كانت القلعة غارقة في صمت ثقيل لا يقطعه سوى صوت خطوات غاضبة تتردد في أروقة القصر وقفت لوكريسيا البريش أمام نافذتها عيناها الخضراوان المتوهجتان بعاصفة لا تهدأ وشعرها الأحمر ينساب كالنيران على كتفيها كانت قبضتاها مشدودتين أظافرها تنغرز في راحتيها وهي تستعيد الأحداث الأخيرة

لقد اختُطف أسيل ابنها جوهرة حياتها القطعة الوحيدة المتبقية لها من جوسيان الرجل الوحيد الذي أحبته يومًا صحيح أن آثر البريش قد أنقذه لكن هذا لم يكن كافيًا لم يكن أي شيء كافيًا حتى تمحو من تجرأ على لمسه من وجه القارة بأكملها

تنفست بعمق ورأسها يسبح في الذكريات عادت بها أفكارها إلى الوراء إلى أيام كانت فيها فتاة صغيرة تحمل اسم لوكريسيا رونان ابنة عائلة نبيلة لكنها لم تكن سعيدة يومًا والدها الرجل الذي كانت تعشقه كطفلة كان صارمًا لكنه كان دافئًا أيضًا بعينيه اللتين تشبهان عينيها وبحنانه الذي لم يمنعه من إعدادها لعالم لا يرحم

لكن كل ذلك انتهى عندما قُتل هو ووالدتها

كانت تبلغ من العمر تسع سنوات عندما اكتشفت جثتيهما والدماء تلطخ الأرضية الرخامية لم تكن طفلة ساذجة رأت نظرات عمها الكونت رونان عرفت الحقيقة لكنه كان أذكى من أن يترك أثرًا تلك الليلة انهار عالمها وأدركت أن الثقة هي أغبى شيء قد تمنحه لشخص آخر

ثم بعد سنوات دخل جوسيان دوبليف حياتها كان الشخص الوحيد الذي استطاعت أن تحبه حقا

لم يكن ذلك حبًّا من النظرة الأولى كان زواجًا سياسيًا خطوة ذكية لتثبيت قوتها لكنها لم تتوقع أن تقع في غرامه كان مختلفًا عن جميع الرجال الذين عرفتهم بابتسامته الواثقة وعينيه الذكيتين اللتين لم تخفيا مشاعره الحقيقية

شعره الابيض كالثلج وعيناه الناعستان السماويتان كالبحر ومظهره الهادئ كان شخصا حنونا ولطيفا لم يكن يخشى قوتها بل كان يحتضنها بلطف كان الرجل الوحيد الذي نظر إليها كإنسانة وليس مجرد أداة أو تهديد

أحبته كما لم تحب أحدًا وحين علمت بحملها بأسيل ظنت أن السعادة قد تكون ممكنة بعد كل شيء

لكن القدر كان قاسياً

مرض جوسيان وتدهورت صحته بسرعة جربت كل ما في وسعها استعانت بالسحرة بالأطباء حتى أنها كادت تلجأ إلى السحر المحرم لإنقاذه لكنه لم يكن ينوي البقاء في أيامه الأخيرة أمسك بيدها في لحظاته الاخيره دون أن تكون قادرتا على فعل شئ

وبعد رحيله وجدت نفسها وحيدة من جديد لكنها لم تكن الفتاة الصغيرة العاجزة بعد الآن صنعت لنفسها اسمًا حولت عائلة دوبليف إلى أقوى عائلة تجارية في الإمبراطورية وأصبحت دوقة البريش بصفقة باردة خالية من المشاعر كل شيء كان من أجل أسيل من أجل ابنها الذي هو آخر ما تبقى لها من الرجل الذي أحبته....أو آخر شئ تبقى لها

والآن بعد أن تجرأ أحدهم على اختطاف؟

نيرانها لم تكن مجرد استعارة بعد الآن غرفتها اهتزت مع تصاعد الطاقة من جسدها وانبعثت ألسنة اللهب على أطراف أصابعها تضرب الجدران والهواء كان الغضب يسري في دمائها يجتاحها بلا رحمة

"لن أتركهم ينجون بفعلتهم" همست وكان صوتها مثل وعد مميت "سأحرقهم حتى لا يبقى منهم أثر

كان عليها أن تتحرك استدارت بسرعة عباءتها السوداء ترفرف خلفها وخرجت من الغرفة بخطوات ثابتة لديها أسماء لتكتشفها وأعداء لتسحقهم وتسفك دمائهم

لا أحد يلمس ابنها دون أن يدفع الثمن

خرجت لوكريسيا من غرفتها بخطوات سريعة حتى أن عباءتها السوداء كانت ترفرف خلفها كالعاصفة التي بدأت تجهز نفسها للانقضاض كل لحظة كانت تمرّ خلال اختطاف أسيل تترك أثرًا عميقًا في قلبها ولكنها لم تسمح لهذا الضعف أن يسيطر عليها كان عقلها يعمل بسرعة ينسج شبكة من الخطط لاكتشاف من كان وراء هذا الفعل ومن أين جاءوا وكيف كانوا يخططون له هذه المرة لم تكن مستعدة للانتظار

وصلت إلى مكتبتها الخاصة في القلعة حيث تقبع خريطة الإمبراطورية على الجدار مغلفة بالذكريات والأسرار وقفت أمامها لحظة تتأمل تفاصيل الأرض التي كانت تعرفها جيدًا ولكنها الآن كانت تبدو غريبة مليئة بالتهديدات المجهولة

"من وراء هذا؟" تمتمت محركًا يديها فوق الخريطة بينما شرارة صغيرة من السحر أضاءت أطراف أصابعها

ثم توقفت عند نقطة معينة على الخريطة مكان كان يعرفه الجميع ولكنها الآن كانت ترى فيه شيئًا مختلفًا في ذلك المكان كانت توجد شبكة معلومات شبكة كانت تقودها نقابة الغراب الأحمر وهي النقابة التي أسستها بنفسها لم تكن في حاجة لقول المزيد هذه النقابة كانت تملك كل شيء المعلومات القوة والقدرة على الوصول إلى أي شخص في الإمبراطورية

وقفت مستقيمة وأغمضت عينيها للحظة استدعت في ذهنها صورة ساحر البرج الرجل الذي كانت تثق فيه أكثر من أي شخص أخر لكنه ليس خيارا الأن أنه شخص يكره الدماء بلا سبب يظن العالم ورديا

سارت إلى نقابتها الغراب الأحمر أكبر شبكة معلومات في القارة المكان الذي لم يستعصِ عليه سرٌ قط لكن هذه المرة مهما بحثت لم تجد شيئًا لا أسماء لا آثار لا أدلة

وكأنهم خرجوا من العدم

قبضت على قبضة كرسيها الجلدي الفاخر أظافرها تترك علامات غائرة هذا لم يكن اختطافًا عاديًا كانت هناك مؤامرة كبيرة تحاك في الخفاء أكبر من أي شيء توقعته

حدقت في الظلام من حولها بعينين مشتعلتين

"مهما كنتم... سأجدكم" صوتها يحمل نبرة تهديد واضحه للمجهول

كانت الأضواء الباهتة في مكتبة الغراب الأحمر تنبعث من مصابيح السحر القديمة التي تعكس على الجدران المنحوتة صورًا لفرسانٍ قدامى كانوا يقاتلون من أجل حماية الإمبراطورية بينما الآن كانت الحقيقة نفسها تختبئ في الظلال لوكريسيا وسط هذه الظلال كانت قد بدأت تشعر بشيء أكبر وأخطر من مجرد اختطاف

"كيف يمكن أن يحدث هذا؟" همست لنفسها عينها تتنقل بين الكتب والمخطوطات التي تحوي أسرار القارة بأكملها لكنها لم تجد ما تبحث عنه حتى خيوط الخيانة كانت مفقودة وكأنها أزيلت بعناية من الوجود

تراجعت إلى الوراء ضغطت جبهتها بأصابعها كما لو أنها تحاول الضغط على عقلها ليظهر الإجابة "إنهم يخفون أثرهم جيدًا ولكن ليس جيدًا بما فيه الكفاية"

كأن شيئًا ما انفجر داخلها فجأة حركة سريعة ويدها تغلق على أحد الكتب القديمة فتحته بسرعة على صفحة مذكورة بحبر متلاشٍ كانت خريطة من زمن بعيد تعود إلى أيام الإمبراطورية القديمة لكن في الزاوية كانت هناك نقطة صغيرة تضيء بشكل غريب على الرغم من العتمة

نقطة غريبة في مكان بعيد

"هذا..." تملكتها دهشة مبدئية ثم تسارعت ضربات قلبها قبل أن يسيطر عليها الغضب مجددًا "هم هنا... يعلمون كل شيء"

أغلقت الكتاب وأعادت وضعه في مكانه ثم التفت بسرعة نحو الباب كانت هناك طريقة واحدة فقط لمواجهة هذه المؤامرة طريق واحد فقط سيقودها إلى الجناة الذ

ين اختطفوا أسيل لا أحد يستطيع الهروب من عيون الغراب الأحمر حين تقرر أن تنقض عليهم

"سأذهب هناك حيث لا يتوقعون" قالت بصوت خافت وكأنها تتحدث إلى نفسها لكن نبرتها كانت مليئة بالتصميم والغضب

2025/02/25 · 177 مشاهدة · 1004 كلمة
Jeon
نادي الروايات - 2025