تحملت عواقب أفعال والدتي المتجسده [ 61 ]

على سطح السفينة، جلس ثلاثة من البشر وتنينٌة واحدة القرفصاء، يحدّقون في الأرض الخالية أمامهم.

وضعت إستيل ورقة شجر خرجت من المقصورة في وسط المكان وقالت:

"إذا افترضنا أن هذه هي منطقة ظهور الوحش، فأين نحن الآن؟"

أجاب سيدريك وهو يضع قطعة خشب صغيرة أمام الورقة:

"نحن تقريباً هنا."

وأشار بيده وكأنه يحثّها على إكمال كلامها.

فأخرجت إستيل سلكاً من جيبها ووضعته بجانب قطعة الخشب، ثم قالت:

"الأعداء على الأرجح سيتعقبوننا من الخلف، أليس كذلك؟ عندها نهرب... إلى هنا."

وضعت قطعة الخشب والسلك على الورقة، وبدأت تدير الورقة بأطراف أصابعها.

"حينها ستتكوّن دوّامة... وبمجرد أن نلمح أي حركة، أنا وإيدغار سنرفع السفينة للأعلى، كما فعلنا قبل قليل."

قال إيدغار بسخرية:

"ومتى سنصطاد إذن؟"

"عندما يقفز الوحش من الماء ليبتلع أتباعه، ويفتح فمه."

فتحت إستيل فمها وهي تشير إلى داخله وسألت سيدريك:

"ألم تقل إن سمكة غومتشي لها فكّان؟ هل يمكنك تثبيت الخطاف في الفك الداخلي؟"

"المسافة بعيدة، لكن بحجمه ذاك يمكننا المحاولة."

"إذن لنعلّق الخطاف في الفك الداخلي، وها قد انتهى الصيد!"

أهذا كل شيء؟ بدا الأمر وكأنها تمهّد لشيء عظيم، لكن ماذا بعد ذلك؟

لاحظت إستيل ارتباك إيدغار وسيدريك فضحكت بصوت عالٍ:

"أما ما بعد ذلك، فأتركونه عليّ."

رفع إيدغار حاجبيه ساخراً:

"ستتكفلين بالباقي وحدك؟ هكذا تموتين موتة تافهة."

كان يتوقع منها أن تصرخ وتردّ بوقاحة، لكنها اكتفت بابتسامة هادئة وعينيها مغمضتين قليلاً:

"رُبما، فادعُ لي ألا أموت."

"... ماذا؟"

شعر بإحساس غريب، كأن جداراً ارتفع فجأة بينه وبين تلك المرأة التي كان يراها تافهة.

شعرها الأبيض النقي يتمايل بخفّة في نسيم البحر تحت سماء الليل السوداء. فسألها بغريزة:

"ولماذا عليّ أن أفعل؟"

قطّبت حاجبيها وكأن الأمر بديهي:

"لأنني ببساطة لا أريد أن أموت. لدي الكثير لأفعله، عليّ إنقاذ العالم، وأيضاً تزويج هذا الرجل."

"لكن مظهرك يوحي بأنك تموتين شوقاً للموت."

"وماذا أفعل؟ إذا كان عليّ القيام بالأمر، فسأقوم به."

ابتسم إيدغار باستهزاء وهز رأسه.

في النهاية، هذه المرأة تسير نحو موتها بنفسها.

إن نوايا الضعفاء الحسنة لا قيمة لها، بلا معنى، ومن ثم بلا كرامة.

الأقوياء هم من يعيشون، والضعفاء يموتون، وهذه هي سنّة الحياة.

وإذا كانت لا تريد الموت، فعليها على الأقل أن تهرب... لكن إستيل بلانشيه لم تبدُ عازمة على ذلك إطلاقاً.

كانت غبية وحمقاء، وهو عادةً يمقت أمثالها.

لكن إيدغار لوران اليوم كان مختلفاً قليلاً؛ إذ راوده شعور بأنه ربما يودّ أن يمنحها عرضاً أفضل.

جلس متكئاً بخفة على حافة حاجز السفينة وقال:

"لم لا تتراجعين الآن وتهربين؟"

"آسفة، لقد ابتعدنا كثيراً عن نقطة العودة."

"بعد خمسة أشهر حين تموتين، لن تشعري بالوحدة."

ابتسمت إستيل ابتسامة مشرقة عند سماع النبرة التي بدت وكأنها تحاول استدراجها.

تساءل إيدغار لماذا تبتسم؟ لكن سرعان ما جاء جوابها بنبرة متعجبة:

"إيدغار، منذ أول مرة رأيتك، شعرت أنك..."

ثم، بعد لحظة صمت، طعنت أكثر ما فيه حساسية بكل برود:

"العالم يوشك على الفناء... ومع ذلك تتقبله هكذا ببساطة. أنت خانع."

"... ماذا؟"

اتسعت عينا الرجل فجأة كما لو طُعن بخنجر.

وفي تلك اللحظة، قطع سيدريك الحديث وهو يحدّق في الأفق الملبّد بالضباب:

"إنه قادم."

"هيا بنا!"

ركضت إستيل نحو موقع رسم الدائرة السحرية، بينما رمش إيدغار وهو يتابعها.

استدعى الرياح براحة يده، وتمتم بنبرة ساخرة:

"يبدو أننا سنعود إلى الأكاديمية أسرع مما توقعت."

فإذا اختفت تلك المرأة، ستنتهي هذه المهمة السخيفة لإنقاذ العالم أيضاً.

تخيّل إيدغار جسد إستيل ممزقاً إلى أشلاء، وابتسم وكأن الأمر لا يعنيه.

لكن ابتسامته رغم ذلك، كانت تحمل في طياتها شيئاً من الضيق.

***

لم يكن يُسمع سوى صوت الأمواج وهي ترتطم بجانب السفينة في إيقاع متكرر.

كان عَبَدة الشيطان، الذين يجدّفون بأيدي مرتجفة، يحاولون التغلب على خوفهم برفع أصواتهم والثرثرة فيما بينهم.

قال أحدهم:

"ترى، هل صحيح أن الكونت بلانشيه يمكن أن يستيقظ؟"

رد آخر بحماس:

"طبعاً، هذا صحيح!"

وأضاف ثالث وقد ارتفع صوته:

"إذن نبوءة السنوات العشر كانت حقيقية!"

هزّ رجل جسده يميناً ويساراً بحماسة وأردف:

"نبوءة أن مفعول ختم الحاجز يدوم عشر سنوات... ها هي تتحقق أمامنا!"

لكن... من الذي أطلق تلك النبوءة أصلاً؟

كان سؤالاً من الطبيعي أن يطرحه أحدهم، لكن عَبَدة الشيطان الذين طالما كُبتوا لم يفكروا إلا في بعث الكونت من جديد، وقد أعمى ذلك أبصارهم عن أي شيء آخر.

تمتم أحدهم وهو يضغط على أسنانه أثناء التجديف، بلعنة:

"السحرة الأوغاد، ما إن غفا الكونت حتى تظاهروا جميعاً بالبراءة!"

"أن نجدّف بأنفسنا؟ في الماضي ما كنا لنتصور أمراً كهذا..."

وكل ذلك بسبب تلك الساحرة العظيمة المزعومة.

'لو أن الكونت لم يقع ضحية لها...!'

ارتجفت أجسادهم من الغضب وهم يستحضرون مشهد ساحة المعركة ذلك اليوم.

تلك الفتاة الصغيرة التي قيل إنها حطمت ختم غلاسيوم... لقد جاؤوا إلى عرض البحر فقط للإمساك بها.

وفجأة، بدأت هيئة بيضاء تماماً تلوح من بعيد.

"ه-هناك!"

صاح أحدهم، فاندفع عَبَدة الشيطان إلى مقدمة السفينة.

كانت امرأة ترتدي ملابس بيضاء بالكامل تحدق بهم بثبات.

'مهلاً... أليس من المفترض أن شعر تلك الفتاة أبيض أيضاً؟'

تمتم إحداهم بعد أن تذكر المعلومات التي حصلوا عليها:

"إذا أمسكنا بها وعذبناها، سنعرف أين باقي دوائر الختم وكيف نحطمها..."

ارتسمت ابتسامات شريرة على وجوههم، وتعالت الصيحات:

"هيا! أسرعوا بالتجديف! علينا أن نقتلها أو أي شيء لننقذ الكونت!"

لكن المرأة أدارت ظهرها فجأة وركضت نحو جهة ما، فاندفعت سفينتهم في مطاردة حثيثة.

كانت أعينهم محتقنة بالدماء وهم يجدّفون بجنون باتجاه السفينة التي كانت عليها.

حتى الرياح ساعدتهم، فشدّت الأشرعة وانطلقت السفينة تشق البحر كأنها فوق حرير.

اقتربوا حتى أصبحوا على مسافة قريبة منها، وتعلق بعضهم بالسور بحماس:

"هاه، لنرَ من هذه الفتاة..."

لكن وجوههم تجمدت فجأة من الرعب.

كان يقف بجانبها رجل ذو سمعة مخيفة بين عبدة الشيطان، وهو سيدريك إيرنيست، أصغر قائد في تاريخ فرسان الهيكل، والذي قبض على عدد هائل منهم وسجنهم.

تأكدوا أكثر أن المرأة ليست عادية؛ إذا كان شخص كهذا يرافقها، فهي لا بد أن تكون الصيد الثمين.

وسط الضجيج والحماسة، همس شيخ شاحب الوجه:

"ا-الساحرة العظيمة..."

وما إن تلاقت عيناه بعينيها، حتى فقد رباطة جأشه تماماً.

لم يستطع حتى الإشارة إليها، ثم جاءه شاب من الخلف يسأله باستغراب:

"ماذا بك يا عم؟ ما هذه الكلمات المشؤومة؟"

لكن وجه الشيخ صار أكثر رعباً مما كان حين رأى سيدريك، وبدأ يهز رأسه بجنون حتى تلوثت ثيابه أسفل جسده. (عملها على حالو lol )

أطلق صرخة غريبة وزحف مبتعداً حتى ركن السفينة، ثم أخذ يضرب رأسه بالجدار كنعامة تدفن رأسها في الرمال هرباً من الخطر.

ومن بين شفتيه اليابستين خرج صوت أشبه بالبكاء:

"ا-اهربوا... يجب أن نهرب فوراً!"

تبدل جو الحماسة في السفينة إلى برودة خانقة، ولم يكن ذلك الشعور محصوراً بهم فقط.

"ما بال هذا الرجل؟"

سألت إستيل بامتعاض، وهي تفكر أنها لم تفعل سوى تبادل نظرات معه، فكيف أثار ذلك ذعره؟

تأمل سيدريك وجهها وسأل بدوره بنبرة متحفظة:

"هل فعلتِ شيئاً؟"

"مجرد تبادل نظرات! لا تقل إنني أخفته بنظرة واحدة..."

"هذا غير ممكن."

مسح سيدريك شعره بيده بعصبية وهو يتفحص العجوز المذعور وبقية التابعين الذين جمدهم الخوف.

هذا الوضع غير ملائم... كان من المفترض أن يطاردوهم بجنون، أما الآن فقد يفرّون ويضيع الطُعم.

لمعت عيناه الزرقاوان فجأة، ثم اتكأ على حاجز السفينة وأشار نحو إستيل قائلاً:

"لنقم ببعض الاستفزاز، ماذا لو أفشينا سراً أمامهم؟"

تحت ضوء القمر الذي أضفى جواً مهيباً، حتى وجود رجل وسيم يلوّح بيده بدا مشهداً مثيراً، لدرجة أن إستيل التي لا تهتز بسهولة شعرت بالارتباك للحظة.

"آه... ن-نعم؟"

ردت بشرود.

"ارفعي صوتك قليلاً، ودَعي شيئاً من السر يفلت. علينا جذبهم حتى موقع الهدف."

"آها، فهمت..."

استجمعت نفسها، ثم اتكأت على حاجز السفينة بجانبه، وأدارت كلامها بوضوح دون النظر مباشرة إلى المطاردين:

"علينا العثور على دائرة الختم الثانية بسرعة!"

فأجاب سيدريك ببرود متقن:

"ألسنا نعرف موقعها أصلاً؟ سنصل إليها قريباً."

ابتسمت إستيل بمكر وفكرت بدهشة:

'يا له من بارع في الكذب رغم مظهره!'

أما هو فقد عقد حاجبيه للحظة، لكنها لم تلحظ ذلك إذ كانت قد أدارت رأسها نحو سفينة الأعداء وكأنها تتحداهم.

"علينا الإسراع قبل أن يسبقونا إليها."

دائرة الختم الثانية؟ تردّد الكلام في أذهانهم، وبدأت الهمسات تعود إلى السفينة بعدما كانت متجمدة من صدمة الشيخ.

"إن قبضنا عليها، ربما يعود عهد الشيطان...!"

وهكذا غطّى ضجيجهم على تحذيرات العجوز.

وحين لاحظت إستيل أن سفينتهم باتت قريبة جداً، صاحت:

"أسرعوا الآن!"

ترجمة : سنو

حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول

بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee

او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee

واتباد : punnychanehe

واتباد احتياطي : punnychanehep

2025/08/29 · 3 مشاهدة · 1322 كلمة
᥉ꪀ᥆᭙
نادي الروايات - 2025