قلّما يقع قائد فيلق في قبضة بشرٍ ضعفاء، إلا إن كانت الفخاخ قد نُصبت منذ البدء بإحكام وخُطط للأمر بدهاء. ولو أنّ "سيلوا" كانت في خضمّ المعركة، منطلقة كالإعصار على الخطوط الأمامية، لما أُسرت قط، بل لَتحوّل مَن واجهها إلى رماد.

في الحقيقة، لقد اصطدمت بفُرسان الموت، وسَحقتهم سحقًا في المعركة التي نشبت بينهم. ولو لم يتلهَّوا باللعب بها، لَأُزهقت أرواحهم في ساعتها.

{م.م: الفرسان الأشراف= أفراد الوحدة القتلة= فرسان الموت.}

غير أن ترف القائدة منحهم فرصة نادرة لتمديد أعمارهم.

[...هاه؟] [....] [ما هذا؟]

أسلوب قتال يوشك أن يُطابق ذاك الذي يشتهر به "ديون هارت"، قائد الفيلق الصفري في جيش ملك الشياطين.

وحين تواجه خصمًا عظيمًا يُرهب القلوب، فإن مثل هذا الأسلوب يُصبح سلاحًا حاسمًا، لو كثر من يجيدونه، لا قلّ. ولو نزل "ديون" أرض المعركة، لأربك النفوس، وشقّ جبهة الصمت بين الأعداء والرفاق على السواء.

وما ذاك سوى محض صدفة، أن تكون "سيلوا" من أولئك الذين يُعظمون أسلوبه حدّ التبجيل (أستغفر الله). بعينين تلمعان بوله الطفولة، خاطبت الإنسان المتألم تحت قدميها قائلة:

"أسلوبكم في القتال يُشبه من أُوقِّرُه..." [....] "أتعرفون ديون هارت؟"

[...لماذا ظهر اسم قائدنا في هذا الموضع؟] "قائد؟ ديون؟" "ديون؟ وما صلتكِ بقائدنا؟"

ومن بعد ذلك، نُسجت خيوط الودّ في لحظة.

"يا إلهي، أكنتَ مشهورًا إلى هذا الحد في عالم البشر؟ طبعًا، إنه ديون!" "لا أصدّق أنّ تأثيره بلغ حتى عالم الشياطين... كما هو متوقّع من القائد!"

حينها فتحت "سيلوا" فمها، كأن خاطرًا قد مرّ بخيالها وهي تُمعن التفكير في كم من الوقت قضوه يتحدّثون عن مكانة ديون هارت وأخباره بين الفصائل.

"قلتم أنكم تودّون لقاء ديون، أليس كذلك؟ حسنًا... بما أنكم من أتباعه، فلا بأس. يصعب عليّ تصديق الأمر كليًّا، ولكن..."

إن شَكَّ أحد، فليُقتل الأمر من جذوره، ولا ضير.

هزّت كتفيها برفق وأضافت، كأن خاطرًا آخر طرأ لها:

"ومع ذلك، لا أريد أن يوبّخني ملك الشياطين، فلنتحمل نحن الدور السيئ." [...؟] "بما أنكم من أتباع ديون الماهرين، فأنتم من أسَرني. لم يكن بيدي حيلة."

وهكذا كانت الشرارة الأولى للفوضى، والمشهد الذي استقبلته عينا "ديون هارت" حين خرج.

«أولئك الحمقى...»

كيف أمسكوا بقائدة الفيلق السابع؟ لا... من هيئتهم، يبدو أن القائدة قد أُسرت فعلًا.

أمام هذا المنظر العجيب، امتدت يدي بلا وعي نحو مقبض الخنجر المُعلّق بخصري. كنت أحمل جرابه في كل مرة أخرج فيها، لا لغاية القتال، بل كعادة. لكن هذه المرّة... اختلف الأمر.

كظمت انفعالي، قبضت على كفيّ، وتقدّمت بخطى محسوبة نحو الجمع. وما إن عرف الشياطين مَن أنا، حتى تنحّوا جانبًا وأفسحوا لي الطريق.

توقّف "ديون" لحظة.

'...لا رغبة لي في الحديث معكم.'

أشعر أنني إن كلّمتكم الآن، فلن أرتاح لاحقًا. ألا يمكننا التظاهر بعدم المعرفة؟

الطريق أمامي واضح، لكنهم لم يلاحظوا وجودي بعد. وبينما كنت أزن قراري، هل أواصل السير فحسب؟ إذا بصوت مفعم بالفرح يخترق السكون:

"آه، القائد!" "القائد؟ أين!" "...هناك!" "يا رجل، إنك الزعيم بحق!"

لا سبيل للعودة الآن.

تقدّم "ديون"، منتصب القامة، إلى أولئك الخاطفين الساخرين، متّزن الخطى، وبين أنظار الجميع صدح صوته بهدوء مُنمّق:

"ما الذي تفعلونه هنا؟"

"ما نفعل؟ أتينا نُحيي القائد!" "قسوتَ علينا حين تركتنا!" "لكن... سيّدي! لقد نحلت كثيرًا! آنتَ جائع حتى هذا الحد؟!" "أيها الشياطين الأشرار! كيف تجرؤون على تجويع قائدنا؟!"

هذا هو جحر الشياطين الأشرار عينهم...

تأمل "ديون" الجمع من حوله، يتحدثون بلا كلل، مُحدثين ضجة كالأطفال. رفع يده إلى فمه، وتنهد بصوت خافت.

رغم خفوت أنفاسه، لم يَفُت أولئك الذين كانوا يراقبون ملامحه أن يلحظوه.

التنهيدة تعني السأم! فاستغل جندي شيطاني الفرصة، وقال بعينين تتوهجان حماسة:

"سيدي ديون، هل أذبح هؤلاء البشر الوديعين؟ إنهم يُزعجونك!"

"رغم هيئتهم... فهم أتباعي. لا تفعلوا."

"...أتباع؟ لم أصدّق، لكنهم... فعلاً أتباعه؟"

تراجع الجندي مذهولًا، بينما رمقهم "ديون" مجددًا. أولئك الكلاب الضالة، لم يهابوا الشياطين، ولم يرتدعوا.

كيف وصلوا إلى هذا الحد؟ أشكّ أن "لين" تركتهم هكذا.

...آه، لين.

"وأين سير لين؟"

"في الحقيقة..." "..." "إذن..."

تركناها وهربنا. لا بد أنها تُمسك برأسها من الغضب الآن.

وأنا أيضًا... لست بأفضل حال. بدل أن أمدّ يدي إلى مؤخرة عنقي، وضعتها على جبيني.

وسرعان ما تبدّل مجرى أفكاري.

'...ليس الآن وقت الجدال معهم.'

رفعت بصري، فرأيت قائدة الفيلق السابع، "سيلوا"، تبتسم وحدها كأن الأمر لا يعنيها.

"سيلوا، قائدة الفيلق السابع التي يفترض أن تكون على الحدود... ماذا تفعلين هنا؟"

"آه، أتيتُ للحظة، لأُسلم شيئًا."

"تُسلِّمي؟"

"نعم، جئت بأمر من قائدة الفيلق الثاني. قالوا إنهم مشغولون بجمع المعلومات. بعضهم أيضًا طلب مني أن أبلّغ اعتذاره على عدم قدرته على المجيء شخصيًا."

{م.م: قائدة الفيلق الثاني= ديفيلانيا.}

لا شك أن المجانين قد التقوا في الطريق.

تناولت الصندوق الذي قُدِّم لي. بدا ثقيلًا في اليد. ومن أول وهلة، تسلل إلى أنفي عبق الدم.

– أهذا الدم من الخارج، أم من محتواه؟

قطّب "ديون" جبينه، لا يدري إن كانت الرائحة من داخل الصندوق أم خارجه، ثم فتح الغطاء دون تردد.

"...هاه."

فاح عبير الدماء في المكان.

توتّر الشياطين، وانطلق صوت من خلفهم، ربما كان ضحكة. للحظة، تغيّرت ملامحه إلى شيء يشبه الجمود، ثم افتعل الفضول سائلاً عمّا يكون هؤلاء الفرسان القتلة... لكن "ديون" ظل يُحدّق فيهم دون تعبير.

كان داخل الصندوق... رأس رجل.

"شقيق ملك روِيتشه."

وجه رأيته من قبل. فقد عرضت عليّ "ديفيلانيا" صورته ذات يوم.

["أحقًا تريد أن ترى وجهه؟ سيموت على أي حال."] ["يجب أن أعرف مَن أقتل."]

كان بالفعل يملك وجهًا يوحي بالقدر.

حدّقت فيه هنيهة، ثم أغلقت الغطاء. ناولتُه لدان، لكنه حينما جفلت ملامحه، دفعته إلى إد، وناديت على دان.

قلت له: "سيشغلك العمل الذي أوصيتك به، فلا حاجة لبقائك هنا. امضِ وأدِّ مهمتك".

قال: "نعم".

رمق دان إد بنظرة سريعة، بدا فيها إد فخورًا على نحوٍ غريب، ثم طأطأ رأسه برهة، ومضى. أما فرسان الموت، الذين لم يلمحوه إلا متأخرًين، فرفعوا أصواتهم قائلين: "هاه؟"

"أتركتنا ولحقت بالقائد وحدك؟ أيها الخائن!"

"لو كنت تدري، أما كان الأجدر أن تُعلِمنا بدلًا من أن تَنْسَلَّ وحدك؟"

"علّمناك بحرصٍ شديد!"

"تبًّا لك!"

"...كفى. هلمّوا إلى الداخل. اتبعوني".

"آه، أيها القائد... ما هذا الصوت الذي تتكلم به؟ لستُ معتادًا عليه... هيهي!"

وخز خنجرٌ الأرض عند قدمي من أطلق ذاك التعليق.

رفع الجميع أنظارهم مذعورين، فإذا ديون ماثل في الهواء، يبتسم بلُطف، وفي يده خنجر لا يزال يهوي.

قال مبتسمًا: "أما ترون أنه آن أوان الحديث المفصل؟"

"أظن... أظن أن ذلك سيكون جيداً..."

"اصمتوا، واتبعوني".

"نعم..."

'نحن في ورطة كبرى... قائدنا يفوح برائحة الماركيز بريميرو.'

{م.م: يقصدون أنه صار ياخذ طباع بريميرو الي شعره أخضر.}

ذاك الرعب المنقوش في ذاكرتي يتحرك عفويًّا. وفي لحظة، تجمّدت الأجساد، وارتعش الأعضاء، ثم انقادوا خلف ديون كالأسرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"آآااه! لا... لا...!!"

مات أخي الأصغر. ارتمى ملك رويتشه على جسده المغطّى بالكفن الأبيض، وأطلق صرخة ما كانت نحيبًا بل شيئًا أبعد من الألم. كان الجسد بلا رأس، ما جعل النكران مغريًا، لكنه أدرك الحقيقة وسلّم بها.

لطالما حاولتُ إنكار ذلك.

[أرجوكم... قولوا إن هذا الطفل ليس أخي.]

[مولاي...]

[لا شعر له... ربما التبس عليكم الأمر، أليس كذلك؟]

كان فتى قويًّا، لم يحِد يومًا عن درب الصلاح، فكيف يكون هذا هو الختام؟ أما كان الأجدر أن يظل الجسد كاملًا على الأقل؟

"يا صغيري... سامحني... على كل شيء..."

انسابت دموعي وكأنها تسحب كل ذرة ماء في جسدي.

كانت رويتشه قد طلبت النجدة من الحلف فور أن وقفت جحافل الشياطين على بوابة القصر، لكن دولة شان أرسلت عونًا شحيحًا، والإمبراطورية –التي علّق عليها الجميع الآمال– تأخرت عن الاستجابة. وحتى حين جاءت الإمدادات، كان الجنود رثّي الهيئة، مما أذكى يأس الناس. بدا جليًا للجميع أن العامة والمعدمين قد جُندوا.

وفي النهاية، تصدّى أخي الأضعف للمهلكة.

[سأذهب.]

[لا، إنها مجازفة.]

[أنا قائد هذا البلد. عليّ أن أفي بواجبي.]

[لكن المملكة فيها قادة سواك! لو أنك أرسلت أحدهم...]

[أنتم تعلمون أنهم لا يكفون.]

[لكن...]

[اعذرني يا مولاي.]

[...]

كان عليّ أن أوقفه. بل، ما كان للحلف أن يُبنى أصلًا. لقد قدّمت رويتشه الكثير للإمبراطورية... أهكذا تُجزى؟

سرعان ما تحوّل الحزن والخذلان إلى غضبٍ جامح.

رفع الملك رأسه. لاحت في عينيه المبللتين بالدموع أطياف زرقاء، كأشباح تتقافز في الدم المسفوك داخله.

وما إن همّ بقول شيء...

قطررر...

"مولاي. قائدة الدعم الإمبراطوري تطلب المثول بين يديك. ما رأيك؟"

"...فلتدخل."

ما الذي تنوي/ينوي قوله في مثل هذا الوقت؟ أي وقاحة تلك؟

{م.م: الرسالة الي بتوصلها الفارسة هي بمثابة رد الإمبراطور بنفسه، عشان كذا ممكن تنفع الترجمة كـ"ينوي". ولكن أيضاً تنفع كـ"تنوي" للإشارة لقول الفارسة بما أنها هي الي بتحكي.}

لكن حين دخلت، جاثيةً على ركبتيها قبل أن تنطق، خفّ الملك عن اندفاعه.

قالت القائدة: "لا عذر لي... أقدم اعتذاري".

[...]

كان الملك يعلم، رغم تواضع الجنود، أن الفارسة الماثلة أمامه قد أدت ما عليها. ولذا، وإن كان الغضب موجهاً للإمبراطورية، فما كان له أن يصبّها على هذه الفارسة.

لكن الحزن الذي سببه موت أخيه لم يهدأ بعد.

"ما اسمك؟"

"لين راينر."

"حسنًا يا سير راينر. لماذا ما زلتِ حية؟"

خرج الصوت كالسيف، حادًّا، يوشك أن يقطع الهواء.

"أخي مات. أخو الملك، قائد هذا البلد، قُتل. فلماذا تقفين أمامي حيّة؟"

"لا عذر لي..."

"قلت لك أني لا أريد أن أسمع ذاك القول! سألتكِ، لماذا ما زلتِ حيّة؟!"

{م.م: يعني شتريدها تعمل؟؟ توقف تتنفس عشان حضرتك تريد كذا؟؟ انضج!}

"أعتذر..."

أجابت لين، مطأطئة الرأس.

في الحقيقة، كانت مرهقة. السيّد الذي خدمته اصطفّ مع الشياطين، وفرّ فرسانه من حولها. ومن ثمّ، صُبّت كل الكراهية في وجهها.

{م.م: احترام عميق للين لأنها تتحمل كل هذا.}

وذاك الشك الذي خيّم على حركاتها، كان يطعنها في كل خطوة.

حتى الإمبراطور وعائلته لم يستطيعوا كبح هذه السحابة. كل حنق رويتشه سُحق فوق كاهلها، وأصبحت مسؤولة عن قيادة جيشٍ مُتخلّى عنه إلى أرضٍ قد تكون فيها نهايتهم.

'لكن كقائدة، عليّ أن أعيد الجنود الذين جلبتهم إلى الإمبراطورية بأمان، ما استطعت.'

ورغم إنهاكها، لم تتنصل من واجبها. لذا، كان لا بد أن تلقى الملك، لتضمن سلامة الباقين.

أخفضت رأسها، ومدّت يدها اليسرى بكل أدب، كما لو أنها تقدّمها قربانًا.

"أهبك معصمي."

[...]

"أعلم أن هذا وحده لن يطفئ أجيجَ غليلكَ، يا جلالتك. وددت لو أنني أقدّم حياتي، لكنني أعلم أن ذلك قد يعود بالضرر على مقامك..."

في الواقع، أوصاها الإمبراطور بعدم فعل ذلك.

لم يقلها صراحة، لكن في حوار قصير سبق ذهابها، أشار بكلمات تدعو إلى حفظ النفس.

لقد أحسّ الإمبراطور بما بها من إنهاك، فراح يدرأ عنها العواقب بطريقته.

{م.م: لما يكون عنده الوقت عشان يحس اتصلي بي : )...}

[اجعلي اللوم عليّ.]

[...جلالتك؟ ما هذا الذي تقول؟ لا أستطيع...]

[الكتائب التي تقودينها أكثر انضباطًا من أن يُتَخلّى عنها. وغالبًا، سيتحمل الجنود الشرفاء تبعات القادة الذين خرّبتهم الحرب.]

رغم أنها لم تكن إلا قائدة مؤقتة.

بل، لأنها أقرب للناس، ستحاول حمايتهم مهما كلّف الأمر. ولو أنها قُتلت، فذلك سيؤرقهم مدى الحياة.

[ولهذا... دعي اللوم يقع على جيم.]

{م.م: الي يعرف مين هو "جيم" الي قاعد ينذكر كل حين يقول لي.. هل "جيم" هو الإمبراطور نفسه؟.. + ببطل أعمل شرح للفصول من الذكاء الاصطناعي إلا للحالات الي جد تستاهل.}

2025/06/04 · 21 مشاهدة · 1683 كلمة
نادي الروايات - 2025