الفصل الثامن: تغيير موعد المغادره
تبقّت أربعة أيام فقط، أربعة أيام تبدو لي أطول من أي عمر مضى، وأصعب من أي تحدٍ واجهته من قبل. كنت أمشي في القصر بخطوات متثاقلة، غير مدركٍ حقًا لما سيحدث، أو بالأحرى كنت أعلم أن ما سيحدث لن يكون مفاجئًا، ولكن قلبي لا زال يخفق بسرعة، كأنه يرفض قبول الحقائق الباردة التي تجلس فوق صدري.
في تلك اللحظة، فوجئت حينما علمت بأن المركيز يناديني مرة أخرى إلى مكتبه. شعور مفاجئ، حاد كلسعة برق في يومٍ صافٍ، أتى مختلطًا بين الترقب والريبة.
كانت تقف أمامي، إيميلي، بملامحها المعتادة، شعرها الأزرق ينسدل على كتفيها برقة، وعيناها الخضراء الزمردية تكاد تنطق بما تحاول كبحه. ترتدي ثياب الخادمة التي اعتادت عليها، وأنا ألاحظ كل تفصيل في حركاتها الصغيرة، كل ارتجاف في أصابعها، كل صمت ممتد حول وجودها. "سيدي الشاب، المركيز يطلب حضورك إلى مكتبه"، قالت بصوت خافت، خالي من أي تهديد، محمّل بالالتزام الذي يميزها دائمًا.
نظرت إلى الأرض، وحواسي كانت تتنبه لكل شيء حولها. شعرت بالتوتر يغمرها، يتسرب عبر مسامها كخيوط خفية، ولم أعد أهتم كثيرًا. كنت أعلم أن قلقها لم يكن عليّ، بل على فرصها، على أماكنها، على القواعد الخفية التي تحكم هذا القصر العتيق. أما أنا، فكنت واثقًا من أنني لم أرتكب أي خطأ، لم أخترق أي قانون، لم أخرق أي قاعدة؛ لذلك مشيت بخطوات ثابتة، بلا تردد، بلا اهتمام.
دقائق معدودة، وربما أقل من ذلك، وجدت نفسي أمام الباب نفسه الذي توقفت عنده في أول يوم دخلت فيه هذا العالم. شعور مختلف الآن، مختلف تمامًا. لم يعد الخوف يتسلل إلى عقلي كما كان من قبل، لم تعد يدي ترتجف، ولم تعد أنفاسي تتسارع.
كان هناك شيءٌ بداخلي قد تغير؛ شيءٌ أعطاني القدرة على مواجهة أي تحدٍ دون الحاجة إلى هروب، دون الحاجة إلى الاختباء خلف الأعذار. لم أعد شجاعًا بالطريقة المثالية، ولكنني بالتأكيد لم أعد جبانًا يخاف حتى العجز أمام المشكلة. كنت أعلم أن المشاكل جزء لا يتجزأ من الحياة، وأن المواجهة، مهما كانت صعبة، واجبة، لا مهرب منها.
وفي اللحظة التالية، ظهر كبير الخدم، وهو شخصية محترمة، صامتة، لكنه كان يحمل في حركته وزناً أخف من الكلمات. أمامه، في الهواء، عُلّقت شاشة ضوئية لم يراها أحد غيري، تعرض سمات الرجل ومهامه بدقة.
(جورج كوبر، مستوى العلاقة: 50%
يخدم المركيز بولاء كامل، ويعد ولي العهد خليفة المركيز، وهو الثاني بمسؤولياته بعده. بالإضافة إلى إدارة أمور القصر وممتلكاته، يجب أن يخدمك بإخلاص، فالعلاقة بينك كـ"سيد" وبينه كـ"تابع" تتطلب احترامًا متبادلًا على الرغم من أن مرتبتك أقل منه).
بعد أن قرأت هذه الكلمات، التفت إلى جورج في الثانية التالية. "سيدي، يشرفني أن ألتقي بك مرة أخرى، المركيز ينتظرك، فخامتك." كان صوته هادئًا، متزنًا، يحمل كل احترامه، ولكنه لا يخفي التزامه العميق تجاه سيده الأعلى، المركيز، الذي يكرّس كل وقته لإدارته.
لم يكن الاحترام الذي أبداه مجرد شكل، بل كان جزءًا من كيانه، من نظامه الداخلي، من شغف ولائه.
ابتعد جورج بعد لحظات، واقترب إلى الخلف حيث كانت إيميلي تسير، متوترة، خافتة، لكنها متماسكة. أنا لم أبد الكثير من الاهتمام، فقد كنت مستعدًا لكل ما سيأتي.
فتح الباب أمامي، شعرت وكأنني أقف على حافة هاوية، لكن هذه المرة، كانت قمة السيطرة على قلبي تمنع أي توتر من السيطرة عليّ. لم يعد الخوف يسيطر عليّ كما في المرة الأولى، لم تعد اللحظات تحاصرني بالارتجاف الذي يكاد يكون غير قابل للتحمل.
الغرفة أمامي ما زالت فخمة، كبيرة، تغمرها التفاصيل الدقيقة للفخامة، من الأثاث المزخرف إلى الستائر الثقيلة التي تهبط من السقف كخيوط حريرية، إلى المصابيح التي تلمع بضوء خافت يعكس أناقة الماضي. لم أعد أتوقف كثيرًا لأتأمل، فقد اعتدت على هذا القصر، على تفاصيله، على رائحة خشب الأثاث والورق القديم، على صدى الخطوات الذي يتردد بين الجدران.
هناك، أمام مكتب ضخم يغرقه بحر من الأوراق، جلس المركيز إسكندر دي فينكس. شعره الأشقر المتخلل بخصلات بيضاء يعكس سنوات خبرة، نضجًا وقوة، وعيناه السوداوان تشعان بحدة لا تخلو من برود، وكأنهما يقيسان كل جزء مني، كل نبضة في قلبي، كل فكرة تتردد في رأسي.
كان المركيز يستخدم قلمه لملء مجموعة ضخمة من الأوراق، لكنه توقف لحظة، رفع عينيه نحوي، وتلاقى نظرنا.
زرقاء عيوني اصطدمت بالظلام الأسود لعينيه، شعور بالثقل والخوف، ولكنه كان شعورًا تحت السيطرة هذه المرة. كانت وضعية جسده منحنية، كأنه يستعد لشيء ما، أو ربما كان فقط يبحث عن راحة وسط عبء الأوراق التي تكاد تغرق المكتبة.
قال بصوت هادئ، ولكن مليء بالقوة والرقابة: "لقد سمعت أنك كنت تتدرب." نظراته لم تكن مجرد تقييم، بل كانت قياسًا دقيقًا لكل التفاصيل الصغيرة في وجودي. شعرت وكأن كل حركة، كل نفس، كل فكر، يتم فرزه، مراجعته، تحليله.
أجبته ببساطة، وبكل احترام: "نعم، لقد كنت أتدرب حتى أستطيع تنفيذ الأوامر، يا سيدي." لم يكن هناك أي نوع من العلاقة الحميمية بين الأب والابن، لم يكن هناك أي إحساس بالمودة العائلية. كانت علاقة صارمة، علاقة رئيس ومرؤوس.
في تلك اللحظة، كنت المرؤوس، وهو السيد. وقف للحظة، ثم بادر بالهمهمة قبل أن ينهض، وخطواته، ثقيلة، حازمة، تملأ المكان بوجوده. توقف على بعد خطوات قليلة مني، وقال بصوت مملوء بالغموض: "أنت حقًا مجرد عار."
كان صوته مختلفًا، نبرته خالية من أي عاطفة، فراغ أسود بلا قاع، ولكنه لم يعد يهمني كثيرًا. سخرت داخليًا: "من الجيد أنني لست ابنك الحقيقي، وإلا لكنت قد بكيت يا ولدي العزيز." كانت فكرتي تحمل استهزاءً خفيًا، رفضًا للتهديد الداخلي الذي كان يحاول السيطرة عليّ.
لم أكن أعرف سبب مناداتي، ولكني قررت أن أستمع حتى النهاية. المركيز لم يكن من يضيع وقته على شخصية تافهة مثلي في هذا الوقت.
قال المركيز: "تبقى فقط ثلاثة أيام قبل أن تغادر، لكن قمت بالاتصال بالأكاديمية. ستذهب إلى توتنهام غدًا، عليك أن تأخذ أغراضك وتغادر."
وقفت في مكاني، وقلت باحترام، مدركًا لمكاني: "هل يمكنني أن أسأل لماذا يجب أن أذهب بهذه السرعة إلى الأكاديمية؟"
كنت ملتزمًا بأحداث الرواية، لم أرغب في تجاوز أي شيء، في تغيير أي حدث منسق بعناية.
نظر إلي المركيز بعينين سوداويتين كالليل الخالي من النجوم، وقال: "إذا كنت مهتمًا بمعرفة السبب، ببساطة لم يعد هناك فائدة من وجودك هنا. عليك أن تثبت قيمتك هناك. التدريب هنا ليس له فائدة لأمثالك."
كانت كلماته كالسيف، حادة، مباشرة، خالية من أي شفقة أو رحمة. لم يكن هناك حاجة لأي كلمات إضافية، فقط نظرة، إيماءة، طلب مغادرة.
وصلت إلى الباب وغادرت مباشرة، التقيت بإيميلي، التي كانت بجانب رئيس الخدم جورج. لم يكن هناك حديث كثير، فقط التزمت بما طُلب مني: "عليك تجهيز أغراضك جيدًا، سوف نغادر غدًا إلى الأكاديمية في توتنهام. كوني مستعدة."
في عقلي، قلت ببرود: "سأثبت قيمتي بالتأكيد، ولكن ليس لك " تقدمت وفكرت بازدراء
---
شكرا لك على قراءتك للفصل
اتمنى ان اجد تعليق رجاء
هذه دعم كبير بالنسبه الي هيا رفاق اذا كنتم تقراون هذه الروايه
فيمكنكم ان تعلقوا تعليقا بسيطا يساعد هذه الروايه لكي تصبح من التوب