الفصل 30 : أركض

.

.

.

استمرت ذاكرة يوهان عن هذا المشهد المخيف حتى النقطة التي فقد فيها وعيه للحظة.

ظلت صورة الزهور البيضاء النقية التي تنمو على اللحم والدم محفورة في ذهنه. تسبب مثل هذا التباين المشوه في ارتعاش جلده ووقوف شعره. ومع ذلك، لم يستطع يوهان الرد في الوقت المناسب والفرار.

في الثانية التالية، تحول العالم أمامه للأسود القاتم، وانتشر إحساس بالألم الشديد في جميع أنحاء جسده.

هذه اللحظات التي بدت له وكأنها أبدية جعلته يشعر باليأس المطلق.

رغم إسوداد الرؤية أمامه، إلا أنه ما يزال يشعر، كان يشعر بكل وضوخ بتلك الأوردة الشبيهة بالأفاعي وهي تتسلق جسده وتحفر متسللة نحو أذنيه، وعينيه وفمه وأنفه، تسللت الأوردة إلى جلده وأعضائه الداخلية وأخيراً وجدت طريقها للزحف عند دماغه.

شعر يوهان وكأنه كيس منتفخ من اللحم والعظام مع تشابك أعضاء جسده الداخلية، وأخيرًا ، عندما استقر كل شيء، لم يعد هو نفسه بعد الآن، ولم يكن أيضًا شخصًا لديه أي إحساس بالوجود.

توقف الساحر الأسود في منتصف العمر عند الباب فجأة عن الحركة وتدلى رأسه. كانت يده لا تزال على مقبض الباب حيث اختفت الأوردة الدموية المتلوية التي كانت تزحف في جسده بسرعة.

صرير--

رفع يوهان رأسه، حيث إستعاد وعيه مجددا، إتخذ خطوة إلى الوراء وأغلق الباب برفق مرة أخرى.

بينما كان يشق طريقه إلى أسفل الدرج، عائد إلى الطابق السفلي، غمغم بإستمرار : "أنا-... أنا ... يتوجب علي-.. أنا ... لا بد لي من-..."

كان يبدو كطفل اكتسب قدرته على الحديث قبل أمد قصير، وكان يتمتم بمجموعة من الكلمات غير المنطقية.

ولكن عندما وصل ببطء إلى الطابق الأرضي، استعاد قدرته على الحديث بشكل طبيعي، وتدريجيًا، أصبحت الكلمات التي ينطق بها أكثر وضوحًا.

"يتوجب علي محو.. كل وجود يهدد الرب".

"يا رب، من الآن فصاعدًا، عبدك المخلص... سيلتزم بأقصى درجات الولاء".

......

كان يوري ما يزال ينتظر بصبر في الزقاق المظلم، بعد الانتهاء من تدخين سيجارته، ألقى بعقِبها على الأرض، وداس عليه برفق، قبل إخراج ساعة جيبه.

تناثرت بعض قطرات المطر على وجه ساعة الجيب. عبس أوري واستخدم إبهامه لمسح قطرات الماء.

لقد مرت نصف ساعة بالفعل منذ أن غادره يوهان.

كان الزقاق يبعد أقل من كيلومترين عن شارع 23، وبالنظر إلى سرعة يوهان، كان من المفترض أن يكون قادرًا على الوصول إلى وجهته في غضون خمس دقائق إن لم يواجه أي عقبات.

لا يمكن اعتبار التحقيق الذي يتوجب عليه القيام به اليوم شامل حقا. ورغم ذلك فإن الوقت الذي إستغرقه يوهان هذه المرة كان بالفعل أكثر بكثير مقارنة بمهامه الاستكشافية السابقة.

"إتضح في النهاية أن هذه المكتبة لم تكن بتلك البساطة...": تنهد يوري بعمق. كان مرتاح لكون قراره السابق بإلتزتم الحذر، وعدم التوجه إلى هناك شخصيًا قرارًا صائبًا.

ومع ذلك، وحتى هذه اللحظة ، لم يشعر بأي تغيرات قوية في الأثير قادمًا من اتجاه الشارع 23. على أقل تقدير، لا يبدو أن قتال قد حصل.

كان السبب الأكثر منطقية هو أن تسلل يوهان كان ناجحًا لكنه واجه اجراءات دفاعية معينة، ولم يتمكن من الحصول على أي نتائج. لن يتم اعتبار مثل هذا الموقف سيئًا للغاية ، لربما يكون صاحب المكتبة قد أصيب بالفزع فحسب، وسيتعين على يوري التحرك شخصيا.

الآن، كل ما يمكنه فعله هو انتظار عودة يوهان لمعرفة الأخبار منه، قبل النظر في ما سيقومون به بعدها.

كان يوري واثقًا تماما من قدرات يوهان على الإختفاء والهروب. بعد كل شيء ، كان التهجين بين البشر ووحوش الأحلام نادرًا للغاية.

مع وجود نصف دم طحلب الظل يسري في عروقه، يمكن ليوهان أن يحول بسهولة إستثنائية إلى ظل، ويمتزج في الظلام من حوله، ويخفي وجوده، كان الأمر هين بالنسبة له كالتنفس.

طقطقة طقطقة...

في غمضة عين، جرفت مياه الأمطار عقب السيجارة المطفأة نحو فتح الصرف الصحي.

قام يوري بإعادة ساعة جيبه، وكان على وشك إشعال سيجارة أخرى حين تجمد في مكانه.

تم إطفاء سيجارته بالفعل، أي أنه لا يجب أن يكون هناك أي مصدر للنور، فلماذا كان هناك ظل في هذا الزقاق شديد السواد في خضم ليلة ممطرة كهذه؟

"عليك اللعنة!".

عبس يوري وضغط على السيجارة غير المضاءة في يده ساحق أيها ووجهها إلى الأعلى :"سحر اللهب - نور الحرق!"

إنفجار!

تصاعدت نيران مستعرة كخيط من البرق من السيجارة البائسة التي استخدمت كأداة للشعوذة، وأضاءت الزقاق بأكمله على الفور.

بطبيعة الحال ، كان سحر الضوء والنار، أفضل الطرق للتعامل مع الظلال!

ومع ذلك، فقد أدرك يوري جيدا أن الظروف الراهنة لم تكن مواتية له. فقد قللت الرطوبة الناتجة عن المطر بشكل كبير من فعالية كل أشكال السحر القائم على النار، كما لم يكن مجهز بشكل جيد، وكان مساعده في السحر مجرد سيجارة عادية.

هذا يعني أن تقنية نور الحرق هذه يمكن أن تصمد فقط لبضع ثوان، ولن يكون في مقدورها التسبب بالكثير من الضرر.

وهكذا، بدأ يوري على الفور في التراجع، بينما قام في نفس الوقت بسحب حجر كريم أحمر بحجم عملة معدنية من جيوب معطفه الداخلية. أصبح الآن متأكدًا إلى حد ما من أن المهاجم كان يوهان المرتد.

على الرغم من أن يوري لم يكن لديه أي فكرة عن سبب خيانة يوهان هذه، إلا أن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا الآن - يجب عليه قتل يوهان!

"سحر اللهب - الأرض المشعلة!": زمجر يوري بنظرة باردة في عينيه.

ومع ذلك، كل ما هاجم، إزدادت سرعة الظل على الأرض أسرع.

قبل أن يدرك يوري وجود شيء ما غير صحيح بجزء من الثانية، عاد هذا الظل الأسود بالفعل إلى مظهره البشري الأصلي، وقام برمي عدد لا يحصى من الأوتاد المعدنية الحادة التي اخترقت جسد يوري.

"أرغه!.." : تسببت الأوتاد في تثبيت يوري على جدار الزقاق، محدثتاً أثر صدام عالٍ، ودفعه الألم الشديد إلى إطلاق صيحة.

مجرد التعرض للطعن لن يتسبب بمثل هذا الألم ومع ذلك ، فقد تشكلت تعاويذ لا حصر لها على هذه الأوتاد المعدنية عندما اخترقت جسده، وكان هذا سبب آهاته البائسة.

في الوقت نفسه ، اندلع حريق شرس في الزقاق بأكمله ، وحول كل شيء إلى صهارة.

تمزق جسد يوهان الضعيف بسبب النيران وتحول إلى رماد. تحت وهج اللهب الحاد ، أصبح جسده صورة ظلية سوداء.

انتهت المناوشة القصيرة أخيرا.

استخدم يوري سحر التجلي لتحرير نفسه من الأوتاد المعدنية، واستخدم الحرارة لصهرها.

لاهث لالتقاط أنفاسه، ترنح إلى الأمام بينما كان يضغط على جروحه وإبتسامة ترتسم على وجهه: "هل تظن أنني لم أكن على إستعداد؟ أنا أكثر دراية بشيء كالخيانة، يالك من ساذج!".

توقفت جميع علامات الحياة وسط النيران وظلت الصورة الظلية السوداء التي تحولت إلى جثة متفحمة قائمة في منتصف الزقاق. كان هذا المشهد يمثل زوال ساحر أسود أحمق.

رفع يوري يده ، استعدادًا لإلقاء تعويذة أخيرة لإنهاء هذه المعركة.

عندما سقطت أجزاء من الرماد العائم على الأرض ، ترسخت عروق دموية لا حصر لها على جدران الزقاق وغطت الزقاق بأكمله في لحظة.

"ماهذا الشيء بحق الجحيم؟!"

بحلول الوقت الذي أدرك فيه يوري أن شيئًا ما كان خاطئًا، كان الزقاق بأكمله مسدود بواسطة كتلة من هذه الأوردة الدموية المتلوية.

أطلق تعويذته على الفور ، لكن هذه الكتلة المرعبة من العروق المتنامية بسرعة كبيرة بدأت بالفعل في التجمع والأندفاع نحوه، وكانت على وشك إبتلاعه.

نظر يوري من حوله، وظهر الخوف أخيرًا على وجهه :"أنت.. أنت لست يوهان! من تكون!؟"

من كتلة الأوردة والأنسجة النابضة التي كانت تتشوه وكأنها تتنفس، سُمع صوت يوهان الحاد :"يا رب ... عبدك ... أزال عائقا اليوم..."

رب؟ تمسك يوري بهذه الكلمة. كان يعرف خلفية يوهان جيدًا وكان يعلم أنه كان ملحد، لم يسبق وأن أمن أبدًا بأي دين.

كيف يمكن أن يكون له "رب" فجأة، بعد إنقضاء نصف ساعة فحسب على مغادرته للتحقيق؟

يجب أن يكون هناك تفسير واحد لهذا... إنه صاحب المكتبة! هذا تحذير من صاحب تلك المكتبة!

كانت أخر أفكار يوري، قبل أن تبتلعه كتلة العروق.

.....

طرق.. طرق..

سمع هيريس طرقًا من الباب خلفه فأجاب :"تعال، مالذي أنت هنا لأجله؟"

جاء صوت المرؤوس المرتعش :"إنه عن السيد يوري... لقد توفي".

ذهل هيريس وسأل :"كيف حدث هذا؟"

"تبع السيد يوري تعليماتك، وأرسل شخصًا ما للتحقيق في محل بيع الكتب عند الشارع 23، ومع ذلك، فإن الشخص الذي أرساله عاد مع قوة مجهولة، وخان السيد يوري، ومن ثم قتله".

"وهذا هو ملف التقرير، ويتضمن صورًا للمشهد، وآثارًا سحرية محددة لإعادة بناء المشهد... كما أنه يشمل آخر رسالة تركها السيد يوري خلفه، وقد أمضى لحظاته الأخيرة ليتركها وراءه".

"ماذا تقول؟"

"إنها تقول..." أركض" ".

.

.

.

-نهاية الفصل-

أجد صعوبة في تقبل أن كل هذه الدراما حدثت أثناء حلم فضة اللطيف، واثقة أنه من عمل لاكي.

كان هذا فصل اليوم~!

2021/11/13 · 625 مشاهدة · 1316 كلمة
نادي الروايات - 2025