تحملت عواقب أفعال والدتي المتجسده [ 63 ]
"بالطبع! فهمك سريع. كما توقعت من وريث عائلة الدوق، عقلك يعمل بحدة..."
وفجأة، كما لو أن غضبًا مكبوتًا قد انفجر، اندفعت الطاقة المقدسة التي كانت تُغلف السيف بقوة هائلة نحو إيدغار.
دفع إيدغار لوتشي جانبًا على الفور، وشكّل دائرة دفاعية سحرية.
اصطدمت القوتان المتعارضتان، فتطاير دخان أسود كثيف.
تدحرج الرجلان في اتجاهين متعاكسين، وتبادلا نظرات حادة.
استجمع سيدريك قوته المقدسو مجددًا، ثم فتح شفتيه الجامدتين ليسأله:
"بماذا تفكر؟"
ذلك الرجل الذي تمكن من تمييز قوة متعاقد مع شيطان، رغم أن الأمر شبه مستحيل. يتصرف وكأنه ودود، ويمزح أحيانًا، لكنه لا يبوح بكل ما يعرفه. شخص غامض لا يمكن تحديد ما إذا كان عدوًّا أو حليفًا...
'المشكلة واضحة، قالت إستيل هذا الرجل لا يصدقنا حقًا.'
إستيل تعرف جيدًا هذه الضبابية في شخصيته، لكنها على ما يبدو أرادت رغم ذلك أن تبقى إلى جانبه، حتى إنها مستعدة للمخاطرة في محاولة تغيير قلب رجل يسعى فقط وراء القوة.
كان ذلك نهجًا يصعب على سيدريك فهمه.
'هل يمكن أن تكون قد تعلقت به عاطفيًا؟'
ما إن خطر له هذا السؤال حتى اجتاح صدره شعور بالضيق والحرارة.
"لا، لا... لا تدع المشاعر تفسد الحكم. كانت إستيل فقط...'
'أنا لا أعرف أن أحب أو أثق بنصف قلب.'
قالها صوتها في ذاكرته واستمر:
'إن شعرت بالشر من شخص، أقطع علاقتي به فورًا. أما إذا قررت أن أثق أو أحب، فسأفعل ذلك بالكامل. هكذا عشت حياتي، ولا أعتقد أنني كنت مخطئة.'
ابتسمت المرأة في ذاكرته. أراد أن يعترض:
'لكن أليس هذا خطرًا؟ إنك لا تعرفين كل شيء عنه، ربما يحاول قتلك، ربما يكون عابدًا للشيطان...'
'ولهذا السبب أثق بك وأحبك كليًّا، رغم أنك حاولت قتلي في الماضي يا سيدريك."
تجمد سيدريك وهو يستعيد كلماتها.
بدأ يفهم ما قصدته لوتشي عندما تحدثت عن قوة إستيل.
الشك أمر يسير، أما الثقة فأمر عسير، خاصة إن كان الطرف الآخر لا يبوح بكل شيء ويتراجع خطوة إلى الخلف.
ومع ذلك كانت إستيل تعرف كيف تحافظ على ثقتها إذا رأت لها أساسًا، حتى وهي على علم بكل ما يثير الريبة.
لقد أخبرته بأنها بدأت تثق به منذ اللحظة التي قرر فيها مدفوعًا بالمسؤولية أن يقاتل إلى جانبها، حتى وإن كان حينها يقودها إلى ساحة الإعدام.
لكنها لم تثق به بالكامل إلا عندما تخلى عن منصب قائد فرسان الهيكل.
اعترف سيدريك في نفسه على مضض بأنها امرأة حذرة رغم مظهرها وأن رغبتها في الوثوق بإيدغار لوران لابد أن لها ما يبررها.
'وما ذاك التبرير، يا ترى؟'
أثار حنقه أن الرجل الآخر حصل على ثقتها بسهولة، بينما هو بذل جهدًا مضنيًا لنيلها.
وكأنه يحاول طرد هذه الأفكار، مرّر يده بخفة على سيفه وأمر:
"ابحث عنها بالسحر. القتال مع ذلك الوحش في عرض البحر انتحار."
"التدخل في التقييم؟ هذا غش أليس كذلك؟ ألم تلتحق بالأكاديمية من قبل؟"
"هل تعتقد أن كل هذا بالنسبة لك مجرد مزاح؟"
على عكسه بدا إيدغار هادئًا تمامًا.
كان في عينيه شيء من المرارة، لكنه أخفاها سريعًا بابتسامة ساخرة.
"مزاح؟"
أعاد الكلمة ثم ضحك بخفة.
"لا أرى منك أي جدية."
قالها سيدريك وواصل:
"في هذا الفصل، تقفز بجسدك إلى منطقة الوحوش—"
" أعطتني إستيل فرصة لتقييمها. لو كان الأمر مزاحًا لأنقذتها. لكنها طلبت التقييم، فأنا أستجيب لطلبها."
كان الجواب باردًا لدرجة أن سيدريك عجز عن الرد.
وقف إيدغار ونظر إلى البحر الذي كان يقترب أكثر مع غرق السفينة.
لم يرَ سوى زبد الأمواج البيضاء، ولا أثر لشعرها الفضي الذي يسهل رؤيته ليلًا.
"هل غرقت؟ موت عبثي كما توقعت."
جلس على الدرابزين وكأنه يستسلم للأمر الواقع، ثم ألقى نظرة على سيدريك، وأخرى على التنينة في حضنه.
في ذهنه بدأ الحساب، يأخذ التنينة للبحث، ويعيد قائد الفرسان إلى قصر الدوق مقابل مكافأة سخية.
قرأ سيدريك نواياه الخبيثة من ملامحه، فابتسم بسخرية:
"الخلاصة أنك تهرب. مع أن لديك قوة سحرية يعترف بها الإمبراطور، فأنت تختار ألا تفعل شيئًا حتى يفنى العالم."
ارتجفت جفن إيدغار لأول مرة.
كان سيدريك يحدق فيه بحدة، كما لو أنه يواجه شخصًا لم يعرف الهزيمة قط، وهذا وحده كان مزعجًا.
"لا أفهم لماذا تريد إستيل أن تثق بك وأنت شخص بلا ذرة إحساس بالمسؤولية تجاه قدراتك."
مرّت على وجه إيدغار نظرة حرجة للحظة، ثم سرعان ما عاد إلى سخريته المعتادة:
"ربما لأنها غبية."
"سأنزل."
توقف إيدغار عن إطلاق تعليقاته المعتادة وحدق فيه بدهشة.
"ماذا قلت؟ ستنزل إلى البحر؟"
ثم انفجر ضاحكًا.
"ليس هناك أرض تحتك، إذا سقطت ستجرفك التيارات إلى الموت! إلا إذا كنت ساحرًا يجيد سحر الطفو، وهذا ليس ميدان فارس مقدس متخصص في القتال. ألا تعرف هذا؟"
'هل يعقل ألا يقرأ الوضع؟'
صحيح أنه أصغر سنًا من إيدغار، لكنه يفوقه خبرة في المعارك.
توقع إيدغار أن يسمع منه سخرية متهورة، لكن سيدريك أجابه بهدوء:
"أتظن أنني أجهل ذلك؟"
عاد إليه إيدغار بنظرة وكأنه يواجه شيئًا غير مفهوم، لا يثير أي تعاطف، بل أشبه بالنظر إلى مجنون.
أدار سيدريك ظهره له، ووضع قدمه على الحافة.
انخفض الارتفاع قليلًا بسبب سحب الوحش للسفينة بخطاف الصيد، لكنه ظل مشهدًا يبعث على القشعريرة.
لكن إستيل فعلتها، ولذلك إن كان قد قرر أن يساعدها، فعليه أن يفعل المثل.
أعاد سيفه إلى غمده، وقفز دون تردد إلى الأسفل نحو ميدان المعركة الذي لم يكن في صالحه، حيث دوى هدير الوحش.
***
كانت أذناها تصمّان تماماً، والفقاعات تدفعها من كل الجهات ثم تنفجر في تتابع، فتجعلها عاجزة عن تمييز أيّ الجهات هي الأعلى وأيّها الأسفل.
وتحت مياه البحر المالحة حدّ الملوحة، انفتحت فجأة عينا مخلوق بلون أصفر فاقع.
دفعت فمها إلى الخارج وزفرت، فرأت الفقاعات تتجه صعوداً نحو جسدها.
'آه... إذن السطح في هذا الاتجاه.'
استدارت بجسدها على الفور، واتجهت نحو مسار الفقاعات بخبرةٍ واضحة، فهي رغم كل شيء تنحدر من منطقة كانت تلعب فيها كثيراً في البحر.
'بـفـاه!'
أخرجت إستيل رأسها من سطح الماء وهي ترتجف بشدة.
'يا إلهي ما أبرده! شديد البرودة!'
لم تشعر بذلك حين كانت غاطسة، لكن ما إن لامسها هواء الشتاء البارد حتى أحسّت بالبرد ينفذ إلى عظامها.
أخذت تسبح وهي ترتعش باتجاه الوحش الذي كان يشد الخيط بقوة محاولاً الإفلات من صنارة الصيد.
'أوف... ما هذا!'
ربما بسبب نومه الطويل، كانت على جسد الوحش أصداف البرنقيل ملتصقة بكثرة بدل أن يكون أملساً، وهذا جعل التشبّث به أسهل.
ورغم شعورها بالاشمئزاز، لم يكن أمامها ما تستند إليه سواها.
أمسكت بتلك الطحالب البحرية والأصداف التي صارت كأنها جزء من قشوره، وصعدت فوق جسده وهي تشد قبضتها حتى أصدرت مفاصلها صوت طقطقة.
حدّقت في مؤخرة عنق الوحش حيث ارتسمت دائرة سحرية، وتمتمت:
'جيد... فلنبدأ."
رفعت كمّيها المثقلين بماء البحر، وراحت عيناها الذهبيتان تحدّقان في ذلك الجسد العملاق المنتصب أمامها كجدار شاهق، ثم قبضت على صدفة بارزة وبدأت تتسلّق ببطء عنق الوحش.
لم يكن الأمر هيناً، لكن لياقتها التي صقلتها بالركض بكل طاقتها في أزقة غلاسيوم الخلفية ساعدتها كثيراً.
عضّت على أسنانها قهراً.
'يا للغيظ... لم أدرّب جسدي لأجل أمر كهذا!'
لكن ما يحزن أكثر أن اللياقة البدنية لا تتناسب طردياً مع القوة العضلية.
'أوه... سأموت... سأ– آه!'
كادت تسقط حين انزلقت قدمها فجأة.
تطلعت للأسفل دون وعي فتجمّدت في مكانها.
لم تدرك من فرط تركيزها كم كانت المسافة عالية.
'لقد انتهى أمري... وصلت إلى هنا ولا مجال للتراجع...!'
حدّقت بأسى نحو السفينة التي بدت وكأنها انخفضت كثيراً منذ لحظات، ثم عزمت أمرها.
'أستطيع ذلك... لا، بل يجب أن أستطيع.'
عضّت على شفتها حتى تشققت، فتسرّب الملح إليها فأحسّت بحرقة شديدة، لكنها واصلت تسلّق ذلك الجدار أمامها بصعوبة وإصرار.
'سأريكم... وسـ... أكـ...! أثبت... ذلك...!'
منذ أن سمعت أن إيدغار قد يكون له صلة بوالدها، خطر ببال إستيل على نحو مفارق أنها يجب أن تثق به.
إن رحلة إنقاذ هذا العالم هي في جوهرها عودة لتقصّي حياة والدتها، وستنتهي بوفاة والدها.
والآن يظهر خبير ملمّ بأبحاث الساحرة العظيمة ويعرف أيضاً شيئاً عن والدها؟
بل هذا أفضل.
رغم أن سيدريك كان يبدي نفوراً من الأمر، إلا أن إستيل رأت أن ذلك لا بأس به.
فليس هناك طريقة آمنة على أي حال.
منذ البداية، كان عليها أن تخاطر بحياتها كلما كسرت أحد الأختام السحرية.
وبحكم خوفها بطبعها، كانت تدرك بوضوح أنّ هذه الرحلة في ذاتها خطرٌ دائم.
الأمان؟ لا وجود له هنا.
لو كان بالإمكان تجنّب ذلك لفعلت، لكن بما أنّه لا مفرّ، فعليها تقبّله.
وفي هذه الحال، أليس إيدغار لوران مثالاً مثالياً للخطر الذي يمكن تحمّله؟
بلغت أنفاسها حافّة الانقطاع، وتصبّب العرق من جسدها كما لو كانت تقف تحت المطر.
'أمان، أمان...'
خطر في بالها الرجل الذي يبرّد الأجواء دوماً ويحافظ على نبرة هادئة، فضحكت فجأة.
'ياللعجب... ما الذي أفكّر فيه الآن؟ آه نعم... أشعر بشيء من الأمان حين أكون معه!'
وأخيراً، وصلت إلى موضع لم تغطِّه الأصداف، حيث كانت الدائرة السحرية منقوشة مباشرة على جلد الوحش، فتوقفت لتلتقط أنفاسها.
راحت تحدّق في ذلك النقش المتلألئ على جسد حيّ يتلوّى تحتها، فتذكرت وجه أمها الذي رأته في الحلم.
'ترى... أيّ نوع من النساء كانت أمّي؟'
—-
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep