{م.م: ما توقعت يكون دعم... بس واو، شكراً لهذا 😭🌺}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تراجع قائد الفيلق الصفري خطوة إلى الوراء، من الموضع الذي توقّف فيه لحظة.

وكانت الشائعات عن ارتفاع حرارته تبدو صادقة، إذ إن الحرس عند الباب تجمّدوا في أماكنهم حين شعروا بالحرارة تتصاعد من جسده كأنّها لهب.

(مهما نظرت في حاله... أظنه أولى بالراحة في فراشه من وقوفه في هذه المكتبة...)

لكن ديون هارت تجاهل تلك الخواطر التي لم تجد سبيلًا إليه، ومضى إلى مكتبة القصر.

نهض أمينها مذ رآه، فمرّ ديون بمحاذاته دون أن يرمقه ببصرٍ أو يُلقي عليه سلامًا، وتقدّم نحو رفٍّ يعرفه.

لم يحتج إلى عناء للعثور على مبتغاه.

[معلومات عن أبطال الإمبراطورية الحاليين] [تأليف: إيديليا ديفيلانيا]

لقد أمرتُ كلًا من (إيديليا) و(ديفيلانيا) بجمع كل ما يخص (كرويل). ولو لم يكن بحوزتهما شيء، كنت سأجمعه بنفسي وأسلّمه إليهما.

ردّهما كان أن البحث سيستغرق زمنًا طويلًا لضخامة ما يجب تمشيطه، إلا أني أصررت، فقُلّص الوقت قسرًا.

ولم أكن لأقف متفرّجًا في حين تسعيان وحدهما وراء الحقيقة.

مدّ ديون يده، وأخرج الكتاب. تجاوز مقدمته عشوائيًا، ثم توقّف عند موضعٍ رسمت فيه صورة كرويل. عينان خضراوان مألوفتان وقعتا في عينيه.

[(البطل الرابع - سابقًا). كرويل هارت. (متوفّى. يُحذف من السجل).]

[يُعتقد بوجود صلة دم بينه وبين البطل الثالث ديون هارت. ورغم أنّه لا يُنسب إلى الإمبراطور، بل إلى الدوق المعارض له...]

عند هذا الحدّ، فقد أغلقتُ الكتاب في المرة السابقة.

شدّ على الكتاب بكفٍّ مرتجفة، ثم واصل القراءة دون أن يطرف له جفن:

[...يحرّف أو يحبط أوامر الدوق، ويُظهر سلوكًا يوحي بكبحه لها أكثر من طاعته الصمّاء.]

ما كان للدوق أن يعهد لكرويل بمعلومات سرية. فإن صدر منه أمر، فغالبًا كان قتلًا أو دفنًا.

فمن ذا الذي أراد الدوق محوه من الوجود أكثر من غيره؟

رغم أنّ عقله أثقلته الحمى، إلا أنّ ديون وجد الجواب كمن استخرج الدواء من فوضى الهذيان.

"...أنا."

وانفجر ضاحكًا.

"هاهاها... آهاهاها!!"

كأنّ الجنون قد نزل به. بل هو الجنون بعينه.

لم أتخيّل يومًا أن ألـXــن العقل الذي طالما أثنى على ذكاء (كرويل) حين كنّا صغارًا.

لو قرأت هذا وهو حيّ، لضحكت بسخرية وتساءلت: "آنا المقصود؟" لكن حين عجزت عن احتمال الريبة، بدأت أفتّش عن الحقيقة.

الدوق الآمر بالقتل، وكرويل حاجز النار الذي يصدّ الأوامر عني.

ولأنّ كرويل مات وقد احتواني بذراعيه... انطفأت في قلبي تلك الريبة التي أشعلها أول خيط.

ما من دليلٍ أبلغ من ذلك.

ضحك ديون ضحكة مفجوعة، تفجّرت معها دماء امتزجت بدموعٍ لم يجد لها اسمًا.

كان هو.

كان يحميني.

ومن منظور زعيم الحزب الأرستقراطي، من يكون أكثرهم إزعاجًا؟

ذلك السيف الذي يحبّه الإمبراطور، والكلب الوفيّ له. لا يتحرّك في العلن كغيره من الأبطال، بل يخوض الظلّ ويختفي، فلا يُدرى أين يحطّ قدمه.

من عساه يكون غير ديون هارت؟

"فلماذا إذًا فعلتَ هذا؟"

عاداتٌ عشرية حاولت طمس الحقيقة المؤلمة، لكن حين أجبرت نفسي على مواجهتها، انقلب تفكيري، وصببت اللوم على كرويل.

لأنّ الأسئلة لم تجد أجوبتها بعد.

"لم أرسلتني إلى الحرب؟"

إن كنتَ ستموت هكذا، فلماذا تركتني؟ إن كنت ستحميني الآن، فلم هجرتني إلى ساحةٍ يزأر فيها الموت؟

هل أتاك الندم متأخرًا؟ إذًا لا داعي أن أشعر بالذنب. ربما كانت مجرّد محاولةٍ منك للتكفير عن ذنبك، كمنافقٍ يقنّع الرأفة بالخداع.

"ديمون."

"...ملك الشياطين..."

رفعت رأسي، كأنني أفقت من غيبوبة خاطفة.

ملك الشياطين، وقد رأى الغضب، والحزن، والذنب، ترتسم في وجهي بلا حجاب، أطرق رأسه ونظر إلى حالتي.

كانت ثيابي تسبح في عرقٍ بارد، ورجلاي حافيتين تئنّان تحت جسدٍ آيلٍ للانهيار.

تنهد وقال بلهجة عابرة كمن يحاول إخفاء قلَق:

"سمعتُ أنّك طلبت معلوماتٍ عن كرويل هارت."

"..."

"الأولاد صُدموا من كثرة ما يجب البحث فيه..."

نظرتُ إليه، إلى عينيه الحمراوين الغارقتين كدمٍ في قاع كأس.

"أكان ذلك لأنّك حقًا لم تعرف أين تحدّد النطاق؟ أم لأنّك عجزت عن إخبارهم به؟"

"..."

"الأرجح الثانية."

كرويل هارت مرتبط بالبطل الثالث (ديون هارت)، وكان لا بدّ أن أتحفّظ في حديثي. فإن أسأت التصرف، انكشف أنّه القائد عينه للفيلق الصفري.

التفكير في حالتك هذه عسير، لكن أن تعرف متى تتكلم ومتى تصمت، فهو نِعمة.

نظر إليه ملك الشياطين وكأنّه أعاد تقييمه من جديد. لم يكن ليستطيع ترك هذا المريض الذي أنقذه، فابتسم، ليمنحه بعض السكينة.

"فقل لي إذًا. ما دمتُ أنا، فلا بأس، أليس كذلك؟"

"..."

"سأعاونك."

هو يعلم من أكون، ويكتم السرّ، فلا خوف.

ولعلّ شيئًا من الراحة تسلل إلى قلبي، فجعلني أترنّح نحوه. مددتُ يدي المرتجفة، وتشبّثتُ بردائه كأنّي أتعلّق بحبل نجاة، وقلتُ بلسانٍ كلسان طفل، لا يعرف كيف يُتمّ الجُمل:

"كرويل... مات بدلًا عني... كنا في خصومة..."

"...آه..."

ملك الشياطين، وقد التقط شتات كلماتي كما يُجمَع الزجاج المكسور، فهم المراد، وتنهد همسًا:

"حسنًا... سأحقّق في الأمر."

"شكرًا..."

«فلتخلد إلى النوم الآن»

ما مسّني بيده، بل أمسك بتلابيبي فقط، غير أنّ الهواء الذي لامس جلدي كان كالجمر المستعر. كيف خطوت كل هذا الطريق بهذه الحال؟ وحافِي القدمين؟

لمّا مددتُ إصبعي ولمست جبين ديون، أطبق عينيه بتؤدة، ثم تهاوى بين ذراعي، فحملته، وهناك، تذكّر ملك الشياطين أنّ قوّته السحرية لم تعد كما كانت.

«في السابق، ما كنت لأشعر بشيء لو استعملت هذه الدرجة من السحر».

أما الآن، فقد بدأ يحسّ بتناقصها شيئًا فشيئًا.

رغم ذلك، حرّك عينيه في تثاقل، ثم نظر إلى ذلك الآدمي المكدود، وقد عزم أن يكفّ عن التبذير في سحرٍ لا يُسترجَع، وهو يُعيد ديون هارت إلى حجرته.

حتى في نومه، كانت قسماته متجهمة، وأنفاسه مضطربة، كأن الحُمّى تنغّص عليه حلمه.

«ديون هارت...»

همس باسمه في رفق، كمن يتحقق من غفوته.

«هل تدري متى يسقط الإنسان؟»

ملك الشياطين عاش طويلاً، ورأى كيف تنهار النفوس وتفسد.

بل إنّ وصف "الفساد" ليبدو رحيماً، فالأقرب أن تقول:

انكسرَت

.

«يسقط حين يفقد ما هو أعزّ عليه.»

بل أدقّ من ذلك: حين لا يعود لديه ما يخسره.

حين تُحاصره الدنيا من كلّ صوب، وتخنقه حتى يسلبه الهواء، هناك يُكسر تماماً، ويتحوّل إلى شيء لا يُشبه البشر.

«لقد فقدتَ الوحيد الذي أحاطك بعناية صادقة.»

ولن يسعك العثور على مثل ذلك المرء مرة أخرى.

فمن ذا الذي يعطي كلّه لغيره بلا مقابل؟

«يا ديون المسكين...»

ضحك ملك الشياطين في أسًى.

«لقد بتَّ وحيدًا حقًّا.»

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[قبل أن تسلّما دايمون المعلومات، عليّ أن أراها أولاً.]

بعد أن تلقّى ما جمعته إيديليا وديفيلانيا من معلومات، وبعد أن نقّحها ورتّبها، زار ملك الشياطين ديون هارت، ومعه ورقة واحدة اختزلت كل شيء.

كان يعرف تماماً ما الذي يبحث عنه ديون، لذا طرد من في الغرفة، ثم وضع الورقة على فخذ ديون دون تردّد.

«المعلومات التي جمعتها ديفيلانيا وإيديليا كانت شاسعة، ويبدو أنّك كنت ستغرق فيها، لذا لخّصتُها. هل هذه ما كنت تبحث عنه؟»

صمت ديون، وهو جالس على السرير، يتأمّل ملك الشياطين، ثم التقط الورقة.

عيناه الحمراوان من شدّة التوتر قرأتا الكلمات المكتوبة عليها، ومع كل سطر، كانت الشعيرات الدموية في عينيه تنفجر، وزاويتا عينيه تحمّران.

أكان ذلك حزنًا؟

... لا، بل كان غضبًا.

«ها ها ها...»

غضبٌ جارف، لكنه موجّه إلى ذاته.

في الأصل، كان من المفترض أن يشارك كرويل في حرب السنوات الثماني، لكن الأوراق عُدّلت في منتصف الطريق، وأُرسل هو.

«أنا...»

السبب كان ذلك الدوق، قد تلاعب بالوثائق، ودفع به إلى أتون الموت.

حتى أهله، الذين أزهقهم بيده، كانوا قد أرسلوا مراتٍ عدّة طلبات للإمبراطورية لتُعيده في بداية الحرب، بل بعثوا من يسعى لإرجاعه، لكن صمتًا مطبقًا خيّم، ولا شيء تغيّر.

ولم يكن غريبًا، فذلك الدوق أيضًا قطع سُبل الاتصال بينهم.

«ماذا فعلتُ...؟»

رغب أن يزهق روحه.

رغب أن يُذيق جسده موتًا أشنع من الجحيم، لكنه لم يقدر أن ينهي الحياة التي افتداها كرويل بروحه.

ديون هارت، الذي أغلق عينيه ليتجاهل ما يعتمل في صدره، فقد السيطرة، وأخذ يرمي بكل ما طالته يداه، ناسياً أنه أمام ملك الشياطين.

طراخ!

تهشّمت مزهريّة في الهواء، وتناثرت شظاياها، ووقعت قطعة كبيرة منها على البطّانية، مدّ ديون يده ليلتقطها...

لكن ملك الشياطين أوقفه، ممسكًا بمعصمه.

وبفضل هذا، عاد إليه شيء من وعيه، فرفع رأسه، وساق بصره إلى يد ملك الشياطين، ثم التقت أعينهما.

كانت عينا ديون حمراوين، مشبعتين بنية القتل وغضبًا لا يُحتمَل.

«هل كان الإمبراطور يعلم؟»

أطرق ملك الشياطين رأسه، وشبك ذراعيه، وأمال رأسه إلى جانب.

كان قد تعمّد إغفال السبب وراء ما فعله الدوق، لكن لم يُسأل. وربّما الوقت لم يسمح بعدُ لتلك الأسئلة.

ولا بأس، فما جرى مريح من ناحيتي.

«لقد عملت تاجرًا. لا يوجد ما أجهله.»

«هاه...»

مسح ديون وجهه ببطء.

بات يدرك الآن لماذا قال كرويل ما قاله.

لو لم ينهَر "الجدار" بداخله مسبقًا، لكانت هذه الحقيقة قد سحقت كل ما فيه، وبلغ به الكرب حدّ الجنون.

«كح...»

حتى بعد أن تهيّأتُ، فإنّ ما عَلِمتُه لا يُحتمل، فكيف لو أنّه انهمر عليّ دفعة واحدة؟

مجرد انهيار الجدار، كان الفرق بين الحياة والموت.

ما من شكّ... كنت سأموت.

وحتى بعد موتك... تواصل حمايتي.

كلما ازددت علمًا، ازددت كرهاً لذاتي. فماذا أصنع؟

لا أستطيع أن أهدر الحياة التي حفظتها بروحك.

بلغ بي الغضب حدّ السكون. لم أصرخ، لم أرُمِ شيئًا، بل رفعت رأسي، وحدّقت في الفراغ.

أخي...

سامحني.

أعلم أنني لا أستحق المغفرة، ولا أملك ما أقدّمه سوى "أنا آسف"، لكني لا أجد شيئًا آخر أقوله.

لا ينبغي لي أن أفكر بهذه الطريقة بعد الآن.

حقاً...

أريد أن أموت.

وكأنّ الدم المسفوح خلف العواطف صار سائلاً يسيل من بين شفتَي، تدفّق طعمه المعدنيّ في حلقي، وسمعتُ ملك الشياطين ينقر بلسانه قائلاً: «آه، يا للأسف...» وهو يلاحظ الكمّ المهول من الدم.

ثم استسلم ديون أخيرًا لظلمةٍ ابتلعت وعيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحطّم العالم الذي بُني على الأوهام وسوء الفهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما إن استعاد ديون هارت وعيه، حتى بدأ يبحث عن ملك الشياطين.

ملك الشياطين كان جالسًا في مكتبه، يرفع بصره في هدوء إلى ديون الواقف أمامه، كما لو كان هذا الأخير يقدّم استقالته لا طلبًا. عندها تناول جهاز التواصل القريب.

وصلت بعض الإشارات، ثم أجاب أحدهم.

«بن، تعال فورًا إلى باب المكتب.»

– «هاه؟! هل أصبتَ بأذى؟!»

«لا. ولا تخلط الأمور. ليس

المكتب

، بل "أمام باب المكتب". انتظر هناك حتى أُنادِيَك.»

ظهر التعجّب جليًّا في نبرة الطرف الآخر، لكن ملك الشياطين لم يعبأ، وأغلق الاتصال.

ثم أعاد نظره إلى ديون، والتقت أعينهما، فمالت عينا الشيطان كأنّهما هلالان مطبقان، يُخفيان في عمقهما شيئًا لا يُفصح عنه.

«حسنًا... دعني أسألك الآن.»

«...»

«ما الذي جاء بك إليّ؟»

رغم أنني أشعر بأني لستُ بخير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرح النص:

المشهد الأول: الخطوات المحترقة نحو الحقيقة

يبدأ المشهد بقائد الفيلق، ديونهارت ، يتراجع خطوة إلى الوراء بعد أن توقف لحظة، كما لو أن الإشاعة عن معاناته من حمى شديدة كانت صحيحة. الحراس عند البوابة يتجمدون من شدة الحرارة المنبعثة منه ، ما يضفي عليه جوًا غير طبيعي، كما لو كان نارًا تسير على قدمين. رغم قلقهم عليه، لا يلتفت إليهم، ويمضي مباشرة إلى المكتبة .

في المكتبة، يقف أمام رفٍ مألوف له، يتجاهل أمين المكتبة الذي ينهض مذعورًا، ويأخذ كتابًا دون تردد. العنوان:

"معلومات عن أبطال الإمبراطورية الحالية"

، للمؤلفة

إيديليا ديفيلانيا

. يبحث مباشرة عن اسم كرويل هارت ، ويجد صورته بعينيه الخضراوين المألوفتين، مع ملاحظة أنه البطل الرابع السابق، متوفى، ومطلوب حذف المعلومات عنه .

يُذكر في الكتاب أنه كان قريبًا بالدم من ديونهارت (البطل الثالث)، لكنه لم يُعرف بولائه للإمبراطور، بل كان محسوبًا على الدوق الذي يعارضه. لكنه، بطريقة غريبة، لم يكن ينفذ أوامر الدوق، بل كان يُفرّغها من مضمونها، أو يخفف من حدتها ، ما يوحي بأنه كان يحمي شخصًا ما .

رغم الإرهاق الناتج عن الحمى، يضحك ديونهارت بجنون ، فقد اتضحت له الحقيقة:

"كنت أنا من يحميه كرويل. لقد مات بدلاً عني."

المشهد الثاني: مواجهة الذات

ينتقل المشهد إلى صراع نفسي عنيف. ديونهارت يتساءل:

لماذا أرسلني كرويل إلى الحرب إن كان ينوي حمايتي؟ هل شعر بالذنب لاحقًا؟ هل كان نفاقًا؟ هل أستحق الحماية أصلاً؟

ثم يظهر ملك الشياطين فجأة في المشهد، يبدو كمراقب بارد، لكنه ليس عديم الشعور. ينظر إلى ديونهارت الذي تغمره مشاعر مختلطة : الغضب، الذنب، الحزن، عدم الفهم.

يسأله بلطف:

"هل طلبت معلومات عن كرويل لأنك لم تستطع تحديد ما تريده، أم لأنك لم

ترد

أن تفصح عما تريده؟"

ويُجزم بأنه يعرف الجواب: الأمر الثاني ، لأنه لو كُشف طلبه الحقيقي، لانفضحت هويته كقائد الفيلق الصفري.

ثم يُطمئنه بلطف:

"قل لي، أنا لن أفضحك. سأساعدك."

وفي لحظة انهيار، يتشبث ديون هارت بملابس ملك الشياطين مثل طفل تائه ، يتلعثم:

"كرويل مات بدلاً مني... مع أننا كنا على خلاف..."

المشهد الثالث: المعلومات التي فجّرت الألم

بعدما يستفيق ديونهارت من إغماء ناتج عن الحمى والضغط النفسي، يعود ملك الشياطين حاملاً وثيقة وحيدة تتضمن الحقيقة:

كرويل كان من المقرر أن يشارك في حرب السنوات الثماني .

لكن الدوق تلاعب بالأوراق ، وأرسل ديونهارت بدلًا منه.

عائلات القتلى حاولت استرجاع ديونهارت برسائل عاجلة للإمبراطور، لكن الدوق قطع الاتصال .

ديونهارت ، إذًا، لم يُضحَّ به عشوائيًا، بل بقرار واعٍ من الدوق.

كرويل، طوال الوقت، كان حاجزًا بين الدوق وديونهارت، يمتص الأوامر الدموية ويشوّهها لحماية أخيه .

ينهار ديونهارت مجددًا، يصرخ، يرمي أشياء، يحاول جرح نفسه بقطعة خزف، لكن ملك الشياطين يمسك بمعصمه في اللحظة الأخيرة .

ثم يسأل بصوت مختنق:

"هل كان الإمبراطور يعرف؟"

ويأتي الجواب المر:

"بالطبع يعرف. حتى رجل الأعمال كان يعرف."

يدفن ديونهارت وجهه بيده، ويبدأ خيط الأسى يتحول إلى إدراك مميت . لم يكن مستعدًا لهذه الحقيقة، لكنه أدرك الآن لماذا قال كرويل تلك الكلمات سابقًا.

المشهد الرابع: أريد أن أموت... لكن لا أستطيع

بعد أن هدأ نسبيًا، يختلي ديون هارت بنفسه . يبدأ يتحدث في داخله:

"لقد حمَيتني حتى بعد موتك يا كرويل... ولكني... أنا السبب... لا أستطيع الاستمرار بهذه الحياة... ولكن أيضًا لا يمكنني رمي الحياة التي أنقذتها بتضحية."

كلما ازداد وعيه، ازداد كرهه لنفسه . ورغم أنه يريد الموت، يشعر بواجب تجاه التضحية التي قُدمت من أجله. لا يصرخ هذه المرة، لا يحطم شيئًا. فقط يسقط في الصمت... والدم... والظلام.

المشهد الخامس: لحظة الوعي والقرار

في النهاية، يستيقظ ديون هارت، يذهب إلى مكتب ملك الشياطين ويقف أمامه بجديّة كما لو أنه يقدم استقالته. يطلب منه أن يستدعي أحدهم وينتظره خارج المكتب، لا بالداخل .

ثم يرفع رأسه، ليبدأ كلامًا مصيريًا .

يسأله الملك الشيطاني:

"ما الذي جاء بك؟ رغم أنك لست بخير؟"

وهكذا يُغلق الفصل الأخير من هذه السلسلة من المشاهد، على عتبة الاعتراف والمواجهة ، حيث يستعد ديونهارت لوضع كل شيء على الطاولة.

خاتمة:

هذا النص مبني على دراما نفسية معقدة ، تتناول الخيانة، التضحية، الهوية، والذنب . شخصية ديونهارت تُسحب من العجز العاطفي إلى الصدمة النفسية ، ثم إلى نوع من الإدراك القاتل الذي يجبره على إعادة التفكير في كل ما كان يعرفه.

كل مشهد ينقلنا أعمق نحو جوهر الحقيقة التي حاول تجاهلها، حتى لم يعد هناك مجال للهروب. كل لحظة، وكل رد فعل، مدفوع بـ حقيقة واحدة مؤلمة :

"الشخص الذي كرهته، هو من أنقذني... ومات من أجلي."

2025/05/08 · 74 مشاهدة · 2285 كلمة
نادي الروايات - 2025