"وماذا بعد؟"
رفعت إستيل ذراعها اليمنى للأمام بأمرٍ من إدغار، ثم حدّقت فيه.
تقدم من خلفها وأمسك بمعصمها، وأغلق عينيه ببطء.
انقبض حاجبا سيدريك بانزعاج من المسافة التي تقلصت فجأة بينهما، لكن إدغار تجاهل الأمر تمامًا.
قال بهدوء:
"مصدر قوة الساحر السحرية هو قلبه. وازني بين سرعة نبضك وأنفاسك."
"هُوه، هُوه..."
"لا داعي لإصدار صوت."
طرق جبهتها بطرف إصبعه كنوع من التأنيب، فالتفتت إليه إستيل بغيظ واحتجاج:
"أنا لست طفلة، كُف عن هذا الأسلوب!"
ابتسم بخبث:
"بالطبع، فالطفل سيكون أذكى منك غالبًا."
أدارت وجهها عنه وهي تتمتم متذمرة:
"آه، يا لوقاحة هذا الـ..."
"ماذا قلتِ؟"
"لا شيء! إذن، ماذا بعد؟"
راقبها إدغار وقد خطرت له فكرة ما، فتردد قليلًا هل يشدّ على وجنتيها أم لا، ثم قرر التغاضي هذه المرة.
انحنى قليلًا حتى صار فمه قريبًا من أذنها وهمس:
"تخيّلي الدم المتدفق من قلبك وهو ينساب عبر ذراعك اليمنى وصولًا إلى معصمك... ثم حتى هنا."
نقر بأطراف أصابعه على وسط كفها الممدودة، فعبست إستيل وهي تحاول التركيز.
مد يده وأراح خطوط جبينها المشدودة قائلًا:
"لا تُجهدي نفسك، فالضغط الزائد سيعطّل الأمر. يجب أن يكون الأمر طبيعيًا كما لو أنك تستخدمينه في حياتك اليومية."
"طبيعيًا... دون جهد..."
رمقها بنظرة جانبية حين رأى على وجهها ملامح الارتباك التام، وهز رأسه بأسى.
'حماس بلا فائدة... هذه ليست إلا مراهقة تظن أنها بطلة قادرة على إنقاذ العالم بينما قدراتها لا توازي غرورها.'
ثم أمسك بذراعها التي تراخت أكثر مما ينبغي وقال:
"لكن لا ترخيها تمامًا أيضًا."
"وما المطلوب إذًا؟!"
"وأيضًا، توقفي عن المجادلة."
'كم من الأمور التي يمنعني عنها هذا الرجل!'
فكرت إستيل وهي على وشك البكاء.
لكن في اللحظة التي استطاعت فيها الحفاظ على التوازن بين الشدّ والاسترخاء، انبثق من أطراف أصابعها وهج ذهبي.
وما إن لمح إدغار ذلك حتى تجمدت ملامحه وأطبق على معصمها بصرامة قائلاً بنبرة منخفضة:
"توقفي. حافظي عليه كما هو."
ابتلعت ريقها وحافظت على أنفاسها ثابتة وهي تفتح عينيها ببطء.
كانت على وشك الارتباك لرؤيتها هالة الضوء تتسرب من أصابعها، لكن صوته قاطع أفكارها مجددًا:
"اثني جميع أصابعك ما عدا السبابة، وركّزي قوتك في طرفها."
اتبعت تعليماته، ومع انحناء أصابعها من الخنصر حتى البنصر، ازدادت كثافة اللون في طرف سبابتها.
كان سيدريك يراقب إدغار وقد لاحظ أن هدوءه المعتاد قد اختفى، وحل محله تركيز جاد.
'هل هناك مشكلة ما؟'
اقترب إدغار منها، وبدأ برسم دائرة سحرية وهو يقول:
"شاهدي ما أفعل وقلديني بدقة، وبالترتيب نفسه."
"هاه؟! مهلاً، أعد من البداية."
توقعت أن ينفعل عليها، لكن المفاجأة أنه محا الدائرة التي أوشك على إكمالها، وبدأ من جديد بخطوات أبطأ.
تابعته إستيل بعينيها، ترسم دائرة خاصة بها بتركيز شديد.
وما إن أنهتها، حدّقت فيه بنظرة تحمل سؤال "وماذا بعد؟"، فجاء الأمر الفوري:
"املئي الفراغات بما أقول: عمودي، توازن ثابت، ارتفاع 18 مترًا... وأخيرًا، كم وزنك؟"
"ماذا؟! لا أدري—آخ!"
"حسناً، اكتبيه 50 غراف."
قال ذلك بلا تردد، بعد أن أحاط خصرها بذراعه ورفعها قليلاً كما لو كان يزنها ثم أنزلها.
فتحت فمها بذهول، لكنها سارعت لكتابة التعليمات في الفراغات: عمودي، توازن ثابت، ارتفاع 18 مترًا، 50 غراف...
وفجأة، هبّت عاصفة قوية.
"آآآه! ما الذي—!"
ارتفع جسدها عن الأرض، وبدأ يطفو بخفة في الهواء مدفوعًا بالرياح التي راحت تصعد بها نحو السقف.
هرع سيدريك إلى إدغار وأمسك بياقته بعنف.
"ما الذي تفعله؟!"
"أعلّمها كما طُلب مني."
أجابه بلا ذرة تعاطف تجاه إستيل التي كانت تتخبط في الهواء.
"لماذا بهذا الأسلوب المتهور—"
"أنتم لم تمنحوني الوقت لأتبع كل المراحل، فلا تلمني. بالمناسبة، يا قائد الفرسان..."
"لم أعد كذلك."
رفع إدغار حاجبًا باستهزاء:
"ألم تكن تلك وظيفة دائمة حتى التقاعد؟"
تابع يراقب إستيل وقد أوشكت على بلوغ السقف ومدت يدها نحو دفتر الساحر العظيمة، ثم التفت نحو سيدريك بابتسامة باردة:
"لماذا؟ طُردت؟"
"استقلت."
"تترك منصب قائد الفرسان المقدسين وأنت في هذا العمر؟ ماذا، أتطمح لاعتلاء العرش؟"
"احفظ لسانك عن كلمات الخيانة."
ضحك إدغار وهو يربت على كتفه:
"ولِمَ لا؟ الطموح الكبير أمر جيد. أليست عائلتك الدوقية تحمل دماءً إمبراطورية ولو بنسبة ضئيلة؟"
زفر سيدريك ضجرًا وقال:
"إن كان لديك ما تريد قوله، فادخل في صلب الموضوع."
تلاشت ابتسامته شيئًا فشيئًا، وقال إدغار بنبرة تحمل يقظة خفية:
"أظن أن هناك أمورًا عن تلك الفتاة لم تخبرني بها."
ظل سيدريك صامتًا، فتابع إدغار:
"عجيب... سمعت عنك الكثير."
'اللعنة، ما الذي يريد معرفته بالضبط؟'
كان يظنه ساحرًا لا يهتم بما يدور في العالم، لكن يبدو أنه كان يتظاهر فقط.
لم يذكر سيدريك عمدًا أن إستيل هي أول من فكّ ختم دائرة سحرية عن طريق المصادفة، ثم من شدة الصدمة، أخرجت دائرة أخرى ذات قوة مذهلة.
رغم كفاءة إدغار، إلا أن الثقة الكاملة به كانت مستحيلة.
فقد وُجد من قبل ساحر عبقري تفرغ لدراسة السحر... وانتهى به الأمر لارتكاب مجازر.
قال إدغار:
"أنت فارس ومبارز ورجل سيف، ومن المفترض أن يتغلب حدسك أحيانًا على عقلك. لكنك وعلى نحو غريب، شديد البرود والتحليل بالنسبة لمقاتل. هذا ما سمعته عنك."
"هذا انطباع مسيء."
"أنا أقول إنه لو كانت قوة تلك الفتاة تقتصر على ما ورثته من طاقة هائلة عن الساحر العظيمة، لما ساعدتها أنت أصلاً."
نظر إلى إستيل التي كانت تتأرجح في الهواء محاولة الإمساك بالدفتر، ثم اقترب منه وهمس:
"هناك أمر آخر لم تخبرني به، أليس كذلك؟"
"........"
"عادةً، يحتاج الساحر المتيقظ إلى عام كامل لفتح طاقته السحرية. لكنها فعلت ذلك من أول محاولة، بل وتمكنت من رسم دائرة بعدها مباشرة. هذا أمر غير منطقي."
حدق في سيدريك بعينيه الخضراوين الحادتين، لكن سيدريك رد بابتسامة باردة:
"حسب قولك، أنت ستتخلى عن هذه المهمة في لحظة حاسمة. ولا أرى سببًا لمشاركة كل شيء مع شخص كهذا."
ابتسم إدغار ابتسامة جانبية:
"يا لضيّق صدرك."
"أتظنه أمرًا هزليًا؟ هذه مهمة تتعلق بمصير الإمبراطورية وحياة الكثيرين. لا مجال للتهاون."
رفع إدغار حاجبه باهتمام، ثم نظر إلى إستيل التي نجحت أخيرًا في الإمساك بالدفتر، وهي تضحك بفرح شديد.
أعاد نظره إلى سيدريك وسأله:
"هناك شيء فيها، أليس كذلك؟ شيء يجعلك حتى أنت تؤمن بأنها قد تتمكن من قتل الشيطان."
رفض سيدريك الإجابة، وحوّل نظره نحو إستيل التي كانت تفتح مذكرات الساحر العظيمة.
وبين الصفحات، انزلق شيء وسقط.
"آه؟!"
مدت يدها لالتقاطه، لكن بمجرد خروجها من نطاق الرياح، فقدت توازنها.
شعر سيدريك بقلبه يسقط في صدره، ووجوههم جميعًا شحب لونها حين بدأت تهوي بسرعة.
"إستيل!"
تحرك جسده قبل أن يفكر حتى.
اندفع سيدريك مسرعًا نحوها، وأمسك بها قبل أن ترتطم بالأرض، ثم تدحرجا معًا على الأرض بعنف.
ومع ارتطامٍ صاخب، وجد الاثنان نفسيهما متشابكين يتبادلان النظر.
"هل أنتِ بخير؟"
"آه... أوه... ظهري..."
كان سيدريك هو من تدحرج بعنف أكبر، ومع ذلك، كانت إستيل التي حماها بين ذراعيه هي التي تتأوه وتتذمر.
أما إدغار، فعلى الرغم من أنه لم يُظهر شيئًا، إلا أنه اندهش لرؤية الدوق الصغير ينهض بسهولة وينفض الغبار عن نفسه.
'لا بد أن الصدمة كانت شديدة... مما صنع هذا الجسد يا ترى؟'
اقترب إدغار من إستيل التي كانت تمسّك بظهرها ودموعها تلمع في عينيها، وسأل بصوت هادئ:
"يا للأسف، لا بد أن الألم شديد. كان عليكِ استخدام تعويذة الهبوط عند السقوط."
'أيها الوغد...!'
كادت الشتيمة أن تفلت من بين أسنانها، فزمّت فكها وقالت بحدة:
"أنتَ لم تخبرني بذلك أصلًا!"
"آه، صحيح."
"آآآه! لن أتركك هذه المرة!"
ابتسم لها بلا أثر للندم، ومد يده وكأنه يدعوها لتستند عليه وتنهض.
لكنها ما إن حاولت الاتكاء عليه حتى أطلقت أنينًا، وعادت لتجلس مكانها.
عندها اقترب سيدريك، وهو يقطب حاجبيه، وسأل:
"ما الأمر؟"
"آه... الألم شديد هنا."
"يبدو أنكِ قد أصبتِ بالتواء في ظهركِ، دعيني أرى."
ضغط إدغار بطرف سبابته على موضع الألم في جانبها الأيسر، فارتفع صوت أنينها أكثر.
هز رأسه وهو ينقر بلسانه مرتين، ثم قال:
"لقد التويت فعلًا. سأجري تعويذة لتخفيف التورم، ارفعي ملابسك قليلًا..."
"لا داعي."
'رفع الملابس؟ ما هذا الكلام؟'
تدخّل سيدريك فورًا، ووقف بينهما، ثم حمل إستيل من الأرض بخفة.
وجدت نفسها تستند إلى صدره دون أن تفهم، فقالت بارتباك:
"هاه؟ لماذا؟ أنا أريد تلك التعويذة لتخفيف التورم."
'ألا تفكر هذه الفتاة مطلقًا قبل أن تسمح لشخص غريب بلمسها أو إلقاء تعويذة على جسدها؟ بل ويطلب منها رفع ملابسها؟!'
كاد الغضب أن يطفح منه، لكنه تمالك نفسه وأجاب محدقًا في إدغار:
"تلك الدرجة من التورم ستزول بسهولة بالكمادات الباردة خلال يوم واحد."
'ما قصتهما بالضبط؟'
هكذا تساءلت نظرات إدغار الخضراء وهو يتنقل ببصره بينهما.
'مجرد أنني أساعد رفيقة مصابة، وهو يراها أمرًا غريبًا!'
رفعت إستيل نظرها إلى إدغار، وحركت شفتيها بصمت قائلة "اصمت" ثم التفتت إلى سيدريك.
"أه... هكذا إذن؟"
"أنا أدرى بالإصابات. ثم إنكِ أرهقتِ نفسكِ كثيرًا الليلة الماضية. فلنعد الآن."
نظرت إلى إدغار مرة، ثم إلى سيدريك، وكأنها اتخذت قرارها، وقالت بنبرة مرحة:
"فلنفعل ذلك إذن!"
وكأن سيدريك كان ينتظر جوابها، تقدم بخطوات ثابتة نحو التنين وأشار له بعينيه ليفتح المخرج.
كانت إستيل على وشك اللحاق به بلا تفكير، لكن جسدها تجمّد فجأة.
—-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep