الفصل الثاني عشر: الانفجار الارجواني
كان المشهد أشبه بكابوسٍ يتجسّد أمام العيون، إذ انشقت السماء فوق إقطاعية الكونت سوهو، وبدت البوابة في قلبها كجرحٍ أسود يتفجّر منه نور أرجوانيّ خافت، ملوّثٍ بالرهبة. ومع انفتاحها، انطلقت جموع الشياطين المجنّحة لتغمر الأفق، وأجنحتها السوداء تعكس أشعة الضوء المائل إلى البنفسج، في حين ارتفعت الصرخات من كل مكان، صرخات تُمزّق نياط القلب وتستحضر في النفوس أعمق صور الرعب.
لم تمضِ سوى دقائق قليلة حتى غدا صدى الصرخات يتجاوز حدود التصوّر، وكان قصر الكونت سوهو مركزاً للفوضى. هناك، ارتفع صوت الفارس المعدني وهو يصرخ بأمرٍ عالٍ، صوته أشبه برعدٍ يتصدّى لزمجرة الأجنحة المتسارعة:
"قوموا بالدفاع عن القصر! لا تسمحوا لأحدٍ أن يخترق هذه الجدران! يجب أن نحمي اللورد مهما كان الثمن!"
كان صوته يخرج من خلف خوذة معدنية صقيلة، فيرتد صداه على جدران القصر العالية كطبول الحرب. وبقيّة الفرسان انطلقوا بلا تردّد، يتقدّمون بخطواتٍ حديدية نحو الشياطين التي تهبط عليهم من السماء، مخالبها تلمع، وعيونها جمرٌ متقد. الهواء صار مشبعاً برائحة الحديد والدماء، وصوت ارتطام السيوف بأجساد الشياطين كان كعزفٍ جنائزيّ يطغى على المكان.
وفي أحد القرى البعيدة عن القصر، كانت الصورة أكثر مأساوية؛ جثث متناثرة على الأرض كزهور ذابلة، وجوه بشرية خمدت فيها الحياة، وأجساد صغار وكبار ملقاة كأنها أوراق ذابلة في مهبّ الريح. الشياطين وقفت فوقهم بازدراء، عيونها اللامعة تنضح احتقاراً، كأن موت هؤلاء لم يكن سوى تسليةٍ عابرة لها. الأرض هناك ارتوت بالدماء، لونها الأحمر امتزج بالتراب الطيني، وصارت القرية كلّها أشبه بمذبحٍ كبير تحت سماء محمّرة.
السماء نفسها لم تعد سماءً مألوفة، فقد تلونت بالدم القاني، كأنها جرح مفتوح ينزف فوق الأرض. وفي مركزها يتوهّج ضوءٌ أرجوانيّ ساطع يندفع من البوابة الملعونة، يلتف حوله بخارٌ غريب، ويمتزج مع غيومٍ كثيفة تبرق بينها ألسنة برقٍ مظلمة. ومن ذلك الفتح المهيب، كانت الشياطين تخرج بالمئات، كأنها أمواجٌ من ظلامٍ حيّ يتدفّق بلا انقطاع.
وبعيداً عن ذلك المشهد المرعب، كان هناك جمعٌ آخر من الفرسان، يقفون فوق ربوةٍ مرتفعة، يراقبون ما يحدث بعيونٍ متوتّرة. قائدهم كان يرتدي درعاً أبيض ناصعاً، تتوسّط صدره علامة القمر الفضّي، رمز الشرف والإخلاص في خدمة بيت مون لايت. كان جسده يرتجف، لكن ليس من الخوف؛ بل من الإدراك العميق لمدى فداحة الوضع. لقد كان يعرف في قرارة نفسه أن ما يحدث ليس مجرد حادث عابر، بل كارثة تتجاوز حدود المنطق.
"لقد فُتحت بوابة في هذا المكان... هذا جنون! كيف يمكن أن يحدث ذلك هنا؟" تساءل في داخله، وصوته الداخلي يهتزّ كوترٍ مشدود.
الفرسان المحيطون به كانوا ينظرون إليه بعيونٍ متسائلة، ينتظرون منه القرار، الكلمة التي ستحدد مصائرهم. وفي اللحظة التي خيّم فيها الصمت، ارتفع صوت فتاة من بينهم. كانت تقف بثبات، شعرها الفضي يتدلّى على كتفيها كخيوط قمرية ناعمة، وعيناها الفضيتان تعكسان نوراً بارداً لكنه حاسم. كانت ترتدي ثوباً خاصاً بلونٍ مماثل لشعرها، كأنها امتداد للضوء الذي ينسكب من القمر في ليالي الشتاء.
قالت بنبرةٍ واضحة، تخترق الصمت:
"علينا أن نساعد الناس... يجب أن أذهب إلى هناك!"
التفت إليها الفارس القائد، نظرته مشوبة بالقلق والصرامة. صوته جاء متردّداً في البداية، ثم صار حازماً:
"سيدتي، من المستحيل علينا أن نذهب إلى هناك. وجود هذا العدد من الشياطين يعني أن البوابة قد فُتحت تحت تأثير سحرٍ قوي، من نوعٍ لا يمكن مقاومته بسهولة. إن الذهاب إلى هناك معناه أنك ستعرّضين حياتك للخطر، وهذا يتجاوز الحد الذي أسمح به. عليكِ العودة فوراً."
كان صوته يخرج من خلف خوذة تغطي وجهه، ما جعل كلماته أكثر صلابة وحدّة. لكن الفتاة لم تتراجع. رائحة الدماء الكثيفة التي حملتها الرياح من القرى البعيدة كانت تصل إلى أنفها، تتخلّل صدرها وتثقل قلبها. لقد كانت هذه الأرض مجرد مكانٍ اختير لتدريبها على مواجهة الوحوش، برفقة فرسان أبيها، الدوق مون لايت. لم يخطر في بالها يوماً أن يتحول التدريب إلى معركة حقيقية ضد جحافلٍ من كائنات الظلام.
لكن السماء المضرّجة بالحمرة، وصوت الصرخات الممزّقة من بعيد، وصور الأطفال الذين ربما يموتون دون أن يجدوا من يحميهم، كلها اشتعلت في صدرها كجمرٍ لا يهدأ. رفعت بصرها نحو السماء المشتعلة، وعيناها لم ترتجفا، بل أضاء فيهما بريق العزم.
قالت بحزمٍ لا يقبل النقاش:
"لا أهمية لذلك... نحن فرسان، وواجبنا أن ندافع مهما كان الخطر."
تجمّد القائد في مكانه، عضّ على أسنانه خلف القناع المعدني. لم يكن اعتراضه نابعاً من شكٍّ في قدراتها أو استخفافٍ بعزيمتها؛ بل من إخلاصه في حمايتها. لقد كان فارسها المخلص، المعيّن خصيصاً من قِبل الدوق ليكون ظلّها وحارسها الأمين. كيف له أن يسمح لها بالارتماء وسط هذا الجحيم؟ وكيف له أن يعصي أوامرها في الوقت نفسه؟
لكن صوتها جاء قاطعاً هذه المرة، حادّاً كالسيف:
"أنا سفيريا مون لايت... حينما يتعرّض الناس للخطر، فإن واجبنا كأصحاب الدم النبيل أن نتحرّك. علينا أن نهاجم."
صمتٌ قصير مرّ بين الفرسان، ثم هزّوا رؤوسهم موافقةً. لقد كانوا يعرفون أن كلماتها ليست مجرد حماسةٍ صبيانية؛ بل وصية قمرية ورثتها من دمها ونسبها. ارتفعت الأبصار نحو السماء الحمراء، وكلّ واحدٍ منهم شعر بثقل الواجب يُحني كتفيه. لكن مع ذلك، اشتعلت قلوبهم بحماسةٍ جديدة.
في تلك اللحظة، تقدّم القائد كريس خطوة، رفع سيفه الفضيّ اللامع نحو الأعلى، وقال بصوتٍ جهوريّ:
"عليكم بحماية الأميرة! هدفنا هو إيقاف هذه البوابة فوراً، قبل أن يفيض منها المزيد."
ثم التفت بسرعة إلى أحد الفرسان، صوته مزيج من الاستعجال والأمل:
"أطلبي التعزيزات حالاً! يجب أن تصل الكلمة إلى الدوق نفسه بأسرع ما يمكن. هذه حالة طارئة تهدد الأرض كلّها."
لم تتردّد الفارسة المختارة؛ رفعت يديها ونفّذت تعويذة استغاثة، كلماتها السحرية ارتفعت في الهواء كهمسٍ مضيء، ثم انفجرت كشرارة بيضاء اندفعت نحو السماء، متجهةً إلى حيث القصر الرئيسي في الدوقية. بعد لحظةٍ قصيرة، انطلقت باقي الفرسان كعاصفة، سيوفهم تلمع، دروعهم الفضية تعكس حمرة السماء، وقلوبهم معلّقة بين الأمل واليأس.
لقد انقضّوا مباشرة نحو أكبر تجمعٍ للشياطين، يقاتلون بلا خوفٍ، فالموت في سبيل واجبهم أفضل من العيش في عار التخاذل. كان صليل السيوف يتردّد، وأنفاس الخيول ترتفع ساخنة في الهواء، والدماء تتناثر في كل اتجاه. ورغم كل شيء، ظلّت الفتاة الفضية في قلب ذلك كله، تمسك بزمام روحها كما تمسك بزمام سيفها.
النهاية المؤقتة كانت أن هؤلاء الفرسان لم يكونوا سوى فرسان القمر الفضي، أحد أقوى فروع الفرسان في دوقية مون لايت، وقد بدأوا للتوّ كتابة فصلٍ جديدٍ بدمائهم وسيوفهم في مواجهة الظلام الذي اجتاح أرضهم.
***
في مركز السماء القرمزية، تلك السماء التي كانت كالجمر الممتد في الأفق، يتوهّجها وهجٌ لا ينطفئ ويصبغ الكون بلون الدم المسفوك، كان يقف مخلوق ضخم يثير الرعب في النفوس، يرتفع جسده المريع حتى يبلغ ثلاثة أمتار كاملة.
هيئته وحدها تكفي لأن تُقشعرّ لها الأبدان؛ إذ كان شيطانًا رهيبًا يحلّق بجناحين واسعَين، يمتدان كما لو كانا ستارين من ظلامٍ حيّ ينبضان بالخطر. كانت حركات جناحيه تُثير العاصفة في الفضاء، فيعلو الغبار، ويمتد دخان رماديّ يختلط بلون القرمز السماوي، فيزداد المشهد كابوسيًّا خانقًا.
وعيناه، آهٍ من عينيه، كأنّهما جمرتان مُعلّقتان في محجري نار، لا تهدآن ولا تخمدان. كان الاحتراق فيهما سرمديًّا، كأنّ شعلة الجحيم اختارت أن تستقر في نظراته. كل من واجه تلك العينين شعر وكأنّ قلبه يتفتّت رمادًا، فالنظرة وحدها تحمل وعيدًا لا يُطاق، ورهبةً لا فكاك منها.
وفي رأسه المشتعل بخيالات الشرّ لم تكن تتردّد إلا فكرة واحدة متسلّطة، فكرة تحكمت في كيانه كما يتحكم العطش في جسد هائم بالصحراء:
«أين هو؟ أين السيف؟ يجب أن نجده، لا محالة... إنّه موجود في هذا المكان. عليّ أن أنفّذ أمر ملك الشياطين، وبأيّ ثمن.»
كانت تلك الكلمات تمثل أمرًا واحدًا لا يقبل التأجيل، أمرًا يعلو على كل اعتبار. في داخله كان صدى صوت سيده العظيم، ملك الظلمات، يضرب كالطبل في أذنيه، فيذكّره بأن حياته نفسها لا تساوي شيئًا إن هو قصّر في المهمة.
وفي اللحظة عينها، لم يكن وحده. جيوش الشياطين التابعة له انطلقت تحلّق فوق أراضي الكونت "سوهو" بالكامل. مئات من الكائنات الشيطانية، تتراوح قواها من المستويات المتوسطة إلى الأدنى، كالسرب الأسود يغزو السماء. أجنحتهم تقطع الهواء، صرخاتهم الحادة تمزق الصمت، وحرارة أجسادهم الملعونة تحرق ما تمرّ به. كانوا يتساقطون على الأرض، يقتحمون البيوت والقرى، ويقتلون البشر بوحشية مذهلة، سرعة ذبحهم تفوق إدراك العيون. صرخات البشر استحالت نواحًا جماعيًّا، والدماء سالت لتلوّن الطرقات بلون السماء نفسها.
غير أنّ القدر لم يترك الساحة خاوية من الأمل. ففي إحدى القرى المشتعلة تحت نيران الهجوم، انبثق وميض أبيض فضي، كوميض برق يخترق السواد. تحرك بسرعة خارقة، يكاد البصر يعجز عن تتبعه. كانوا الفرسان المدرَّبون، أولئك الذين كرّسوا حياتهم لفنون القتال ولحماية الضعفاء. كل حركة من حركاتهم كانت كسيفٍ مسنون يشق الهواء، فتترك خلفها أثرًا من الدمار الهائل على أجساد الشياطين.
دروعهم الفضية تعكس نور اللهيب، تتلألأ كالنجوم في ليلٍ أسود. وعلى صدورهم شعار القمر الفضي منقوشًا بلون ذهبي، كأنه ختم العهد بينهم وبين السماء. كانوا كأعمدة من نور تتحدى العاصفة السوداء. في مقدّمتهم، كان قائدهم، كريس، رجلٌ تفوق قوته الوصف. كان يمحو كل شيطان يجرؤ على الوقوف أمامه بضربة واحدة فقط، ضربة مطرقته الذهبية التي تفيض قوة طاغية.
ارتفع صوته في وسط المعمعة، صوتٌ جهوريّ كالرعد، يخترق الضوضاء:
«دمّروا هؤلاء الشياطين! استعدوا لأي خطر! لا تتركوا الأمر للحظ! كونوا على أهبة الاستعداد دائمًا!»
لم يلتفت الفرسان لصرخته، فقد كانت أرواحهم مشبعة بالانضباط، ووجوههم المتيبّسة تدل على جدّية مطلقة، كأنهم تلقوا الأمر من السماء نفسها. كانوا يتحركون بدقة، أعينهم لا تعرف التشتت، وسيوفهم تحفر مجرى الموت في جحافل الشياطين. ومع ذلك، كان عدد الضحايا من البشر هائلًا، والدموع الممزوجة بالدخان تغطي وجوه الناجين.
اشتعلت المعركة أكثر فأكثر. حركات الفرسان المضيئة اصطدمت بعنف الشياطين المظلمة، فكان الاصطدام كالعاصفة تزلزل الأرض. وبينما كانت المواجهة تزداد ضراوة، تراجع كريس خطوة للوراء، وأخذ يستجمع أنفاسه. وفي تلك اللحظة المهيبة، بدأ يُفعّل وضعيته الخاصة، الوضعية التي لا يجاريه فيها أحد. ارتفعت طاقة سحرية هائلة من جسده، تومض باللون الأبيض النقي، نورًا كأنه قادم من فجر لم يولد بعد. كان هذا هو
"أسلوب الفارس الفضي: ضوء الفضة العنيف".
لم ينطق بكلمة، فالجواب كان في أفعاله. رفع مطرقته الذهبية عاليًا نحو السماء، حركة تحمل في طياتها وعدًا بالدمار القاطع. لم تكن تلك الضربة ضربةً عادية، بل كانت تجمعًا مرعبًا للطاقة: طاقة القمر المضيء ممزوجة بالقوة الجسدية الجبّارة التي تسكن عضلاته. في لحظة خاطفة، قفز كريس نحو السماء، متجاوزًا عشرات الأمتار، حتى بلغ ارتفاعًا يزيد على المئة متر. وهناك، في قمة الارتفاع، وجّه الضربة المزلزلة نحو السماء القرمزية.
وما إن اخترقت المطرقة الهواء حتى دوى انفجار فضي رهيب. انفجار أضاء الأفق كله، غطّى كل شيء داخل دائرة الاصطدام. مئات الشياطين الذين كانوا يحلّقون لم يتمكّنوا حتى من استيعاب ما حدث؛ انشقت أجسادهم، تمزقت أجنحتهم، وتحوّلوا في لحظة إلى أشلاء مبعثرة تتساقط من السماء كالمطر الأسود.
ثم سقط كريس مجددًا نحو الأرض، هبوطه كان كالصاعقة، لكنه ثبت قدميه بحزم، والغبار يتطاير حوله. وقف شامخًا، عينيه المضيئتين تجوبان صفوف فرسانه. صاح بصوت يزلزل القلوب:
«ما الذي تفعلونه؟! لا تتوقفوا! اقتلوا كل شيطان أمامكم، بلا رحمة!»
كان صوته كالنفير، فأعاد إشعال الحماسة في أرواحهم. تحرّكوا بخطوات أشد صلابة، كأنّ الأرض نفسها تهتز تحت إيقاع اندفاعهم.
وفي مكان آخر، لم يكن بعيدًا عن موقع كريس، كانت مجموعة أخرى من الفرسان الفضيين تخوض معركة لا تقل عنفًا. كانوا يقاتلون بدقة مذهلة، يحيطون بفتاة واحدة ذات شعر فضي انساب كالحرير تحت انعكاس النيران. تلك الفتاة لم تكن كأي فتاة؛ كانت عيناها تشعان بلون فضي متوهج، ومنهما كانت شرارات البرق تتطاير. نظراتها تحمل مزيجًا من الحزن والغضب، حزنٌ على ما رأت من جثث بشرية متناثرة في الأرض، وغضبٌ على هذه الكائنات الدنيئة التي جلبت الخراب.
صرخت بصوت يمزج القوة بالعاطفة:
«تبا لكم، أيها الكائنات البغيضة! سأدمّركم جميعًا!»
كانت كلماتها كسيفٍ آخر يضاف إلى سيفها. في اللحظة التالية، انقضّ أحد الشياطين نحوها، بعد أن تمكّن من الإفلات من قبضة أحد الفرسان. اندفع بسرعة وحشية، ضخامته تفوق الخمسة أمتار، أقدامه تضرب الأرض بقوة، حتى أن الهواء نفسه ارتجف من زخمه. غير أن الفتاة لم تلتفت إليه، لم تبدُ عليها أدنى رهبة. كان كل ما فعلته أنها خفضت بصرها نحو سيفها الفضي، الذي انعكس فيه بريق هائل.
تمتمت في سرّها: "أسلوب ضوء القمر: مرآة القمر الفضية."
في لحظة واحدة، اندفعت بحدّتها، حركة سريعة كلمح البصر. كان السيف يلمع كالبرق، والاحتكاك بينه وبين الهواء كوّن مشهدًا فضيًّا يقطع الوجود. لم يخرج أي صوت، سوى الصمت القاتل الذي سبق الكارثة. وفجأة، انشطر جسد الشيطان، وتحوّل إلى كرة من الدماء، تناثر لحمه في الهواء ثم تساقط أرضًا.
أما الفرسان المحيطون بها فلم يلتفتوا كثيرًا إلى ما جرى. ابتسموا بثقة، فقد كانوا يعرفون قوة الفتاة جيدًا. فهي ليست مجرد مقاتلة، بل الأميرة سيفيريا، أميرة عائلة "مون لايت"، من يخدمونها بكل ولاء ويفتخرون أن دمها الفضّي يجري بينهم.
انتهى القتال تدريجيًا في تلك البقعة، وسيفيريا تقف وسط جثث الشياطين التي مزّقتها قوتها وقوة فرسانها. ومع ذلك، ورغم الدماء التي غطّت الأرض، لم يخمد التوتر في قلبها.
وفي مكان آخر، قريب من تلك المعركة، كان كريس نفسه قد توقّف فجأة. شعر بارتعاشة تسري في أعماقه، إحساس مرعب لا يشبه أي شيء واجهه من قبل. رفع عينيه إلى السماء القرمزية، وبدأ يتمتم لنفسه:
«ما الذي يحدث؟… الطاقة الشيطانية، يبدو أنها تتراجع… السماء… إنها تعود إلى طبيعتها! ما الذي يجري؟»
لكن قبل أن يكتمل إدراكه، اخترق الأفق ضوء آخر. هذه المرة لم يكن فضيًا، بل شعاعًا هائلًا من النور الأرجواني، شقّ السماء على بُعد عدة كيلومترات منهم. ارتفع إلى الأعلى، كأنّه يطعن قلب الليل القرمزي نفسه، وانفجر في العلو انفجارًا جعل الظلام يتناثر كرماد.
نظر كريس إلى ذلك المشهد، وعيناه تتسعان من الدهشة. همس بصوت ثقيل:
«بحق الجحيم… ما هذه القوة الجنونية؟ من ذلك الشخص الذي فعل هذا؟!»
---
رجاء يا صديقي تقييمك في خانه التعليقات
ادعمني ويجعلوني ابدع اكثر