"ولِمَ أُفصح عن هذا الحديث الخطر جهارًا؟ أتشعر بالأسى لأنك توشك على الموت؟ لا... لا يكون هذا."

لماذا أصررتُ على التحرك في تلك اللحظة؟

لابد أن رأس الدوق تشتّت من هذا الموقف المتشابك، ولعلها من اللحظات النادرة التي اختلّ فيها ميزان حكمه.

أكانت حقًا مجرّد مصادفة أنني تحرّكت حينها؟

"لقد كنت أبعث برسائل إلى الدوق طيلة الوقت."

- ...

"وقد تركتُ من يرثني."

دَوِيّ! صوت ارتطامٍ عنيف بمكتب جاء من الطرف الآخر من جهاز التواصل.

واصل دانيال حديثه وهو يضحك ضحكة طفلٍ أنجز خدعته:

"سلّمتُ له كل ما أملك من معرفة، حتى ما نطقتُ به منذ قليل. ومع أن الوقت كان ضيقًا، إلا أن ذلك الفتى اللامع، الفذ، قد انتهل كل شيء بلمح البصر."

-...

"لن يكون هذا غضبًا شخصيًا تجاه الإمبراطور، بل سيمتدّ كغضبٍ نابع من (الظلم) ذاته."

الفوز.

الفكرة التي تقوم عليها الثورة هي (بناء عالمٍ يتساوى فيه الجميع ويُعدَلُون). ومن حيث إنها لأجل الأكثرية، فإنها تضمن تأييدهم سلفًا. ومن ذا الذي يرفض مبدأً يعود عليه بالنفع؟ وإن لم يكن ذلك عن قناعة، فسيكون عن انجذابٍ للجماعة واتّباعٍ لها.

"بول": بما أن التعليم كان من أهم ما أوصي به الطفل، فإن هذا الفكر سيبقى حيًّا حين يتسلّم القيادة. فـ(الغضب) سيظلّ يتجدّد ما دامت طبقية المجتمع قائمة لا تزول.

– ...لقد استعملت جنودي لتجتثّ الورم الخبيث داخل الجيش الثوري.

"ألَم تستعن أنت بجنودي لتضغط على الإمبراطور من قبل؟ ألَم يكن وجوده وسيلة لضبطنا نحن؟"

ثم أشار إلى حادثةٍ قامت فيها "سايرين" بتحريض أحد قادة الجيش الثوري، فأهدر تُسع قوّته دفعة واحدة.

من بعيد، أولئك الذين احتشدوا ضد الإمبراطور بدافع الغضب، لا يختلفون كثيرًا عن أورامٍ فاسدة نمت داخل كيان الثورة. وبوصفي القائد الأول، لزمني أن أُنقّي الطريق لمن يأتون من بعدي.

لقد تبيّن في النهاية أن نصف الجنود الذين جمعتهم كانوا لصوصًا، سرقوا، وباعوا قنابل صنعوها بأيديهم من مخازن الثورة، أو انجرفوا خلف هدف قتل الإمبراطور، متجاوزين أوامر القيادة، محاولين فرض قرارهم من جديد. كانوا عبئًا.

"وسُمُوُّ الدوق كان أيضًا من العقبات التي تعيق خطى الثورة."

– أفهم أنّك تحاول بهذا أن تقطع الحبل الذي يربطك بي، لكن... أتظن أنه إن أزهقتَ روحًا من رجالي سأغضّ الطرف عن الآخرين؟ وعن أولئك الذين يحملون أفكارًا خطرة؟ هذا وهم.

"وهل تظن أنني وصلتُ إلى مشارف الموت، بعد أن ورّثت فكري، من أجل مجرد التخلّص من أورامٍ خبيثة؟"

إن الفرضية خاطئة.

دانيال لم يأتِ إلى هنا لأنه أعدّ خليفةً وضحّى بنفسه لتطهير الجيش.

– ما هذا...؟

– تقريرٌ عاجل إلى سُمُوّ الدوق!

"أوه، يبدو أن الأنباء وصلت أخيرًا."

كنتُ أتمنى أن أرى وجه الدوق قبل أن ألفظ أنفاسي... ويبدو أن أمنيتي الصغيرة قد تحققت.

صوت أوراق تُقلّب، يعقبه صراخٌ متفجّر شقّ طريقه عبر جهاز الاتصال:

– "داانيييل!!!"

"من ردّة فعله، يبدو أننا أصبنا الهدف."

لماذا جاء دانيال إلى هنا؟

لكي يجذب انتباه الدوق إلى هذه الجهة.

ليُفرغ معظم قواته في هذا الموقع، ويُسهّل على الجيش الثوري أن يُحوّل مقرّه، ويشنّ غاراتٍ على أراضي الدوق، ويُنزل بجنده الضربة القاصمة.

الغاية الكبرى: إسقاط الدوق.

والغاية الأخرى: تنظيف الثورة من أورامها الخبيثة.

وكان لزامًا أن يُضحّى بحياة القائد ليكون هو الطُعم.

"حسبتُ أنها ستُخفَّض إلى النصف على الأقل، لكني شغوف بمعرفة النتيجة... تُرى، هل تحقّق ذلك فعلاً؟"

فإذا خسرنا نحن نصف الجنود، فالطرف الآخر لا بدّ أن يخسر نصفه ليبقى الميزان متعادلًا.

لكن الحقيقة؟ ما نخسره نحن، هو النصف غير المجدي.

"للعِلم، موقع الدوق هو

آخر

هدفٍ في خطة الهجوم."

– كـــــوَوَوَوَو!

ما إن فرغ من كلمته حتى دوّى انفجارٌ من قلب جهاز الاتصال.

دانيال يبتسم بفتور، ينظر إلى خصومه المتخبّطين حوله.

ربما لن يفلح الجيش الثوري في قتل الدوق. لكنّ قوّاته حتمًا ستنقص. وذلك يكفي.

فبينما تستعيد الثورة قواها، سيظلّ الدوق منشغلًا بجمع أشلائه، بعيدًا عن ملاحقتها.

"لا بد أن يُنزَع الطوق. أليس كذلك؟"

في هذه اللحظة، يكون مقرّ الجيش الثوري قد نُقِل بالفعل.

لما قضى القائد الأول للجيش الثوري نحبه، وهو وحده من كان قادرًا على التراسل مع الدوق ومتابعته، انقطعت السُبُل بين الطرفين.

«لا مجال لخلق صلةٍ جديدة.»

فقد مات أول القادة بخيانةٍ من الدوق، ولن تمدّ يد المصالحة ثانيةً من قبل من يخلفه.

انفصامٌ تامّ، لا رجعة فيه.

– اقتلوني الآن!

ابتسم دانيال ابتسامة واهنة، يرمق الأسلحة المتجهة إليه من كل صوب، وكأنها جاءت لتقضي على شخصٍ واحد فقط. ولعلّهم رموا إلى قلبه لا عنقه، بسبب ذاك الوشاح الغليظ.

ومن فرط الغضب أطلقتُ لساني بما حرّضهم على سفك دمي، حتى لا يستغلّني الدوق رهينة، ولا تتشتّت حواسه عن المخطّط.

كان دانيال يعلم علم اليقين قَدْر القائد الأول.

«أيها الأبله بول.»

كيف جرؤت على استخدام كتيبة الموت بذريعة صون مستقبل الجيش الثوري؟

من ذا الذي يملك في صفٍّ واحد أن يبتّ في حياة رفيقه أو موته؟ لقد دنّست أنا جوهر هذه الثورة، وسأُدفن مع مَن تلوّثت قلوبهم بعواطفهم الشخصية، فامضِ يا بول بقلبٍ نقيّ واغضب من أجل (الظلم) لا من أجل (الأشخاص).

لا ندم.

سوى أمرٍ واحدٍ يؤرّقني.

«أنني لم أسترجع الهدية التي قدمتها لوالدتي.»

تلك الهديّة... وحدها أرهقتني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أتُرى أن حبّ الأم لولدها لا يكون إلا خيطًا واحدًا لا يُقطع؟

حتى قبل أن يبلغها نعي دانيال، كانت تبكي كما تبكي الأمهات حين يُؤخذ القلب من بين أضلاعهن.

من الذي أعانني على تجسيد أفكاري؟ ومتى طلبتُ منك أن تفديها بروحك؟

أتراك –وأنت الأذكى– لم تدرك مراد تلك الأم حين أهدتك الوشاح الذي غزلته بيديها؟

"أيها الغبي... أيها الغبي...!"

ماذا بقيَ لمن سُلبت منه رفيقته؟ ماذا ظننت أني عشتُ كل هذه السنين أُعاين؟

لم أطلب المجد، كل ما رغبتُ فيه أن نعيش. أن أراك تنمو أمام عيني، أن أراك تتنفس فحسب، كان هو قمّة فرحي.

لكنني... قتلتك.

"أنا الآثمة..."

قلبي يتمزق، شعورٌ يفوق ألم تمزيق الجسد حيًّا، لفرط ما خنقني من حزن، جلستُ على الأرض أذرف الدموع.

كنتَ تظن دوماً أنك لا تستطيع قهري. غير أنك أخطأت في شيء واحد.

ألم يقولوا: "ما قهر والدٌ ولده قطّ"؟ لو كنتُ أقدر على ردعك، لما تركتك تتورّط في هذه الثورة الخطر.

لكنك كنت تتحرّك بعينين تتّقدان بالحياة، بوجهٍ يشعُّ حماسًا، فتركتك وشأنك.

"أنا الآثمة..."

ما كان ينبغي لي أن أفتح الحديث في البداية. ما كان لهم أن ينطقوا بكلمات تُثير مسألة الطبقية، وإن فعلوا، فما كان عليهم أن يسمحوا بتحويلها إلى فعل.

ذلك السم الذي طلبتَه باسم الهدية، لم يكن إلا آخر مظاهر عنادي. كان ضمانةً لحياة دانيال، الذي وضع أمه كرهينةٍ من أجلها. والآن وقد فشل كل شيء، فما الذي بقي من هذه الحياة؟

"سألحق بك عما قريب."

وإن ظلّ ولدي مطاردًا من خصومه، حتى بعد مماته، ماذا عساي أفعل؟

أخرجتُ السمّ الذي كنتُ قد طلبته من دانيال. وها هي خطى تُسمع من خلف الباب. أسرعتُ، سكبتُه في فمي، وبلعته من دون أدنى تردّد.

وما إن اجتاز السائل حلقي حتى شعرتُ بالنعاس يسري في جسدي. كان الموت ناعمًا، وخاليًا من الألم. ولأن دانيال ما استطاع أن يُعطي أمه دواءً مزيّفًا، شعرتُ به، وابتسمت، وأغمضتُ عينيّ في هدوء.

«أتحسب أن الأم لا تقرأ ما في قلب وليدها؟»

لقد حملتُ هذا الابن في بطني عشرة أشهر، وربّيته حبًّا وخوفًا. كنت أرقبه في كل خطوة، وأعرف ما يدور في خلده.

كان يريد أن يودّعني، وأن يوصي بي لخليفته من بعده. وأغلب الظن أنه فعل.

صوتُ الخطى المتعجلة التي تقترب، أكبر برهان.

"...لكن أخي أوصاني بنفسي أن أعتني بأمي. قال إنه، ولو أجّل الترتيبات، فعليه أن يعتذر منها بنفسه، وأن يُصلح ما أفسد."

وتوقفت الخطى عند الباب.

صوتُ تنقّط.

"أنا... بول، الأخ الأصغر لدانيال، هل يمكنني الدخول؟"

"..."

"...لمَ تردّين يا أماه؟ آنتِ هناك؟"

"..."

"أماه؟"

"..."

"...عذرًا!"

وفجأة، انفرج الباب، كما لو كان ينوي أن يقتحم الغرفة، لكنه توقّف، وقد وقعت عينه على مَن كانت تغفو في صمت.

"...نادوا لي الممثل إيرام."

"هاه؟"

"بسرعة!"

صوتٌ مكتوم، كأنه صادر من قاع بئر، أو من صدرٍ مغمور بالماء.

أكان عليّ أن أكتب هذا بعد أن أئتمن نفسي لمنظمةٍ لا أبناء لها؟ واضحٌ أنني كلما تركت الأمر للزمن، زاد ثقله في قلبي، حتى يصير عبئًا لا أقوى على طرحه.

هكذا يجب أن ينسحب ابني... حتى النهاية.

بدا أنه أراد أن يفتتح عهدًا جديدًا، غير أنه ترك بقايا الماضي ممددة خلفه.

ـــ وكانت تلك آخر خواطرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[جانب: سأحميك ولو متُّ دونك]

ثورة الجيش الثوري لا ينبغي لها أن تنجح، لأن ديون خاضع لحماية الإمبراطور الحالي.

لكن، لا يمكن أيضًا أن نمنح النصر للدوق، لأنه يريد القضاء على ديون.

كلٌّ منهما، الجيش الثوري والدوق، يبتغيان الإطاحة بديون هارت.

لذا، قمتُ بالحسابات.

طقطق.

خطوةٌ محسوبة.

أحجار الشطرنج تمضي وتعود. أصابعٌ غليظة، قاسية، امتدت براحةٍ كاملة، تُمسك بقطع الطرفين، وتنقلها بالتناوب.

وعينان زمرديتان، فيهما غموضٌ نقي، تتابعان ما يحدث، فيما البيادق والفرسان تتحرّك بلا هوادة.

الحصان الأسود يهجم، فيبتلعه الحصان الأبيض، ثم يعود الأسود ويدفعه، حتى يأتي حصان أبيض آخر ويدفعه بدوره.

تنهد.

"كش ملك."

القائد قد مات.

أمسك "كرويل" الملكَ الأسود المتهاوي، دحرجه بين كفّيه. عيناه الزمرديتان تتأملان رقعة الحرب التي وضعت أوزارها.

الغلبة كانت للأبيض، لكن إن نظرنا للقطع الباقية على الرقعة، فالأسود هو الأقوى. إذ خسر الأبيض معظم جنوده الرئيسيين، بينما لم يفقد الأسود سوى بيادقه.

جيشٌ ثوريٌ بلا قائد، لكنه لا يزال يملك قوته الفعلية.

ودوقٌ حيّ الرأس، لكنه قد فقد جنوده.

ينبغي أن يُدفعا إلى الاصطدام ببعضهما. كان من الأفضل لو دمّرا بعضهما كليًّا، لكن حيث إن هذا محال، فليكن الضرر بالغًا بقدر المستطاع. إن انشغلا بأنفسهما، وتركوا ديون جانبًا، فقد أفلحا.

كان "كرويل" مستعدًا للموت منذ اللحظة التي سار فيها على حبل الحرب النفسية مع الدوق. ولم يكن غريبًا عليه أن تنقطع حياته في أية لحظة، لذلك لم ينتظر أن يهلك ديون هارت ميتةً طبيعية.

لقد تصرّف وكأنه لا يعيش إلا ليومه، ومع ذلك كان يخطط لما بعد مماته.

«علينا أن نجد سبيلًا لحماية ديون، حتى بعد رحيلي.»

تصوّر لمستقبلٍ لا يموت فيه كرويل.

في عالمٍ يموج بالمخاطر، كانت السلامة التامة صعبة المنال. لذا، فكّر على الأقل في إزاحة بعض الأشواك التي ستواجه الصبي. وهزّ رأسه تفكيرًا.

ما دام لا يستطيع أن يصنع شيئًا حيال "عالم الشياطين"، فليصرف نظره عنه. وحين وجّه عينيه إلى الإمبراطورية، بحث عن أخطر تهديد للصبي.

«الدوق... والجيش الثوري.»

يكفي أحدهما ليكون بلاء، فما بالنا بكليهما.

لكن الغمامة سرعان ما انقشعت. دانيال هو قائد الثورة، والدوق خصمٌ سياسي من طينة الأباطرة. لا تحكمهم مودة، ولا تلزمهم عهود. تحالفهم مؤقّت، تحكمه المنفعة وحدها.

وانتهت الحسابات سريعًا.

«ألم تَقُل والدة قائد الجيش الثوري إنها ليست بخير؟»

وبالبحث... تبيّن وجود نفثٍ دموي كذلك...

توقف "كرويل" لبرهة، وقد تذكّر أخاه الضعيف.

«قال القائد إنه لا يعلم شيئًا بعد.»

سمعتُ أنها طلبت من جنود الثورة أن يلتزموا الصمت حياله. لكن، لكل صبرٍ نهاية، وسيعلم عاجلًا لا محالة.

ولا حاجة لرؤية الصدمة النفسية التي ستُصيب قائد الثورة حينها.

فأصدرتُ أمري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في هذا الفصل، تتشابك الحكاية بين مخططات خفية وتوترات بين الأطراف المتنازعة، حيث يتم تناول استراتيجية معقدة وحرب نفسية باردة بين الأطراف المختلفة. يبرز دانيال ، قائد الجيش الثوري، كحجر الزاوية في هذه القصة. في البداية، يُطرح سؤال جريء عن السبب وراء دانيال سرد قصته بهذه الطريقة، ليكشف عن تفاصيل معقدة حول خطط التنقل والتضحيات التي قد يكون قد اتخذها. يشعر بالوضوح في تصرفاته رغم أنه يعلم أن حياته ستنتهي قريبًا، فيبذل جهدًا كبيرًا لجذب انتباه الدوق إلى مواضع حساسة حتى يخفف الضغط عن الجيش الثوري ويعزز من قدرته على المضي قدمًا.

تتكشف الأحداث بسرعة، حيث تُظهر الخيانة التي مارسها الدوق ضد دانيال، والذي أظهر في تصريحاته أنه كان يعد خططًا سرية داخل الجيش الثوري لضرب الأنظمة التي كانت تضعف الثورة. دانيال، الذي كان يحاول عزل الدوق وتخفيف سلطته، يُضحّي بحياته ليحسم مصير المعركة لصالح جيش الثورة، محاولًا تقليل الخسائر على جانبه.

ثم، تبدأ القصة في التحول بشكل عاطفي حيث يتحول التركيز إلى العلاقة بين دانيال ووالدته. إنها لحظة مليئة بالمرارة والأسى، حيث يشعر دانيال بالندم على التخلي عن عائلته في سعيه وراء المثالية الثورية. تتجسد هذه اللحظة بشكل مؤثر عندما تقرر والدته تناول السم بعد سماع وفاة ابنها، وهي لحظة تضع القارئ أمام اختبار موازنة بين التضحية والحب الأمومي.

دانيال يعلم أن الثورة لا تتوقف بعد موته، وأن القوى الكبرى ستستمر في مسعاها، سواء كانت الجيش الثوري أو الدوق . لكنه يذهب إلى موته وهو يحمل ألم الخيانة وحب الأم التي تضحي لأجل تحقيق أهدافه.

بينما يكتشف بول (أخ دانيال) حقيقة ما حدث، تظهر الأحداث الجانبية في الرواية عن الحرب النفسية والتكتيك العسكري، ويظل الغموض يحيط بمصير الشخصيات الأخرى.

كرويل (Cruel) شخصية ذات بعد استراتيجي هائل. هدفه هو حماية ديون (Deonhardt) حتى لو تطلّب ذلك التضحية بحياته.

لكن الوضع السياسي والعسكري معقّد للغاية:

الجيش الثوري ، بقيادة دانيال، يريد القضاء على ديون .

الدوق أيضًا يريد قتل ديون .

الإمبراطور هو الوحيد الذي يحمي ديون رسميًا .

وبالتالي:

"كرويل في وضع لا يمكن فيه السماح بانتصار أي طرف من الطرفين، لأن كليهما يهددان حياة ديون."

المشهد الرمزي: لعبة الشطرنج

كرويل يلعب الشطرنج – واللعبة هنا تمثيل رمزي للوضع السياسي.

الخيول السوداء والبيضاء تتقاتل = يمثل الصراع بين الثوار والدوق.

الحصان الأسود يهجم، ثم الأبيض يرد، ثم الأسود يجلس، ثم الأبيض يطرده = صراع متكرر، دون حسم نهائي، واللاعب (كرويل) يتدخل في الجانبين بالتساوي، فيحرك قطع كليهما، كما لو أنه يدير اللعبة وحده.

المعنى: كرويل يتلاعب بالصراع من الخلف، كي لا ينتصر أحد الطرفين كليًا، ولإبقاء ديون خارج مرمى النيران.

ثم يقول:

"Checkmate. The leader is dead."

القائد (دانيال) مات – أي أن اللعبة السياسية وصلت لذروتها.

كرويل يلتقط الملك الأسود (رمز دانيال) ويتأمل:

الأبيض فاز، لكن لم يتبق له الكثير.

الأسود خسر الملك، لكنه احتفظ بمعظم جنوده.

"بمعنى: الجيش الثوري خسر قائده (دانيال)، لكنه لا يزال يملك القوة العسكرية (الجنود). الدوق حيّ، لكنه فقد معظم قواته."

النتيجة التي يريدها كرويل:

إبقاء الطرفين متضررين بما فيه الكفاية لكي لا ينتبه أحد منهما إلى ديون.

نية كرويل الحقيقية:

"We have to find a way to keep Deon safe even after I die."

كرويل يعلم أن موته محتمل جدًا بسبب التوترات.

لذلك يخطط لمستقبل قد لا يكون فيه حيًا، ويريد إزالة التهديدات المحيطة بديون قبل رحيله .

"The Duke and... the revolutionary army."

حدد العدوين الأساسيين لِديون: الدوق والجيش الثوري.

بدأ يفكر بطريقة لإضعافهما معًا.

لمحة ذكية: مرض أم دانيال

لاحظ أن والدة دانيال مريضة (سعال دموي = hemoptysis) .

تذكّر أخاه المريض، ففهم ما سيحدث لدانيال نفسيًا حين يكتشف الأمر.

"The leader said he doesn't know about it yet."

الجيش الثوري أخفى الأمر عن دانيال، لكن كرويل يعرف أنه سيكتشف عاجلًا أو آجلًا.

الهدف؟ ضرب دانيال نفسيًا.

وهنا يتّضح: كرويل استغل مرض أم دانيال كنقطة ضعف لضرب استقرار دانيال العاطفي والنفسي، وإضعاف الجيش الثوري من الداخل.

الخلاصة العامة:

كرويل يلعب لعبة سياسية مزدوجة.

لا يريد فوز الدوق ولا فوز الثورة.

هدفه الأسمى: حماية ديون، حتى بعد وفاته.

لذلك يحطم القادة لا الجيوش، ويبقي الصراع مستمرًا لكي يمر ديون وسط الفوضى دون أن يكون هدفًا مباشرًا.

يستخدم كل الأدوات النفسية (كمرض الأم) والاستراتيجية (كالمناورات بين الفصائل) لتحقيق ذلك.

2025/05/05 · 59 مشاهدة · 2320 كلمة
نادي الروايات - 2025