"أريد أن أُفني كل العفاريت في هذا العالم أمام ناظريّ."

"يا للعجب."

رمى "بن" بلسانه كما لو أنه يُبدي شفقة.

لكن "إيد"، الذي بدا الامتعاض واضحًا في عينيه رغم ابتسامة خفيفة على شفتيه، اشتبك معه، بينما كان "ديون"، يراقب المشهد كمن يشاهد مسرحية صامتة، دون أن تلامس الابتسامة وجهه، إذ التفت برأسه نحو "هين" الذي كان يقترب منه.

كان بستاني قلعة ملك الشياطين يبتسم له ببشاشة، حاملاً زهرة عادية لأول مرة.

"إنها زهرة من عالم البشر!"

"...ألم تكن لا تُريني إلا زهورًا من عالم الشياطين وتهديها لي؟ ما الداعي لهذا؟"

"في الآونة الأخيرة... مكثتَ في عالم الشياطين مدة أطول من أي وقت مضى. ظننتُ أنك قد تشتاق إلى عالمك البشري..."

أنا لا أُبدي اهتمامًا كبيرًا بالزهور، لكن هذه الزهرة على نحوٍ غريب جذبت انتباهي.

زهرة تدرك أنها ستجذب الأنظار، ومع ذلك لا تنفر النفس منها، بل تنبض بلطافة ناعمة.

أتُرى هذه زهرة من عالم البشر؟

"من أين جلبتَها؟"

"كان هناك رُبى صغيرة مُعتنى بها قرب الحدود من جهة عالم البشر. ووسطها كانت هذه الزهرة تتفتح في جمال لافت..."

{م.م: رُبى (مفردها رُبوة) التل الصغير، أو الهضبة الصغيرة، مكان مرتفع من الأرض.}

"ربى؟"

"نعم! وكان أمامها حجر مصقول منصوبٌ بإتقان."

إنه قبر. والحجر المنصوب ليس سوى شاهد.

{م.م: آحاا... هذا قبر كرويل أتوقع!! بس المشكلة أن الدوق مش طيب لذي الدرجة عشان يعمل له قبر أو شي. ممكن ملك الشياطين بالفعل أخذ الجثة ودفنها لأي سبب كان، أو مدري، لأنه برضو حقير. أنا متشككة.}

أن يضع إنسان قبرًا عند حدود العالمين أمر غريب، لكن الأغرب منه أن "هين" اجتث زهرةً نبتت فوق ذلك القبر! ويُحمد أنه لم يأتِ بالزهور "الموضوعة" هناك...

فالزهور التي "نبتت" من الأرض تنتمي للطبيعة، أما تلك "الموضوعة" فهي هدية وداع من أحدهم لميت.

"...ألم تقولوا إن الشياطين لا يصنعون القبور؟"

إن كان كذلك، فلا تثريب إن جهلوا.

{م.م: تثريب= عتاب= تأنيب.}

جُلت بناظري ببطء نحو الشياطين الآخرين من حولي، وكما توقعت، كانوا جميعًا يرقبون ما يجري بذهول، كما لو أن الأمر يجاوز إدراكهم.

إلا واحدًا فقط... "إيد"، الذي اعتاد التردد على عالم البشر، كان وجهه شاحبًا.

"من أين تجرأت وأخذت الزهرة...؟"

"هين."

قُطعت كلمات "إيد" هذه المرة.

كان "ديون"، الذي ظل صامتًا يرمق الزهرة بنظرة خافتة دون أن يمد يده نحوها، يرفع عينيه الآن نحو "هين". ارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة، كما لو كانت تُرسم برسمةٍ دقيقة.

"أتراني أصبحت أكثر رقة في طباعي هذه الأيام؟ أنقذ زهور عالم البشر وأتأملها مليًّا بهذا الشكل..."

"هذا ليس ما عنيته..."

"شكرًا لك."

"...!"

حتى وإن وقفتَ عند قبر، فلا بُد أن تستشعر القلق، ومع ذلك، رغم أن الزهرة نبتت فوق قبر، لم أشعر بالنفور منها مطلقًا.

تجمّد "هين" في مكانه، واتسعت عيناه بدهشة من وقع تلك الكلمة الإيجابية، في حين اقترب "دان" ليأخذ الزهرة. لكن، وقبل أن تمتد يده إليها، انتزعها "إيد" بسرعة.

"...إنه يضع 'دان' تحت أعين يقظة حقًا."

والآن بعد أن تذكّرت، كانت ردة فعل "إيد" حين ذكرت "دان" أول مرة شديدة المبالغة.

أذكر ملامحه الصادمة، وكأنه صرخ: "أتقول إنني لا أفي بالغرض؟!"

[أنا... أعلم أنني لست جديرًا بالثقة. لذا ليس من السهل أن يُعهد إليّ بشيء. لكن... سأجتهد أكثر حتى أحظى باعترافك. فإن اعتمدتَ عليّ أكثر من ذلك الشخص...]

[اهدأ…]

ورغم أنني رافقته طويلاً، إلا أنني لم أرَ على وجهه مثل ذلك التعبير من قبل.

كان "ديون" ينظر إلى "إيد" ويديه الفارغتين وهو يُمسك الزهرة بحرص، ثم اكتفى بهز كتفيه، وألقى نظرة على "دان"، ثم استدار متجهًا نحو الغرفة.

ويبدو أن "بن" قد سبقهم إلى غرفته، إذ دوّت خطوات شخصين خلف "ديون".

وما إن بلغ "ديون" باب الغرفة حتى استدار، نظر إلى الرجلين الواقفين كأنهما ينتظران أمرًا، ثم ثبّت ناظريه على "إيد" وقال:

"شكرًا لأنك رافقتني. لا شك أنك مرهق، سلّم الزهرة لـ'دان' واذهب لترتاح."

"...!"

اهتزّت يد "إيد" في ذهول، كمن أُبلِغ بالوداع. مد "دان" يده سريعًا، خشية أن تتأذى الزهرة المرتجفة.

ورغم أنه كان يُلقي بالوقود على نار قلبه، حاول أن يتماسك. حرّك شفتيه كأنه يود قول شيء، لكنه تراجع، سلّم الزهرة ومضى دون أن ينبس بكلمة.

"..."

كان "دان" يراقب ظهره بصمت، ثم تبع "ديون" إلى الغرفة، وابتسم بسخرية. وحين أغلق الباب، أخذ مزهرية جميلة ووضع فيها الزهرة وهمس:

"قاسٍ يا سيدي."

"لأنهم شياطين."

عاد صوته الهادئ، بخلاف ما كان عليه خارجه، يحمل إقرارًا ضمنيًا.

ورغم تلك الأجواء المتراخية، إلا أن التباين كان واضحًا ومُربكًا، لكن "دان" أجاب بهدوء وهو يملأ المزهرية بالماء:

"ومع ذلك، كان شديد الحماسة. أشعر بشيء من الأسى لأجله."

"ربما... من الأفضل ألا تتعلّق كثيرًا. مهما بلغ شغفه بي، في النهاية، هو شيطان."

كان "ديون" لا يزال يذكر اللحظة التي حاول فيها ملك الشياطين إنقاذه وهو على شفير الموت.

آنذاك، كان "إيد" يحاول بوضوح أن يوقفه.

[لعلها لحظة مناسبة لاختبار قدرك. هل ستموت هنا أم لا؟]

[...مولاي.]

نداء يحمل في طيّاته رفضًا خفيًا.

في تلك اللحظة، كانت المعلومات التي تتدفق إليّ أكثر مما أحتمل، فلم أستوعبها، لكن حين استعدت وعيي واسترجعت ما حدث، فهمت.

لقد كان "إيد" يُقدّر الثمن الذي سيدفعه ملك الشياطين لإنقاذي أكثر من حياتي كقائد للفيلق الصفري.

"رغم أن مشاعره تجاهي ليست زائفة..."

إلا أنه لا يخدم "ديون هاردت"، بل يخدم "قائد الفيلق الصفري".

"مُعترف به بلا نزاع... من جميع الشياطين."

"السلطة."

"...نعم؟"

"ذاك الرجل لا يخدمني أنا، بل يخدم سلطتي. إن احتفظتُ بها إلى جانبي، فربما أتمكن يوماً من نزع القناع، والنظر إلى ما خلفه. كيف سأتصرف إن اكتشفتُ أن ظل الوحش الذي كنت أرتجف منه وأبجّله، ما هو إلا أرنب؟"

لعلّ الأجدر أن تبتعد قبل أن يتبدّد الوهم.

"السيد أقرب إلى هرٍّ منه إلى أرنب..."

"...؟"

"بل لا، كان كذلك في ما مضى، أما الآن... ثعلبٌ ثلجي؟ ألعلّه يشبه ثعلباً من الثلج؟"

"...ما الذي تهذي به؟"

ظلّ دان يربّت على ذقنه ويحدّق في الفراغ، يتخيّل ثعلباً أبيض مكسوّاً بالفرو، رغم النظرات الشفقة التي انصبت على ديون، وحين سمع الصوت التالي عاد إلى تركيزه:

"أنتَ بشرٌ يستند إلى سلطتي، ويطأ بقدمٍ عتبة عالَم الشياطين. إن تلاشت سلطتي..."

"أعلم، سيدي. ستموت."

"بل سأُقتل حتماً."

ورغم هذه الحقيقة المروّعة، ابتسم دان ابتسامة من يعي مصيره.

"نحن كيانٌ واحد، مصيرنا مشترك، لذا يصعب علينا أن نطالبك بالمساعدة بقلبٍ كامل."

"..."

"ولذا، ها أنت تُعيننا على هذا النحو."

وضعتُ المزهرية التي بين يديّ على حافة النافذة.

أنا أعلم تماماً أنّه لا يستطيع أن يثق بي ثقةً مطلقة. ففي حديثٍ سابق، أشرت إليه وقلت بوضوح: "هو الرجل الذي دمّر حياتي." فكيف له أن يطمئن إليّ؟

صحيح أنني قلت لاحقاً: "هو الرجل الذي سيُحقق هدفي، وهو الهدف ذاته"، لكن هذا لا يمنحه سبباً ليثق في الرجل المسمّى دان.

في النهاية، قرر ديون هارت أن يمنح ثقته لـ"الظرف"، لا لـ"الشخص".

الظرف الذي فيه دان أسيرٌ لهدفه. دان الذي وجد الحماية تحت مظلّة ديون هارت وسلطته في عالم الشياطين. فإن سقط ديون هارت، سيسقط دان معه إلى حتفه.

"سأترك الأزهار هنا. ففي النهاية، هذا عالم الشياطين، ومن السخف وضعها بجانب النافذة."

"...لا تتعلّق بالشياطين دون سبب."

"نعم. قلت فقط إنني أشعر ببعض الأسى تجاهك. أنت شديد الحساسية."

"الشفقة أيضاً شعور، وهو أقرب إلى الطيبة."

فإن قُسّمت المشاعر إلى خيرٍ وشر، فهي ليست من الشر في شيء.

"تلك الشفقة سرعان ما تصير مودة، والمودة تصبح أساساً يُبنى عليه ودّ. والودّ يُرخِي الأسوار، وحين تتهدّم الأسوار، تنحلّ حتى الشفاه المتحفظة."

"...حسنٌ، سأكون أكثر حذرًا من الآن فصاعدًا. بل، حتى وأنت على السرير، انزع معطفك واستلقِ. أتشعر بالضيق؟"

"هممم."

"...إذاً انزعه."

"سيدي، ما يزال الجو بارداً، خذ هذا."

ألبسه دان المعطف، وأحكم رباطه. لم يشأ إد أن يُظهر له قصورًا، فأخذ بيد ديون وألبسه قفازًا أسود، خشية أن تبرد يداه.

وقف ديون صامتًا، يتلقى كل ذلك دون ردّ. ولكن حين اقتربا منه ليُقدّما له وشاحًا، التفت عنهم رافضًا، والتقط عباءته السوداء، تلك التي تمثل رمز قائد الفيلق الصفري.

وفي غمرة هذا الموقف، شدّ لون العباءة انتباهه، فضحك خفية.

"المعطف، القفازات، وحتى الوشاح الذي كان يُفترض أن يخفيهم... جميعها سوداء."

هل يحاول حقاً أن يُعلن انتماء ديون هارت إلى عالم الشياطين بهذا الوضوح؟

ورغم أنه ليس دميةً يُلبّسونها كما يشاؤون، رمق ديون الرجلين بنظرة شفقة وهما يتنازعان على من يُلبسه، وراح يرتدي عباءته بنفسه.

"سيدي، هل سترتديها وحدك؟"

"لمَ لا؟"

"لا شيء، سيدي... لكنك بحاجة إلى شيء من الهندام..."

"مظهرك بائس... أهذا ما تُسمّونه إنسانية؟"

ولكأنه أراد أن يخفف من حزنه على الفجوة التي اتّسعت بينه وبين إدغار، اقتبس ديون كلمات دان المرتبكة بنظره، وقالها بعينين ثابتتين.

لكن الأوان كان قد فات. وكل ما زادوه على الأمر أنهم تجاهلوه بادعاء أنه غير إنساني.

"أنا أرتدي ملابسي باستهتار؟"

خفض ديون بصره إلى عباءته الجديدة. بدت له لائقة. عباءة ترتدى ببساطة، وتُربط برباط واحد، فما الخطب؟

"سيدي، دعني أرتبها مجددًا. لا تُحدث مزيدًا من التجاعيد..."

صحيح. يبدو أنها ليست مثالية. حتى عباءة بسيطة قد تتسبب في مشاكل إن لُبست عشوائيًا.

تنهّد دان وقال بأسى: "اليوم يومٌ مهم، وكنت آمل أن تظهر بمظهر لائق"، ثم اقترب سريعًا وبدأ يُعيد ترتيب العباءة.

كان ديون يراقب حركاته بصمت، ثم مال برأسه وسأله فجأة:

"هل أنا سيئ في ارتداء الملابس إلى هذا الحد؟"

"لم أرَ ثوبًا بهذا الكم من التجاعيد في حياتي. لو لم أرَك تلبسه بعيني، لظننتُ أحدهم لفّه ككرة ورماه!"

"لسانك سليط. كيف تخدم ديمون وأنت هكذا؟"

"لذا أعتقد أنك لا تفكر بهذه الطريقة؟"

"...يقول البشر إن هذا من الإنسانية."

...أهو بالأمر الجلل؟

رغم أن إد قالها، إلا أنه أدار وجهه عن ديون، وكأنما خنقته عبارته. فضحك دان ملء فمه.

"حتى لو دافعت عن نفسك كبشر، يبقى الأمر صحيحاً..."

"...ما المشكلة؟ لا أرى فيه عيباً. سمعت أن الكمال الزائد قد يبعث على النفور أو الجفاء."

وفي تلك اللحظة، شعر ديون أن عليه أن يعيد النظر في نفسه، وراح يُنقّب في ذاكرته عن ثيابٍ ارتداها.

...حين أفكر في الأمر، لم أكن أرتدي ملابسي بنفسي قط.

وحتى إن ارتديتُها وحدي، سرعان ما يتدخل أحدهم لتعديلها.

خلال سنوات الحرب الثماني، كان أولئك المجانين يضبطون حتى تفاصيل ثيابي. وفي بعض الأحيان، كنت أخلع كل شيء وأعيد ارتداءه من جديد، وسط سيلٍ من التوبيخ عن ضرورة ارتداء الملابس الداخلية.

"تُرى، أين ذهب أولئك المجانين؟..."

وفجأة، خطرت ببال ديون صورة أولئك الفرسان الدمويين. نظر إلى دان الذي ترك يده وهو يقول: "انتهيت."

ثم رأى ملك الشياطين ينتظره بهدوء على مبعدة خطوات، فتراجع خطوة واحدة.

"هل أنت مستعد؟"

"نعم."

"ثيابك تبدو مجعدة. آنت بخير؟ اليوم مهم. إن أردت تغييرها..."

"...لا بأس."

"ما الذي يُعجبك؟"

ابتسم الشيطان ابتسامة ماكرة، واستدار ليتقدم، كما لو أنه يدعوه ليتبعه.

وما هي إلا خطوات، حتى توقف ديون أمام غرفة من غرف قصر ملك الشياطين.

فُتح الباب فجأة. نسيم بارد جرح وجهه كمن كان ينتظر اللحظة، لكن ديون لم يُدركه، إذ كانت عيناه معلقتين بالمشهد أمامه.

"...أوه."

"ما رأيك؟ هل يُعجبك؟"

ليس جيداً.

نافذة عريضة مشرعة، وثلاثة أقمار زرقاء تُطلّ من خلفها. أما الزينة الداخلية، ففخامة فوق فخامة. مكتب فاخر، وكرسي يتوسّط الخلفية.

"بإمكانك أن تقف حيث شئت... ليس بالأمر المهم. لا حاجة للإفراط في التحضير..."

"بل هو مهم، لأنك تظن أنه غير مهم. أليست هذه أول مرة تقف فيها أمامهم جميعًا؟"

بل في الحقيقة، هي المرة الأولى التي أقف فيها أمام الجميع... خائناً للجنس البشري.

اليوم الذي ينطق فيه ديونهارت بلسانه، نيابة عن عالم الشياطين، ليشقّ صفوف العالم البشري المتحالف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرح:

في هذه الفقرة الطويلة، تنبثق العديد من الأحداث النفسية والسياسية الدقيقة المغلفة بعبارات ناعمة، لكنها تخفي تحتها توترات مشحونة بين البشر والشياطين، والولاء والسلطة، والحب والخداع، والهوية والانتماء.

يبدأ المشهد بنبرة ساخرة حين يُعلن أحدهم رغبته في القضاء على كل "الع incubuses" وكأنها أمنية محمومة، ويعقبها رد فعل "بن" الذي ينقر لسانه بأسف مفتعل، بينما يتصاعد التوتر بين "إد" و"ديون"، ونتابع كيف يتدخل "هين" – بستاني قلعة ملك الشياطين – وهو يحمل زهرة من العالم البشري كهدية، في لحظة تبدو عادية، لكنها تكشف طبقات متعددة من الرمزية والانقسام الداخلي.

الرمزية والأفكار الجوهرية:

الزهرة التي تنمو على قبر بشري ترمز إلى التناقض بين الجمال والموت، وبين العالم البشري والعالم الشيطاني. وبالرغم من أنها نُزعت من مكان غير لائق (قبر)، إلا أن "ديون" لا يجد فيها نفورًا، بل انجذابًا غريبًا، مما يعكس هشاشته الإنسانية الدفينة.

إد ، الذي كثيرًا ما زار العالم البشري، يصاب بالذهول حين يدرك مصدر الزهرة، كاشفًا أن لديه وعيًا خاصًا بمراسم البشر وأهميتها، بخلاف بقية الشياطين، مما يشير إلى صراع داخلي بين انتمائه الشيطاني واحتكاكه بالبشر.

السلطة مقابل الولاء : يتضح من خلال ملاحظة ديون أن "إد" لا يخدمه كـ"شخص"، بل كـ"سلطة"، أي كقائد الفيلق صفر. إد مخلص للمنصب، لا للإنسان خلفه، وهو ما يجعل الثقة مستحيلة. هذه الفكرة تتكرر على لسان ديون: "هو لا يخدمني، بل يخدم سلطتي".

العلاقات الإنسانية الهشة في بيئة غير إنسانية : "دان" يبدو أقرب إلى البشر في عاطفته وتفهمه، لكنه أيضًا محكوم بعلاقة منفعة متبادلة: طالما ديون حي وله سلطة، فإن دان بأمان. هذه العلاقة المتشابكة بين الشعور والمصلحة تُبرز هشاشة الروابط في عالم الشياطين، حيث لا وجود للثقة إلا حين تكون مدفوعة بالضرورة.

الهوية الممزقة لديون : بين كونه "بشريًا" يعيش وسط الشياطين، وبين إدراكه الدائم بأن سلطته قد تكون وهمًا ينهار فجأة. يصف نفسه مازحًا كـ"أرنب"، ثم "ثعلب ثلجي"، وهو ما يكشف عن صراع داخلي في تعريف الذات.

{م.م: متذكرين لما انولد ديون، قال عنه كرويل أنه يشبه الأرنب؟ مجرد موقف لطيف عابر.}

الطقوس الرمزية للملابس : من خلال لحظة ارتداء الملابس، نشهد كيف يحاول كل من إد ودان "تغليف" ديون بهوية شيطانية (كل شيء بالأسود)، وكأنهم يريدون ترسيخ انتمائه لهذا العالم، حتى وإن كان قلبه لا يزال ينتمي للبشر. لكن عبثية ارتدائه للرداء بطريقة فوضوية تشير إلى فقدان الشعور بالانتماء الحقيقي لأي من العالمين.

الفاصلة الشعورية الأخيرة : حين يُفتح باب الغرفة، وتُرى الأقمار الثلاثة عبر النافذة، يدخل ديون مشهدًا يجمع بين الجمال الرهيب والرهبة الصامتة، وكأن المسرح يُنصب لتتويجه أو نهايته.

الخلاصة:

الفقرة تعكس صراعًا داخليًا متواصلًا لدى ديون، بين إنسانيته وسلطته، بين الثقة والخذلان، بين العاطفة والسياسة، وبين القرب الظاهري والبعد الداخلي عن الشياطين. وهي قصة عن هشاشة الهوية حين تُعلق بين عالمين، وعن خطورة الولاء عندما لا يكون موجهًا للإنسان بل لما يمثله فقط.

2025/05/27 · 23 مشاهدة · 2186 كلمة
نادي الروايات - 2025