الفصل السادس: ايميلي ـــ الوسيله والامل

لقد تغيّر.

تلك كانت أول خاطرة ارتسمت في ذهني، وارتجّت في أعماق نفسي كجرس غامض يقرع في صمت، وأنا أرقب الشاب الجالس أمامي، منصرفًا عن العالم بأسره، غارقًا في سطور كتاب يقرأه بكل تركيز وانتباه.

عيناه الثابتتان، شعره الأشقر الذي طالما ارتبط في ذاكرتي بالصبي الكسول الذي لا همّ له إلا النوم واللعب، بدت اليوم مختلفة، كأنها تُخفي وراءها سرًّا لم أعهده من قبل. لقد بدا لي وكأن هذا الشاب الذي طالما اعتبرته عديم الجدوى، صار فجأة آخر غير الذي أعرفه.

أنا إيميلي دوكي. النبيلة التي سقطت عن عرش عائلتها الجنوبية قبل عشر سنوات كاملة، وانتهى بي الحال خادمة بسيطة تعمل في بلاط آل فينيكس، أؤدي المهام كأي خادمة وديعة، لكن قلبي يصرخ كل يوم باسم دوكي، باسمي الذي مُحي من على ألواح القصور، وبشرفي الذي سقط في غبار السياسة والحروب. لقد كان القدر قاسيًا عليّ، إلا أنني أقسمت قسمًا لا رجعة فيه: أن أعود يومًا وأعيد المجد المفقود، ولو كلّفني الأمر حياتي.

وها أنا الآن، أقف أمام هذا الشاب، الابن الثاني للمركيز، أُكلّف بخدمته. بالنسبة لي لم يكن سوى هواء عابر، وسيلة ليس إلا، جسراً ضعيفًا لكن ضروريًا. لم يكن في يدي خيار آخر؛ فهذا الفتى هو تذكرتي الوحيدة إلى الأكاديمية، أكاديمية توتنهام المرموقة، ذلك المكان الذي سيُعيد لي ما سُلب، ويمنحني الفرصة كي أستعيد مجد عائلتي الضائع.

إن تحقيق قسمي، واستعادة مجدي، باتا يتوقفان على هذا الشاب الذي يجلس الآن أمامي صامتًا، يقرأ كتابه وكأنه قد وُلد للعلم والدراسة.

منذ أيام قليلة فقط، عندما دخلت غرفته حاملة له الشاي كعادتي، رأيت فيه شيئًا آخر. لم يكن المشهد مألوفًا؛ لم يكن هو ذاك الفتى الكسول، بل بدا شخصًا جديدًا، شخصًا ناضجًا، كأن روحًا غريبة تسللت إلى جسده. في البداية لم أعط الأمر أهمية كبيرة؛ فالإنسان قد يتغيّر في لحظة. غير أن السرعة التي وقع بها هذا التحول أربكتني، وجعلتني أكثر يقظة، وجعلت نظراتي الخضراء تحدق فيه بحدة، تتابع كل تفصيلة في حركته، وإن حاولت أن أخفي ذلك وراء قناع بارد، كأنني أراقبه من زاوية مظلمة لا يلحظها أحد.

ذلك التغيير السريع... أيمكن أن يكون يخفي عني شيئًا؟ أيمكن أن يملك أسرارًا لم أدركها رغم أنني كنت أراقبه طوال الوقت؟ لم يكن ذلك ناجمًا عن اهتمام خاص به، ولا عن عاطفة تربطني به، بل كان فقط بدافع الحذر. كنت أظنه بلا جدوى، لا موهبة له، مجرد ظل ثقيل على هذه العائلة. هو، في عيني، لم يكن سوى وسيلة عابرة أستغلها للوصول إلى هدفي، تمامًا كما يستخدم المسافر قاربًا صغيرًا لعبور نهر عميق.

كان يجلس أمام مكتبه الفخم، تحيط به رفوف الكتب الثقيلة، مرتديًا ملابسه العادية التي اعتدت أن أراه بها كل يوم: سترة سوداء وقميص أزرق، وشعره الأشقر القصير منتصب في الهواء، مُصففًا بطريقة أنيقة تجعله يبدو وكأنه أمير من قصة خيالية، أميرٌ مغرور يعيش في قصور الوهم. لكن الحقيقة التي كنت أدركها في أعماقي، هي أنه لم يكن سوى شاب بلا قيمة حقيقية.

في نظر المركيز، الابن الثاني لا يُمثل شيئًا سوى عبء، لكنه يظل ابنًا للنبلاء، وإن شاع بين الناس أنه عديم الفائدة، فإن سمعة العائلة ستتضرر، والسمعة بالنسبة للنبلاء ليست أمرًا ثانويًا يمكن الاستهانة به. فالهمس في المجالس، والإشاعة التي تتناقلها الألسن، كلها أسلحة صامتة قادرة على تقويض أركان السلطة. وهذا هو السبب الوحيد الذي يجعل المركيز يولي له أي اهتمام.

وفجأة، قطع شرودي صوته. كان صوته باردًا، يحمل نبرة الأمر التي لا تحتمل الاعتراض:

ـ "قومي بتجهيز أغراضي والسيف للتدريب. سأذهب إلى ميدان الفرسان للتدريب."

لم يرفع عينيه عن الكتاب وهو يتحدث، وكأنني مجرد ظل لا يستحق النظر. كلماته سقطت عليّ كصفعة خفية. لم أغضب لأنني خائفة، بل لأنني أدرك أنني مضطرة إلى الامتثال. حاجتي إليه هي ما يُكبّلني. فهو جواز مروري إلى الأكاديمية، حيث تنتظرني فرصتي الوحيدة لأستعيد ما فقدت.

غادرت الغرفة بخطوات راسخة، متجهة إلى مخزن الأسلحة. القصر ليس بعيدًا عن القصر الرئيسي، وقد قضيت فيه سنوات طويلة حتى صرت أعرف ممراته وغرفه كما أعرف كف يدي. كل زاوية وكل درج وكل ركن حفظته ذاكرتي، كأنني جزء من جدرانه.

بعد عشر دقائق من السير والبحث، عدت حاملة سيفًا خشبيًا مصنوعًا من خشب متين قادر على احتمال الصدمات القوية وحتى ضغط القوة السحرية. بدا السيف وكأنه سيف حقيقي، لولا أن نصله ومقبضه كانا من الخشب.

حين دخلت غرفته، كان قد بدّل ملابسه، مرتديًا ثياب التدريب والمبارزة. بدا مختلفًا، كأن ملامحه تحمل شيئًا من التصميم لم أعهده من قبل. مددت له السيف، فتناوله بقبضته. وفي تلك اللحظة، التقت عيناي بيديه. رأيت أصابعه، قبضته المحكمة، الخطوط الدقيقة التي ارتسمت على كفّيه من أثر التدريب. للحظة خاطفة، اجتاحني صمت داخلي عميق، كأن شيئًا في داخلي يُنذرني بأن هذا التغيير ليس مجرد وهم عابر.

لكنني سرعان ما تراجعت إلى صلابتي الباردة، أُخفي ما راودني من ارتباك. همست في أعماقي: "مهما تدربتَ، أيها الفتى، ستظل كما أنت. القمامة لا تتحول إلى ذهب. كل ما ستفعله هو أن تأخذني إلى المكان الذي أريده، ثم ستنتهي علاقتنا إلى الأبد. سأتركك خلفي، وأمضي لأستعيد مجدي."

راقبته وهو يغادر نحو ميدان التدريب، ميدان الفرسان السود. كنت أعلم أن دخولي إلى هناك ممنوع عليّ، فالقوانين لا تسمح لخادمة مثلي بمرافقته. لم أبالِ؛ فلست بحاجة إلى أن أتابع كل تفصيلة من تدريبه. يكفيني أن أعرف أنه في النهاية لن يتغير جوهره.

عدت إلى عملي المعتاد، إلى تنظيف غرفته وترتيب أغراضه كما اعتدت طوال عشر سنوات. لم يكن الأمر جديدًا عليّ. كل يوم يتكرر المشهد نفسه، وأنا أُعيد ترتيب الفوضى التي يتركها خلفه. لكن قلبي هذه المرة كان يردد وعدًا صامتًا: "مهما فعل، ومهما تغيّر، فلن يؤثر ذلك في مساري. تدريبه أو كسله، صمته أو ضحكاته، لا تعني لي شيئًا. حين أصل إلى الأكاديمية، ستنتهي كل الروابط، وسأمضي وحدي في طريقي، مُتحررة من كل القيود."

ذلك الوعد كان صمتي الداخلي، قسمًا جديدًا يُضاف إلى قسم قديم. وأنا أرتب غرفته وأمسح الغبار عن رفوف الكتب التي بدأ فجأة يُكثر من مطالعتها، كنت أشعر بثقل السنوات العشر التي مرت عليّ كعقد طويل من الصبر والانتظار. كل حركة من يدي فوق الأثاث، كل نفس أزفره بين العمل، كان يُذكّرني بهدف واحد: أنني لم أُخلق لأبقى خادمة. إنني ابنة عائلة دوكي، والابنة لا تُدفن مهما غاب اسمها عن الألسنة.

هو... مهما تغيّر، ومهما بدا لي وكأنه يتفتح فجأة كزهرة نادرة في غير أوانها، سيبقى بالنسبة لي مجرّد وسيلة. أما أنا، فإنني لن أتخلى عن حُلمي ولا عن قسمي. سيأتي اليوم الذي أستعيد فيه عرشي المفقود، مهما طال الطريق.

***

لقد تركت إيميلي وراءي وغادرت إلى حيث يمتد فضاء التدريب، ذلك المكان الذي كان يفيض بالصمت والحركة في الوقت ذاته، كأن الهواء نفسه يتنفس بين أصوات السيوف والأقدام على الأرض الحجرية. وما أن وصلت حتى ظهرت أمامي الشاشة الزرقاء، تلك التي كانت تتراءى لي في لحظات الحسم والوعي، تتلألأ بضوء خافت يكاد يخترق الضباب الداخلي لعقلي، فتذكرت مرة أخرى من هي إيميلي دوكي، تلك النبيلة من الجنوب التي سقطت في قبضة القدر لتصبح مجرد خادمة لعائلة فينيكس بعد أن فارق والديها الحياة. لقد تحولت حياتها بالكامل، وصارت مجرد عاملة عادية ضمن قوالب المجتمع، بينما أنا، في هذا الجسد الجديد، كنت أراقبها وأفهمها من زاوية مختلفة.

مستوى علاقتنا بالكاد يصل إلى عشرة في المائة، رقم ضعيف يكاد يكون مجرد خيط رفيع من التواصل البشري، ومع ذلك يكفي ليثير التفكير العميق في نفسي. لقد كنت أعلم، وربما هي أيضًا، أن شكوكها تتنامى شيئًا فشيئًا. إنها تشك بتغيري، تفكر في الأسباب، لكنها لم تصل بعد إلى حد المخاطرة. ربما ستجرؤ على المخاطرة إذا أسرع التغيير الذي لاحظته في شخصيتي بشكل مبالغ فيه، لكن حتى ذلك الحين، ستظل حبيسة الخوف الذي يفرضه عقلها المتحفظ.

وبالعودة إلى ميدان التدريب، كانت الأصوات تتناثر في كل مكان، أصوات الفرسان الذين يلوحون بالسيوف ويتدربون بمهارة، بعضهم يمارس الحركات البديعة والمعدلة التي تخرج من سنوات من التدريب المكثف، لكن استر كان حالة مختلفة تمامًا. كان يقف وحيدًا، متماهيًا مع السيف الخشبي الذي يمسكه بكلتا يديه، يلوح به بطريقة خرقاء وغير متقنة، كل حركة تمرق في الهواء وكأنها تحاول أن تمزقه، لكن لا توجد فيها لمسة جمال أو تناغم فني. كانت حركاته مجرد تدريب جسدي، تمرين صارم للعضلات واليدين والعينين، لتطوير القدرة على التحكم بالسلاح وليس لإظهار أي براعة حقيقية.

وفيما كان يوجه السيف، كان السؤال الأكبر يدور في ذهنه بلا توقف: هي تشك بي، لكنها لا تملك القوة الكافية لتغيير مصيرها. مهما كانت شكوكها، فهي لن تكون قادرة على اتخاذ أي خطوة حقيقية بدون الوصول إلى أكاديمية توتنهام، ذلك المكان الذي يحدد مصير النبلاء ويقيس قدراتهم الحقيقية. بدون هذا الوصول، ستظل مجرد خادمة عادية، أو حتى لو حاولت الفرار، فلن تتجاوز حدود العادية والجاهلية التي فرضها عليها المجتمع منذ زمن بعيد.

إيميلي دوكي لم تكن شخصًا يقبل بأن يصبح مجرد عاملة، حتى لو كانت خادمة لنبلاء. كبرياؤها لم يسمح لها بالرضوخ لهذه الحياة، وكان من المستحيل قبولها أن يفرض عليها أي حد أدنى من التواضع الإجباري. ربما كانت تشك في تصرفاتي الأخيرة، فقد لاحظت عدة مرات نظراتي الخفية، وأدركت جزءًا مما كان يدور في أعماقي. لقد ظنت أنني لم ألحظ تلك النظرات، لكنها لم تعرف أنني كنت أرى كل شيء وأفهمه، وأنني أدرك سبب تصرفاتها وخوفها. ربما لم تعرف بعد أن جسد الشخص الذي كانت تعرفه صار مستودعًا لشخصية أخرى، وأن كل ما رأته كان مجرد جزء من لعبة أكبر لم تكن مستعدة للمواجهة فيها بعد.

استمر التدريب لساعات، والسيف الخشبي الذي كنت ألوح به بدأ يتغير شيئًا فشيئًا بين يدي، أصبح أخف، أكثر انسجامًا مع قوة جسدي المتنامية. كنت أتوقع ذلك، فقد بدأت الطاقة السحرية تتدفق من داخلي، تتوحد مع جسدي، تتعلم أن تكون امتدادًا طبيعيًا لحركتي، بدلاً من أن تكون مجرد قوة خام تضطرني إلى السيطرة عليها بالقوة الإرادية. في هذه اللحظة، كان استخدام الطاقة السحرية مجرد عملية آلية يقوم بها جسدي، دون أن أحتاج إلى إرادة واعية، لكنني كنت أعلم أن مع الاستمرار في التدريب بهذا الجهد والتركيز، سيحين الوقت الذي سأتمكن فيه من استخدام هذه الطاقة بسلاسة وكفاءة، كما لو كانت جزءًا مني منذ البداية.

كانت تقارباتي مع العناصر الأخرى ضعيفة؛ الماء والرياح لم يكونا في مستوى يمكن الاعتماد عليه، لكن البرق كان مختلفًا تمامًا. استطعت الوصول إلى ستين بالمئة من الانسجام معه، وهذه النسبة تمنحني قدرة خارقة بالنسبة للعامة، وتضعني في مرتبة يمكن أن يقدرها النبلاء لاحقًا. في القصة الأصلية، ربما لم يكن ذلك مهمًا، فقد كان لكل شخصية ضعيفة عنصر يقارب السبعين بالمئة، لكن بالنسبة لي، كان هذا الإنجاز مهمًا جدًا. لم يكن الهدف مجرد القوة الحالية، بل إعداد نفسي لمواجهة التحديات المستقبلية، ومعرفة كيفية استخدام عناصر القوة بأسلوب استراتيجي قبل أن تبدأ الأكاديمية.

وبما أنني ابن الماركيز، أحد العشرين الذين يسيطرون على جزء من القارة الخالدة، والتي تضم خمسين كونتًا وعشرين ماركيزًا وأربع دوقيات وإمبراطورًا واحدًا، فإن مكانتي تتطلب مني القوة والفهم والمهارة. هذه هي الطريقة التي نظم بها الإمبراطور الإمبراطورية، وحدود كل رتبة محددة بعدد معين، ولا يمكن تجاوزها. حتى لو كانت القوة الفردية مهمة، فإن الانضباط والاستراتيجية هما ما يحدد مستقبلي ومساري بين هذه الرتب.

مع مرور الوقت، بدأت أنفاسي تتسارع شيئًا فشيئًا، كل حرقات جسدي تتضاعف مع كل حركة للسيف. كانت يداي تتحركان بسرعة أكبر، والسيف يقطع الهواء بدقة أكبر. لم تعد الحركات جميلة، لكنها أصبحت فعالة، كل ضربة لها تأثيرها، وكل تلويحة تزيد من خبرتي في القتال. بعد أسابيع من التدريب المكثف، استطعت إتقان أسلوب المباشرة والجانب، أسلوب القطع المباشر الذي يمنحني القدرة على التعامل مع خصم في أقل وقت ممكن، دون الحاجة إلى الحركات المزخرفة التي قد تبطئ من سرعة الاستجابة.

كانت الأيام تمر، وخمسة أيام فقط تفصلني عن موعد الذهاب إلى الأكاديمية، حيث سأبدأ رحلة جديدة مع الشخصية الرئيسة الأخرى في القصة. الأكاديمية كانت بالنسبة لي بمثابة عرين النمر؛ مكان محفوف بالتحديات والمخاطر، لكن في الوقت ذاته، كانت المكان الأمثل لاختبار قوتي واكتساب الحرية التي أبحث عنها. هناك، بعيدًا عن أعين الجميع، سأتمكن من التحرك بحرية، وتطوير نفسي بعيدًا عن مراقبة الفرسان أو النبلاء الذين يراقبون كل حركة صغيرة.

كنت أشعر بنظرات الفرسان الآخرين، لكنهم لم يقتربوا. كانت نظراتهم باردة، تقييمية، تحمل بعض التعاطف الطفيف، لكنها لا تحمل ازدراء. اخترت هذا المكان بعناية، حيث لا أحد يتدخل، ولا أحد يسأل أسئلة لا أستطيع الإجابة عنها. كانت تلك الحرية جزءًا أساسيًا من تدريبي، لأن كل لحظة مراقبة قد تعرقل تقدمي، وكل سؤال عن قدراتي قد يكشف أسرارًا لم أكن مستعدًا لمشاركتها بعد.

في هذه اللحظات، أدركت حقيقة واحدة: ما يهم ليس ما يحدث الآن، بل ما سأصبح عليه في المستقبل. ما يهم هو أن أصبح الأقوى، الشخص الذي يستطيع النجاة من الكوارث القادمة، والمواجهة بلا خوف، والتحكم في مصيره ومصير الآخرين من حوله. كنت أعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، وأن كل لحظة من التدريب كانت تعدني لما هو أكبر، لمهام لم يتم اكتشافها بعد، لصراعات لم تبدأ بعد، ولكيفية استخدام القوة والعقل معًا للبقاء والنجاح.

الهواء حولي كان مشبعًا برائحة المعدن والعرق والجلد، أصوات السيوف المتشابكة تتردد بين الجدران الحجرية، وصدى خطواتي على الأرض يضيف بعدًا آخر للشعور بالوحدة والتركيز. كان جسدي يؤلمني، كانت كل عضلة تتألم، لكن الألم لم يكن عائقًا، بل كان دليلًا على التقدم، علامة على أن كل ثانية من هذا التدريب تمنحني قدرة أكبر على التحكم في نفسي وفي السيف وفي العالم من حولي.

كل لحظة تمر، وكل ضربة أقوم بها، كانت تتكشف أمامي القدرة الكامنة في جسدي، تلمس العقل قبل اليد، وتنقل الطاقة من الداخل إلى الخارج، كما لو كانت الموسيقى تتناغم مع ضربات السيف، لكن الموسيقى هذه صامتة، غير مرئية، فقط محسوسة في قلب وروح المتدرب الذي يفهم أن القوة ليست مجرد عضلات، بل عقل وروح وانسجام داخلي.

وفي لحظات الصمت بين الضربات، كنت أسمع همسات الماضي، ذكريات إيميلي، شعورها بالخوف والشك، كل نظرة كانت تحمل سؤالاً، وكل تردد كان يطلب توضيحًا. كنت أفهمها بدون أن تتكلم، وأرى العقل الذي يحاول تفسير تغيري، يحاول معرفة الحقيقة المخفية وراء كل حركة وكل كلمة. شعرت بعمق الكبرياء الذي يمنعها من قبول الواقع الذي فرضته عليها الظروف، شعرت بالخوف الذي يكتم أنفاسها أحيانًا، وبالرغبة في الاختبار، لكنها لم تصل بعد إلى نقطة المجازفة الكبرى.

كانت الشمس تتراجع ببطء خلف الجبال، يلون الغروب السماء بألوان دافئة ولكنها حزينة، كأن الطبيعة نفسها تشهد على التدريب المستمر، على الجهد المبذول، وعلى الاستعداد لما هو قادم. كانت اللحظات الأخيرة من النهار تمنحني شعورًا بالوحدة العميقة، لكنها أيضًا كانت لحظات التركيز الكامل، لحظات الانسجام مع نفسي ومع السيف ومع الطاقة التي بدأت تتحد مع جسدي.

كان كل شيء حولي يعكس الحقيقة البسيطة والمخيفة في الوقت ذاته: القوة هي ما يمنح الإنسان حريته، والسيطرة على ذاته هي ما تمنحه القدرة على مواجهة الآخرين. كل خطوة، كل حركة، كل ضربة كانت جزءًا من بناء هذه الحقيقة، جزءًا من إعداد جسدي وعقلي وروحي لما ينتظرني في الأكاديمية، وما ينتظر العالم من تحديات.

وهكذا، مع تسارع أنفاسي، ووزن السيف الذي بدأ يخف تدريجيًا، ومع كل قطر من العرق الذي يقطر من جبيني، أدركت أن الوقت الذي أمضيته هنا، في صمت التدريب والوحدة، كان أكثر قيمة من أي تعليم أو تدريب رسمي. كنت أحفر في نفسي قوة لن يمنحها لي أحد، كنت أصنع نفسي على طريقتي الخاصة، كنت أستعد لأكون الشخص الذي سيخرج سالماً من أي كارثة، الشخص الذي يستطيع مواجهة المصير بلا خوف، والمسيطر على كل ما يحيط به، حتى لو كان ذلك العالم كله مجرد ساحة اختبار لا نهاية لها.

----

ما رايك يا صديقي بهذا هذا الجزء وكيف هو سردي بنسبتي الى ايميلي اتمنى ان تخبرني في خانه التعليقات وسيكون ذلك جميلا جدا

اريد ان اسال اذا كان طريقتي بالكلام اثناء قول الاشياء كانت مبالغه فيها او سيئه او متكرره اذا كان هناك اي خطا فيه فانا ارجو المعذره منكم جميعا يا اصدقاء وسوف احاول تعديده اذا منحتوني الوقت واخبرتموني عن ما يجب تعديله ايضا

بالنسبه الى السؤال هذا الفصل فسيكون بسيطا ( كم هو نسبه تقارب استر مع عناصره اتمنى الذين يتذكرون ان يخبروني؟)❤️❤️❤️❤️🤗

2025/09/14 · 64 مشاهدة · 2469 كلمة
ONE FOR ME
نادي الروايات - 2025