السلاح لم استطع تصويره لكن هذه شخصيه سيليفيا دي ولف

اتمنى ان تكون شخصيه جيده وانت تابع بشكل جيد يا صديقي لا تقلق سوف يكون هناك متابعه للقتال اتمنى ان تخبرني رايك في خانه التعليقات

بالاضافه لا تنسى اضافه القصه الى المفضله لضمان الحصول على التحديثات

الفصل الخامس والعشرون: يبدو ان المعارك قد بدات ـــ الجزء الاول

إيميلي خرجت إلى الغابة كأنما خرجت إلى معركةٍ منذُ زمنٍ مضى استعدّت لها الروح والبدن، وقد رتّبت أفكارها ورتّبت صدرها كما يُرتّب المقاتلُ سلاحه قبل أن يدنو من مصيره. لم يكن طموحها مجرد رغبةٍ عابرة في أن تكون من بين الأوائل،

بل كان هاجساً يثقل صدرها؛ رغبةٌ مُلحةٌ تتجاوز أي مدحٍ أو مديحٍ، رغبةٌ لتعلّق اسمها ببابٍ واحدٍ صغيرٍ يفضي إلى الأكاديمية: أكاديمية توتنهام، تلك البوابة التي حملت في أحشائها مستقبل العائلة كله، ومُنحت لها فرصةٌ أحاديةٌ لاسترداد شرفٍ نُزِع منهم، شرفٌ بات يزن على قلبها كصخرةٍ في جوف البحر. كل نفسٍ كانت تأخذه في صدرها يوجد به قرع قلبٍ متآمرٍ على أن يجعلها تجتاز الامتحان، وكل بُقعة عرقٍ في يديها كانت شاهدةً على قرارٍ اتخذته أن تفعل أيَّ شيءٍ كي تدخل.

كانت الغابة تحيط بها كما تحيط الأسرار بالماضي؛ الأشجار عاليةٌ، وأوراقها تتلاحق في سكونٍ يفضي إلى صوتٍ خافتٍ كهمس القشور على الماء. الضوء يخترق الشقوق بين الأغصان، ينسكب على الأرض كأنما أحدهم قد سكّ أخيراً ضوءاً صغيراً في فناءٍ مظلم. إيميلي كانت واقفةً في هذا الفضاء، وقد نجحت بالفعل في الامتحان الأول والثاني،

وتخطّت حتى الامتحان الثالث، ذلك الامتحان الذي اتخذ شكلَ متاهةٍ من الكهوف؛ متاهةٍ أرهقت كل الحواس، ومكّنتها من قياس مدى احتفاظها بوعيها وسط الظلال. الآن، أمامَها كانت تلوح فتاةٌ تنتمي إلى النبلاء، ويمكن للوجدان أن يميزها من النظرة الأولى: ليست مسألة وجهٍ جميل فقط، بل طريقة لباسٍ ووقفةٍ وتأنٍ في الحركة.

ملابسها لم تكن كسائر رداءات الطلاب العامة؛ كانت منقوشةً بخيوطٍ ذهبيةٍ على خلفية حمراء، خطوطٌ تلامس العين وتخبرها بلغةٍ صامتةٍ أن مرتديها قد ولدت له المزايا وبُني عليها حُكم العائلة. وعلى صدر رداء تلك الفتاة نقشٌ لذئبٍ يلتفت إلى السماء، ذئبٌ تُرى فيه عزيمةُ الصيادين والغُلبُ على الناقمين؛ كانت هذه الفتاة تدعى «سيليفيا دي وولف»، اسمٌ تفوح منه رائحة الأنساب بالاضافه الى كونها من عائله مركيز

وقفت إيميلي أمامها — وقفت ليست فقط بجسَدٍ ممتلئٍ وحسب، بل وقفت بثقافةٍ من الزمن وصبرٍ كان قد تراكم خلف العيون — وسيفها مرفوعٌ بينها وبينها. التقيا الأنظار، وابتسامةٌ خفيفةٌ تسلَّلت إلى ثغر سيليفيا، كأنما كانت تبارك المواجهة قبل أن تبدأ. قالت سيليفيا بصوتٍ يحمل نبرةَ تحدٍ هادئ: «ستكون بداية قتالٍ معك. اسمي سيليفيا، ما اسمك؟» كانت تحمل سيفاً قصيراً، لكنه حادٌّ، والنصل يلمع حين تسلّط عليه ضوءٌ خافت؛ شعرها رماديٌّ، وعيونها رماديةٌ كذلك،

كأنما خلقت من رمادٍ قديمٍ يحمل ذكرياتِ بريقٍ سرديّ. لم تشعر إيميلي بتوترٍ يُذكر؛ لم تهتز يدها، بل رفعت سيفها أيضاً، وشفرته كانت بلون أزرقٍ باهرٍ كأنما السماء قد تلبّست بها. في صمتٍ قصيرٍ جداً قالت كلماتها، ثم رفعت سيفها في لحظةٍ تلتها ثانية، وانطلقت سيليفيا تقدّمها كنسمةٍ حادةٍ في صمت الغابة.

الاصطدام الأول بين النصلين لم يكن عاديًّا؛ كانت هناك دوائرٌ صغيرةٌ من طاقةٍ تدور حول نصل سيليفيا، فتتلألأ وتصدر زمجرةً خفيةً تشبه صدى الحديد حين يُطرق عليه بعصا؛ هذه الدوائر لم تكن سوى مؤشرٍ على أن النبلاء يملكون فناً في التحكم بالطاقة. اصطدم السيفان ثانيةً ثم ثالثةً، لكن إيميلي لم تتراجع أمام قوة الصدمة، وهو ما أدهش سيليفيا فعلاً. تنهدت الأخيرة وأطلقت عبارةً نصفها مهللٌ نصفها اعتراف: «هذا مثير للاهتمام. أنت بالتأكيد عامّة قوية.» إيميلي لم تكترث للحديث؛ لم تُسمع كلماتٌ منها في تلك اللحظة، لكنها ركّزت كل قوَّتها على نصل سيفها، فانبثقت منه موجةٌ من الصدمة، موجةٌ جعلت سيليفيا تتراجع عدّة خطوات، كما لو أن الأرض نفسها قد رفضت حملها قرب هذا الهجوم.

اتسعت ابتسامة سيليفيا، لكن لم تكن ابتسامة ألمٍ، بل سرورٌ مكتوم. قالت في همةٍ تكاد تُسمع: «يبدو أنني محظوظة، وعلى غير انتظار. كنت أظنُّ أنك مجرد شخصٍ ضعيف.» تلك العبارة حملت ضحكةً عابرةً، لكنها لم تُنكِر التقدير؛ أدركت أن أمامها خصماً ليس عادياً. ردَّت إيميلي بجملةٍ مقصودةٍ لا أكثر: «يبدو أنك من الدرجة الثانية. لا يمكنك التحكم بهذه الطاقة إن لم تكوني في ذلك المستوى، أليس كذلك؟» كانت تلك العبارة طعنةً غير مباشرة في كبرياء النبلاء، لكنها لم تُرِد أن تبدو أكثر من ذلك؛ كانت تخبئ كامناً بداخلها، رغبةً صادقةً في عدم إظهار كل أوراقها في هذه المعركة الباكرة. كانت تلعق طرف لسانها داخلياً، تلك الحركة الصغيرة تُخبر كثيراً عن توترٍ كامنٍ وضغطٍ داخلي لا يريد الإفصاح.

لم تكن إيميلي تودُّ أن تُخرج من الامتحان سريعاً؛ لم يمض على بدايته سوى عشر دقائقٍ، والانسحاب الآن ــ مهما كانت أسبابه ــ سيكون وصمةَ خيبةٍ على صدرها، شيئاً من العار الذي لا تحتمله. كانت تعلم أن بناء سلطتها داخل الأكاديمية يحتاج إلى زمنٍ طويلٍ، وإلى عملٍ مُتأني، وأنه لا بُدَّ أن ترتقي تدريجياً، فقد كان مستوى قوتها الآن من الدرجة الثانية — درجةٌ متوسطة — لكنها واثقةٌ من أن خصمها أيضاً على نفس المستوى في أحسن الأحوال. كان هذا يعني أن القتال سيكون مُجهِداً وقد يفرض عليها أن تبذل أكثر مما كانت تخطط.

استمرّت سيليفيا في الهجوم، حركت سيفها بسرعةٍ كبدرٍ يهجم على ليلٍ صافٍ، لكن في اللحظة اللاحقة، ظهرت شراراتٌ من الضوء خلف النصل، كأنما هناك كهرباءٌ خفيفةٌ تشحذ حافة الفضاء. إيميلي راقبت الحركات كما يراقب الصياد أثرَ فريسةٍ صغيرة، ففكرت بصوتٍ داخلي: «سحر ضوء أم سحر برق؟ لا، هناك شيءٌ مختلف — كأنَّها تتحرك مع ذبذباتٍ.» لم تملك الوقت لتبلور الفكرة؛ إذ انطلق من سيفِ سيليفيا طلقةٌ صوتيةٌ لا تُرى بالعين، مجرد امتدادٍ رفيعٍ من الوهج والصدى، فتدحرجت إيميلي في الهواء، قفزت عشرَ أمتارٍ إلى الخلف بقوةٍ تقطع أنفاس الناظر، والضربة التي ضربت الأرض الصخرية أحدثت تشوهاً في القشرة كما لو أن زلزالاً قصيراً قد مرّ في موضع صغير.

أخذت إيميلي نفساً باردًا وهي تحدق في الشقوق التي تكشَّفت تحت أقدامهما، وفي اللحظة نفسها تأملّت الفتاة النبيلة بابتسامةٍ رقيقةٍ، ثم سمعت كلماتها تخرج أحاديةً: «أنت مذهلة حقاً، استطعت صدّ هجومٍ صوتي لا يرى بالعين المجردة.»

كانت تكلم نفسها هامسةً وهي تحرك سيفها بيدها: «أظنكِ استخدمت استشعار الطاقة السحرية لتفعلي ذلك... يبدو أن معلمي كان على حق؛ ما زلت مبتدئة في استخدام هذا السحر.» لم تُبدِ إيميلي تعليقاً، اكتفت برفع سيفها مرةً أخرى، لكن هذه المرة ارتفقت به تياراتٌ من الماء تتلوى حول طرفه، تياراتٌ تجعله يبدو كما لو أن شفرة الزمرد تحمل في أحشائها نهرَ واحدٍ، وقطرات الماء تتتابع حول السيف كأنها لآلئٌ صغيرةٌ تُنظم سرباً رشيقاً.

لم يغب عن نظرِ سيليفيا هذا العرض؛ بابتسامةٍ متلألئةٍ لاحظت هذه الحركة وتيقنت أن ما أمامها ليس مجرد فتاةٍ من العامة، بل فتاةٌ تمتلك مستوى متقدمًا داخل الدرجة الثانية: متوسطةٌ وعاليةٌ. وفي خضم تأملها، تذكَّرت إيميلي ما تعنيه الدرجات، فارتسم في ذهنها توضيحٌ داخلي: الدرجة الأولى تمنح المتعلم القدرة على التحكّم بالطاقة السحرية وكسب الاستشعار،

أما الدرجة الثانية فتمكّنك من التلاعب بالطاقة لتوليد عنصرٍ تتقاربين معه؛ وفي المستوى المتوسط والعالي من الدرجة الثانية تستطيعين دمجه مع السلاح، بينما الفرق بين المتوسط والعالي أنَّ المتوسط يتيح الاستحضار والتعزيز فقط، أما المستوى العالي فيمكنه أداء تعويذةٍ مركَّزةٍ أو استخدام أسلوبٍ أو مهارةٍ خاصةٍ من خلال التدريب.

كانت هذه المعرفة تعمل في عقل إيميلي كأداةٍ تقرأ بها تحركات النبلاء وتستشرف بها نواياهم.

قررت إيميلي أن تُبادر بالهجوم، فانطلقت بسرعةٍ قطعت بها عشرة أمتارٍ، وصلت إلى سيليفيا، ووقع تصادمٌ جديد بين النصلين؛ موجةٌ من الصدمات تلتها، وصار واضحًا لكلتاهما أنَّه لا استعمال لتعزيزٍ سطحيٍّ في تلك الضربات — كانا يتبادلان ضرباتٍ خامٍ،

تضربها خبرةُ السيف وقوةُ العزم. تصادم النصلان عشرات المرات خلال أقل من خمس ثوانٍ، والحركتان تتجلّان بمثابة رقصةٍ عنيفةٍ تتبعها صدورٌ تُسارع ونبضاتٌ تتصلب. الماء الذي في سيف إيميلي حاول أن يغرق شفرَةَ سيلفيا، وكانت الأخيرة تبتسم وهي تشاهد، ثم أطلقت طاقتها السحرية فتسبب ذلك في ارتداد إيميلي إلى الوراء. نظرت سيليفيا إلى سيفها وهي تقول بهدوءٍ بارز: «يبدو أنك لاحظتِ أيضاً الدوائر الموجودة في نصلي. تحاولين إيقافها كي لا أستطيع استخدام السحر، أليس كذلك؟» تلك الدوائر حول أصل سيفها لم تكن زخرفةً فحسب، بل كانت آلياتٍ سحريةً تستعمل سحر الصوت بفعالية، ترسل موجاتٍ صادمةً أو زلزاليةً بحسب الحاجة؛ هذا كان أسلوبها، سحر الصوت والصدمة.

إيميلي، من جهتِها، كانت تحاول إرسال موجاتٍ من الماء حول النصل لتعيق فتحات الدوائر، فتقطع قدرة سيلفيا على إطلاق سحرها بكفاءة. ردّت سيليفيا ببرودٍ مباشر، أشرّت إلى سيفها، وفي لحظةٍ لاحقة غلف السحرُ السيفَ كله بجسدٍ فضّيٍ لامعٍ، وأخذت الشفرة تهتز في قبضتها كمن يمسك بذيل عاصفةٍ صغيرة.

رفعت سيفها باتجاه إيميلي وهي تبتسم بابتسامةٍ مختلطةٍ بين الإعجاب والتحدي: «أنت بالتأكيد جيدة، لكن عليك أن تعلمي أني أيضاً من المستوى المتوسط. أعترف أنك قوية جداً بالنسبة لفتاةٍ من العامة، لكنني سوف أنهي هذا الأمر، عليَّ الحصول على الشارة الخاصةِ بك.» كانت تلك العبارة مصحوبةً بثقلٍ واضحٍ في النبرة: الشارة ليست مجرد قطعةٍ تُرى، بل رمزٌ لموقعٍ ولماحبةٍ ولحياةٍ مغايرةٍ عن حياة الخدم.

أخذت إيميلي تنهض في صدرها موجةٌ من مشاعر متضاربة؛ ذكَرَت فجأةً كم كانت تشعر بالإجبار على الخدمة، وكم اضطرت إلى أن تخضع لمهامٍ لا تُحصَى لكي تقترب من بوابة الأكاديمية. لم يكن في قلبها كرهٌ لفتاةٍ أمامها، بل كان غيضٌ أعمق من الغيرة — غيرةٌ ممزوجةٌ بحزنٍ لأن الحظَّ قد الابتسم لها بينما ترتبك هي بالمهام. شعرت برجفةٍ داخليةٍ، رغبةٌ ملتهبةٌ أن تحطم تلك الحافة اللامعة،

ليس لتهشيم وجهٍ بشريٍّ، بل لكسرِ الفاصل الذي يجعل من الغضب الذي لا يلين. قالت في شدّةٍ كأنما تفجرت منها شرارةٌ دفينة: «سأجعلك تندمين على اختيارك مقاتلتي.» ردت سيلفيا بابتسامةٍ أوسع: «هذه أول مرة تتكلمين. أعجبتني كلماتك.» وكانت تلك المقابلة بين الجملتين بمثابة ختمٍ على بدايةِ قتالٍ قد يحمل في طياته أكثر من مجرد مهارة، بل يحمل بها خواءً من الماضي وأملاً مسترجعاً للمستقبل.

إنها لحظة تلتقي فيها النفوس على إيقاع السيوف، حيثُ لا تنطق الألسن كثيراً لأنما الخَوْف والأمل والذكريات تقول بداخل الأجساد ما لا يَطيق اللسان. إيميلي تقف هناك، لا تملك إلا سيفها، ولكنها تملك كذلك إرادةً حميمةً وماضياً يلاحقها ويشدُّها نحو شرفٍ استُلب منها. سيليفيا تقف أيضاً،

بسيفٍ قصيرٍ وابتسامةٍ تلوّن وجهها، لكنها لم تكن تعلم بعد كم سيكلفها هذا اللقاء من إدراكٍ لقيمة المقارنة بين القدر والعمل. وهكذا، في ظل أحضان الغابة التي سمعت رنين السيوف واحتضنت أثر الخطوات، بدأ امتحانٌ ليس مجرد اختبارٍ للمهارة، بل امتحانٌ للقلب والكرامة والعزيمة.

***

فوق أحد الأشجار الشاهقة التي تمتد جذوعها في أعماق الغابة كأنها أعمدة تحمل السماء، كان شاب يجلس في صمتٍ أشبه بصمت المفترس وهو يرقب من علٍ ساحةً غريبة يتقاطع فيها صوت الحديد بالحديد. كانت عيناه البنيتان تلمعان بلونٍ دافئ يوحي بالهدوء، لكن خلف ذلك الهدوء كانت تتأجج نيران الفضول والرغبة في المعرفة. رفع بصره قليلًا،

ثم أمال رأسه كأنما يستمتع بمشهد مسرحي نادر، وفي لحظةٍ انفرجت شفتاه بابتسامة هادئة وقال لنفسه، بصوت يكاد يذوب مع حفيف الأوراق:

«ما أروع هذا المشهد... أليست تلك الفتاة النبيلة ابنة عائلة المركيز دي وولف؟ أما الأخرى... فلا أعلم من تكون.»

كان الشاب هو كريستوفر ستار لايت، الابن الثالث الدوق ستار لايت، أحد الأسماء المدوِّية في فضاء النبلاء. لم يكن حضوره هنا حضور صدفة؛ بل حضور اختاره بوعي. فقد فضّل أن يبقى على هامش المواجهات المباشرة، مراقبًا، متريّثًا، جامعًا الشارات التي يحتاجها بعقلٍ بارد لا ينجرف وراء انفعال القتال. لم يكن الجبنُ هو ما يمنعه من التدخل، بل حساباتٌ دقيقةٌ يزن بها كل خطوة، إذ كان يعرف أن اللحظة المناسبة للظهور أهم من السيف نفسه.

لكن حتى العقول الباردة لا تحتمل الرتابة، ولهذا كان كريستوفر يترك لنفسه متعة المشاهدة من بعيد، يراقب المواجهات كما يراقب الرسام ضربات الفرشاة على اللوحة. وهنا، بين الأغصان العالية، استوقفه بريق السيوف في ساحةٍ تتشابك فيها فتاتان، إحداهما ذات شعرٍ رمادي وعيونٍ بلون الغيم، والأخرى ذات شعرٍ أزرق يذكّر بزرقة البحار حين تعانقها الشمس.

تعرّف على صاحبة الشعر الرمادي فورًا؛ لقد رآها في لقاءاتٍ نبيلة كانت عائلته تنظّمها، ولم يتحدث معها إلا قليلًا، لكنه سمع كثيرًا عن قوتها وموهبتها في السحر والقتال. وما أثار دهشته حقًا أن تلك الفتاة الأخرى، الغريبة عن معرفته، والتي ترتدي ملابس العامة، كانت قادرة على الصمود أمامها بل وتبادل الضربات معها بندّيةٍ لا يُستهان بها.

مال بجذعه قليلًا للأمام، وابتسم ابتسامةً خافتة، وهمس كأنه يحادث نفسه:

«يبدو أن الأقوياء يتكاثرون هنا... لا ينبغي لأحد أن يستخف بأحد.»

كان شعره الأشقر يلمع بين خيوطه بقايا أطرافٍ حمراء تعكس لونًا فريدًا، وعيناه البنيتان تلتقطان أدق التفاصيل في القتال. لم يكن يراقب بعين متفرجة وحسب، بل بعين محللة تستقصي كل حركة، كل نبضة، كل انفعالٍ داخليّ يلوح على محيّا المتقاتلين.

لكن المفاجأة لم تكن في ساحة الفتاتين فقط؛ ففي اللحظة التالية، هزّت الغابة موجةٌ غريبة، كأن الأرض نفسها تنبّهت إلى وجود خطرٍ آخر. شعر كريستوفر بذبذبةٍ طفيفةٍ في الهواء، فحدّق من مكانه، وقبل أن يلتقط أنفاسه كان هجومٌ مباغتٌ يخترق السكون ويضرب في اتجاهه. تدارك الأمر بخفةٍ مذهلة، قفز من على الشجرة، واستقر على الأرض بثباتٍ يوحي بتدرّبٍ طويل.

وقف بثقةٍ يواجه مصدر الهجوم، وقال بصوتٍ متزنٍ رغم نبرة التحذير فيه:

«من الأدب أن تطلب النزال قبل أن تهاجم. أم أن بيننا مشكلة لم أعلم بها؟»

وفي أثناء كلامه رفع سيفه الطويل؛ كان سيفًا مهيبًا ذا نصلٍ برتقاليّ يشعّ بطاقةٍ سحريةٍ متوهجة، حتى بدا وكأن النار تسكن في أعماقه وتتنفّس من خلاله.

ومن بين ظلال الأشجار الكثيفة، ظهر شاب آخر. ملامحه غامضة، شعره أسود ينحدر بخصلٍ ثقيلة تغطي بعض الجبين، عيناه أرجوانيتان تشعان ببرودةٍ غريبةٍ تُخفي خلفها شيئًا لا يُفصح عنه. كان يرتدي زيّ العامة الخاص بالأكاديمية: ملابس حمراء بخطوطٍ سوداء، لا توحي بمكانةٍ رفيعة، لكن حضورَه كان أثقل من أي زيّ نبيل. بسبب انها ملابس اكاديميه توتنهام

ابتسم الشاب ابتسامةً مؤدبة، وفي يده خناجر صغيرة سوداء تشعُّ بوميضٍ أرجواني قاتم، وقال بهدوءٍ غريب: «ليس الأمر كما تظن. لم أهاجمك بدافع عداوة، بل رغبت فقط في أن أخوض قتالًا... بما أنني لم أكن منشغلًا. كما تعلم، لا شيء يوقظ الروح مثل مبارزةٍ صادقة.»

رفع كريستوفر حاجبه قليلًا، وعلّق بصوتٍ محمّل بقراءةٍ دقيقة:

«أسلوبك... أسلوب قاتل. هجماتك سريعة، مباغتة، تعتمد على المفاجأة.»

لكن الشاب الأسود الشعر ابتسم من جديد، وأشار بخناجره وكأنه يتسلّى:

«ليس تمامًا. لكنني أعترف أنني أحب الهجوم المباغت؛ إنه يجعلني أشعر بالتحسن. خصوصًا حين يكون خصمي قويًا... لا شيء يبهجني أكثر من رؤية الذعر في عينيه.»

ضحك كريستوفر ضحكةً خافتةً لا تحمل توترًا بل شيئًا آخر؛ شعورًا غريبًا بالمتعة واليقظة. قال لنفسه هامسًا وهو يتأمل:

«كما توقعت... عليّ أن أكون حذرًا من العامة. يبدو أن سيليفيا ليست وحدها من لديها فتاه قوية تقاتلها في هذا المكان.»

بينما كان صوته الداخلي يعكس يقظةً حقيقية، كان خصمه ـ الذي يُدعى ديكلين ـ يراقب الوضع بعقليةٍ مختلفة. في داخله كان يعترف بدهشةٍ صامتة: «أي سرعةٍ جنونية هذه؟ لقد أخفيتُ طاقتي السحرية تمامًا، وتأكدت أن ضربتي ستصيب شارته وتقطعه. ومع ذلك... تفادى هجومي وكأنه رآه قبل أن يقع.»

كان ديكلين محترفًا في أسلوبٍ قاتم: أسلوب الاغتيال. خناجره السوداء ليست مجرد أدوات قتال؛ بل امتداد لظلاله، ضربةٌ واحدةٌ منها تكفي لإنهاء حياة. لكن قوانين الأكاديمية تحظر القتل، فاضطر إلى أن يستبدل القتل بمحاولة انتزاع الشارات. هدفه كان واضحًا: شارة النبيل كريستوفر.

ارتسمت ابتسامةٌ باهتةٌ على شفتيه وهو يرى ثبات خصمه. في داخله كان يفكر:

«يا له من وحش... أي نوع من التحكم بالظلال يمتلك؟ لقد ظهر أمامي في لحظةٍ واحدة كأنه خرج من رحم الضوء ذاته.»

أما كريستوفر، فقد كان يعيد حساباته بدقة. لم يلتفت كثيرًا إلى الشارة التي تحمل شعار عائلته؛ بل إلى تفاصيل الهجوم. كان يقول في سرّه:

«من حسن حظي أنني استخدمتُ سحر التسارع في اللحظة الأخيرة... وإلا لكنت انتهيت حقًا.»

تبادل الاثنان النظرات في سكونٍ ثقيل، الأشجار من حولهما تصطف كجمهورٍ خفيّ، والظلال تتحرك بتلاعب ديكلين كما لو أنها أذرعٌ ممتدةٌ له، بينما كريستوفر يمسك سيفه البرتقالي في وضعيةٍ حادة، عيناه مثبتتان على حركة الخناجر والظلال معًا. كان يعرف أن خصمه لا يهاجم وحده، بل يبدّل مواقعه عبر الظلال، وكأن الغابة كلها ساحةٌ تتحرك تحت أمره.

وفجأة... دوى صوت «بوم» عميق في الفضاء. كان اندفاع كريستوفر السريع، وقد استعمل سحر التسارع بكامل قوته. قطع المسافة بينه وبين ديكلين في ومضة، وصاح بصوتٍ يحمل نبرة التحدي:

«دعني أرى ما لديك... يا صاحب الخناجر السود.»

اخترق سيفه البرتقالي الهواء بانفجارٍ من الضوء الناري، واتجه مباشرة نحو جسد ديكلين. للحظةٍ خُيّل أنه أصاب هدفه بالفعل؛ فقد اخترق النصل الجسد أمامه، لكنه سرعان ما تلاشى إلى كتلةٍ من الظلال السوداء التي تبعثرت وتلاشت في الخلف.

استعاد ديكلين شكله خلفه بسرعةٍ هائلة، واندفع ليهاجم بخنجرٍ أسود في زاويةٍ حادة. كانت ضربته فائقة السرعة، خفية كأنها تنهيدة ريحٍ في ليلٍ ساكن.

لكن قبل أن يلمس خنجره هدفه، اندفعت من جسد كريستوفر قوةٌ سحريةٌ هائلة. انبثقت هالةٌ برتقالية وبيضاء تحيط به، موجةٌ من اللهيب المضيء جعلت الهواء نفسه يشتعل. اضطر ديكلين للتراجع بخفة، قفز بعيدًا عن المدى، وهو يتأمل هذه القوة التي تفجّرت فجأة.

الهالة البرتقالية اندمجت مع أصل سيف كريستوفر، الذي ابتسم ابتسامةً واثقةً، وقد تحولت عيناه البنيتان إلى ذهبيةٍ لامعة.

نظر ديكلين ببرودٍ مدهوش وقال:

«اللعنة... هذه طاقةٌ سحرية من المستوى الثاني العالي، أليس كذلك؟ وهذه... لهبٌ برتقالي، تحكمٌ عالٍ بالنار والحرارة.»

أجاب كريستوفر دون إخفاء:

«نعم. وما المشكلة؟ هل ستفرّ الآن؟»

لكن ديكلين رفع خناجره بثبات، وازدرت نبرته حين قال: «ولماذا أفرّ؟ أمامي فرصة لشارةٍ ثمينة، ومعركةٍ جيدة. لن أهرب.»

2025/09/24 · 34 مشاهدة · 2691 كلمة
ONE FOR ME
نادي الروايات - 2025