كان مكتب الدوق يحمل جوا منذرا بالشؤم في القصر الكبير باردة رغم النار المتقدة في المدفأة الدوق ألبرش وقف بجوار النافذة ظهره مستقيماً وعيناه مثبتتان على الظلام في الخارج بدا هادئًا لكن الجو المشحون في الغرفة كان يقول عكس ذلك
على الأريكة المقابلة كان آثر يجلس بصمت ظهره مستندًا إلى الوسائد إحدى ساقيه فوق الأخرى وكأنه غير مكترث بما يحدث لكن عينيه الزرقاوين الباردتين لم تفارقا الرجل أمامه
".......لا أعلم ماذا افعل بك " كانت نبره صوته تحمل عتابا واستسلام مزعجا
كانت كلمات الدوق حادة كالسيف قطعت الهواء بصوت منخفض لكنه ثابت
آثر لم يبدُ متفاجئًا فقط أمال رأسه قليلاً كأنه يزن الكلمات في عقله
" أعتذر كان ذلك خطأ غير مقصود"
التفت الدوق نحوه نظراته حادة تنظر إليه بانزعاج طفيف ثم تنهد بعمق
آثر فقط نهض ببطء مشى نحو الطاولة الانيقه وسكب لنفسه كأسًا من الشاي دون استعجال نظر إليه الدوق لوهلة أنه حقا لا يستطيع السيطرة على أفعل هذا الصبي
" أنت معاقب في غرفتك لخمس أيام " قال الدوق ذلك كما لو أنه كان تحذيرا نهائيا
نظر إليه آثر لوهله بتعابر جامد أنه دائما يعامله كالاطفل مهمى فعل لكنه قال بنبرة استسلام تحمل الاحترام العميق
".....حاظر "
ثم غادر المكتب حتى دون لمس كوب الشاي
نظر الدوق إلى الكوب للحظه ثم إلى الباب وتنهد بعمق من الصعب التعامل معه أنه ناضج بشكل غريب لكنه متهور جدا وعنيد يفعل كل شئ على هواه
قال بصوت متمتم كما لو أنه يواسي نفسه
"...... لافائده من تربيه الأطفال"
***************************************
مرّت أيام بطيئة بعد ذلك
كان أسيل يتعافى ببطء جسده لا يزال ضعيفًا من الإرهاق والصدمة لم يكن يتحرك كثيرًا فقط يستلقي في السرير يراقب السقف بصمت أو يحدق من النافذة عيناه شاردة دائمًا
والدته لم تكن بعيدتا عنه أبدًا عطلت معضم أعملها للبقاء معه لكن وجودها كان يخيفه أكثر حيث كان يحلم بعائلته السابقه كثيرا هذه الأيام يستيقظ في رعب وجودها وحده ما كان يجعله يهدء
وفي النهاية بعد عدة أيام من الراحه استطاع أن يشعر أخيرا أنه يستطيع التنفس عندما كان سارحا في السقف لمدة غير معلومه رفع عينيه فرأى آثر جالساً في كرسي قرب السرير
فزع للحظه لكنه أحس بالأمان شعر قلبه بالسكينه والهدوء يبدوا أن الشمس قد غربت منذ وقت طويل وكسى السماء ظل أسود
"استيقظت أخير "
كانت نبرته هادئة لكنها حملت شيئًا أعمق—ثقل الذكريات القديمة
أسيل حدّق به للحظة لا يزال يشعر بالدوار ثم أبتسم ببطى كان لا يزال يشعر بالنعاس نظر إليه آثر لهوله ثم اشاح بنظره كأنه يتجنب شيئا
استدار آثر نحوه سأله فاجأ
"يبدوا أنك تعلم جيداً ما بك الست خاءفا " كانت نبرته تحمل تساولا عميقاً
أرتجف أسيل للحظه لم يعلم ماذا يقول
".....هكذا؟ فاجأ؟"
نظر إليه آثر كأنه ينتظر جوابا مريضا مما جعله يتوتر أكثر وقلبه يرتجف من الخوف
اجاب بتردد
"...... حسنا أنا لست مريضا كثيراً أكبر نوبه مررت بها أستمرت فقط خمس دقائق طالما أخذ دواءي بانتظام استطع العيش كالاخرين"
أرتجف أكتاف آثر قليلا من الرد ثم اشاح بنظره كما لو أنه يخفي شيئا لا يبدوا أن أسيل يعلم بالوضع الكامل لحالته لقد تذكر للحظات ما حدث في الحديقه ذلك اليوم
لابد أنه يأخذ فكرتا خطتأ تماما عن لعنه الروح فالسجالات بالكاد تذكر وجودها...ربما يضن أنه يستحن بمرور الوقت حتى أن لم يشفى تماماً لكنه للأسف عكس ذلك
ستتعب روحه شيئا فشيئا من اظرار لعنه الشياطين حتى تتفتت وتخفي يمكنهم فقط أن يأملون أنها لعنه شيطان منخفظ الرتبه
ذالك جعله يحرج أكثر بينما يشيح بنظره واضعا يده تحت رأسه ينظر إليه أسيل بنظرات برءيه تشبه عيون الجراء
عم الصمت لوقت طويل ثم نظر آثر إلى أسيل وعيناه الزرقاوان تحملان سؤالاً غير منطوق رفع حاجبه قليلاً وهو يتأمله قبل أن يقول ببطء
"لماذا لم تتفاجأ حين أدركت أنني أعرف عن مرضك؟"
جفل أسيل للحظة قلبه ينبض بسرعة تحت تأثير التوتر لكنه حاول جاهدًا الحفاظ على رباطة جأشه شعر بالعرق البارد يتجمع في كفّيه ولم يجد أمامه سوى الكذب للخروج من هذا المأزق ابتسم بارتباك وأدار عينيه بعيدًا قبل أن يجيب بصوت منخفض بنبرة متوترة
"لأن أخي آثر مذهل جدًا… أنت قوي وتعرف كل شيء، لذا لم يكن الأمر غريبًا بالنسبة لي"
لثوان ظل الصمت معلقًا بينهما حدّق آثر في وجه أسيل محاولًا استنباط ما إذا كان يقول الحقيقة أو أنه فقط يراوغ لكن سرعان ما تغير تعبيره إلى الرضا واعتدل في جلسته وهو يعقد ذراعيه بثقة
"همم… حسنًا أنت محق تمامًا"
قالها بجدية مطلقة كما لو كانت حقيقة لا يمكن الجدال فيها نظر إليه أسيل باندهاش للحظة لكنه سرعان ما أدرك أن آثر قد ابتلع الطُعم تمامًا لم يستطع منع نفسه من الابتسام بخفة رغم شعوره بالخوف العالق في صدره
فاجأ شعر بأن صدره ينقبض لم يكن هناك صوت سوى اللهاث المتقطع أنفاس أسيل المرتجفة التي تزداد ثقلاً مع كل لحظة تمر جسده ارتعش بعنف كأن الألم ينهشه من الداخل قبضته تشبثت بالغطاء حتى أصبحت مفاصله بيضاء
آثر، الذي كان يراقبه بصمت في البداية أدرك سريعًا أن شيئًا ما ليس على ما يرام وجه أسيل كان شاحبًا بشكل مرعب وقطرات العرق تجمعت على جبينه بينما كان جسده يرتجف كما لو أن صقيعًا غير مرئي يلتهمه
نهض آثر بسرعة مدّ يده إلى الجرس لاستدعاء الطبيب لكنه بالكاد لمس الخيط حتى سمع صوتًا خافتًا بالكاد همسًا، لكنه كان ممتلئًا بالذعر واليأس
"لا…"
تجمدت يد آثر في الهواء ثم التفت إليه ببطء
أسيل ينظر إليه كان بالكاد قادرًا على فتح عينيه لكنه رغم ذلك حرك يده بضعف قبضته واهية لكنها كانت واضحة في رفضها
ظل آثر يحدق فيه للحظات حاجباه معقودان وعيناه تمتلئان بشيء لم يكن يظهره عادة… القلق
كان ذلك سخيفًا عنيدًا لكن حين رأى ذلك الرعب الحقيقي في عيني أسيل الرعب من أن تعرف والدته… شعر بشيء يشد قلبه
تنهد ببطء ثم جلس على طرف السرير مترددًا للحظة قبل أن يمد يده وبحركة ناعمة غير معتادة منه أبعد خصلة شعر التصقت بجبين أسيل المتعرق
لم يقل شيئًا في البداية فقط راقب أنفاسه المضطربة ثم بصوت خافت لكن دافئ قال
"حسنًا… لن أخبرها"
لاحظ كيف ارتخت أصابع أسيل قليلًا وكأن كلماته وحدها كانت كافية لجعله يطمئن ولو قليلًا
ثم بهدوء لم يكن معتادًا منه جذب الغطاء برفق ليغطي أسيل أكثر قبل أن يضع يده على جبينه للحظة يتأكد أن حرارته لا ترتفع
رغم وجهه الجامد كان هناك شيء لطيف في صوته شيء جعل أنفاس أسيل تهدأ ببطء حتى غرق في النوم ملامحه لا تزال متألمة لكنها لم تعد مذعورة كما كانت قبل لحظات
نظر آثر إليه للحظة طويلة قبل أن يشيح بوجهه بعيدًا يراقب ظل
ال النيران المتراقصة على الجدران متجاهلًا ذلك الإحساس الغريب الذي بدأ يترسخ في صدره
"هذا مزعج…" تمتم لنفسه لكنه لم يتحرك من مكانه
بقي هناك جالسًا بجانب السرير كما لو أن جزءًا منه لم يرغب في المغادرة بعد