شباب تعليق رجاء

احبكم من كل اعماق قلبي افعلوا ما يفعله الاخوه وساعدوني لكي ننجح ونتفوق على الوحوش

(الروايات التي لا تستحق وتتجاوزني)

ــــ

الفصل الخامس عشر: الأكاديمية – الجزء الثاني

دخل أستر إلى غرفته الجديدة بخطوات متثاقلة تحمل في طياتها مزيجاً من الإرهاق والترقب. ما إن أغلق الباب خلفه حتى أسند ظهره إلى الخشب الثقيل وأطلق زفرة طويلة، كأنه يتخلّص من ثقلٍ جاثمٍ على صدره منذ لحظة نزوله من العربة السوداء. شعر للحظة أنّ الهواء في الغرفة مختلف،

أكثر نقاءً وهدوءاً، لكن عقله لم يمنحه فرصة الاستمتاع بهدوء اللحظة. كان ذهنه يعجّ بالأفكار المتناقضة، كأنما جيوش من الأسئلة تدق طبولها في رأسه بلا انقطاع.

لم يلتفت أستر إلى تفاصيل الغرفة في ثوانيه الأولى، فقد كان غارقاً في رغبة واحدة: أن يستريح قليلاً من الاضطراب الذي رافقه طوال الطريق. جلس على حافة السرير وأرخى كتفيه، وسمح لعينيه أن تنغلقا لبرهة قصيرة، كأنه يريد أن يفصل نفسه عن صخب العالم. وفي تلك اللحظة، اجتاحه إحساس غريب، مزيج من الذهول وعدم التصديق. لم يكن يتوقع أن تسير الأحداث على هذا النحو السريع، ولا أن يكسر توقّعات القصة التي كان يعرفها بهذه السرعة.

كان يردّد في نفسه بقلقٍ خافت: صحيح أنني لا أعرف شخصية أستر في العمل الأصلي بشكلٍ عميق، لكنني كنت أعرف شخصية إيميلي جيداً... كانت واضحة في الرواية، محددة الملامح... وقد ذُكر صراحة أن وصولها يتم في الموعد الرسمي لبدء الأكاديمية، لا قبل ذلك.

فتح عينيه ببطء وحدّق في السقف الموشى بخطوط ذهبية، وهمس لنفسه كمن يحاول تفسير اللغز: "يبدو أنني فعلت شيئاً ما... شيئاً أجبر المركيز ألكسندر على تغيير قراره، ودفعه لنقلي إلى هنا بسرعة غير متوقعة... ولكن لماذا؟"

توقف أستر عن التفكير عند هذا الحد، ليس لأنه فقد فضوله، بل لأنه أدرك أن الإجابة أبعد من متناول يده في الوقت الحاضر. لم يكن يعرف عائلة العنقاء بعمق؛ كل ما يملكه من معلومات جاءه عبر أحاديث جانبية من "أنمي" في الأوقات الخاصة. أما الرواية الأصلية، فقد كانت تروى من وجهة نظر "ألبرت"، ولذلك بقيت بعض التفاصيل معتمة. ومع هذا، شعر أن الأهم الآن ليس الغرق في تساؤلات بلا طائل، بل الاستفادة القصوى من هذه الفرصة المبكرة.

انتصبت في ذهنه صورة "زيفر"، الشاب الذي استقبله قبل قليل. ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يسترجع ملامحه. لم يكن زيفر شخصية عابرة بلا معنى، بل شخصية جانبية وُصفت في الرواية بأنه يعرف كل صغيرة وكبيرة في أرجاء الأكاديمية،

كأن عينيه لا تفوتهما حركة ولا سر. رجل فضولي، دائم البحث والاستطلاع. قال أستر في نفسه: حاولت أن أبدو غامضاً أمامه... لعل ذلك يجذب اهتمامه بطريقة ما... لا أعلم إن كنت نجحت، لكن على الأقل تركت لديه انطباعاً مختلفاً.

نهض من مكانه وأخذ يتأمل أركان الغرفة بتأنٍّ. على الفور شعر أن الغرفة أفضل بكثير مما كان يتوقع. تمتم بابتسامة باهتة: "الحقيقة أن هذه الغرفة جيدة... بل إنها أفضل بكثير من غرف القصر في منزل المركيز."

كانت الغرفة فخمة، يهيمن عليها مزيج الألوان الأسود والذهبي. السرير في الوسط عريض، مغطى بأغطية مخملية داكنة يعلوها رمز العنقاء المطرز بخيوط ذهبية دقيقة تلمع تحت ضوء المصابيح السحرية. الجدران مصقولة بعناية، وقد زخرفت بخطوط متشابكة تعكس الفن الراقي والثراء. إلى جانب السرير،

تمتد طاولة طويلة لتناول الطعام، مصنوعة من خشب متين صُقل بعناية حتى بدا كأنه يلمع من تلقاء نفسه، وقد نُقشت على أطرافها تعاويذ صغيرة تبعث بريقاً خافتاً، مما دلّ على أنها مشبعة بالسحر. وفي زاوية أخرى من الغرفة انتصب مكتب دراسة أنيق، تعلوه رفوف تحمل مجموعة واسعة من الكتب، مرتبة بعناية، أغلفتها تتألق بألوان مختلفة كأنها تدعو القارئ إلى اكتشاف ما بين صفحاتها.

اقترب أستر من المكتب، ومرّر أصابعه على الكتب، وشعر بالحرارة السحرية الخفيفة المنبعثة منها. تمتم وهو يتفحص العناوين: "لابد أن تكون هذه الكتب الدراسية الخاصة بهذا العام... عليّ أن أتأكد من أنني فهمت كل شيء على الأقل. لا أريد أن أواجه مشكلات مع قوتي أو معرفتي حين تبدأ الدروس."

كان يعلم في قرارة نفسه أن وضعه لا يزال ضعيفاً، على الرغم من الأسابيع التي قضاها في التدريب منذ انتقاله إلى هذا العالم. نعم، أصبح قادراً على الإحساس بالقوة السحرية تتدفق في داخله، لكنها كانت قوة مبتدئة، هشّة أمام أولئك الذين تربّوا على استخدامها منذ الطفولة. هذا الإدراك بثّ فيه مزيجاً من الإصرار والقلق؛ إصرار على اللحاق بالركب، وقلق من أن يُفضَح ضعفه في أي لحظة.

جلس على الكرسي الجلدي أمام المكتب، وأسند ذقنه إلى يده. خطرت في ذهنه صورة إيميلي، تلك الفتاة التي رافقته عند وصوله. تذكر ابتسامتها الطيّعة حين وقفت أمام زيفر عند الباب، ونبرتها المطيعة حين خاطبته. ضحك ضحكة قصيرة، لكن ضحكته كانت ممزوجة بسخرية واضحة. قال في نفسه: "تلك الفتاة إيميلي... لابد أنها سعيدة الآن."

كان متأكداً من أنها شعرت بفرحٍ كبير وهي تسير خلف زيفر متجهة نحو غرفتها الخاصة. تخيلها في هذه اللحظة، تفتح الباب وتدخل بلهفة، ثم تبدأ فوراً في رسم خططها المستقبلية. كان يعرف طبيعتها الطموحة؛ ستسعى بلا شك إلى رفع قوتها، وستستغل كل فرصة يقدمها لها هذا المكان. أدرك أن الأكاديمية بالنسبة لها ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل ساحة معارك وفرص ذهبية للارتقاء.

رفع رأسه وحدّق في النافذة الكبيرة المطلة على جزء من الجزيرة. قال في نفسه بتأمل: هذه الأكاديمية ليست مكاناً عادياً. إنها جزيرة عائمة في السماء، بحجم مدينة عملاقة، تحتضن الجبال والأنهار، وحتى الأماكن المخصصة للتدريب... إنها ميدان مفتوح لكل طموح.

ومع ذلك، كان يعلم أن الطلاب لن يُسمح لهم باستخدام هذه المرافق في الحال. فالقوانين واضحة: لا يمكن الدخول إلى مناطق التدريب إلا بعد انطلاق السنة الدراسية رسمياً وبدء البرامج المقررة. كان عليه أن يصبر، وأن يستغل الأيام المتبقية للإعداد النفسي والعملي.

التفت نحو الباب، واستعاد تفاصيل لحظة دخوله. ارتسمت على وجهه ملامح توتر قديم، وقال في نفسه: "لقد كنت متوتراً بالفعل حين فتحت الباب... في القصة الأصلية، يُستخدم السحر في كل شيء تقريباً، حتى في أبسط التفاصيل. وكل شخص يمتلك طاقة سحرية خاصة به، تختلف من واحد إلى آخر."

أدرك حينها أن الأبواب نفسها متصلة بطاقة سحرية. حدّق بالباب لحظة أطول، وتمتم بصوت خافت: "هذه الأبواب لن تُفتح إلا باستخدام الطاقة السحرية... لو أنني لم أتعلم كيف أطلق طاقتي قبل شهر، لكنت الآن في ورطة كبيرة... كانوا سيكتشفون الحقيقة فوراً... تخيلوا! ابن المركيز غير قادر على فتح باب غرفته الخاصة!"

ارتجف جسده من وقع الفكرة. تصوّر الموقف في ذهنه: يقف عاجزاً أمام الباب، والأنظار تتسمر عليه، والفضيحة تنتشر كالنار في الهشيم. قال في نفسه بقلق شديد: لو حدث ذلك، لكان موتي محتماً... ليس موتاً عادياً، بل ميتة بشعة، أو ربما كان المركيز نفسه سيقبض عليّ ويقتلني، بحجة أنني شوّهت سمعة العائلة.

ابتلع ريقه وأغلق عينيه للحظة، ثم حرّك رأسه محاولاً طرد الصور القاتمة. أخذ نفساً عميقاً ليستعيد هدوءه، ثم قال لنفسه بنبرة أكثر تماسكاً:

"يجب أن أكون هادئاً... عليّ أن أحلل الأمور بدقة. لدي يومان فقط قبل أن يبدأ وصول المزيد من الطلاب، وخاصة النبلاء. وبما أننا في أكاديمية توتنهام، فهذا يعني أن "هيل هايم" أيضاً ستبدأ بجمع طلابها الخاصين."

أسند ظهره إلى المقعد، وأطلق نظرة طويلة نحو الكتب على الرفوف. في أعماقه، كان يعلم أن الوقت قصير، وأن عليه أن يستثمر كل لحظة من هذه الأيام القليلة. غداً ستبدأ الأبواب في الانفتاح لوجوه جديدة، وكل وجه يحمل خلفه قصة وطموحاً وقدرة. ولم يكن في وسعه أن يتأخر أو يتهاون، وإلا سقط من البداية قبل أن تبدأ المعركة الحقيقية.

2025/09/18 · 21 مشاهدة · 1134 كلمة
ONE FOR ME
نادي الروايات - 2025