العاشر: قائد فرسان العنقاء الازرق سيد الدمار
فوق أبراج المراقبة الشاهقة التي تحيط بقصر العنقاء العظيم، ارتسم مشهد مهيب يحبس الأنفاس. كان الليل يوشك أن يستسلم لطلائع الفجر، غير أن السماء ما زالت متثاقلة بالظلام الذي يلمع فيه بريق النجوم، وكأنها تنصت لحكايةٍ ستُروى بين جنبات القصر.
هناك، على قمة أحد الأبراج، وقف رجل يثير حضوره هيبة لا تُقاس ولا تُشبه. كان درعه يكسو جسده بلمعان أزرق يذكّر بأعماق البحر حين تضيئها أشعة القمر، درع يشبه درع الفرسان في شكله، لكن فيه سحر غامض يرفرف حوله كأجنحة خفيّة، كأنه جُعل ليجمع بين العظمة العسكرية والرهبة السحرية.
قريباً من صدره، ارتسم رمز العنقاء منقوشاً بخطوط ذهبية برّاقة، يتوهج وكأن له حياة خاصة، فيخطف الأبصار ويعلن الانتماء بكل فخر إلى بيت فينيكس النبيل، البيت الذي يعلو على كثير من بيوت الإمبراطورية الخالدة. أمّا الرجل، فقد كانت عيناه رماديتين تشبهان غيوم الشتاء قبل المطر، عيون باردة وفيها حدّة سيف يترقّب المعارك، لكنها في الوقت نفسه تحمل عمقاً غامراً يشبه الصمت بين الجبال. أما شعره الفضي، فقد انسدل على كتفيه بلمعان معدنيّ، يذكّر بالقمر حين يكتمل فوق قمة جبل ثلجيّ.
في يده اليمنى كان يمسك برسالة مطوية بعناية، لا يفلتها قبضه، بينما نظره لا يفارق المدينة الممتدة تحت قدميه، تلك المدينة التي أُوكلت إليه حمايتها قائداً لواحد من الجيوش الثلاثة التابعة للمركيز العظيم.
لم يكن يقرأها بعجالة كما يفعل معظم الناس، بل كان يتتبع الكلمات حرفاً حرفاً، كأنما يحاول أن يمتصّ روح النص ويستحضر ما بين سطوره من نوايا خفية. مضت الدقائق ثقيلة وهو يكرر القراءة في ذهنه، وكل جملة تترسّخ في أعماق قلبه مثل نقشٍ على صخرة.
بعد أن انتهى، رفع رأسه وأغمض عينيه قليلاً، ثم تمتم بصوت منخفض، أشبه بالهسيس الذي يختلط مع الرياح: "السيد الشاب يريد أن يذهب إلى الأكاديمية، أليس كذلك؟... يبدو أن المركيز قد غيّر رأيه بشأن هذا الأمر." لم تكن كلماته موجّهة إلى أحد، إنما خرجت كأنها نقاش داخلي مع ذاته، جدال بين طاعة الأوامر الصادرة عن سيده والتساؤلات التي تشتعل في داخله حول ما تخبّئه الأيام.
وعلى الرغم من انغماسه في صراعه الفكري، تحوّل بصره فجأة إلى أسفل، حيث كان مجموعة من الفرسان يقومون بأعمالهم المعتادة داخل أسوار البرج. وفي لحظة واحدة، دون مقدمات، ارتفع صوته ببرود صارم يخترق الهواء: "جهّزوا حاجز النقل، سنقوم بنقل السيد الشاب الثاني إلى الأكاديمية فوراً."
لم يتردد الفرسان لحظة. توقفت الأيدي عن كل عمل كان جارياً، وأعين الجميع انعطفت نحو قائدهم بانضباط غريزي. كانوا يعرفون أن أمره لا يحتمل التأخير، فهو القائد الأعلى لجيش الفرسان الزرق، جيش العنقاء الذي يرعب الخصوم ويدفع الحلفاء للثقة.
كل فارس منهم تحرّك بخفة، وفي قلوبهم مزيج من الخشوع والفخر، إذ أن خدمتهم لهذا الرجل تشبه الوقوف على حافة الأسطورة.
ذلك الرجل لم يكن شخصاً عادياً، بل كان "دانيال كروس"، قائد الفرسان الأزرق بأسره، وأحد أعمدة القوة الثلاثة لدى سمو المركيز. اشتهر بلقب "سيد الدمار"، ليس لأنه يهوى الخراب أو يتلذذ به، بل لأن دخوله إلى ساحة المعركة وحده يكفي ليفتح أبواب الكارثة على الأعداء. لم تكن قوته مجرد عضلات ولا شجاعة عمياء، بل كانت مهارة سحرية تفوق الوصف، قدرة على استحضار أعاصير من الهواء تكفي لتمزيق الجيوش عن بعد، إعصار يتجلّى كغضب السماء نفسها.
بمجرد أن صدرت أوامره، بدأت الرسائل تتقاطر بين أبراج المراقبة. لم تكن رسائل عادية مكتوبة على ورق، بل كانت خيوطاً من تواصل سحري دقيق، ينتقل بين القادة كما ينتقل البرق بين الغيوم. كل برج يرسل إشارته للآخر، وفي الوقت ذاته يحدّد موقع العربة السوداء التي تشقّ طريقها بثبات خارج أسوار المدينة.
تلك العربة لم تكن كأي عربة أخرى. كان شعار العنقاء محفوراً عليها بذات الفخر الملكي، يلمع في السواد وكأنه يرفض أن يُبتلع في الظلام. كانت تسير بخط مستقيم لا يعرف التردد، مسارها ثابت كأن قوة خفية تدفعها من الخلف وتشدّها من الأمام.
وفي الأثناء، بدأت الطاقات السحرية تتجمع. كل فارس من الفرسان الأزرق استحضر قدرته، وبدأت أبراج المراقبة كلها بالارتعاش تحت ضغط القوة. لم يكن المشهد شيئاً يستطيع العامة أن يتصوروه، بل كان فوق مدارك البشر البسطاء.
لم يكن السبب في ذلك نقص الموهبة، بل غياب الموارد. فمن لم يكن نبيلاً، لن يبلغ أبداً هذا المستوى من الإتقان؛ فالأمر يحتاج إلى ثروة من الأحجار السحرية النادرة وإلى إرادة حديدية، كلاهما محجوز لسادة الدماء النبيلة.
شيئاً فشيئاً، راحت الأبراج التي تحيط بمدينة العنقاء الخاصة بالمركيز تتوهج، كأنها شعلات عملاقة تتكلم بلغة الضوء.
ارتفعت الطاقة السحرية من أساساتها واتجهت إلى البوابة الأمامية، تلك البوابة التي تقود إلى العالم الخارجي. وفي اللحظة ذاتها، كانت العربة السوداء تقترب من هناك في انسجام مذهل مع الدائرة السحرية.
أخذت الرياح تدور بعنف عند البوابة. دانيال كروس، الذي لم يرفع صوته، أخذ يتمتم بكلمات قديمة، أشبه بنبض الكون حين يتحوّل إلى صوت. كانت الكلمات تتجسّد دوامات من الهواء أمام الممر، تتشكل وتلتفّ على نفسها، ترسم دائرة من الإعصار الذي يعلن أن البوابة باتت مستعدة للانفتاح.
في داخله، كان عقله يعمل بلا توقف. تساءل: "خروج السيد الشاب... هل يعني أن المركيز لم يحسم قراره بعد؟ ما الذي يُدبَّر في المستقبل؟ أي طريق يجب أن أختار؟" لكنه لم يتوقف عن الحركة، فواجباته العسكرية تسبق تردّداته الشخصية. وازدادت سرعة الرياح في الخارج، حتى صار الهواء نفسه يغني بأنشودة القوة.
في أرجاء المدينة، لم يستطع السكان سوى النظر إلى المشهد المهيب. من بعيد، كانت البوابة تشعّ ضوءاً أبيض متوهجاً يشقّ السماء، بينما الدوامات السحرية ترسم لوحات من الجلال لا تُنسى. كان واضحاً أن سرّاً من أسرار الإمبراطورية يُستَخدم الآن، سراً لا يجرؤ على تفعيله إلا ثلاثة أشخاص في العالم بأسره.
وأحد هؤلاء الثلاثة كان المركيز نفسه، النبيل الجليل الذي يتربع بين العشرين الذين يحكمون المدن العشرين الكبرى في الإمبراطورية الخالدة، تحت مظلة الدوقيات الأربع. حتى القادة العظام، كدانيال كروس وسائر رؤساء الجيوش الثلاثة، لا يملكون سلطة فتح البوابات دون إذنه. فهي ليست مجرد بوابات عادية، بل منافذ إلى العالم، تسمح بالانتقال إلى أي مكان في الإمبراطورية، لكن بثمن لا يمكن وصفه.
ذلك الثمن يُدفع من خلال تضحيات مهولة: أحجار سحرية نادرة تُجلب من أعماق الأراضي المظلمة المليئة بالشياطين والوحوش. وللحصول عليها، يضحّي العشرات من الفرسان بحياتهم داخل جحيم لا يخرج منه إلا القليل. ومع ذلك، تُستهلك هذه الثروة في لحظة واحدة، في سبيل انتقال قد يبدو بسيطاً للعيان.
لكن في تلك الليلة، لم تُفتح البوابة لإرسال جيش، ولم تُستدعَ لنجدة مدينة مهددة. بل استُخدمت لأجل شاب في السادسة عشرة من عمره، الابن الثاني للمركيز، الذي يُرسل إلى أحد أقدس الأماكن في الإمبراطورية كلها: أكاديمية توتنهام.
وفي ثوانٍ معدودة، عبرت العربة البوابة التي تجسدت في الهواء كفم عملاق من الضوء والجاذبية. جذبت كل ما حولها بقوة، حتى كادت الأحجار في الطريق أن تتفكك، لكنها ركّزت جاذبيتها في مسار واحد لابتلاع العربة وما تحمله.
من بعيد، تابع سكان المدينة المشهد بأنفاس محبوسة، بينما الفرسان فوق الأبراج ظلّوا واقفين في صمت، يرمقون قائدهم. أما دانيال كروس، فقد ظلّ نظره ثابتاً على مكان اختفاء العربة. وفي داخله، غاص أكثر فأكثر في التفكير: "المستقبل يطالبني بأن أختار. حتى وأنا قائد، ما زلت إنساناً يملك الحرية أن يختار أي طريق يسلك. عليّ أن أقرر... عاجلاً أم آجلاً."
وبين صمت الرياح التي هدأت بعد رحيل العربة، وأضواء البوابة التي بدأت تنطفئ، بقيت كلماته بلا جواب، معلّقة كأنها نبوءة تنتظر وقتها.
***
منذ أن انطلقت العربة السوداء من قلب المدينة عند أولى خيوط الصباح، وهي تشقّ طريقها بثبات وصمت، تقطع الأزقّة الواسعة والطرقات المرصوفة، تمرّ أمام الأسواق المكتظة في بدايات اليوم، ثم تتجاوز الحشود شيئاً فشيئاً حتى تتوارى عن عيون العامة، لتستمر رحلتها الطويلة حتى حلول المساء حين بدأت شمس الأفق تذوي ببطء خلف الغيوم. وكأن العربة كانت تحمل في داخلها زمناً خاصاً بها، زمناً يتكثّف فيه المعنى ويتباطأ فيه الشعور، زمناً يُثقِل القلب أكثر مما يثقله السفر.
داخل هذه العربة كان يجلس ابن المركيز، الفتى الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، يجلس في مقعده وقد أدار رأسه نحو النافذة. عيناه، وقد انعكس فيهما ضوء الغروب، كانتا تتابعان المشاهد العابرة خارج الزجاج: الناس يمشون في الشوارع، يتوقفون فجأة حين تمرّ العربة، يحدّقون إليها نظرات سريعة ثم يطأطئون الرؤوس أو يبتعدون بخطوات مرتبكة. لم يكن المشهد غريباً عليه، فقد عاشه مراراً، لكنه ظلّ يُثير في داخله أفكاراً لا تهدأ.
الناس في هذا العالم… قال لنفسه، ولمعت الفكرة في ذهنه كشرارة: لا يمتلكون احتراماً عظيماً كما يبدو، إنما يملكون خوفاً لا يُطاق. كان يعرف أنّ العيون التي تتجه نحو العربة لا تفعل ذلك إجلالاً خالصاً، بل بدافع من رهبة متجذّرة، رهبة من الشعار المذهب للعائلة النبيلة، من النفوذ الذي يطغى على حياتهم، من السلطة التي لا رادّ لها. وفي داخله كان شعور متناقض يتأرجح بين الفخر والضيق، بين إحساسه بمكانته ووعيه بعبء هذا الإرث.
انتقل نظره فجأة إلى الطرف المقابل من العربة، حيث جلست الخادمة المرافقة له. كانت تبدو وكأنها في عالم آخر، لا مبالية بما يجري حولها. لم يلحظ عليها أدنى انفعال أمام جلال العربة أو خوف الناس أو حتى رهبة الرحلة المقبلة. جلست هناك بملامح محايدة، عيناها شاردتان نحو حقيبة صغيرة تضمّ حاجياتها. لم يتمالك نفسه من التفكير: إنها تستعد… حين نصل إلى الأكاديمية، أظن أنها لن تنشغل بي كثيراً، بل ستغدو مشغولة فقط بتنفيذ خططها الخاصة. كان يعرف أن لكل شخص في هذا العالم دوافعه، وأن الأقنعة التي يرتديها البشر لا تكشف إلا النزر القليل.
ثم غاص في نفسه من جديد، ليُردّد ما يُثقل صدره منذ زمن: لكن ذلك ليس مهماً الآن… ما يهمّ حقاً هو ما سأفعله أنا في الأكاديمية. ما الذي عليّ أن أدرسه؟ بأي سبيل سأقوى؟ أحسّ بثقل الكلمات يتردّد في داخله، كأنه يعترف بضعفه بصوت خفي. ما زلت ضعيفاً، حتى بعد كل تدريب مررت به. إذا استمرت الرواية كما أعرفها، فلن أكون سوى أضعف شخصية على الإطلاق… وإن بقيت الأمور على هذا النحو، فلن تنتهي قصتي إلا بالموت، موت تحت رحمة أي شخصية أقوى مني في هذا العالم.
لم يطل به التأمل حتى شقّ صوت الرعد سكون الرحلة. اهتزّت النوافذ تحت وقع هدير السماء، فرفع عينيه إليها ورأى من خلال الزجاج أضواءً ساطعة تتلألأ من الأبراج السحرية المحيطة بالمدينة. بدت وكأنها شعلة عملاقة تُشعل الليل بسطوعها، وتعلن أن أمراً عظيماً على وشك الحدوث.
هذه الأبراج لم تكن مجرد مبانٍ شاهقة، بل حصوناً من القوة، مخازن للطاقات السحرية، تعجّ بالأحجار السحرية النادرة التي صُنعت منها الدروع الواقية للمدينة بأسرها. كانت الآن في حالة فوران، تلمع وتضطرب وكأنها تتنفس بعنف، تدفع موجات من السحر نحو السماء. ومع كل ذلك الاضطراب، كان قلب أستر ساكناً بصورة مدهشة. لم يكن الهدوء في داخله ضعفاً أو إنكاراً، بل إدراكاً باردًا: يبدو أن المركيز… مستعدّ لدفع الثمن لنقلي إلى الأكاديمية بالضبط.
عرف أستر أن السبب في إضاءة الأبراج على هذا النحو هو استعدادها لتفعيل دائرة النقل، واحدة من أعظم القدرات في هذا العالم، بل أعجبها. هذه الدوائر لم تُصنع للترف، بل لتسمح للجيوش بالتحرك بلا خوف، لتغادر إلى ميادين الحرب وتعود منها إلى الوطن بسرعة تفوق التصور. غير أن كل قوة عظمى لها ثمن، وثمن هذه الدوائر كان باهظاً على نحو يتجاوز فهم البشر العاديين.
الثمن هو الأحجار السحرية النادرة، تلك التي لا تُستخرج إلا من أعماق البوابات المؤدية إلى عوالم الشياطين. هذه البوابات كأنها جراح في جسد العالم، منافذ إلى ظلام لا نهاية له. لم يجرؤ على دخولها إلا أقوى الفرسان وأكثرهم جرأة، ومع ذلك فغالباً ما لا يعودون أبداً. يموت العشرات، وربما المئات، فقط من أجل جلب حفنة من تلك الأحجار التي تُقدَّر قيمتها بالدماء قبل الذهب. تلك الأحجار وحدها قادرة على تغذية الدوائر وصناعة كل ما هو عظيم في هذا العالم: الدروع، التعويذات، وحتى المدن المنيعة.
وفي الخارج، كان المشهد يتحول إلى ملحمة سماوية. السماء بدأت تزأر بلا توقف، الغيوم السوداء تجمّعت حتى غطّت ضوء القمر الذي كان صافيًا منذ قليل. منازل الناس اهتزّت تحت وطأة الأصوات، والسكان الذين بقوا في بيوتهم اندفعوا نحو النوافذ ليراقبوا ما يحدث، بينما البرق يمزّق السماء بلا توقف، وكأن الليل كلّه تحوّل إلى معركة بين الضوء والظلام.
في داخل العربة، شعر أستر بخفقات قلبه تتسارع. نعم، كان يعرف طبيعة التعويذة التي ستُلقى بعد لحظات، التعويذة التي ستنقله عبر البوابة إلى أكاديمية توتنهام. لكنه، رغم المعرفة، لم يستطع كبح شعورٍ غامر بالرهبة. لم يكن من السهل أن يبقى هادئاً حين يرى بعينيه تلك القوة الخارقة التي تتلاعب بالسماء نفسها. كانت لحظة من الخيال، لحظة تذكّره بأنه، مهما حاول إقناع نفسه بالقوة أو التدريب، فما زال ضعيفاً أمام عظمة هذا العالم.
أدار نظره عبر النافذة، وتمكّن من رؤية بوابة المدينة في الأفق. كانت تتحول أمام عينيه إلى مشهد يفوق الوصف: ضوء أبيض يخترق السماء ليصنع دائرة متألقة، تتوهج بطاقة لا متناهية، وتستحضر جاذبية تبتلع كل ما حولها.
العربة السوداء، التي تحمل شعار العنقاء الذهبي متألقاً على سطحها، كانت تتقدّم بلا تردّد. لم تكن تسير بدفع الخيول، بل تتحرك بفضل الطاقة السحرية الكامنة في أحجارها وتعويذة الحركة المنقوشة عليها. وكلما اقتربت من مركز الدائرة، شعر أستر بأن جسده ينجذب إلى الأمام، وكأن العربة نفسها صارت جزءاً من تيارٍ لا يمكن مقاومته.
التفت للحظة إلى الفتاة التي تجلس أمامه. كانت بشعرها الأزرق اللامع وعينيها الخضراوين تبدو مختلفة تماماً عنه. لم يكن في ملامحها أدنى قلق. راحت تعبث بهدوء مع حقيبتها الصغيرة، تتأكد من محتوياتها، تبتسم لنفسها ابتسامة خفيفة، كأنها على وشك أن تنطلق في رحلة لطالما حلمت بها. لم ترتجف يداها لحظة، ولم تومض في عينيها أي علامة خوف، بل على العكس، كانت السعادة المشرقة تنضح من وجودها.
لم يتمالك أستر نفسه من التفكير: إنها تبدو وكأنها تتحرر الآن، كأن وصولها إلى الأكاديمية سيمنحها فرصة للانطلاق بعيداً عما يقيّدها. وفي داخله، ارتفعت همهمة صامتة، تمتمة لم يجرؤ أن يبوح بها بصوت مسموع: أنتِ حقاً… لا تخافين، أليس كذلك يا إيميلي دوكي؟… أنا حقاً أتمنى أن أرى مستقبلك.
وبينما كانت العربة تقترب أكثر فأكثر من فم البوابة المضيئة، ظلّ أستر متسمّراً في مكانه، عينيه تتقلّبان بين السماء التي انشقّت لتصنع ممراً نحو المجهول، وبين وجه إيميلي الواثق. وفي تلك اللحظة الأخيرة قبل العبور، اجتمع داخله مزيج من الرعب والأمل، مزيج لم يعرف كيف يصفه سوى بالصمت.
---
وهنا ينتهي الفصل يا رفاق
اتمنى ان يكون جيدا بالنسبه لكم من اضافه الى كل ذلك شكرا لكم على تعليقاتكم واتمنى ان تستمروا بذلك اذا كان لديكم اي سؤال في القصه او انتقاد او حتى اضافه تريدون ان تضيفوها يمكنكم ارسالها في التعليقات
قد اطيل ولكن حتى لو مرت عشر سنوات سوف يكون هناك اجابه ثق بي لكن لا تقلقوا لانني دائما احب التعليقات لذلك يمكن ان تصل الاجابه في ثانيه التاليه
لذلك رجاء قوم بالتعليق حسب الاشياء الذي تحبونها وكما اعتدتم يا اصدقاء سيكون هناك سؤال
( من هو الشخص الذي يستطيع الامر وايقاف عمليه النقل الاني ولا يستطيع احد تجاوز كلماته في مدينه العنقاء ؟)
اذا قراتم الفصل فاتمنى ان تكونوا قد اجبت على هذا السؤال في خانه التعليقات