[راقب دانيال عن كثب. لا يهم الموقع، فإن دخل أو خرج فأعلِمني في الحال.]

كان ذلك هو الوقت الذي عرفت فيه عن سُعالها المدمّى.

لا يمكن لعاقل أن يبقى على اتّزانه حين يعلم بذلك. دانيال، ذاك الشاب الذي كشف "كرويل" عن عقله المتزن في أغلب الأوقات، لم تزلزل كيانه سوى تلك اللحظة، حين اهتزّ عقله كغصن في مهبّ الريح.

حتى الأحمق كان ليدرك أنّ هذه فرصة لا تتكرّر.

المشكلة الوحيدة هي: متى سيعلم بذلك؟

إن استطعنا تحفيز دانيال على اتخاذ خطوة، فبوسعنا حينها أن نضبط التوقيت. غير أن الأمور لا تسير بهذه السهولة، خاصّةً حين تكون عيون الدوق مصوّبة إليك كحدّ السيف.

لذا، آثر "كرويل" ألا يتورط بمخاطرة مباشرة مع الجيش الثوري، بل أن يتعامل بدهاء مع ما تفرضه اللحظة.

[هل يتّصل ديون بك حين يكون في الإمبراطورية أم حين يغيب عنها؟]

الأفضل أن أتلقى الاتصال وهو قريب، غير أن الأمر لا يضر إن لم يكن كذلك.

الهدف الأساسي هو إشغال الجيش الثوري والدوق ببعضهما البعض، أما الهدف الثاني فهو الحؤول دون أن يغمد قائد الثوار خنجره في صدر ديون هارت. هذان الشرطان كانا حجرَي الأساس في خطته.

وبينما بدا عليه البرود، أتى الاتصال وكأنه هبط من السماء، إذ كان ديون في قاعة الحفل، على بعد ذراع من قلب الإمبراطورية.

نظر "كرويل" إلى أخيه الصغير، الذي أنهكه المرض حتى بصق الدم، وتنهد بصمت.

«اعذرني يا ديون، لكن لا بدّ لي من استغلال هذه الفرصة.»

جسدك المنهك لا يمنحك سوى عزيمة أكثر صلابة.

اغفر لي إن منعت قائد الثوار من الاقتراب من روحك.

فتح فمه بصعوبة وقال:

"اذهب وأخبر ديون: لا تتسكّع اليوم، وارجع إلى البيت مباشرة."

ذاك الطفل لم يَصغِ لكلامي مذ ذاك اليوم... سيجد نفسه هائمًا في الطرقات من جديد.

يجب أن أتحرّك قبل أن يخطو ديون خطوته الأولى.

ارتدى "كرويل" رداءه وغادر على عجل.

"ذلك الصبي... تحدث قربه عن المهرجان، واذكر شارع «داي» في الشرق."

"أتدفع لي مالًا مقابل هذا فقط...؟"

"نعم."

ما إن جاء النبأ حتى بدأت تحركات قائد الجيش الثوري تُرصد لحظة بلحظة. الآن، يتجول كمن فقد وعيه في شارع داي.

لا بد أن نصطدم به مع ديون. ولهذا، لم يكن تحريك الطفل أمرًا صعبًا.

خطة "كرويل" كانت بسيطة:

«المفتاح هو أن يرى قائد الثورة، وهو في أسوأ حالاته النفسية، مشهد نزيف شخص يبدو على شفير الموت، ويوحي له بأنه والدته.»

حينها فقط، سيتملكه الذعر.

«ألم يقل إنه أسّس جيش الثورة ليحقق الحلم الذي رأته أمّه ذات يوم، قبل أن تُغلق عيناها إلى الأبد؟»

من يتذكر هذا، كيف له ألّا يضطرب؟

لكن لكي تبدأ الثورة، لا بدّ له من لقاء الدوق، حليفه الأكبر. والدوق لن يسمح بذلك. فقد وضع يده في يد الثوار لا دعمًا، بل ليقمعهم ويُبقيهم تحت عينه.

وربّما حين يرى دانيال على شفير الجنون، سيغترّ ويكشف وجهه المتعجرف.

لا، بل هذا مؤكد.

«فالدوق متكبّر.»

"كرويل" راقبه طويلًا. ويقسم أن ضعف الدوق هو غروره.

ذلك الغرور الذي يُسقط الحذر من على الوجوه، ويجعل الأقنعة تتشقّق. ولا شكّ أن قائد الثوار الذي اعتاد رصد التفاصيل لن تفوته تلك الشروخ.

سيجد منفذًا للهرب من الدوق، لا محالة.

فهو رجلٌ لبيب، وسيدرك سريعًا أنه لن يخرج من هذا الصراع بلا جراح.

من تلك النقطة، تنتقل المسؤولية إلى القائد. لكن "كرويل"، بعد أن دقّق في شخصيته وتفكيره، استطاع أن يتنبّأ بخطوته التالية.

لهذا أقدم على خطوة جريئة كهذه.

...والنجاح في هذا المخطط، مرهونٌ بـ "من" سيظهر في مشهد النزيف المروع.

الأمثل أن يكون ديون، وإن لم يكن، فهنالك بدائل اختارها مسبقًا.

ولماذا ديون؟ لأن "كرويل" كان يعلم أن دانيال، في أعماقه، ألين مما يبدو عليه.

ولو التقى به في لحظة لم يتعافَ فيها بعد من صدمة رؤية دم أمّه، فلن يتمالك نفسه، حتى إن كان خصمه ديون هارت، ولن يصمد أمامه ذاك اليوم.

بما أننا لا نستطيع إيقاف جيش الثورة من استهداف ديون، فعلينا إذاً أن نوجّه الضربة لقائدهم.

ورغم أن عمر القائد لن يطول، إلا أنه من الأفضل أن نُبعد أنظاره عن الأطفال في ما تبقى له.

ففي النهاية، قد تُغيّر تفصيلة صغيرة مجرى حياة كاملة.

[سيكون الأفضل إن بقي مشهد الطفل النازف محفورًا في ذاكرة دانيال، حتى لا يُقدم بنفسه على قتل ديون.]

[يكفينا أنه سيتردد، إن لم يقف عاجزًا تمامًا، حين تحين المواجهة.]

[الأسوأ أن يتركه في يوم الفوضى، ثم يعود يومًا ويقتله بلا تردد...]

وحتى في ذلك السيناريو، لا ضرر من المحاولة.

وفوق كل ذلك، حتى إن فشل كل شيء، فديون سيعود آمنًا في النهاية.

لهذا، أقدمت على الأمر.

"كُح..."

"...؟!"

بعد أن أغرى المارة بالمال مرارًا، حتى دلّوا الطفل على الطريق، تقاطع أخيرًا مسار خطاه مع زعيم جيش الثورة. ولم يُضيّع "كرويل" اللحظة التي اقتنصها، فانتظر برهة عبور الاثنين، ثم صوّب دفعة خفيفة إلى ظهر ديون، جعلته يترنّح ويسقط.

اندفع الدم من فم ديون، فارتبك دانيال واضطرب، وسرعان ما انحنى على الطفل المريض، فاحتضنه كمن أصابه الرعب وحمله بعيدًا.

كان "كرويل" يراقب من بعيد، ولم يلتفت خلفه إلا بعدما اختفيا عن ناظريه.

بهذا، زُرِعت كلّ البذور.

لا أنكر قلقي على أخي الأصغر الذي تقيأ الدم، لكن إن صدق حدسي من خلال نظرات قائد الثورة، فهو الآن في طور الجنون، وسيفقد صوابه لينقذ حياة هذا الصبي... لذا أظنّ أن الأمور ستكون بخير.

العلاج سيجري سرًّا، وحتى إن كُشف أمر الصبي وطالب رفاق القائد بإعدامه، فمصيره سيبقى النجاة، لا شك.

كما قلت مرارًا، القائد الذي غشّى الغضبُ بصره لن يقدر على قتل ديون اليوم، وأما أولئك الذين كتموا عنه سُعال أمّه الدموي، فسينتهون خاسرين لا محالة.

"لنعد."

نموّ البذور لا يرتبط بحياة من زرعها؛ لذا حتى وإن غاب "كرويل هارت" عن الوجود، فإن ما غرسه سيُورق وحده.

لذا... حان وقت العودة.

«عليّ أن أستأنف حياتي اليومية.»

فالدوق ما يزال يترصّد حياة الطفل.

وهذا وقت الالتفات إلى الواقع... والعيش.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"السّد الأخير قد انهار!"

"ستارة الكارثة قد رُفعت! الكارثة على وشك أن تستفيق!"

عجوز شامانية (عرافة)، كانت تراقب النجوم في أعالي الليل من قرية جبلية صغيرة، صرخت فجأة. تجاهلت كلمات حفيدتها التي ترجتها أن تهدأ، وظلّت تهتف حتى استيقظ القرويون، وأضيئت البيوت واحدًا تلو الآخر.

خرج الناس وهم يفركون أعينهم، يتساءلون بامتعاض عمّا يجري. وتركّزت نظرات الاستفهام نحو "ران"، الحفيدة التي كانت تهدّئ جدتها، وكأنهم يرجون منها تفسيرًا.

"علينا أن نغادر القرية!"

"...ماذا يحدث؟"

"...جدّتي على حقّ هذه المرة. علينا أن نتحرّك بسرعة."

كلام مفاجئ في قلب الليل.

لكن، بما أن العجوز أنقذت أرواحهم سابقًا حين نبّهتهم إلى الرحيل في زمن حرب السنوات الثمان، لم يُشكك أحد في صدقها، بل رمقوا "ران" وتفرّسوا وجهها المرتبك.

كانت شاحبة بعض الشيء، تُمسك يد جدتها وتحدّق في السماء المرصّعة بنجومها.

"...إلى أين نذهب؟"

"إسبيرانيس!"

"ومتى؟"

"خلال أسبوع واحد!"

لعلّها نعمة أنه ليس غدًا.

لكن الوقت... ما يزال ضيّقًا جدًا.

"ليس لدينا وقت لنتنقّل من قرية لأخرى... أليس من الأفضل أن نمحو آثارنا كما فعلنا في الحرب السابقة؟ لو منحتموني وقتًا أطول لأستعدّ..."

"لا! ستكون هنا قبل أن تنهض الكارثة من سُباتها!"

"لكن..."

"يا لكِ من صبية! لا!"

"اهدؤوا جميعًا، رجاءً."

وكانت "ران" كعادتها، من أعاد السكون إلى المشهد المتأجّج.

أمسكت بيد جدتها بقوّة، ونظرت إلى الوجوه التي غمرها القلق والارتباك.

"أعلم أن الأمر مفاجئ. ماذا لو زدنا المهلة إلى عشرة أيام بدل أسبوع؟"

"ران!"

"لو كانت عشرة أيام فقط..."

وبعد أن رؤيتهم يومؤون برؤوسهم، وجّهت نظراتها إلى جدتها المتجهّمة.

"لا تقلقي كثيرًا."

"ران، ولكن..."

"حتى وإن التقينا بهم، فإنهم يأتون قبل أن يستفيقوا، فلن يموت أحد."

"...حسنًا، يبدو أنك تخبّئين أمرًا في جعبتك أيضًا..."

وكأن قناعة ما تسلّلت إلى قلب العجوز، إذ خفّ حدّة حضورها. انحنت "ران" أمام القرويين وهي تسند جدّتها التي أنهكها الصراخ في دُجَى الليل.

"نعتذر لإزعاجكم في هذا الوقت المتأخر. سندخل الآن، فعودوا إلى مضاجعكم واستريحوا."

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يُقال إن ملك مملكة "شان" تمكّن بطريقة ما من إقناع ملوك الممالك الصغرى الأخرى أن يُصبِح تابعًا لهم. لم تشأ مملكة "رويش" أن تُهزم في ميدان النفوذ، فقدّمت دعمًا مادّيًا وحماية، وأخضعت مملكة "تايهون" لسلطانها...

«وهكذا، بات عدد الممالك في عالم البشر أربعًا فقط.»

إمبراطورية "رويش" ـ إسبيرانيس.

الشياطين التي طالما ابتسمت لاقتتال البشر لن تسرّ كثيرًا حين ترى قواهم تتّحد دون أن يُراق دم. ولعلّ ملوك تلك المملكتين كانوا يستهدفون ذلك تحديدًا.

"دايكون، تم تنظيف كل الطوابق."

"عملٌ حسن. سأمرّ لتفقّده، يمكنك الآن أن ترتاح."

واصل "ريميمبر" أفكاره وهو يمشي في الرواق الطويل.

الإمبراطورية الآن مضطربة من وجه آخر؛ فقد اختفى "ديون هارت"، الماركيز الفخري، وبطلها الثالث.

وقد انقسمت الآراء حتى داخل الإمبراطورية، فمنهم من يظنّه خان العهد، ومنهم من يرجّح أنه وقع ضحية مكيدة.

ولذا، وكما هي الحال الآن:

"دايكون."

"نعم يا سير ليان، ما الأمر؟"

"دايكون... هل حقًا لا تعرف أين اختفى سيّدك؟"

"كيف لشيخ مثلي أن يعلم ما جهلته حتى أنت، يا سيدي؟"

كان كثيرون يسألونني عن مكان "ديون هارت".

فكيف لخادم عجوز، لا يتجاوز حدود القصر، أن يعلم أسرار فارسٍ ارتبط به فقط برابط الخادم والمولى؟

ورغم ذلك، وبسبب هالة الغموض التي تحيط به، بقي "ريميمبر" صامتًا أمام من يلحّ عليه بالسؤال.

"دان"، الذي كان يراقب الموقف بصمت، نطق أخيرًا بتحفّظ:

"بما أنه غادر دون أن يُخبر فرسانه... أليس ذلك دليلاً على تعمّده؟"

"...لو كان كذلك، لكان قد هجر وطنه، وهذا لا يليق به."

ابتسم "ريميمبر" ابتسامة دافئة كمن ينظر إلى حفيدٍ مشاغب، وقال برقة:

"هل تظنّين حقًا أنه سيفعلها؟"

"..."

وكأنها ضُبطت متلبّسة، صمتت "لين".

رغم ما بدا على "ديون هارت" من كراهية لها ونفور، كانت تُدرك في أعماقها أنه يحمل لها قدرًا من الثقة والمودّة لا تفهمه.

«وإن كانت الثقة أعمق من المودّة بكثير.»

أدارت وجهها نحو النافذة. ربما بسبب غيابه، رأت فرسانه ـ الذين صاروا كأشباح قاتلة ـ يجوبون الباحة، أرواحهم تئنّ بالحزن.

...رغم أنني عادة لا أحبّ هذا النوع من الفوضى، إلا أن منظرهم الآن، ككلابٍ مبلّلة في ليلة عاصفة، أثار شيئًا من الشفقة في داخلي.

«ويبدو أنني تعلّقت أنا الأخرى.»

...لكن، أين اختفى سيدي حقًا؟

حين نظرت إليهم، أحسست بأن الحزن يتسلّل إلى صدري، فأشحت بنظري عنهم... وأجبرت نفسي على التفكير في شيء آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرح الفصل:

النص يُقدَّم بصوت راوٍ داخلي عارف بالأحداث، وغالبًا هو الشخصية المسماة "كرويل" أو شخصية أخرى ذات نظرة تحليلية باردة، تتابع مجريات الأحداث من موقع قوّة أو إشراف. يُفتتح بمشهد مشحون بالتوتر السياسي أو العسكري، حيث يُطلب من أحدهم مراقبة "دانيال" عن كثب، مما يوحي بأن تحركات دانيال تثير الشكوك أو تحمل أهمية خاصة.

ثم تنتقل السردية فجأة إلى جانب شخصي مأساوي: ظهور عرض

hemoptysis

(بصق الدم) لدى امرأة ترتبط بدانيال — ومن السياق نُرجّح أنها والدته. هذه اللحظة هي "الصدمة الكبرى" التي سبّبت لدانيال شرخًا نفسيًا عميقًا، وتحوّلت إلى حافزٍ قوي دفعه نحو اضطراب عقلي عنيف. الراوي يصف هذا الحدث بأنه لحظة فقد فيها دانيال اتّزانه العقلي بالكامل، لكنه يرى في هذه اللحظة فرصة نادرة لا تُعوّض.

هنا نبدأ بفهم العمق الحقيقي للنص: دانيال تحوّل من شخصية عادية أو مستقرة إلى شخصية هشّة وسهلة الاستغلال بسبب الألم الشخصي. و"كرويل" — أو أيًا كان الراوي — يرى في انهياره فرصة لاستغلاله سياسيًا أو عسكريًا. هذا الاستغلال مبني على ملاحظة دقيقة لسلوك دانيال، حيث يقوم الراوي بتحفيزه عمدًا لاتخاذ قرارات، دون إعطائه أوامر مباشرة، وإنما فقط

زرع بذور الفكرة في ذهنه

، مما يجعل دانيال يتصرف من تلقاء نفسه وكأنه هو من اختار مصيره.

ومع ذلك، يواجه هذا المخطط عائقًا: "الدوق" — وهو شخصية قوية، ذات سلطة، تُراقب الوضع أيضًا وربما تُشكك في دوافع دانيال أو الراوي. وجود الدوق يُصعّب تنفيذ الخطة. لذلك، يبدأ الراوي بتدبير وسيلة لتشويه صورة دانيال أمام الدوق، لكي يُبعد هذا الرقيب عن طريقه.

ثم نرى تشبيهًا مهمًا: الراوي يُقارن أفكاره السامة التي زرعها في عقل دانيال بـ"السمّ"، ويُشبه دانيال نفسه بسيف مُغلف بالحرير — يبدو ناعمًا ومهذبًا من الخارج، لكنه يحمل في داخله دمارًا، أي أنه أصبح آلة قتل ناعمة المظهر.

وفي ذروة هذا التلاعب، يُستدعى دانيال للحضور إلى القصر الملكي، ما يُشير إلى أن المخطط قد بدأ يؤتي ثماره. الراوي يشعر بالفضول تجاه مَن استدعاه ولماذا، ولكن في الوقت ذاته يبدو أنه مطمئن بأن "دانيال" الآن أصبح يُمثّل أداةً جاهزة بيده.

2025/05/06 · 56 مشاهدة · 1865 كلمة
نادي الروايات - 2025