وجه إستيل تلوى بتعبير غريب. كان يبدو وكأنها تقول “ما هذا؟ أهذا مجنون؟” مما جعل سيدريك يشعر بالحرج.
كانت تلك هي المرة الأولى التي يتلقى فيها نظرة وكأنه رجل يحاول مغازلة امرأة. وبينما كان مذهولًا للحظة، لم تفوت إستيل الفرصة وسألت بسرعة
“ما اسمك…؟”
“سيدريك إرنيست.”
نظر إليها بحذر، مترقبًا رد فعلها. من المستحيل أن يكون هناك شخص لا يعرف عائلة إرنيست الدوقية، التي تمتلك سلطة وثروة يمكنها أن تُسقط حتى الطيور الطائرة. ولكن، هل يمكن أن يكون…؟
“أمم…؟”
لقد وُجدت بالفعل. من الواضح أن شخصًا نشأ في الأزقة الخلفية وسرق جيوب الناس لم يكن ليعرف أسماء عائلات النبلاء.
وهي تكافح لاسترجاع أي ذكرى في عقلها، بدا واضحًا أنها لا تعرف. استسلم سيدريك، وبدأ يُعرّف نفسه بتنهيدة طويلة
“أنا وريث عائلة إرنيست الدوقية وقائد فرسان المعبد المقدس.”
“آه! إذن هذا ما له علاقة بالقصر الإمبراطوري والمعبد…!”
“نعم… تقريبًا، شيء من هذا القبيل.”
شعر وكأنه قد استُدرج بطريقة ما في هذا الحديث. وبينما كاد أن يصمت معبرًا عن انزعاجه، تذكر فجأة مهمته الأصلية. ألم يكن يستجوبها؟
شدّد على موقفه وسألها بلهجة أكثر جدية
“من أين تعلمت السحر؟”
“أعلم أن هذا يبدو كلامًا فارغًا، لكنني حقًا لم أتعلم أبدًا.”
“أتعرفين أنه كلام فارغ؟ إذن لديك ضمير. أن تتمكني من رسم دائرة سحرية بهذا الإتقان دون أي تعليم… هل أنتِ عبقرية؟”
عند الحديث عن هذا الموضوع، لم تجد إستيل ما تقوله. لكنها كانت مظلومة حقًا.
السحر؟ لم يكن لديها أي صلة به طوال حياتها. إذا كان هناك أي علاقة، فهي فقط أنها كانت تسرق الأدوات السحرية لتعيش. هذا كل شيء. لكن، كيف يمكنها أن تشرح أن يديها تحركتا بشكل غريزي عندما واجهت الموت؟
نظرت إلى الأسفل وأدارت رأسها بعيدًا. ولكن سيدريك كرر سؤاله بنبرة صارمة
“تكلمي الحقيقة.”
“الأمر فقط… لا أعرف، لقد تحركت يداي لوحدهما… هكذا وهكذا، وألقيت التعويذة، وفجأة… بام! حدث السحر.”
بدأ سيدريك يشعر بصداع. السحر المتقدم الذي رآه، والذي يتطلب قوة سحرية هائلة، لم يكن شيئًا يمكن لشخص عادي أن ينجزه بالصدفة.
عادةً، يتطلب ذلك أكثر من عشر سنوات من التدريب المكثف، ومع ذلك، هذه المرأة تدّعي أنه كانت مجرد صدفة. أصبح نظر سيدريك باردًا.
“عليكِ تقديم تفسير واضح. هل تعرفين ما نوع الشكوك التي أُثارها الآن؟”
وقف مهددًا ينظر إليها من الأعلى وسأل
“هل كنتِ أنتِ من فكّ التعويذة السحرية لإلين إيفرجرين أيضًا؟”
“يا إلهي، ما الذي يقوله هذا الرجل؟ أوهامه تجاوزت الحدود حقًا.”
أطلقت إستيل ضحكة ساخرة وكأنها غير مصدقة، ثم رمقته بنظرة حادة.
“اسمعني، حتى لو كنت أجهل عائلة إرنيست، فأنا أعرف من هي إلين إيفرجرين. هل تظن أنها مجرد ساحرة عادية؟ كيف لشخص مثلي، أحمق تمامًا، أن يكسر تعويذة ألقتها ساحرة عظيمة؟!”
لكنها استمرت في التظاهر بالجهل بجرأة. فقد سيدريك أعصابه وصرخ عليها بسرعة، وكأن صبره قد نفد
“إذن لماذا سرقتِ جوهرة القوة مني؟”
فتحت إستل فمها بدهشة وصرخت
“حقًا؟ لماذا تسأل سؤالًا كهذا؟ هل يوجد لصّ يدرك قيمة ما يسرق؟ نحن نسرق الأشياء أولًا، ثم نكتشف ماهيتها لاحقًا!”
يا للغرابة! لم يكن ذلك شيئًا لتتباهى به. كان وجه سيدريك يتشنج غضبًا.
أما إستيل، فقد شعرت بظلم كبير. لو كنت أعرف أن الأمر سينتهي بهذا الشكل لما سرقتها. أكنت سأجن لأضع نفسي وسط هذه المشاكل المعقدة؟
لكن وجه سيدريك المتوتر والغاضب كان يخبرها بأن أي تفسير لن ينفع. شعرت بأن قلبها يكاد يتوقف.
لقد انتهيت. يبدو أنني اخترت الشخص الخطأ لأسرقه.
لكن سيدريك لم يبدُ متأثرًا ببراءتها الظاهرة. وبنبرة حاسمة، قال
“توقفي عن التظاهر بأنكِ شخص عادي. لقد تعلمتِ السحر عبر طرق غير رسمية، وأنتِ من حاول تحرير تريستان بلانشيه من ختم الساحرة العظيمة.”
“تريستان بلانشيه؟”
توقفت إستيل فجأة عن الصراخ، ورفعت عينيها إلى سيدريك وهي تحدق فيه بذهول. انعكاس ضوء الشموع على عينيها الذهبيتين جذب انتباه سيدريك، فتجمد في مكانه.
عينان مألوفتان… أين رأيتهما من قبل؟
تذكر سيدريك المشهد الأخير لإلين إيفرجرين. كانت تقف أمام شفق أحمر كالدم، وشعرها وعيونها يشتعلان بلون الذهب.
والآن، تجلس أمامه امرأة بعينين مطابقين تمامًا لذلك اللون…
هذا غير معقول…
أبعد تلك الفكرة عن رأسه بفرك جبهته، بينما سألت إستل بفضول
“تريستان بلانشيه… هل هو ذلك الذي كان متعاقدًا مع الشيطان؟ الساحرة العظيمة هي من ختمته، أليس كذلك؟”
“نعم. كان زوجها ذات مرة، لكن زواجهما انهار عندما تعاقد مع شيطان دون علمها. في النهاية، استخدمت دم قلبها لتختمه، ثم ماتت بعدها. ألا تعرفين؟”
نظر إليها بدهشة، فهذه القصة مشهورة بين النبلاء.
لكن يبدو أن سقوط تريستان بلانشيه لم يكن موضوعًا مثيرًا للاهتمام بين العامة. ردت إستيل بنبرة لامبالية
“من يهتم بأسماء الخاسرين؟”
عاشت إستيل في غلاسيوم، حيث كانت قصص الساحرة العظيمة تُروى باستمرار. لكنها لم تسمع سوى عن إنجازات الساحرة، دون أي حديث يذكر عن المتعاقد مع الشيطان الذي ختمته.
رفست السرير بقدميها المكبلتين وهي تتمتم
“بلانشيه، بلانشيه… ما هذه القصة بحق الجحيم؟”
رفعت رأسها فجأة ونظرت إلى سيدريك، الذي كان يراقبها بوجه بارد. وسألته
“كيف كانت تبدو؟ ألا تملك أي صورة لها؟”
رد عليها ببرود
“من المثير أنكِ تطرحين الأسئلة الآن، وكأنكِ من يستجوب.”
فتحت إستيل عينيها بدهشة، وقالت بنبرة ساخرة
“ماذا؟ ألا تعرف؟ ثم تربطني بهذا الشكل وتتصرف وكأنك المسؤول هنا…”
“ليس لأنني لا أعرف، بل لأن…”
كان سيدريك يتوقع هذه الوقاحة، لكن ردها جعله يشعر بالعبث. ورغم ذلك، أجابها
“لا توجد صورة حاليًا. لكن آخر مرة رأيتها، كان شعرها الأحمر يصل إلى أسفل كتفيها… وكانت عيناها مشابهتين لعينيكِ، ذهبية اللون.”
عضت إستيل شفتيها. الوصف يتطابق تمامًا مع المرأة التي رأتها في حلمها. ولكن…
“تبدو وكأنك رأيتها بنفسك.”
“لقد رأيتها. آخر ما قامت به الساحرة العظيمة كان بالتنسيق مع عائلة إرنيست. جاءت لرؤيتي قبل توجهها إلى المعركة.”
“ولماذا جاءت؟”
“هذا كافٍ من الثرثرة.”
سحب سيدريك سيفه الذي كان بجانب السرير، ونظر إليها بوجه خالٍ من التعبير. رؤية النصل الحاد جعلت إستيل تصرخ وهي تتدحرج بعيدًا عنه.
وعندما كانت تصرخ، كان صوتها مليئًا باليأس والبكاء، كأنها قد نسيت كبرياءها تمامًا.
“ح- حسناً، أنا آسفة!”
“وما الخطأ الذي ارتكبتهِ؟”
“في الواقع، إذا فكرت بالأمر، لا يبدو أنني ارتكبت شيئاً خطأً…؟”
أوه، يا له من إزعاج.
قطب سيدريك جبينه بامتعاض، ثم رفع إستيل من على السرير حيث كانت مستلقية، وحرر يديها من الأصفاد التي كانت تقيد معصميها.
نظرت إستيل إلى يديها المحررتين بحيرة، قبل أن يوجه لها سيدريك تحذيراً بسيطاً، ثم غرس سيفه في الأرض أمامها.
“حاولي صدّه.”
“آآااه!!”
أغمضت إستيل عينيها بقوة، وعندما اقترب السيف من عنقها، ارتد بفعل دائرة دفاعية سحرية تشكلت في اللحظة الأخيرة.
أخذت أنفاسها تتسارع وهي تحدق في يديها غير مصدقة ما حدث. عندما التقت عيناها بعيني سيدريك، لم تتمالك نفسها وأطلقت شتيمة
“أ- أيها المجنون…”
“مجنون؟”
كرّر سيدريك الكلمة بنبرة هادئة، وكأنه لا يصدق ما سمعه. أما إستيل، فشعرت بالخوف وأخفضت رأسها على الفور.
“لا، لا، أنا آسفة. أنت لست مجنوناً. أحياناً قد يخطئ المرء في التعبير—”
“أعيدي ما قلته.”
“آه! إنه مجنون بالفعل!”
انطلق السيف الضخم باتجاهها مجدداً، لكنه ارتد مرة أخرى بفعل الدائرة السحرية. تكرر الأمر للمرة الأخيرة، بينما راقب سيدريك رد فعلها بصمت.
لاحظ كيف تتحرك يداها دون وعي، وكأنها تعتمد على غرائزها فقط. وبفضل خبرته الطويلة في القتال، أدرك أنها لم تكن تخطط لأي شيء، بل كانت حركاتها تلقائية تماماً.
ضيّق سيدريك عينيه وهو يفكر. كم من الوقت تحتاجه لتطوير هذه الغريزة السحرية؟ عشرة أعوام على الأقل؟
أعاد سيفه إلى غمده، ونظر حول الغرفة. أخذ بعض الحصى الصغيرة من مزهرية على الطاولة، ثم رماها باتجاه إستيل.
ضربت الحصى جبينها بخفة، فنظرت إليه بوجه غاضب ومليء بالكلمات التي لم تنطق بها بعد.
“هيه، ما هذا؟”
لكن شيئاً لم يحدث. سيطر الصمت التام على المكان.
أطلق سيدريك صوتاً منخفضاً وكأنه يعبّر عن تفكيره، ثم تمتم قائلاً
“هذا مثير للاهتمام… لا تتفاعلين إلا عندما تكون حياتك في خطر.”
“لا تقل إنك كنت تنوي قتلي فعلاً…”
ابتسم سيدريك بهدوء وأجابها بوضوح
“كيف يمكنني قتلك وأنا مضطر لاصطحابك إلى المعبد؟”
إذن، لو لم يكن هناك معبد، لقتلني بالفعل؟
نظرت إليه بعينين ذهبيتين مشتعلة بالحنق والغضب، مليئة بالكلمات التي لم تستطع قولها.
بعد لحظة من التفكير، اقترب سيدريك وحملها بين ذراعيه.
“هيي! أنزلني!”
صرخت إستيل وهي تضرب كتفه بقبضتها لكنه رد ببرود
"توقفي عن التصرف بلا جدوى، هذا لا يؤلمني.اهدئي وخذي قسطًا من الراحة.لقد اقتنعت بأنكِ لم تقومي بكسر ختم الساحرة العظيمة عمدًا.سنترك الباقي ليُقرر في المعبد."
"وما علاقة ذلك بكونك تحملني الآن؟!"
في لحظة لاحقة،شعرت بجسدها ينخفض برفق.فتحت عينيها بسرعة ووجدت نفسها ممددة على أريكة طويلة.
الحيرة ارتسمت على ملاحمها وهي تحاول استيعاب ماحدث للتو.
~ ترجمه : سول.
~ واتباد : punnychanehe