وصل الدوق البريش و الدوقه إلى حدود الصحراء الجليدية الغربية، يرافقهم نخبة من الجنود المدربين، لكن الأرض نفسها بدت كأنها تلفظ وجودهم، وتمدُّ إليهم أنفاسًا من مانا ميتة، راكدة وعنيفة في آنٍ واحد، تزرع الخدر في القلب والتشويش في العقل
الثلج الذي يغطي المكان كان كثيفًا، يتراكم على الصخور الداكنة ويخفي تحته آثارًا قديمة
"توقفوا هنا"
قال أحد السحرة المرافقين بصوت مرتجف
"إنها موجات غير مستقرة… ليست مانا عادية، إنها تحمل… ذكريات ليست لنا"
كانت لوكريسيا أول من أحسّ بها
لم تكن فقط تشعر بالبرد، بل بدفء غريب بدأ يزحف تحت جلدها…
دفء ذكرى لم تكن تعتقد أنها ما تزال على قيد الحياة
وفي لحظة… توقف الجميع توقف كل شئ موجه المانا العنيفه بدت كما لو أنها تغير الزمكان
توقفت عن إدراك الحاضر
..............
الثلج تحوّل إلى ضوء ورديّ دافئ
وغرفة مظللة كانت مليئة بلمعان الذهب القمري، حيث تُفتح النوافذ على حديقة من أزهار التفاح
كانت لوكريسيا بشعرها الاحمر كالنيران ترتدي ثوبًا بسيطًا، فضفاضًا بداءت بطنها تكبر دالتا على ولاده حياة جديدة قريبا، وتمسك بين يديها فستانًا صغيرًا جدًا، بلون أزرق شاحب
حولها تنتشر صناديق مفتوحة، كل منها يحوي ملابس أطفال، ألعاب خشبية ناعمة، وسائد صغيرة، عطورًا برائحة الفانيلا، وحتى عصًا سحرية خشبية مطلية بالفضة
كانت تبتسم، وتتحرك بخفة طفلة في دكان الأحلام
"سأحتاج لخمسة أرفف فقط للقبعات... لكن ربما ستقول إنني أفرط قليلاً..."
ضحكت وهي تُحدث نفسها، أو لعلها تحدث شخصًا لم يكن موجودًا بعد
وفي تلك اللحظة…
انفتح باب الغرفة
دخل جوسيان دوبليف
كان الشخص الوحيد الذي سمحت له من الاقتراب من الجدار الذي وضعته أن لم تعد لديها عائله يمكنها فقط صنع واحده ...أو هذا ما ضنته
شعره الأبيض كالثلج المنسكب، يضيء مع الضوء، وابتسامته—آه، تلك الابتسامة—هادئة، لكنها تحمل كل ما كانت تحتاجه يومًا
"لوسي"
قالها وكأنه لم ينطق باسمها منذ قرن
استدارت نحوه… وعيناها اغرورقتا ببطء
"أنت هنا...؟ حقًا؟"
ركضت إليه كمن وجد قلبه بعد تيهٍ طويله
" لماذا تأخرت كثيرا هذه المره "
قالتها كما لو أنها تتذمر
احتضنته كأنها لن تدعه يختفي، كأنها نسيت أنّه فعل
"انظر!"
قالت وهي تمسك بفستان الطفل
"كنت أجهّز كل شيء… أعلم أنني بالغت، لكنني كنت فقط… سعيدة جدًا"
"لا بأس بالمبالغة أحيانًا"
أجاب بابتسامة، ثم جلس على الكرسي أمامها، يتأمل دمية قماشية على شكل غراب صغير
"لو متُّ قبل أن يُولد..."
قالها بنبرة خفيفة، فيها مزاح خافت، كأنما أراد كسر السكون
"هل تعتقدين أنه سيشبهني؟"
نظرت إليه بحده
" عزيزي . هل احرقك فقط نار واحده كفيله بذالك"
فابتسم وهو يرفع إحدى القطع القماشية الصغيرة
"شعر أبيض مثلي... وعينان خضراوان مثلك"
ثم أضاف كما لو انه يتنهد
"طفل جميل... اسمه أسيلسان"
قال الاسم ببطء، كأنما يقرأه من كتابٍ مقدس
"أسيلسان..."
ردّدت هي بهمس
"الطريق المستقيم... ذاك الذي لا يُواجه فيه أي صعاب. يعيش حياة هادئة، لا يُضطر فيها أن يكبر قبل أوانه"
تجمدت ابتسامتها
"لكن…"
همست، "كيف عرفت أنه سيكون صبيًا إلا تريد فتاة؟"
بدت كطفله مستاءه هذا قريب قليلا فقد كانت شابه صغيره عمرها إثنان وعشرون عاما فقط
ضحك، لكنه لم يُجب
نظر إليها بنظرة كأنها تُكسر شيئًا في داخله، شيئًا هشًا وثمينًا
"لأنني حلمت به لنقل أنه كذالك فقط"
قالها وهو يُمسك بيدها، يضمها إلى صدره
"ولأنني تمنيت له حياة لا تشبه حياتي… ولا حياتك"
"جوسيان؟"
لكنه بدأ يتلاشى
ببطء…
أصبحت صورته تذوب كما يذوب الدفء في الصقيع
"جـــوسيــــان!!"
فتحت لوكريسيا عينيها وهي تلهث، وشعرها عالق على جبينها، رغم الثلج المتساقط
الدوق البريش انحنى نحوها، ممسكًا بكتفها
"لوكريسيا؟ هل ما زلتِ معي؟"
نظرت إليه بارتباك، ثم أومأت ببطء
"كان حلمًا..."
قالتها بصوت أشبه بالبكاء، اجابه
"فقط... حلم"
التفتت حولها، لتجد الجنود و السحره… بعضهم جاثٍ على ركبتيه، بعضهم يئن، وآخرون يبتسمون بغباء… وكأنهم هم أيضًا غرقوا في أحلامهم
"لا يمكننا أن نستمر هكذا"
قال الدوق، وهو يشير إلى الجنود
"المانا هنا… تسحب الوعي. تخلق أوهامًا مستمدة من رغبات دفينة"
"يجب أن يكمل اثنان فقط"
قالت لوكريسيا بحزم، وعيناها عاودتا الاتقاد من جديد
وهكذا، وقفا هما الاثنان… وحدهما
الدوق والدوقة، وحيدان في صحراءٍ لا ترحم
بين موجات المانا الباردة، وذكريات لم تُدفن بعد
تركا الجنود عند الحدود، أوصوهم بالتراجع والاحتماء، ثم شقّا طريقهما إلى أعماق الأرض التي لا يُسمع فيها سوى الصمت… والصدى البعيد
«جوهرتي الثمينه والدتك ستعود قريبا»
عازمتا على العودة في اقرب وقت ممكن
.......
انفجرت الأرض بينهما، وارتفعت الحجارة كأنها تسأل أيّهما سيبقى
تقدّم البربري بخطوات ثابتة، كل خطوة تهزّ التربة، وكل نفس كأنه إعلان حرب
أيرلاي انحنى قليلًا إلى الجانب، ينفخ على ظفره كأن الأمر لا يعنيه
قال ساخرًا
"أتراك تفهمني؟ بالطبع لا… لكن لا بأس. الألم لغة شاملة"
صرخ البربري بصوتٍ مزّق الهواء، وضرب الأرض بقدمه، فانقسمت التربة وارتفعت الصخور خلفه كأنها تدفعه للأمام
ضربة واحدة
ذراعه كالسيف، وقبضته كالمطرقة
رفع أيرلاي حاجبه، ثم لوّح بإصبعه
خرج من راحة يده لهيبٌ نحيل واحد، كخيط من الجحيم، امتد كالسوط وضرب البربري في صدره
صرخة، لكن ليست من ألم
بل غضب محض
الضربة حرقت جلده كان يجب أن تكون كفيله بحرق روحه لمسه واحدة فقط ..الربما كانت بسبب مانا كاءن متعال كرفاة التنين ام لسبب أخر
لكن عينيه ظلّتا ثابتتين
ثم هبط بقبضته على الصخرة خلف أيرلاي
الصخرة اختفت
تحولت إلى غبار
نظر أيرلاي إلى الحطام ثم تمتم
"حسنًا… لستَ مزحة"
حرك إصبعيه بحركة دائرية، فارتفعت ثلاث كرات من النار، تدور حوله
"واحدة تحرق جسدك…"
انطلقت الأولى، أصابت كتف البربري فاحترق الجلد وانبعث الدخان
"واحدة تحرق روحك…"
الثانية دخلت صدره، جعلته يتراجع، يزأر، ينحني، لكنّه لم يسقط
"والثالثة؟ دعنا نحتفظ بها للنهاية"
ركض البربري، يده تنزف، جلده محترق، لكن جسده لم يتراجع
ضرب أيرلاي بكفّه، فتشكلت قبة من النار حوله
ضربها البربري بقبضته
صوت كالرعد
ضربة ثانية
ثم ثالثة
تشقق اللهيب، وأيرلاي قهقه
"أنت لا تعرف ما معنى حدود، أليس كذلك؟"
رفع البربري حجرًا ضخمًا، ورماه
اخترق النار، انفجر قرب أيرلاي، وأزاحه
انقلب سيد البرج في الهواء وسقط
مسح الدم من فمه، ونظر بدهشة ساخرة
"أوه… لقد جعلتني أنزف. هذه لحظة نادرة"
نهض
صفّق بإصبعه
اشتعلت الأرض تحت قدمي البربري، لكنّه لم يتراجع.
اندفع خلال النار، وكل عضلة في جسده تنزف قوة
ضرب أيرلاي بمرفقه، ارتجف الهواء
أيرلاي انحنى، تفاداها، لكن الهواء خلفه انفجر
"أنت حفنة غباء نقي"
قالها وهو يفتح راحته
"وهاك… النهاية"
أطلق الكرة الثالثة
صغيرة، حمراء، صامتة
دخلت في صدر البربري
لحظة
ثم اشتعل النور من داخله
صرخ، لكن صوته كان مثل ألف عاصفة
احترق الجلد، ثم اللحم، ثم شيء أعمق
ركع البربري، عيناه مملوءتان بالدم
ثم…
نهض
رغم كل شيء، نهض
كأن الجحيم لم يكن كافيًا
"…أنت… تمزح صحيح؟"
قال أيرلاي، وقد بدت عليه أول مرة علامات القلق الحقيقي
«سحقا بدا هذا يصبح مزعجا »
البربري رفع قبضته
ثم أنزلها
الأرض تكسرت
أيرلاي اختفى في سحابة غبار وسُعال
صرخ
"هذا ليس منصفا ايه البربري اللعين فقط مت لماذا تجعلني أعمل أكثر —"
ضربه البربري بركبته
طار سيد البرج
في الهواء كدمية مكسورة
لكنه لم يسقط
توقف
تجمّد في مكانه
نظرة من عينيه اشتعلت فيها قسوة جديدة
"…فهمت الآن"
مدّ يده، رفع إصبعه ببطء
"لن أحرقك بعد الآن… سأمزقك من الداخل "
والهواء بينهما احترق احرق كل شئ قريب لم يعد يهتم للحلفاء أصبح هذا مملا
...... أعتذر عن السحبه الطويله لقد أكملت عده مسودات فسول في هذه الفتره وسارفعهم جميعاً تدريجيا اليوم وما بعده أن شاء الله أن شاء الله 🤍😶
shome509 حساب التيك توك أنشر فيه أشياء عن الروايه 😶✨