هو قد تحدّثَ عن الكتاب الذي يحوي طريقة التعاقد مع الشيطان.
[أطلبُ مقايضة بهذا الكتاب.]
...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت مشاعر الدوق حين سمع نبأ سقوط إقليم باراس مشوبة بالبؤس.
الدوق رجل سياسة، لا شأن له بالمناورات. لو بقيت له قوة خاصة لأمكنه أن يساهم، لكن حتى أولئك فقد التهمتهم الثورة، فلم يبق له سوى أن يشن حرباً بالكلمات مستعيناً بكنيسة الخلاص.
كان جرح الكبرياء محتوماً.
'في الواقع، ثمة سحر لكن...'
إن استخدم خصم المتعاقد مع ملك الشياطين تلك القوة الممنوحة ضده، هل نغضّ الطرف؟
'قد أزدادُ قوة.'
لست متيقّناً إن كنت أستطيع سحبها بعد منحها، ولست متيقّناً إن كنت لا أستطيع.
وفوق ذلك، لا سبيل لضمان مدى ما يمكن فعله بتلك القوة، لذا من الأحرى ادخارها للضربة القاضية.
لهذا قرّر الدوق أن يحتفظ بسحره حتى النهاية.
'إذن، عليّ أن أجد ورقةً أخرى.'
أحتاج يداً أخرى. قوةً مطلقة تمسك بزمام الأمور وتفرض سيطرتها.
الدوق، وقد عُزل عن رقعة الشطرنج لافتقاره للكلمات، كان على يقين بأنه إن مُنِح صوتاً لَسَبَقَ الجميع حنكةً.
'رغم أنني لا أملك ما يُقال عن خسارة الحصان الذي كنت أملكه...'
{م.م: لو تتذكرون فكان يتم الرمز لـ(ديون) على أنه حصان في رقعة الشطرنج، ممكن يتم القصد به هنا، وربما يقصد هنا كرويل مش ديون.}
قبضت على قبضتيّ بخفة.
...لن أسمح بأن يتكرر ذلك ثانية. لقد دفع الدوق ثمن غطرسته واستهانته باهظاً.
ولم يكن ينقص الأمر سوى بعض التنازلات من الإمبراطور.
'إذ هو عنيد كالصخر.'
قطّبت جبيني قليلاً.
رغم رغبتي في انتزاع السلطة قسراً، إلا أنّ الظروف لا تسمح. بل إن الإقدام على ذلك سيجرّ البلاد للفوضى، ويذكي العداء، ويشعل الاقتتال.
'حماقة.'
لا أفهم.
ثمّة من يرحّب بالقوة. هناك من شغفتهم السلطة حتى خاطروا بكل شيء لأجلها. هناك من يغمس يده في الدم، ويتحمل تبعات البلاد كاملةً، طالما أن الهلاك قادم لا محالة. فما الجدوى من التمنّع؟ وما معنى الجنون؟
رأيته يفرك أطراف أصابعه مراراً، ويشدّ قبضته ويطلقها. حركةٌ تُشبه محاولة نفض يدٍ غُطّيت بمادة لزجة، ساعدت الدوق على تخيّل ما لا تراه إلا العيون الخاصة.
'لا بدّ أنها بدت له مضرّجة بالدم.'
لقد تجاوزت الهلوسة حاسة البصر والسمع، حتى اللمس صار واقعاً. فهل امتدت إلى حاسة الشم أيضاً؟
حتى لو تأملت الأمر مجدداً، لا يصلح هذا الرجل أن يكون إمبراطوراً. على الأقل، ليس في هذا العصر.
لو صعد العرش في زمن السلم، لربما صار ولياً من الأولياء. لكنه لم يفعل. نحن بحاجة إلى إمبراطور يعرف كيف يضحّي بالبقر لأجل القطيع، دون أن يرفّ له جفن، بل ويفعلها ببرود.
نعم، مثلي أنا.
رفع الدوق شقّ فمه بابتسامةٍ جانبية.
"كلا أخيّ الكبيران عنيدان حين يتعلّق الأمر بما يجهلانه."
{م.م: أخوانه مين؟!}
وما أكثر ما ذكّرني ذلك بالأمير الأول الذي لقيته قديماً حين كان إدواردو ديزرت الأمير التاسع، لا الإمبراطور.
رجلٌ فرض اسمه بين جموع المتنافسين على العرش، ثم سقط مريضاً داءً خبيثاً بعد تسميمه.
'لقد كان من الهشاشة بمكانٍ يجعلك تتساءل كيف ثبت في ساحة الخلافة.'
هل كان دخوله حلبة الصراع من أجل حماية أهله؟
لو تولّى غيره من الإخوة، فلن ينجو هو ولا أحب إخوته، ولا حتى أولاده. ويبدو أنّه أدرك هذه الحقيقة المؤلمة حين فقد زوجته.
أيّ عائلة تلك؟ كلماتٌ رخوةٌ كالـ"عائلة" لا تليق بالدوق. ولهذا كان يضحك في سرّه من أولئك الذين يتوارون في الظلال، ويضيئون في خفاء.
وهكذا سقَيتُه السمّ.
أردت أن أطفئ ذلك النور، فغذّيتُه بسمٍ ينخر الحياة.
لم يكن الدوق يومها بحاجة إلى أميرٍ أولٍ لا يُحرّك، بل إلى دمى تتحرّك بأوامره، لذا لم يتردّد لحظة.
ثم جاء الأمير الأول، المريض، يزوره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"لديّ كتاب قد يثير اهتمامك."
وُضع كتاب بلا عنوان على الطاولة. نظر الدوق إليه ثم رمق الأمير بنظرة فاحصة.
مقدّمة لا تُشبه ما توقّعه. هكذا يخاطب من سُقي السمّ، من يسمُّم زائره. تُراه لا يعلم أنّ من أمامه هو من دسّ له السمّ؟
كان السؤال مختصراً. إن سايرتَ إيقاعه، بلغك مقصده. فبادره الدوق بالكلام.
"ما هذا؟"
"إنه كتابٌ محرّم، يشرح كيفية التعاقد مع الشيطان."
"...!"
أنتَ مجنون.
ها قد بلغ المرض مداه، حتى حجب عنه البصر والبصيرة. أيّ مجنونٍ يُخرج هذا للعلن؟
لكن الحق يُقال، كان في الأمر شيء من إثارة للاهتمام.
"هذا غرضٌ خطر، فلماذا تُريني إياه؟"
"أعرض عليك مبادلةً بهذا الكتاب."
"صفقة...ها؟"
الآن قد اتّضح الأمر لي. أفكّر في أنه قد يطلب ترياقاً مقابل هذا الكتاب. بل وربما يطلب إلى جانب الترياق دعمًا من أسرة 'إيلوستر' ليُثبّت مكانته كوريثٍ للعرش.
استرخى الدوق قليلًا وقد أُزيل عنه بعض التوتّر.
...ومع ذلك، سأتحقّق، تحسّبًا لأي خداع.
"لم تطلب صفقة كهذه لمجرد أنك تملك شيئًا يخصّني، أليس كذلك؟"
"الشرط... هو حماية أولادي... أليتيا إيلبيديوس، و... إدواردو."
"..."
كان الجواب صاعقًا، لا يُصدّق.
رمش الدوق مرتين مذهولًا، ثم خيّم عليه الصمت.
...يا للسخافة. أي شرطٍ هذا؟ أتجهل فعلًا صاحب السمّ؟ أما زال الأمير الأول، المنتصر في معركة الخلافة، يجهل ما خفي عنه؟
"أعلم أن الكرة كانت مسمومة. وقد تتساءل لمَ لا أطلب ترياقًا."
"...!"
"أعرف طموحات الدوق، وأدرك أن نهمه لن ينتهي عند هذا الحدّ. حتى لو نلت الترياق وصعدت إلى العرش، فإن القوة التي حُزتُها بصفقتي مع ملك الشياطين ستظلّ جامحة، لا سلطان لي عليها."
وسأُسقَط بيد الدوق، وسيُفنى أهلي على يده. لقد ضحك الأمير الأول ساخرًا من قدره.
فكّرتُ في الكثير من الأشياء.
أما كان من الأفضل أن أجعل شيئًا غير هذا الكتاب شرطًا؟ أما كان بوسعي أن أقدّم للدوق قربانًا (أستغفر الله) يليق بجشعه؟
'ليس لديّ قربانٌ كهذا. وحتى إن لم يكن بينه وبين الشيطان عهدٌ، فإني لا أملك الجرأة أن أروضه.'
الدوق ليس خصمًا يسيرًا.
لذا غيّرتُ مسار تفكيري. إن كان لا بد من أن أستخدم هذا الكتاب كورقة تفاوض، فبأي شرطٍ أقدّمه؟
'كل ما أبتغيه... سلامة أبنائي... وحياتي.'
'وكل ما يسعى إليه الدوق هو السُّلطة.'
ومهما فكّرت، فلن أجد سبيلًا يجمعهما. حتى لو كشفنا له سرّ عقد الشيطان، فلو كان فيه ما يعوق سلطانه، لرفضه فورًا. لا يمكن وضع شروطٍ كثيرة على طاولة واحدة.
ولأجل موازنة الكفّتين بما يكفي ليقبل الدوق...
تنازل الأمير الأول عن حياته.
"مهما كانت الشروط، إن نجوتُ واعتليت العرش، فسأُقيَّد ككلبٍ بسلسلة في يد الدوق."
"وأنا لا أنوي أن أقدّم السلسلة بيدي."
"...أتراك تتنازل عن حياتك؟"
"إن أردتَ تسميتها هكذا، فهي كذلك."
انسكب شعاع الشمس الذهبي على وجه الأمير الأول، فابتسم، وقد نهشه السمّ، وبدا عليه الهزال، وتحت عينيه ظلّ ثقيل... ومع ذلك، ظلّ مشرقًا.
"...لا أفهم."
عبس الدوق.
لم أفهم حقاً. حتى وهو يقترب من الموت، ما زال هذا الرجل يتألق مشرقاً.
وهذا ما جعلني منزعجاً، قليلاً.
"أما فكّرتَ أني قد أرفض الصفقة؟ أو أن أقتلك في طريقي؟ أو أن أعود غدًا وأغتنم هذا الكتاب بعد موتك؟"
"لو لم تُبرم الصفقة، كنتُ لأُحرق هذا الكتاب فورًا. وقد أخبرتُ كثيرًا من الناس أنني ذاهبٌ للقاء الدوق، ورتّبتُ الأمر بحيث، إن متّ في أي مكانٍ أو زمان، تنتشر الأدلّة التي تُدين الدوق."
"..."
"ولا قدرة لي على تزوير تلك الأدلة حتى لو حاولت."
أي إن مات قبل أن تنعقد الصفقة، أو هاجمه اللصوص، فالمذنب سيكون الدوق.
"ولو رفعتَ تقريرًا بأن سموك قد استخرج كتبًا محظورة من المكتبة بغير إذن..."
"فسوف يُحرق الكتاب فور رفض الصفقة، ولن يتبقّى له أثر. أمّا السجلّ الفارغ في المكتبة، فقد عُدِّل قبل التصدير. وسيُعرف الدوق آنذاك أنه الشريف الذي افترى على الأمير الأول."
"...يبدو أني خاسرٌ في كلتا الحالتين."
حتى لو قُبلت الصفقة، فحياة الأمير الأول لم تُدرج ضمن الشروط. وسيموت دون أن ينال الترياق، والضرر باقٍ لا محالة.
ابتسم الأمير الأول ابتسامة باهتة:
"لكن إن قبِل الدوق، فسأُغيّر هوية قاتلي... إلى الدوق غراديس."
"...هاه."
في المملكة دوقيتان:
غراديس، وإلّوستر. وكانتا تتنازعان النفوذ. لذا، فإن ذكر غراديس شوكةٌ في خاصرة الدوق ستايف إيلوستر، الطامع في العرش.
"الآن أرى أنها كانت تهديدًا."
"بل هذا طلب."
"...حسنًا. أقبل الصفقة."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعدها، وكأنّه كان ينتظر، استدعى الأمير الأول العرّاف وأبرم عقده.
كان خصمًا سخِر مني ذات يوم، لمّا رآني أتعلّق بعائلتي، وعدّني ضعيفًا. كيف كنت لأدرك أن مَن تحيط به المحبة يصبح بهذا الرعب؟ أما أنا، وُلِدتُ في بيتٍ خلا من العطف، وتعلّمت أن أُطارد القمّة وحدي. كانت صفعة.
[دعني أُعيد شرح الشروط. ببساطة، حماية أولادي: أليتيا ديزرت، إيلبيديوس ديزرت، وإدواردو ديزرت. لكن لا أريد الحماية لحياتهم فقط، بل لإرادتهم كذلك.]
[...]
[لو كنتَ أنتَ، لاكتفيتَ بحبسهم وقلت إنك "حميتهم"، لذا وجب التوضيح. إرادتهم الحرّة لا تُمس.]
[...حتى لو حاول أبنائي أو الأمير التاسع قتلي، هل أحترم رغبتهم؟]
{م.م: الدوق إلوستر عنده أبناء : )..؟}
[لو كنتَ كرة، لأمكنك أن تحمي نفسك دون أن تُلحق الأذى بخصمك. ولأجل حماية الكرة، ينبغي أن تكون حيّة، لذا فإن تلك اللحظة تُعدّ استثناءً. لكن إيّاك أن تؤذي الأطفال.]
كان مجرد الإصغاء لما يُقال كافيًا لأن يعبس وجه الدوق.
التفكير في حمل هذا العبء مدى الحياة أنهكه. وفيما كان يوشك على قبول العقد، نطق الأمير الأول:
[المدة... عشر سنوات.]
[...؟]
[كل هذه العهود تنتهي بعد عشر سنوات.]
كان هذا خسرانًا للأمير الأول. لمَ يفعل ذلك؟
وقد لاحظ الأمير الأول علامات التعجّب على وجهه، فابتسم.
[بعد عشر سنين، أترك الأمر للكرة، وللأبناء.]
[...]
[عشر سنين كافية ليشتدّ عودهم، وليتعلّقوا بالكرة كذلك. إنهم أولاد رائعون. خاصّةً إيدي... إدواردو لا يُقاوم. رغم أنه ليس صبياً، بل أخٌ من إخوتي الذين يجب أن أُراقبهم، فهو طفل أحبه.]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح ما يمكن شرحه من السالفة بكبرها:
الشخصيات الرئيسية:
1. الأمير الأول: وريث العرش الذي تسمم وأصبح على وشك الموت. يريد حماية أبنائه (أليتيا، إيلبيديوس، إدواردو) حتى لو كلفه ذلك حياته.
2. الدوق (ستايف إلّوستر): سياسي ماكر وطامع في السلطة. هو من دبر تسميم الأمير الأول.
3. إدواردو ديزرت: الأمير التاسع (أخو الأمير الأول) والذي أصبح لاحقًا الإمبراطور.
4. دوق غراديس: عدو الدوق ستايف إيلوستر، ينافسه على النفوذ.
---
مــــــــــــا الذي يحدث؟
1. الأمير الأول يحتضر بسبب السم ، ويعرف أن الدوق هو من دبر له التسميم. لكنه لا يطلب ترياقًا (مضادًا للسم)، بل يريد صفقة لحماية أبنائه.
2. الصفقة المقترحة:
- يعرض الأمير الأول كتابًا سريًا يتضمن طريقة التعاقد مع الشيطان (أي الحصول على قوة خارقة).
- في المقابل، يشترط على الدوق أن يحمي أبنائه لمدة 10 سنوات، دون المساس بحريتهم أو إرادتهم.
3. تهديد الأمير الأول:
- إذا رفض الدوق الصفقة، سوف يُحرق الكتاب، وسيتم إلقاء اللوم على الدوق في قتل الأمير الأول (لأن الأمير أخبر الكثيرين أنه ذاهب لمقابلة الدوق).
- إذا قبل الدوق، سيتهم الأمير الأول دوق غراديس (عدو الدوق) بالتسبب في موته بدلاً من الدوق.
4. الدوق يوافق على الصفقة لأنه لا يريد أن يُتهم بالجريمة، ولأنه يريد الكتاب السري للتعاقد مع الشيطان.
5. مدة الصفقة 10 سنوات فقط، لأن الأمير الأول يعتقد أن هذا الوقت كافٍ لأبنائه ليكبروا ويصبحوا أقوياء، ولأنه لا يريد أن يرهق الدوق بحمايتهم مدى الحياة.
---
العلاقات:
- إدواردو ديزيرت (الأمير التاسع) هو أخ للأمير الأول، لكن الأمير الأول يحبه كابنه.
- الدوق يحتقر الأمير الأول لأنه يرى أن مشاعره العائلية ضعف، لكنه في النهاية يُجبر على حماية أبنائه بسبب الصفقة.
- الصراع بين دوقيتي إلّوستر وغراديس يُستخدم كورقة ضغط في الصفقة.
---
الهدف النهائي للأمير الأول:
- التضحية بحياته لضمان مستقبل أبنائه.
- إجبار الدوق على حمايتهم دون أن يكون لهم سيطرة عليه.