في الصباح التالي، كانت الشمس بالكاد قد تسللت من خلف الغيوم حين صدرت الأوامر بخروج الدوق والدوقة

رسميًّا، كان الغرض من رحلتهما متابعة بعض شؤون الحدود الغربية والإشراف على مستودعات الإمداد الشتوي

لكن في الحقيقة...

كانت العربة المُحصّنة تنطلق بخفة غير معتادة، مُحمّلة بخرائط قديمة، ومخطوطات سحرية، وقلق صامت لم يتبادله الزوجان بالكلمات

"هل أنتي متاكده من الذهاب قد تبقى هناك لأسبوعين أن لم يحدث شئ أخر"

سأل الدوق بصوته الجاف، دون أن يلتفت

هزّت لوكريسيا رأسها ببطء، تحدق من النافذة نحو الغابات التي يبدؤها الصقيع في التهام أطرافها

سرحت لحظة وهي ترتّب قفازها الجلدي، ثم التفتت إليه ببطء، وعيناها الخضراوان لا تتركان مجالًا للشك

"أنا ذاهبة، وما لم يكن لديك سبب استثنائي يُجبرني على إعادة الحسابات... فأتوقع أنك ستكون هناك أيضًا"

".....حسنا " رد بشكل عرضي وهو يفكر في المستقبل المجهول

في الجهة الأخرى من الإمبراطورية، كانت الأرض تئنّ تحت أقدام الخيول ورائحة الدم

ايرلاي يراقب المشهد من مكان مرتفع كأنه يشاهد عرضا مسرحيا واقفا هنالك بينما تحرك الرياح العاتيه رداءه الباهت تصدر صوتا أشبه بنحيب الموتى

كان البرابرة يتراجعون في فوضى عشوائية، إلى العاصمة...

لكن العاصمة لم تكن الرحمة

كانت حفرة انتظار... وفمًا مفتوحًا لوحش

"أهربوا إذًا! ليروا رؤوسكم فوق الأسوار!"

صرخ جندي من خلفه، لكن إيرلاي لم يتكلم، فقط شق طريقه عبرهم، حتى بدا كأنه قطعة من الحرب نفسها، لا بشريًّا

البرابره كانوا كأنهم نُحتوا من الصخر الوحشيّ نفسه، ضخام الأجساد، لا تليق بهم الأسماء بقدر ما تليق بهم الزئير. جلودهم موشومة بندوب الحروب القديمة، وأعينهم... يا لتلك العيون! حادّة كنصل مغموس في دماء الفجر، لا تترك شيئًا إلا وخزته بنظرةٍ تُجيد اقتفاء الخوف في القلوب

يحيطون أنفسهم ببقايا تنين قديم، كأنهم عقدوا معه عهدًا لا يُكسر. من عظمه شادوا حواجزهم، ومن جمجمته نحتوا أعمدة طقوسهم، لا ليتعبدوا، بل ليرهبوا كل من سمع باسمهم. يتخذونه درعًا يحميهم من الوحوش التي تجوب صحارى الغرب القاحلة، وكأن رماد ذلك الكائن الأسطوري لا يزال ينبض في عروقهم

عند رؤيتهم، يتوقف الهواء للحظة، كأن الصحراء نفسها تحتبس أنفاسها. يتقدمون بخطى واثقة، لا يسيرون بل يزأرون في الأرض، وكل من يقف أمامهم... لا يراه أحد مجددًا

"من جديد، يحترق كل شيء... هل نعيد اللعب من بدايتها؟"

وسط صرخات الجنود المتقطّعة، وزئير البرابرة الذي شقّ السماء كعواءٍ بدائيٍّ ينذر بالهلاك، ظهر من بين الدخان...

اهتزت الأرض من حوله يخبئ ملامحه خلف قناع اسود صنع من عظام الوحوش

كان أطول من غيره، أكتافه تكسوها دروع من جلد الوحوش، وقرن تنينٍ مشقوق يتدلّى من عنقه كعلامة رتبةٍ لا يُجرؤ أحد على لمسها

توقفت صفوف البرابرة من حوله لحظة، كأن حضوره وحده كفيلٌ بتوحيد الغضب وتهذيبه نحو القتل

لكن النيران لم تنتظر

من فوق التلّ، كان "إيرلاي" يمدّ يده، والشرر يتراقص من بين أصابعه كأن له عقلًا وأنيابًا

اندفع لهبٌ أزرق، قاسٍ كالقضاء، يلتهم الأجساد دون أن يترك صرخة كاملة

الهواء نفسه احترق

البربري الأعلى لم يتحرك... سوى أن رفع سلاحه الباهت نحو إيرلاي، وعيناه الحادتان، كأنصلٍ صدئ، التقتا بجمرة الساحر

كانت الحرب قد بدأت حقًا نظرات ايرلاي الدمويه كفيلة بإعلان ذلك

..........

أما في القصر، فقد جلس أسيل في قاعة الشمس، يغمره الدفء الذهبي لكن دون أن ينعكس على ملامحه

كان يتحدث بصوتٍ طفولي هادئ، يضحك من شيءٍ قاله الخادم، يُمسك كتابًا مصورًا عن تنانين البحر، ويبدو تمامًا كما يجب أن يبدو طفل في العاشرة

عندما غادر الجميع تراخى جسده، ارتخت شفاهه، وانطفأ النور في عينيه

كأن كل التعبيرات سقطت من وجهه دفعة واحدة، كزهرة ذابلة قُطعت عن الجذر

جلس هناك، ساكنًا، لا يُحرك شيئًا سوى أصابعه التي تنقر على ذراع المقعد بنبضٍ داخلي لا يُسمع

الخدم مرّوا قربه... لكنه لم ينتبه لوجودهم كأنه تعب من التظاهر

نظراتهم كانت قلقة، متسائلة، بل حتى متألمة، لكن لا أحد تجرأ على التقدم ...كأن التغير الغريب لذلك الطفل يبدوا كشمعة منطفءه يحدث كثيرا مؤخرا

«هل هو مريض؟»

«هل علينا إبلاغ أحد؟»

لكنهم لم يفعلوا شيئًا

فقط تابعوا أعمالهم كأشباح

وفي أحد الأركان، وقف آثر، يراقبه بصمت

اقترب ببطء، جلس على طرف الأريكة المقابلة له، ثم قال

"أسيل... والدتك رحلت ستعود بعد اسبوعين على الأرجح، لكنني هنا إن أردتَ الحديث"

لم يردّ

"أتعلم، لست وحدك"

صمت.....

"أنا أيضًا... لا أجد دائمًا تفسيرًا لكل شيء مالم تخبرني "

ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، مجهدة

"لكننا نحاول، أليس كذلك؟"

أسيل لم يتحرك، لم ينبس، حتى عينيه لم ترمشا

كان كمن انفصل عن العالم، أو كمن لم يعد يرى جدوى من التظاهر كان التظاهر أمام لوكريسيا مرهقا بما فيه الكفايه

نظرات آثر القلقه شرحت ,كل شئ ...ما الذي قد يزعج طفلا لهذه الدرجه حتى يصبح ذابلا هكذا لم يجد الجرءه على السؤال او ربما لم يعد يعلم حتى كيف يتواصل مع الآخرين العالم قبل العودة كان كفيلا بتغير كل شئ

آثر... بطل الرواية

«ذلك الذي كان سيقتلني في النهاية»

«لكن النهاية ليست هنا بعد... وأنا... ما زلت أتنفس»

فكر أسيل ببرود، يراقب آثر كما يُراقب ظلاً لا يعني له شيئًا

«إلى متى سأظل أبتسم كدمية؟ أنا متعب... لا أحد يسمع، لا أحد يفهم»

«لقد تخلّت أمي عني، ولم تسأل حتى إن كنت بخير»

كانت نظراته بلا حياة. ليست حزينة، ولا غاضبة، بل خالية... كأن كل شيء داخله قد احترق منذ زمن

آثر شعر بوخز داخلي

تلك النظرة... شيء فيها جعله يتراجع

لم يكن يعلم ما يشعر به

هو لم يعد يشك في أسيل... ليس كما كان من قبل. لكن ذلك لا يعني أنه وثق به تماما لا يجب أن يثق بأي شئ حتى ذاته ووجوده نفسه

«أنا لا أرتاح لأحد»

«إن ارتحت... أخطئ»

«والخطأ... لا يُغتفر»

نهض آثر من مقعده ببطء، خطواته ثقيلة

وقبل أن يغادر، قال بصوت منخفض

" إن أردت أي شئ اطلب من رئيس الخدم"

ثم

غاب في الممر الطويل، دون أن يلتفت

للعلم اصل البرابره لا يرجع إلى عرق النيرفاليس أنه فقط تشابه في السمات فجميع برابرة الغرب يمتلكون عيونا حمراء دمويه 😶🤍

2025/06/16 · 12 مشاهدة · 914 كلمة
سالفيا
نادي الروايات - 2025