل إلهي.
«لكن بعدها…»
ضحكت ضحكة قصيرة، ساخرة. خطط الكتّاب والفئران غالبًا ما تنحرف… إلى طريق أكثر إثارة.
«أثناء كتابتي للسيناريو… كتب نفسه داخل رأسي.»
كان شعورًا غريبًا ومدهشًا. توقّفت الشخصيات عن كونها دمى، وبدأت تشد خيوطها بنفسها. الحبكات التوت والتفت من تلقاء ذاتها.
«وأنا فقط أنقل ما يحدث على جهازي المحمول.»
بدا هاتفي، الساكن الآن على المكتب، دافئًا… كأنه يحتجز أرواح (أستر) و(ألبرت).
«على أي حال، مع هذا السيل المستمر من الإلهام، بدأت أكتب بصدق.»
بدأت الكلمات تتدفّق، كطوفان بالكاد أحتمله. لم يعد عملًا… بل عملية نسخ مستعجلة من مرسل مجهول في رأسي.
«تفاجأت عندما أحب الناس—القراء—القصة.»
أول إشعار. أول تعليق. كان قلبي يخفق داخل صدري كطائر محاصر.
«نبض. نبض.»
«خاصة (محمد).»
اتسعت ابتسامة دافئة وصادقة على وجهي. أول الدعائم في هذا المجتمع الهش.
«وبعده فتاة القصص.»
صورتها الشخصية، ظل لفتاة أمام رفوف كتب، كانت مشهدًا مألوفًا في قسم التعليقات.
«وأخيرًا، البقية منكم.»
تخيلتكم، ككوكبة متفرقة عبر العالم، شاشاتكم تضيء وجوهكم في العتمة.
«كل واحد منكم هو السبب الذي يجعلني أستمر في كتابة هذه القصة مهما حدث.»
كان الامتنان أمرًا محسوسًا… كرة دافئة تتوهج داخل معدتي.
«أريد شكركم من أعماق قلبي.»
بدت الكلمات قاصرة… لكنها كل ما أستطيع تقديمه.
تنهد.
«لننتقل إلى موضوع آخر الآن.»
تلاشى الثقل العاطفي، وخلفه هواء بارد من تحليل العالم الخيالي.
«بعد اعترافي بأفكاري الأولى حول القصة…»
طرقت مفاصلي، فكان الصوت حادًا كطلق صغير.
«طَق.»
«حان الوقت لأكتب لكم، خاصة حول أمر يبدو أنكم تريدون معرفته جميعًا.»
كأنني أشعر باندفاع الجماعة، بأسئلتكم المعلقة في الفراغ الرقمي.
«وهو النظام الخاص بالبطل.»
نغمة منخفضة، ominous، دقّت في البعيد… لا يسمعها سواي.
«الأمر بسيط.»
انحنيت نحو الأمام، وظلّي يسقط فوق لوحة المفاتيح.
«هذا النظام لا يعطي مهمات ولا قدرات خاصة.»
يكاد يُسمع صوت خيبة جماعية لمحبي أنواع… معينة.
«إنه يرى مقدار الأُلفة بينه وبين الآخرين.»
مقياس اجتماعي منقوش في روحه. رقم يمثل الصداقة… العداء… الحب.
«بالإضافة إلى معرفة قدراته المكتسبة…»
ورقة حالة شخصية—باردة، بلا مشاعر.
«وقدرات الأشياء التي يحصل عليها.»
كل سيف، كل تعويذة، كل تعويذة غبارية تُقيَّم وتُرقّم.
«هذا كل ما يفعله النظام.»
قولي كان حاسمًا… كضربة مطرقة قاضٍ.
«دق.»
«النظام هو الذي جلب البطل إلى هذا العالم.»
الشاحنة الأيزكاي… ولكن بصيغة ميتافيزيائية. بلا عجلات، مجرد انتقال صامت يمزق الواقع.
«ولكنه في الوقت نفسه ليس مثل تلك المانهوا الكورية التي تمنح البطل أشياء لا يستحقها…»
قهقهت بسخرية. لا مهارات غش فورية لكسول عديم العمل هنا.
«ولا مثل تلك الروايات الصينية التي تمنح البطل قوة مدمّرة للعوالم لأنه قال ’أحبك‘ لـ(تسونادي).»
هززت رأسي على سخافتها، وابتسامة صغيرة على وجهي. قصتي لن تحتوي على هذه التفاهات.
«لن تجدوا هذه الأشياء هنا.»
نبرة صوتي كانت حازمة.
«الأمر يتعلق فقط بتوازن القوى.»
ميزان دقيق… مخيف… يهدّد بالاختلال في كل لحظة.
«والذي يحاول تشكيله من خلال نظام القوة المكتوب.»
توقفت، لأدع ثقل الجملة يستقر.
«وإذا رأيتموه لاحقًا، آمل أن تخبروني رأيكم.»
طلب صادق… مرميّ في بحر القراء.
«إنه نظام بسيط، لكنه مبتكر.»
أو هذا ما أرجوه. كان المؤشر يومض، ينتظر.
«الآن، في البداية، شخصية (أستر) في العمل هي شخصية هادئة، محسوبة.»
تخيلته… فتى ذو عيون حذرة، يحسب المخاطر دومًا.
«لا يريد أن يخسر حياته.»
غريزة البقاء متجذرة فيه. ومن يلومه؟
«لكن كما كتبت في بداية الفصول…»
ارتعش جسدي. كلماتي القديمة عادت من الظلام.
«‘النهاية المظلمة…’»
برد الهواء من حولي.
«وليست نهاية جيدة.»
جملة ثقيلة… خانقة.
«وليس عن قصة (أستر)…»
هززت رأسي، لأبعد سوء الفهم قبل أن يولد.
«لا، أعني الرواية التي انتقل إليها (أستر)…»
المأساة الحقيقة ليست قصته… بل تلك التي قدِّر له أن يغيّر مجراها.
«(ألبرت)، بطل القصة الأصلية، سيعاني في المسار الأصلي بدون وجود (أستر).»
كانت الرؤية واضحة… ومخيفة: عالم ينهار، أمل ينطفئ، سيمفونية يأس تعزف حتى صمتها الأخير.
«نحو الخسارة ودمار العالم.»
كانت النهائية كحجر بارد يستقر في أحشائي.
«لا يمكنني إعطاء الكثير من الحرق.»
ضرورة… لحماية الصدمة والجمال التراجيدي.
«لكن آمل أن تكون هذه الأمور جيدة بالنسبة لكم حتى الآن.»
همسة… رجاء… صدى في الفراغ.
«أما باقي الشخصيات…»
تغيّر المشهد في ذهني… من الخراب الكوني إلى توترٍ أكاديمي مباشر.
«كما ترون في هذا الوضع الذي أنا فيه…»
الأكاديمية. الاختبار. العيون المراقِبة.
«لا أستطيع تجاوز الأمور دون سبب محدد.»
كل مشهد… كل كلمة… لبنة في قلعة السرد.
«الاختبار لا يزال مستمرًا.»
التوتر خيط مشدود. كل خطوة من (أستر) و(ألبرت) تُدرس.
«والأساتذة ما زالوا يشاهدون.»
شعرت بنظراتهم، باردة… تحليلية… من منصات المراقبة.
«وبالإضافة إلى ذلك، كل واحد من هؤلاء الأساتذة شخص قوي جدًا.»
كانت هالاتهم—حتى في الوصف—خانقة.
«من الدرجة الرابعة.»
الاسم وحده يملك ثقلًا… كإعصار.
«لذا فهم أقوياء.»
أقل ما يقال…
«ويملكون سحرًا هائلًا ومهارات وخبرة واسعة.»
تنبعث منهم رائحة الرق القديم… والشرر.
«طَق. طَق. طَق.»
«لذا فهم مؤهلون للتدريس داخل أكاديمية توتنهام.»
الاسم ذاته حصن… معقل… برج من المعرفة والقوة.
«حسنًا، يا إخوتي، سأحدثكم عن بعض الأمور المتعلقة بأكاديمية توتنهام.»
استعددت لإلقاء جرعة لور محترمة.
«توتنهام أكاديمية بنتها إمبراطورية ’نوفا كرون‘.»
الاسم ينضح بالعظمة الإمبراطورية.
«ومن يسأل عن سبب اختياري لهذا الاسم…»
ارتسمت على شفتي ابتسامة ذات مغزى. الإشارة سر بين العارفين.
«ببساطة، أظن أن من يحب Black Clover سيعرف.»
الاعتراف خرج. أنا معجب… مثلكم.
«أحببت (جوليوس نوفا كرون)، إمبراطور السحر في الأنمي Black Clover.»
تذكرت وجهه… طبيعته اللامبالية رغم قوته المرعبة.
«ولهذا اخترت الاسم.»
تحية… مباشرة.
«دعونا نتجاوز هذا الموضوع ونصل إلى المهم.»
صلب العالم.
«وهو أن هذه الأكاديمية في الرواية مقسمة إلى قسمين.»
ثنائية… هوسي الأبدي.
«مثل كل شيء آخر في الرواية.»
عالم من الأضداد… الضوء والظلام… في حالة حرب وتوازن.
«تنقسم هذه الأكاديمية إلى توتنهام و(هِلهايم).»
الأسماء وحدها روايتان. الأولى كمدرسة بريطانية عريقة… الثانية كأنها بوابة للعالم السفلي.
«هاتان الأكاديميتان…»
ثنائية لذيذة.
«يُنتقل بينهما الشخصيات.»
رقصة… حركة مستمرة.
«لأن كل واحدة منهما جزء من الإمبراطورية.»
يدان لجسد واحد… بخطتين مختلفتين.
«وتعملان على إعداد الطلاب ليكونوا الأقوى.»
الهدف النهائي… ليس تعليمًا… بل صقل أسلحة بشرية.
«ولحماية البشرية من البوابات.»
الصراع المركزي… الخطر القابع.
«التي يمكن أن تسمح بدخول الوحوش… والشياطين… والكيانات…»
صور كائنات مشوّهة تشق الواقع تومض في ذهني.
«القادرة على تدمير العالم وتشويه الحقيقة.»
الرهان ليس لعبة.
«هناك شخصيات أسطورية في هذا العمل.»
تلميح… إغراء… استفزاز.
«وأرغب فعلًا في كشفها.»
الأسرار تضغط خلف صدري.
«لكن سأقول… إن الاختبار سينتهي تقريبًا في الفصل 45 أو 50.»
خارطة طريق… ضوء آخر النفق.
«بصراحة، عليكم تقدير جهدي يا رفاق.»
أحسست بتعب جلسات الكتابة الطويلة. مددت ذراعي، وفرقعت مفاصلي.
«طَق.»
«لقد كتبت خمسين فصلًا حرفيًا.»
رقم مُربك عندما يُقال بصوت عال.
«وكل فصل لا يقل عن ألفي كلمة أحيانًا.»
جبال من النصوص… محيطات من الكلمات.
«وكل ذلك من أجلكم.»
صدق كامل. لولاكم… لصارت مجرد يوميات رجل مجنون.
«فما رأيكم أن تعلّقوا على كل فصولي؟»
طلب… نصفه دعابة، ونصفه استغاثة.
«حتى نتجاوز أولئك الاثنين.»
شعلة تنافس صغيرة تومض.
«فهم لا ينشرون هنا أصلًا.»
قهقهة… عينان مرفوعتان.
«وبصراحة، أجد روايتي أفضل بكثير من روايتهم.»
ها قد قلتها. الغرور… الإيمان الراسخ.
«اعذروني على غروري.»
اعتذار… بلا نية حقيقية.
«لكنني دائمًا آمنت أن مخيلتي أوسع من غيري.»
الشيء الوحيد الذي أثق به مطلقًا.
«ودائمًا أبذل الجهد للكتابة باستمرار.»
الانضباط… عضلة قوية.
«وكل ما أحتاجه هو الدافع.»
الوقود.
«وأنتم الدافع الذي أحتاجه.»
الحقيقة الأخيرة… أنتم الشرارة.
«سننهي هنا، يا أصدقائي.»
إحساس النهاية حلّ… الجلسة انتهت.
«إن كان لديكم أي أسئلة إضافية، يمكنني الإجابة عنها.»
دعوة مفتوحة… معلّقة.
«أوه، بالمناسبة…»
تذكار بسيط لمحبي التفاصيل.
«اسم ’ألترا ماغنوس‘ لمدير الأكاديمية…»
ابتسامة كبيرة… مهووسة بعض الشيء.
«أخذته من شخصية ظهرت في كرتون Transformers.»
ذكريات صباح السبت… ألعاب بلاستيكية.
«أردت أن أسمي المدير (أوبتيموس برايم).»
الخيار الواضح.
«لكنني أحببت شخصية (ألترا ماغنوس) أكثر.»
القائد الواجبّي… الصارم… النبيل.
«فكتبت اسمه.»
القرار حُسم.
«إن كان لديكم تعليق حول ذلك، قولوا لي.»
أتخيل بالفعل نقاش ’برايم vs ماغنوس‘ في التعليقات.
«وداعًا يا رفاق.»
موجة أخيرة… عبر الأثير.
توقّف المؤشر عن الوميض. انتهى الفصل.
---
──────────────────────
شكرًا لقراءتكم، يا قرّائي الأعزاء. أنتم النار التي تُبقي هذه القصة مشتعلة. ❤️🙂
──────────────────────