شكرا لكم لانكم جعلتم هذه الروايه في المرتبه 12 وسوف تتالق بمساعدتكم

تعليق تهنئه سوف يكون رائع تهنئه بعضنا على هذا الانجاز ومعها صوره شخصيه المفضله

الفصل الثالث والعشرين: الدخول الى الصحراء ـــ الجزء الاول

لقد مضيتُ أنا وإليانور، خطوةً بعد خطوة، في مسارٍ ضيق يلفّه الغموض كما يلفّ الضبابُ وجهَ البحر في صباحٍ بارد. كانت خطواتي ثابتة في الظاهر، لكن في داخلي كانت الأفكار تتزاحم كما تتزاحم أمواجٌ في بحرٍ هائج. كنتُ متأكداً، بل على يقينٍ لا يداخله شكّ، أنّها تراقبني من الخلف، تزن كل حركة أقوم بها، وتفكّر في كل ما يخرج منّي، حتى صمتُ أنفاسي.

ومع ذلك، كنتُ أعلم أنّ التفكير المفرط في مراقبتها لا يجدي نفعاً؛ فكلّما فكّرتُ في صدّ نظراتها أو التصرف حيالها، ازددتُ التصاقاً بها، وكأنّ ما أفعله يجعلها أقرب أكثر فأكثر، بينما ما أحتاجه حقاً هو مسافة تحفظ لي صمتي وخططي الخفيّة.

إليانور… تلك الفتاة التي تحمل في طاقتها بُعداً يجاوز المألوف، قوة مقدسة متجذّرة في كيانها، ممتزجة بسحرها الخاص، لتمنحها تفوّقاً فريداً في عنصر الضوء المقدّس. نسبة اندماجها تصل إلى تسعين في المئة؛ رقمٌ لا يُستهان به، بل مستوى يقارب الأسطورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لقد قرأتُ عنها من قبل في الرواية، وأدركتُ أنّها ليست مجرّد شخصية عابرة في الحكاية، بل أحد أعمدة المستقبل، عمادٌ سيُغيّر الموازين في قادم الأيام.

تمتلك أقوى قوة دفاعية بين الشخصيات، إلى جانب قدرات علاجية لا نظير لها؛ وربما وجودها إلى جانبي في هذه اللحظة الحرجة هو نعمة، مهما حاولتُ أن أنكر ذلك أمام نفسي.

كنتُ أقول في داخلي: حتى وإن قرأتُ أحداث الرواية وحفظتُ مساراتها، فهذا لا يعني أنّني أملك القوّة الكافية لتغيير مجراها. المعرفة وحدها ليست سيفاً ولا درعاً، إنّها مجرّد خريطةٍ في يد من لا يملك القوّة لقطع الطريق. إنّها أشبه بامتلاكك للمخطط الكامل لمعركةٍ، ولكن بلا جنود ولا أسلحة، فلا يختلف وضعك عندئذٍ عن أي شخصٍ يسير نحو حتفه. وهذا بالضبط ما أشعر به في هذه اللحظة.

سِرنا داخل النفق الضيّق، والجدران الصخرية من حولنا تبثّ صمتاً خانقاً، كأنّها تحفظ في مسامها سرّاً لا يريد أن يُفشى. كان بصري يلاحق الضوء البعيد الذي يتسرّب من نهاية المسار، ضوءٌ خافت بدا لي وكأنّه يراقبنا أيضاً، يدعونا في الوقت نفسه ويُهدّدنا. بعد دقائق من السير الصامت، توقّفتُ فجأة.

وقفتُ في مكاني، أنصتُّ إلى تردّد أنفاسي، وإلى دقّات قلبي التي ارتفعت وتيرتها. رفعتُ عيني إلى ذلك الضوء في نهاية الطريق، ثمّ أخذتُ نفساً عميقاً، كمن يتهيّأ لمواجهة حقيقةٍ لا مفر منها.

قلتُ بصوتٍ هادئ، لكنّه مشبع بالجدّية:

"يبدو أنّ الامتحان التالي على وشك أن يبدأ. هذا الامتحان… ليس سوى اختبارٍ لقدرة الأشخاص على السير معاً في بيئةٍ مظلمة تعجّ بالفخاخ. الفخاخ ليست ظاهرة للعين المجرّدة، بل تكشفها الشقوق التي تتركها الطاقات السحرية على الجدران. غير أنّ رؤية هذه الشقوق تحتاج إلى مهارةٍ دقيقة، أو إلى حسٍّ سحريّ مرهف."

ثم أضفتُ، محدّثاً نفسي قبل أن أوجّه الكلام لها:

"بما أنّني لا أمتلك تلك المهارة العالية بعد، فكلّ ما يمكنني فعله هو إطلاق القليل من طاقتي السحرية في المجال، أختبر بها الشقوق قبل أن نخطو. إنّه حلّ بدائي، لكنه يفي بالغرض."

ابتسمتُ ابتسامة باهتة في داخلي، وأكملت:

"من حسن الحظ أنّني أملك على الأقل سيطرةً أوليّة على طاقتي السحرية. صحيح أنّني ما زلتُ في الدرجة الأولى، وصحيح أنّ تسعين في المئة من الموجودين هنا أقوى منّي بمراحل، لكنني أملك شيئاً يفتقدونه: المعرفة بما سيأتي. وهذا وحده يكفيني لأتحرّك خطوةً أبعد من غيري."

تقدّمتُ خطوة إلى الأمام، ثم أشرتُ بيدي نحو الباب الحجري في نهاية النفق:

"هذا هو باب الخروج من النفق الأخير. وما يعنيه ذلك… أنّنا على وشك مواجهة ما بعده."

إليانور رفعت رأسها نحوي، وصوتها خرج هادئاً لكن فيه مسحة قلق:

"هل هذا يعني أنّ الاختبار انتهى عند هذا الحد؟ أم أنّ هناك امتحاناً آخر ينتظرنا؟"

توقّفتُ قليلاً، ليس لأنني أجهل الإجابة، بل لأنني أردتُ أن أبدو وكأنني أفكّر بعمق. الحقيقة أنّني أعرف، لكن إظهار المعرفة في كل لحظة سيُثير الريبة. صمتُّ نصف دقيقة، وكأنني أوازن الأمور في ذهني، ثم قلتُ أخيراً:

"لا يهم إن كان هناك اختبارات أخرى أم لا. كلّ ما يهمّ هو أن ننجح. لذا… افعلي ما أطلبه منك فقط."

ربما بدا كلامي وقحاً، خاصّةً وهي التي ستصبح قدّيسة المستقبل وإحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية، لكنني لم أرغب أبداً في بناء علاقة صداقة معها. لا أصدقاء لي في هذه الحكاية. البشر مجرّد وسائل، والعلاقات الإنسانية لا معنى لها إلا بمقدار ما تخدم مصالح البقاء. إن أقمتُ صداقات، فسأُضطرّ عاجلاً أو آجلاً إلى كشف أوراقي. وأوراقي هي أثمن ما أملك، سرّ بقائي في عالمٍ لا يرحم.

أنهينا الحديث، وتابعنا السير. النفق بدأ يتّسع شيئاً فشيئاً، حتى بدا الضوء في نهايته أشدّ سطوعاً. دقائق قليلة أخرى، وخرجنا أخيراً من جوف الأرض الصخريّة. كان الهواء في الخارج مختلفاً؛ ثقيلاً، حارّاً، محمّلاً بذرات الرمل الدقيقة التي التصقت بوجوهنا وملابسنا منذ اللحظة الأولى.

أمّا إليانور، فقد رفعت يديها قليلاً لتحجب الضوء عن عينيها. عيناها الزرقاوان، اللتان تحيطهما أهدابٌ طويلة، انعكست فيهما صورة الشمس التي تحجبها الغيوم المتناثرة. لقد بدا المشهد أمامها كلوحةٍ أسطورية: صحراء ممتدّة بلا نهاية، كثبان رملية تترامى على مدّ البصر، وشمسٌ لاهبة تُلقي بحرارتها على كل ما يحيط بنا. تنفّست بعمق، وقالت بنبرةٍ جمعت بين الذهول والاستسلام:

"هل انتقلنا إلى صحراء… بعد كل ذلك؟"

لم يكن صوتها محبطاً تماماً، بل أقرب إلى نغمة من كان يتوقّع الأمر، لكنه مع ذلك تمنى أن لا يحدث. كان في داخلها بصيص أمل أن ينتهي الامتحان هنا، لكنّ الأمل تلاشى بمجرد أن رأت الرمال اللامتناهية.

أمّا أنا، فلم أُبدِ أيّ مفاجأة. كنتُ قد توقّعت ذلك منذ البداية، توقّعت أنّ الخروج من النفق لن يكون سوى بداية مرحلة أشدّ قسوة. انحنيتُ قليلاً، التقطتُ حفنة من الرمل، وتركتها تنساب من بين أصابعي، ثم أخذت نفساً عميقاً.

قلتُ في داخلي:

"هذه الرمال ليست عادية. الطاقات السحرية الكامنة فيها ليست أقلّ من تلك التي خرجت من بوابة ذئاب الظلّ. يبدو أنّ هذه المحاكاة تزداد واقعيةً شيئاً فشيئاً، كأنّنا لا ندخل امتحاناً فحسب، بل عالماً آخر يتداخل مع عالمنا."

بالطبع، أبقيتُ هذا التفكير لنفسي. لكنّ ملامحي وربما نبرات صوتي أوحت لإليانور بما يدور في رأسي. رفعت رأسها، تنفّست ببطء، وكأنّها تفكّر في ما قلته. لم تكن فتاة عادية؛ فهي متعلّمة في الكنيسة، وفهمها للسحر عميق. لذلك، لم تحتج إلى وقت طويل لتدرك الحقيقة.

قالت:

"إذاً… هذه محاكاة. هذا أفضل بالفعل من أن ينقلونا حقيقةً إلى أماكن مليئة بالوحوش. ربما معظم الطلاب الآخرين سيكونون في حالٍ أفضل بعد أن يعرفوا ذلك."

ابتسمتُ في داخلي ابتسامةً ساخرة. أردت أن أقول لها: "هل تفكّرين بالآخرين الآن؟" لكنني تذكّرت أنّها هي نفسها التي ستصبح قدّيسة المستقبل، امرأة اعتادت أن تقرأ الناس وتوجّههم وترشدهم. من الطبيعي أن يكون تفكيرها جماعياً لا فردياً.

لذا لم أقل شيئاً، واكتفيت بابتسامةٍ باهتة في داخلي، بينما وجهي في الخارج ظلّ جامداً، ملامحه خالية من المشاعر، عيوني زرقاء باردة، وبشرتي بيضاء تشعّ تحت أشعة الشمس، شعري الأشقر يلمع قليلاً، وملابسي الحمراء المزيّنة بالزخارف الذهبية تلمع فوقها راية العنقاء، شعار الأكاديمية.

وفي مكانٍ آخر، على مقربة منّا، كان هناك طالبان آخران يخرجان من النفق. ألبرت ونيفر. وصلا إلى البوابة التي تقود إلى هذا العالم الخارجي نفسه.

قال نيفر وهو يتنهّد:

"أخيراً… انتهينا من هذه الكهوف. لقد كنّا نسير وقتاً طويلاً، على الأقل نصف ساعة، حتى وصلنا هنا."

أجابه ألبرت وهو يتقدّم بخطواتٍ واسعة:

"نعم، لكن يبدو أننا خرجنا إلى صحراء."

وقف الاثنان أمام امتداد الرمال الذهبية. نظر ألبرت إلى الجبال الرملية التي لا تنتهي، ثم رفع رأسه إلى الشمس الحارقة، فتجهّمت ملامحه. قال نيفر بنبرةٍ متأمّلة:

"هذه المحاكمة متقدّمة جداً. يبدو أنّ أكاديمية توتنهام تريد اختبارنا ضمن أنظمة بيئية متعددة، أماكن مختلفة متتابعة. الامتحان لن ينتهي خلال الساعات الثلاث التي أخبرونا بها."

ارتبك ألبرت، وقال:

"لكن… لماذا فقط ثلاث ساعات؟ لقد مرّت أكثر من ساعة حتى الآن. أليس هذا وقتاً قليلاً لمثل هذه الأكاديمية العريقة؟"

كان ألبرت من عامة الناس، لذا لم يفهم تماماً. التفت إلى نيفر، ابن الدوق، ليطلب توضيحاً. صمت نيفر قليلاً، ثم وضع يده ليحجب ضوء الشمس عن عينيه، وقال:

"إنهم لا يحتاجون إلى وقت طويل لفحصنا. معظمنا هنا من النبلاء، ومعنا قلة من العامة الذين تمّ اختيارهم بعناية. مستوياتنا متقاربة، وهم يريدون فقط قياس طريقة تفكيرنا، لا قوتنا وحدها."

ثم تابع:

"هذه المحاكاة قد تبدو لك واقعية، لكنها في الحقيقة أكثر أماناً مما تظن. لو أنّهم أرسلونا حقاً إلى بوابات مليئة بالوحوش، باستخدام دوائر الانتقال التي تستهلك قدراً هائلاً من الطاقة السحرية والموارد، لكان الأمر أصعب بكثير. تخيّل أن تستيقظ في عالم مليء بالوحوش، وتُضطر للبقاء هناك أياماً عدة. معظم الناس لن ينجوا، خصوصاً من لم يختبر البوابات من قبل."

سأل ألبرت، وفي صوته شيء من الحيرة:

"لكن أليس النبلاء أقوياء؟ ألا يجب أن يكونوا قادرين على النجاة، على الأقل مثل قوتك؟"

حينها، انفجر نيفر ضاحكاً، كأنّه سمع طرفةً غريبة. ضحك لدقيقة كاملة، ثم مسح دموع الضحك من عينيه، وقال:

"أنا؟ هل تقارن الآخرين بي؟ أنت حقاً مضحك يا ألبرت. أنا ابن الدوق، واحد من أقوى المواهب في القارة كلها. منذ ولادتي، غُمرتُ بالمعرفة من مكتباتٍ لا تنتهي، ودُرّبت على أيدي أفضل المعلّمين. هل تظن أنّ كل النبلاء وُلدوا بهذه الامتيازات لمجرّد أنهم نبلاء؟ بالطبع لا."

ثم أشار إلى الشعار القمري على صدره، وقال بنبرةٍ تحمل شيئاً من الاعتزاز الواقعي:

"أنا من عائلة مون لايت، أقرب ما يكون إلى العائلة الإمبراطورية نفسها. بالنسبة إليكم، حتى لبقية النبلاء هنا، أنا أبعد بكثير. أنا نبيلٌ كامل."

لم يقل ذلك بغطرسة، بل كأنّه يصف واقعاً واضحاً. ألبرت صمت، لم يعجبه الشعور بأنّه أدنى، لكنّه لم يجادل.

غير أنّ صوتاً غريباً تردّد في أعماق نفسه. لم يكن صوته الخاص، بل صوتٌ ينبعث من فراغٍ داخلي، كأنّه يتحدّث من أعماق روحه:

"هذا مضحك. العائلات التي علّمتها بنفسي استخدام السحر قبل ألف عام، أصبحت تظن أنّها تملك نبالةً فوق الجميع. يا لها من مجموعة حمقاء. أمّا هذا الفتى… رغم غطرسته، فإنّ تفكيره يثير إعجابي."

ضحك الصوت في داخل ألبرت، لكن ألبرت اكتفى بالنظر إلى الصحراء، متجنّباً النقاش.

أما نيفر، فقد صمت هو الآخر، وكأنّه أنهى الحديث. تقدّم الاثنان معاً نحو الرمال، والشمس اللاهبة تراقبهما من السماء، تلقي بظلالٍ طويلة على خطواتهما، فيما كانت الرمال تمتدّ إلى ما لا نهاية…

2025/09/23 · 21 مشاهدة · 1583 كلمة
ONE FOR ME
نادي الروايات - 2025