الفصل 26: بسطاي من شوك، وتاجي من جليد
.
.
.
في ظرف لحظة، تغير موقف هيريس عديم المبالات وأظهر وجهه علامات للذهول، في اللحظة التالية ، طرحه الذئب الفضي الضخم أرضًا وكان غلى وشك غرز مخلبه في صدره.
لم يتردد هيريس، وسرعان ما قام بسحب خنجر وطعن بشراسة عيني الذئب الفضي ، وشد قبضته ممسك بمخلب الذئب الفضي.
"أوري!" : صاح هيريس.
تعثر الشاب المدعو أوري حيث تم قذفه للخلف إثر الموجة الناجمة عن الصدام إلى الخلف. تدفق الدم الأحمر من على جبينه ، لكن نظراته كانت ما تزال مكللة بالحازم. وهو يصيح :"سحر الارباك! سحر إنبثاق النور!"
كان من الواضح من الطريقة التي استدعى بها تعاويذه أنه كان في مستوى أعلى بكثير من هؤلاء السحرة الثلاثة الآخرين الذين وافتهم المنية سابقا.
تعتمد قوة "لغة" الساحر الأسود على مهارته الفطرية بالإضافة إلى إبداعه الخاص. وكيف أن محض تعويذة دقيقة وبسيطة توضح إتقان الساحر. حيث يمثل تنفيذه لتعاويذ الأبسط بطرق مختفة مستوى آخر من الإتقان.
على سبيل المثال ، استطاع معلم وايلد ، وهو ساحر أسود على مستوى الرتبة العليا، أن يكمل إخراج صيغة السحر بمحض كلمات عادية فقط.
أطلقت جي زيكسيو عواء حاد، أصبح عقلها عالقًا في دوامة من الارتباك والضياع، وتضاءلت مقدرتها على إدراك ما حولها.
بصفته تلميذ للساحر الأسود وايلد ، صقل أوري مهاراته في العديد من المعارك وكان بارعًا في تقديم دور دعم لا تشوبه شائبة.
إستغل هيريس لحظات إرتباك خصمه، ورفع يده إلى الأعلى ، كاسر بذلك مخلب الذئب الفضي الأمامي. ومن ثم سحب خنجره وقلب الذئب الضخم على الأرض.
"عليك اللعنة!": أحست جي زيكسيو بأنعدام التوازن كما لو كان عالمها كله يتدهور. بدا أن عمودها الفقري على وشك التحطم إثر الضربة، كما إكتنفها إحساس حاد بالخطر.
"حل الصلب!": كررت جي زيكسيو.
في ذهنها، امتدت تلك الكتلة الروحية الشبيبة بمجسات الأخطبوط نحو السماء، والتي كانت تساعدها على تشتيت إرتباكها ، مما يقلل من وضعها السلبي الحالي.
وأخيرا، عادت جي زيكسيو إلى رشدها، ومن خلال عينيها المغطات بالدم إثر الجرح عند صدغها، تمكنت مم رؤية بريق معدني بارد يتجه نحوها بسرعة منقطعة النظير.
وقف الشعر على جسدها، وسرعان ما فتحت فكها ، وأمالت رأسها لتعض الخنجر الذي كان على وشك طعنها.
سحق!
اخترق الخنجر فكها، وعلق بين الأسنان واللحم.
تخلل البرود نظرات جي زيكسيو، وطغت نية القتل المتصاعدة على قلبها، حركت رأسها ومزقت ذراع هيريس بينما كان جسدها الضخم يتدحرج إلى الأمام. سُمع صوت تحطم عظم من جسد هيريس، كان صوت مزعج ومؤلم.
ثم مدت جي زيكسيو ذراعيها وخدشت جسد هيريس من كلا الجانبين.
"تعويذة اللهب - إضمحلال الشمس!"
مع ما يكفيه من الوقت للتحضير لها، أكمل أوري ترنيمته أخيرًا.
ظهرت شمس وهمية مبهرة من العدم فوق جي زيكسيو ، أشرقت هناك عاليا، بدأ لحمها وجلدها في التورم والارتجاف، حيث بدأ دخان أسود مشؤم يتدفق من أماكن جسدها التي تعرضت لضربات أشعة الشمس. كانت قوة مرعبة هي هذه المتدفقة من الشمس الوهمية، أشعرت جي زيكسيو كما لو أن جسدها سيستمر بالتورم والتشوه حتى ينفجر.
أما لعيني الناظرين، فقد كان هذا المشهد مقزز، حتى بمجرد تخيله.
هذا خطر! هذا الخطر ليس بوسعك تحمله! لاذي بالفرار!
تحول جسدها الذي لم يعد يتحمل الضغط تمامًا مرة أخرى أثناء عملية القفزة.
-صوت قطرات المطر-
لم تكن تعرف أين هبطت هذه المرة.
"هاه... هاه-..." : كان أوري يلهث بشدة حيث شكلت يديه بهدوء إيماءة لإخفاء الشمس الوهمية داخل الحدود المغلقة بينما حشد أنفاسه ليقول:"سيد هيريس ... هل أنت على ما يرام؟"
وقف ونظر إلى الأمام، وما وقعت عليه عيناه كان منظر مفزع.
زعيم نظام الذئاب البيضاء ، هيريس ، كان ملقى على الأرض، تكسوه الدماء، وذراعه الممزقة ملقات بعيدا. بدا كمن يقابل سكرات الموت.
"انا بخير": وعلى غير المتوقع ، كان صوته ما يزال هادئًا ورزين، كما كان دائمًا، وشكل تباين مع حالته.
تمايل بشدة ، ووقف على قدميه. تجدد اللحم والعضلات المصابة بسرعة كبيرة، ونمت ذراعه من جذعه الملطخ بالدماء. والأكثر إثارة للدهشة أن ذراع ثالثة غير مرغوب فيها نمت من جرح اخر في جسده.
نظر إليها هيريس لوهلة، ثم مزق ذراعه الإضافية دون أدنى تردد.
كان من الشائع أن يصاب صياد ذو تركيز عالي من الدماء النجسة بطفرة جسدية كهذه.
إذا لم يقم هيريس "بتطهير" جسده بشكل دوري ، فسيصبح رجسًا متعدد الأطراف، مع العديد من الأعين في غضون وقت زهيد.
"يبدو أن صاحب المحل الغامض عند الشارع 23 أقوى مما كنا نتخيل".
"هل تقصد من حيث القدرة التي أظهرتها للتو على تجاوز الزمان والمكان؟"
"كلا": هز هيريس رأسه :"ما أشير إليه هو قدرتها على إستخدم روح روين للظفر بشبكة معلوماته بسرعة، وتحديد موقعنا بدقة ، وكذلك تبديد سحر الإرباك الذهني خاصتك. هذا النوع من القوة هو ما يثير اهتمامي حقًا".
حدق الشخصان اللذان غارقا تقريبا في مياه المطر المنطقة المدمرة بفعل شمس الإضمحلال الخاصة بأوري لبعض الوقت.
"لسوء الحظ ، لدي أمور أكثر إلحاحًا لأعتني بها في الفترة الأخيرة، اذهب أنت عوض عن ذلك وألقي نظرة ، فكما ترى، هذا الأمر أكثر أهمية من وايلد".
"حسنا" أومأ أوري.
فتح هيريس كفه، وكشف عن بيضة لامعة أشبه بحجر كريم.
"قل لي يا أوري، ما الذي تعتقد أنه سيخرج منها؟" : تمتم هيريس وهو يحدق في البيضة بنظرة إكتنفها هوس غير طبيعي مختلط بشيء من الجنون.
"... وحش أحلام؟.."
"كلا أوري، كلا على الإطلاق، بل إله، إله حقيقي!".
........
أغلق لين جي مكتبته ، وتأكد من إغلاق كافة الأبواب والنوافذ، ثم قام بتفتيش جميع أرفف كتبه للمرة الأخيرة، والتحقق من دفتر سجلات الإستعارة، قبل إعادة حفظه بعناية في الدرج.
أخيرًا كان راضيا. التقط صائد الأحلام الذي قدمه له وايلد، وتوجه نحو الطابق العلوي مخطط للاستعداد للنوم ونيل شيء من الراحة.
كان تصميم الطابق الثاني مختلفًا تمامًا عن الطابق الأول حيث المكتبة. كان الطابق الأول ممتلئًا برفوف الكتب، بينما كان الطابق الثاني يحتوي على جميع وسائل الراحة المعيشية كأي منزل إعتيادي.
بالإضفة للحمام والمطبخ وغرفة النوم، تواجد ركن صغير مخصص للتمرين.
نظرًا لأنه لم يكن يرج كثيرًا، وكان يقضي معظم وقته محبوسًا داخل المكتبة ، لم يكن أمام لين جي خيار سوى وضع جدول تمرين أسبوعي لنفسه.
على الرغم من أن درجة التمارين التي قام بها لم تكن بتلك الصرامة والصعوبة، إلا أنه لم يستطع السماح لنفسه بأن يصبح كسول خاملاً.
بسبب إستمرار العاصفة بالإضافة إلى التسرب الطفيف من السقف، كان للطابق الثاني بأكمله أجواء رطبة.
شعر لين جي بأنه كان مهملاً ونسي فعلاً الحصول على بعض المجفف بالليمون لامتصاص الرطوبة : "ها ، سأذهب للحصول على البعض عندما يتوقف هطول المطر".
فتح لين جي باب غرفة نومه ، وكشف عن غرفت صغيرة نسبيا، إحتوت فقط على فراش ومكتب وكرسي وخزانة.
تراكمت أكوام من الأوراق التي إحتوت على مواد بحثه على الطاولة. كانت هذه بحوثات طفيفة قام بها خلال العامين اللذين أمضاهما في الاندماج مع الحياة في نورزين.
عثر لين جي على مسمار ، وطرقه على الحائط ليشكل خطافًا بسيطًا وعلق صائد الأحلام الجميل عليه. كان موقعه فوق وسادته مباشرة.
إذا وضعه لين جي على هناك، فإن أطراف ريش صائد الأحلام ستواجه عينيه مباشرة.
بعد أن قام بتخزين عدته، مدد لين جي ظهره ، وغير ملابس ، وأطفأ الأنوار ، واستلقى على السرير.
راقب الريش اللطيف المتأرجح فوقه.
"دعونا نأمل أن يكون هذا ناجحا... أحلام سعيدة لي": أغلق لين جي عينيه وغرق في الظلام الدامس.
......
أيجب أن يكون هذا حلم؟
رمش لين جي عدة مرات وهو يحدق بهدوء في العالم الأبيض الشاسع أمام عينيه، بينما تساقطت رقاقات الثلج الرفيعة والجميلة برفق من حوله.
رفع رأسه ورأى أغصانًا خضراء مغطاة بالثلج الأبيض. ينبت جذع شجرة ملتوي مثل الشريان الحي من الأرض بمظلة ضخمة بدت وكأنها يمكن أن تحجب الشمس. يتمايل سرير ضخم من أزهار السوسن البيضاء على الأرض مع الريح والثلج الخفيف المتساقط.
تحته، إستلقت سيدة ذات شعر فضي طويل وعيناها مغمضتان.
كانت ملامحها الجميلة والرقيقة كنور القمر البهي، وكانت ملفوفة بقماش أبيض ناصع غير مدنس، أطل زوج من الأرجل النحيفة الخالية من الشوائب من تحت قماشها الفضفاض.
على الفور ، فكر لين جي في بعض الكلمات تتناسب مع الإنطباع الذي تمنحه هذه السيدة، بضع كلمات.. كان قد سبق وسمعها من مصدر نسيه منذ فترة طويلة -
بساطي من شوك وتاجي من جليد*...
.
.
.
-نهاية الفصل-
*ملاحظة مانجو :
أظن شخصيا، أن الاقتباس الذي نسي لين جي أين سمعه قد يكون مقتطف من أغنية تحمل عنوان "
المقطع الكامل كان شيء من هذا القبيل :《 أتوج نفسي ملك للشمال البارد الحلو، مع بيساطي من الشوك، وتاجي من جليد، سأحطم كل البنادق وأعقف كل السيوف》
-ترجمتي الخاصة للكلمات قد لا تكون الأفضل بالضرورة.. لكن الأهم هو أن يصل المعنى... صحيح؟ على كل حال، بوسعك البحث عن الأغنية إن كنت مهتم حقا، أغنية شاعرية. :)