تحملتُ عواقب افعال والدتي المتجسدة [ 56 ]
ومرة أخرى، ارتسمت النقطة الأخيرة على الدائرة السحرية الثانية.
دوّى صوت انفجار!
وأضاءت السماء بوميض خاطف، قبل أن يهبط عمود من الضوء من الأعالي، ثم سرعان ما اشتعلت ألسنة اللهب في صواري سفينة العدو.
المرأة التي أنزلت ذلك البرق المهول أطلقت صيحة احتفال باهتة لا تليق بضخامة ما فعلته.
"هاه! أ-أخيرًا نجحت!"
"أحسنتِ."
سيدريك وهو يراقب أتباع العدو وهم يركضون في فوضى محاولين إخماد النيران، التفت إلى رفيقيه.
"لننطلق."
"ألن نقتلهم؟"
"نحن ثلاثة فقط، وهناك على الأقل عشرات منهم... كيف سنفوز؟"
"وأنا هنا أيضًا."
وقعت عين سيدريك على لوتشي وهي تشدّ كمَّه بعناد وشفتيها مطبقتان.
"أعرف أنكِ معنا... لكن هل تظنين أنكِ قادرة على القتال كما يفعل مقاتل حقيقي كامل العدة؟"
التفت عنها بعصبية وقال:
"حين نصل إلى النقطة التي حددتها لنا الساحرة العظيمة سنعرف ما ينتظرنا. نحن في عرض البحر، فلا داعي للبقاء هنا. اجمعوا ما يمكن جمعه، والهروب هو أولويتنا."
"حتى قائد الفرسان المقدسين لا يملك حيلة."
"كم مرة قلت لكِ إنني تركت منصبي؟ ثم إن الوضع الآن غير مطمئن على الإطلاق. فلنأخذ ما نحتاجه من هناك ونعود إلى اليابسة."
ألقى إيدغار نظرة ضجرة نحو أتباع العدو المهرولين، ثم بدأ مجددًا في التحكم بالرياح.
ومع انضمام عاصفته إلى العاصفة الطبيعية، بدا أن السفينة ستطير من مكانها، ومع ذلك كانت تشق طريقها بصعوبة إلى الأمام.
تلاطمت الأمواج حتى غمرت سطح السفينة، فابتلّت إستيل حتى العظم، وأبعدت خصلات شعرها الملتصقة بخدها.
"أفف! مالح!"
تمتمت وهي تبصق ماء البحر من فمها، فأعطاها سيدريك قنينة ماء وسأل:
"أأنتِ بخير؟"
في الحقيقة، لم تكن إستيل بخير أبدًا.
لم تكتشف إلا الآن أنها تعاني من دوار البحر، فغلقت عينيها وأعادتهما لتسكين معدتها المضطربة، ثم سألت:
"ترى... ما الذي قد يخبّئونه في عرض هذا البحر...؟"
"أتمنى أن يكون هناك جزيرة صغيرة على الأقل."
رغم علمها أن لا وجود لأي جزيرة في هذه المنطقة، تمسكت بذلك الأمل الواهي.
قال إيدغار بصوت منخفض وهو يغيّر اتجاه الرياح:
"لم يتبقَّ الكثير على الموقع المحدد... ربما ثلاث دقائق."
"هل ترى أي جزيرة أو شيء؟"
"الرؤية غير واضحة."
'حتى الطقس لا يساعدنا الآن...'
عضّت إستيل شفتها ثم تجمّدت فجأة.
'لحظة... أليس الجو يزداد سوءًا كلما اقتربنا من وجهتنا؟'
شعرت بقشعريرة تزحف على عنقها، فأسرعت برسم دائرة هجوم سحرية أخرى، استعدادًا لأي طارئ، بينما كان إيدغار يركز على التحكم بالرياح.
عندها فقط، التقطت بصرها شيئًا غريبًا.
بدأ جسدها يرتجف حتى سُمِع احتكاك أسنانها، فأمسكت كمَّ سيدريك بقوة.
"...هـ...هناك..."
"ماذا هناك؟"
"هل... هل أتوهم ما أراه...؟"
التفت سيدريك ليرى ما تشير إليه، فتجمّد وجهه.
حتى إيدغار الذي كان عليه أن يركّز في قيادة الرياح، انتُزع بصره من مهمته.
لقد كانت سفينة أتباع العدو،التي تلاحقهم ترتجف كما لو أن شيئًا هائلًا من الأعماق يحاول رفعها من تحتها.
"آاااه!"
"حافظوا على توازنكم! لقد زدوا السرعة!"
سرت قشعريرة في العمود الفقري وكأنهم أمام كارثة لا تقاوم.
اقترب إيدغار من إستيل، وأمسك بذراعها بعنف وقال بنبرة آمرة:
"هل تذكرين دائرة التعويم(رفع الأشياء في الجو)؟"
"ها؟ ن-نعم؟"
"هل هذا تأكيد أم لا؟!"
"أ...أجل، أذكرها! أذكرها فعلًا!"
فانحنى إليها يقرص خدها ثم صرخ وسط العاصفة التي أثارها بنفسه:
"سترسُمينها... على الجانب الأيمن من قاع السفينة!"
"هاه؟"
"سنرفع السفينة يا بليدة! سأرسمها على الجانب الأيسر، وأنتِ على الأيمن. غيّري وحدة قياس الوزن، وحددي زمن الاستمرار بساعتين. ستستهلك طاقة هائلة، فركزي جيدًا!"
ولم تتح لها فرصة للسؤال، إذ أسرع إيدغار نحو الجانب الأيسر من السطح ورسم دائرته بسرعة مذهلة.
رأت إستيل الدائرة الخضراء مكتملة، فأسرعت مرتبكة بنسخها.
وما إن احتضن الضوء الأخضر مع الضوء الذهبي هيكل السفينة، حتى بدأت ترتفع مائلة من الجانب الأيسر.
تدحرجت إستيل بعنف على سطح السفينة، ثم رأت فوق رأسها لوتشي واقفة تحدّق أسفلها بدهشة.
'ماذا ترى؟'
نهضت إستيل مترنحة، فشدّتها التنينة من تنورتها وقالت بصوت مفعم بالفضول:
"إستيل... انظري."
"إلى ماذا..."
وبينما كانت السفينة قد ارتفعت تمامًا في الهواء، ألقت إستيل نظرة أسفلها... فتجمّد جسدها في مكانه.
كان هناك دوّامة هائلة تعصف على سطح البحر، بحجم قرية صغيرة على الأقل.
وعلى الجانب الآخر، بدا أن ساحرًا من سفينة الأتباع يحاول متأخرًا رفع سفينته في الهواء، لكن حجمها الضخم جعله عاجزًا عن ذلك بمفرده.
وعندما رأت إستيل السفينة وهي تنجرف شيئًا فشيئًا نحو قلب الدوّامة، ارتجف جسدها.
"لو تأخرنا قليلًا فقط..."
"اللعنة... كدنا نموت بحق... هاه..."
وقد بدا إيدغار منهكًا بعد أن أفرغ ما تبقى من طاقته في الدائرة السحرية، جلس مستندًا إلى حاجز السطح، وأزاح خصلات شعره المبلل بعصبية.
فيما كان الأتباع يصرخون بجنون، يجدّفون، ويطلقون شتى أنواع السحر للنجاة، كان سيدريك قد حوّل نظره إلى قلب الدوّامة، بعينين ضاقتا ارتيابًا.
'هناك... شيء ما...'
وسط التيارات الدوّامية، كان ثمة ظل هائل يدور معها، يسبح تحت الماء بسرعة مذهلة، مولّدًا الدوّامة بنفسه.
وكلما ازداد هذا الكائن العملاق في إحداث التيار، تسارعت السفينة المنكوبة نحو الهلاك.
كان المشهد مرعبًا وغريبًا، لكن من المستحيل صرف البصر عنه.
وفي تلك اللحظة، لمحت إستيل شيئًا وهي تحدّق إلى الأسفل.
"مـ...مهلاً."
'هل أنا... أتوهّم؟'
قبضت على حافة السفينة بقوة، وحدّقت بعينيها في ظهر كائن أسود يلوح أسفل الماء.
ثم أشارت بأصابع مرتجفة إلى الدوّامة وهي تهمس:
"هناك... شيء ما..."
وبمجرد أن رآه سيدريك وإيدغار، تجمّدت ملامحهما بدورهما.
كان على جسد الكائن المديد بريق ذهبي، كأنه وسم أو ختم محفور، لا يمكن تمييزه من هذه المسافة.
ضيّقت إستيل عينيها لتراه أوضح، متمنية لو يقترب قليلًا من السطح... وقد تحققت أمنيتها، لكن بطريقة لم تسرّها أبدًا.
"ااه! أنقذونااا!"
كانت السفينة قد انجرفت حتى قلب الدوّامة، وفقدت توازنها أمام قوة الأمواج، فبدأت تميل للسقوط.
وتحت هيبة الطبيعة الغاشمة، وعجزهم عن الفرار من الوحش الذي يجوب أعماقها، أخذ الأتباع يصرخون في يأس.
إستيل التي تجمّدت أصابعها من البرد، ابتلعت ريقها... ثم دوّى صوت عظيم!
ومع زئير يهز الأعماق، انبثق من الماء مخلوق بحري ضخم، بطول كافٍ لأن يلتف حول قلعة بأكملها، فابتلع السفينة في فمه القرمزي دفعة واحدة قبل أن يقفز عاليًا فوق سطح البحر.
ووسط هذا المشهد المروّع، وقعت أنظار الثلاثة على شكل مألوف تمامًا، وهي دائرة سحرية متوهجة بلون ذهبي، مطابق تمامًا لعينَي إستيل والساحرة العظيمة، وبنقوش هي ذاتها التي شوهدت في غلاسيوم.
"دائرة الختم الثانية..."
كانت ألواح الخشب التي شكّلت يومًا بدن السفينة تصدر طقطقة وهي تتحطّم بين أنياب الوحش، فيما امتزج الدم القانـي بمياه البحر قبل أن يتلاشى سريعًا.
ومع رشة ماء هادرة، غاص المخلوق العملاق في الأعماق من جديد.
أما الثلاثة، وقد ظلوا عالقين في الهواء، فقد نجوا بأعجوبة يحدّقون في البحر الذي عاد إلى هدوئه كما لو أن شيئًا لم يحدث.
كان سيدريك أول من استعاد وعيه، فأخرج الخريطة وهمس:
"خط العرض 43 درجة، 29 دقيقة، 27.9 ثانية شمالًا... وخط الطول 34 درجة، 17 دقيقة، 38.8 ثانية شرقًا."
"......"
"لقد وصلنا إلى الموقع الذي حدّدته الساحرة العظيمة."
كانت تلك اللحظة التي انكشف فيها موقع دائرة الختم الثانية، التي لم يكن أحد على علم به سوى صاحبه.
وبوجه شاحب كان إيدغار يجول على سطح السفينة ذهابًا وإيابًا، ثم التفت إلى إستيل يسألها ليتحقق:
"ما خطوات كسر ختم الدائرة السحرية؟"
"يكفي أن ألمسها... وينتهي الأمر."
"تلمسينها...؟"
ردّد عبارتها ثم رفع يده إلى جبهته في إرهاق.
"لمسها... هذا الشيء تحديدًا... هاه، يا له من موت مشرف لو كان على يد شيطان. والآن... ماذا تنوين أن تفعلي؟"
لكسر الختم، يجب أن تلمس بشرتها الدائرة السحرية، لكن المشكلة أن هذه المرة الدائرة ليست على أرض ثابتة... بل محفورة على جلد مخلوق بحري عملاق.
ابتلعت إستيل ريقها وأجابت بخجل:
"أنا... أثق بك يا إيدغار."
"يا للعجب... ألا يوجد في حياتك من تثقين به غيري؟ ما الذي تفكر فيه الساحرة العظيمة بحق... أتعتمد على فتاة كهذه؟"
هز رأسه بيأس، ونفض عن شعره الوردي المبتل قطرات الماء وهو ينظر بعصبية إلى سيدريك.
"أيها القائد، ما رأيك أنت؟"
"وأنتِ، ما الذي تريدينه يا إستيل؟"
وجّه السؤال إليها وهي تستند إلى الحاجز وتتنهد طويلًا.
"ليس أمامي خيار... عليّ أن أفعلها."
"يقولون الجهل يولّد الشجاعة..."
"وأنا أقول الذكاء الممزوج بالجبن... لا فائدة منه."
أوقفت إستيل تذمّر إيدغار، ثم أبعدت بقدمها الأعشاب البحرية التي جرفتها الأمواج إلى السطح، وجلست.
"لكن الأمر يثير الضيق فعلًا... حتى لو كان علينا الوصول إلى مؤخرة الوحش، فالأمر صعب بما يكفي، فكيف وهو وحش بحري؟ أن أموت على يد شيطان ربما يُعدّ موتًا مشرّفًا، وعلى يد ثعبان بحري عملاق... نصف مشرّف، أما الغرق... فذلك موت تافه."
"ثعبان...؟"
تبدّلت ملامح الرجلين حين سمعا الاسم الغريب، فأجابت بسرعة:
"نعم، ألم تلاحظا؟ إنه ثعبان بحري. كان ضخمًا لدرجة يصعب التعرف عليه، لكن شكل فكه لا يُخطئ."
"عجيب... ومن أين تعرفين ذلك؟"
"الأعجب أنكما لا تعرفانه. كيف تجهلانه؟"
عندها فقط أدركت أن كليهما نشأ في مناطق داخلية بعيدة عن البحر، فتمتمت:
"آه... فهمت."
لقد كانت معرفة اكتسبتها منذ صغرها، حين كانت تتأمل مع آرون صيد الصيادين من مختلف الأسماك.
كان الثعبان البحري مخيفًا بفكيه المزدوجين اللذين لا يتركان فريسة تفلت، رغم أن شكله يوحي بالغباء.
وبسبب ضخامة حجمه التي لا تُصدَّق، ظنته وحشًا أسطوريًا في البداية، لكن حين فتح فمه لابتلاع السفينة، أدركت حقيقته فورًا:
'أليس ذاك... ثعبانًا بحريًا؟'
لم يخطر ببالها يومًا أن حياة قضتها قرب البحر ستفيدها في إنقاذ العالم.
أما سيدريك، فقد استحضر صورة فم الوحش المروّع الذي رآه قبل قليل، وهو يحدّق الآن في البحر الهادئ.
"أأنتِ متأكدة؟"
———-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep