في اليوم الموالي ،
داخل مدينة دمبر العاصمة الإمبراطورية للغريفين ،
كان هذا هو الوقت من اليوم الذي أشرقت فيه الشمس كما لو أنها تلتهم السماء ،
إفتتحت المتاجر أبوابها و إنتقلت الحشود إلى الشوارع من أجل قضاء حاجياتهم اليومية .
أضاء ضوء الشمس العاصمة الإمبراطورية مما جعل الجو معتدلا و بهيجا .
يمكن أن ترى الباعة منشغلين في الترويج لبضائعهم ، العامة يقومون بأعمالهم و الحرس ينتشرون في دوريات للحفاظ على أمن العاصمة .
زينت جميع شوارع المدينة إستعدادا لمهرجان تأسيس الإمبراطورية المتزامن مع حفل إختيار الإمبراطورة .
مر ثلاثة أشخاص من الأحياء الفقيرة ،
الشاب في المقدمة بشعر بني و عيون خضراء . كما يرتدي رداء بني باهت و يضع فوقه غطاء لإخفاء ملامحه .
الشاب الثاني الذي يتبع الأول كخادم .
يملك شعرا أصفرا و عيون بنفسجية .
كما يرتدي رداء أسودا أنيقا .
لم يزعج نفسه بإخفاء ملامحه كالشاب الأخر .
أما الشخص الأخير فهو رجل يبدو في الأربعينيات من عمره ، ذو شعر أسود مغبر و عيون زرقاء ضيقة كعيون الصقر .
إرتدى هذا الأخير جلبابا أسودا باليا .
كما يظهر على وجهه ملامح باردة و هو يحملق في محيطه .
حدق الثلاثة في الوضع الكارثي لسكان هذا الحي ،
الفقراء و المتشردين الذين يعانون من سوء التغذية ، منتشرون في كل بقاع الحي .
" أرجوكم ساعدوني ."
" رغيف خبر من فضلك ."
" آااااه ، إبنتي مريضة . أرجوكم ساعدوني ..."
كلما تعمقوا ، كلما رأوا مناظر تشعر قلب الشخص بالشفقة و الأسف .
لكن، ظل الثلاثة ينظران إلى المشهد أمامهما ببرودة تامة .
بالطبع ، كان هؤلاء الثلاثة هم الإمبراطور الحالي للغريفين سامويل ، الساحر الشاب أرون و رئيس السحرة ماغنوس .
" لنذهب ."
تحرك الثلاثة بثبات ناحية هدفهم المنشود .
.......
' علي تغيير هذا الوضع مستقبلا .'
تمتم سامويل بهذه الكلمات في نفسه بهدوء و هو يحدق في منظر شعبه الذي يعاني بصمت ،
إستعمل سامويل قطعة أثرية من نوع الوهم التي حصل عليها من ماغنوس لتغيير لون شعره و عينيه .
لماذا ؟
لأنه لا يريد لفت الإنتباه إليه بسبب لون عينيه و شعره الأحمر الذي هو من مميزات عائلة هانوفر الملكية .
فمن النادر إيجاد شخص ذو شعر أحمر و عيون حمراء داخل هته الإمبراطورية .
أرون فقد إكتفى فقط بإلقاء تعويذة وهم منخفضة المستوى على وجهه لتغيير لون شعره و هيكل وجهه بالإضافة إلى جعل ملامحه من الصعب التعرف عليها من طرف الأخرين .
نفس الشيء بالنسبة لماغنوس الذي إستعمل تعويذة وهم مثل أرون على مظهره ليغير شكله من عجوز مخيف إلى منظر رجل وسيم في الأربعينيات من عمره .
'هاه ، قدرات السحر حقا مخيفة .'
إسترق سامويل بعض النظرات على زملائه و هو يفكر في سهولة تغيير ملامح الوجه بالسحر .
فبسبب عدم قدرة هذا الأخير على إستعمال المانا ، إعتمد على الخاتم الذهبي الموضوع حول سبابته الذي هو قطعة الأثرية من نوع الوهم لتغيير مظهره .
هكذا تعمق الثلاثة في الأحياء الفقيرة ،
بسبب مشاكل سامويل في التحكم بمشاعره ، لم يبد هذا الأخير إهتمام بالمتشردين المنتشرين على قارعة الطريق .
أما بالنسبة للساحر الشاب فقد إعتاد هذا المنظر الموجود أمامه منذ أن سبق له أن كان في الماضي مثل هؤلاء الفقراء الموجودين في هذا الحي .
و منذ أن تم إنقاذه من الحضيض ، شعر أرون بالإمتنان الشديد لماغنوس و إعتبره والده الثاني الذي منحه حياة ثانية يحلم بها العديد من أقرانه .
" لقد إقتربنا يا جلالتك ."
تكلم أرون بحزن طفيف على وجهه ،
بإلقاء نظرة خاطفة على أرون ، أشار سامويل إليه بإنزعاج طفيف على وجهه ، مجيبا قائلا ،
" أعلم ذلك ، أليس الأمر واضحا جدا ؟ كما أنني ألم أخبرك أن تناديني بسامويل ؟ "
حملق سامويل في محيطه ببرود ، متفحصا الأنحاء بحثا عن لافتة الموقع الذي يهدف له .
" حسنا ، سأناديك سامويل من الآن فصاعدا ."
إبتسم أرون بمكر لجزء من الثانية و هو يستمتع بالأمر ،
ثم أردف بإبتسامة شريرة ،
" سام إسم أفضل ، ما رأيك معلمي ؟ سامويل إسم طويل نوعا ما . كما أنه إسم غبي نوعا... -"
قاطع ماغنوس إهانة أرون الموجهة لسامويل عبر صفع مؤخرة رأس تلميذه بقسوة ،
بنظرة باردة موجهة إلى أرون ، أجاب ماغنوس بعبوس :
" إضبط نفسك ، أنت أمام جلالته ."
' أنت أمام شيطان ' تمتم ماغنوس داخليا .
" لكن .."
تمتم أرون و هو يلف عينيه .
" أصمت أيها الغبي . هاه ، فقط إنضج قليلا ."
حول ماغنوس عينيه ناحية سامويل ليجده يبتسم بشر و هو يراقبهما بملامح ساخرة .
غرقت تعابير العجوز عند رؤيته لإبتسامة إمبراطوره الشريرة ،
' لا ، تلك الإبتسامة .'
إنتشرت القشعريرة في أنحاء جسد العجوز ،
الإبتسامة التي تسبق الكارثة ،
إبتسامة حكمت عليه بعمل طويل و متعب بدون توقف ،
إبتسامة جعلت أيامه الماضية مظلمة .
' أرقد بسلام يا أرون .'
تمتم ماغنوس بهذه الكلمات بمرارة .
........
" فقط أصمتا و إتبعاني . "
غمغم سامويل بهذه الكلمات و هو يسرع خطواته للوصول إلى المكان بسرعة ،
" توقف !!"
صرخ أرون ببرود ليجر سامويل خلفه بسرعة .
ثم سرعان ما وقف كالدرع أمامه .
فجأة ، ظهرت العديد من الظلال التي طوقت الثلاثي بسرعة .
نظرت الظلال إليهم كذئاب تنظر إلى خرفان سمينين دخلوا لعتبة منزلهم ،
كانت الظلال هي أعضاء من العصابة المحلية المتحكمة بوضع الأحياء الفقيرة .
إبتسم رئيس المجموعة ، الذي هو رجل عضلي أصلع ذو ندبة متوسطة الحجم أسفل خده الأيمن .
يمتلك هذا الأخير يدان عريضان مليئتان بالوشوم المختلفة . كما أنه يرتدي سروالا ضيقا ، معطفا جلديا بالإضافة إلى حذاءان باليان .
إرتدى على وجهه إبتسامة لعوبة قائلا سخرية ،
" سلموا كل ما تملكون ثم رافقونا بهدوء . سأضمن سلامتكما إن نفذتم ما قلته بحذافيره ."
ثم إقترب رئيس المجموعة من الثلاثي ببطئ ، بدون إنتظار إجابتهم .
-خطوة .
-خطوة .
-خطوة .
إبتسم جميع أتباعه و هم يحدقون في رئيسهم يتنمر على الأشخاص الضعيفين أمامهم .
لم يتكلم الثلاثي ، كل ما قاموا به هو التحديق في المهرج أمامهم ببرود .
لو علم هذا الغبي أنه يحاول السطو على إمبراطور إمبراطوريتهم ، رئيس برج السحرة و وريثه لبلل سرواله من كثرة الخوف .
إعتبر رئيس العصابة الصغيرة صمتهم و تجمدهم في مكانهم دليلا على خوفهم ، ليستمر في الإقتراب ناحيتهم بشكل مبهرج ،
" لنتعامل معك أولا ."
أشار بيديه لسامويل ثم مد يده الضخمة لإزالة الغطاء البني الموجود على رأسه مردفا بسخرية ،
" إنزع هذا الغطاء الغبي ، ليرى هذا الأب وجهك بشكل أفضل . هاهاها أظن أنني يمكنني بيعك لأحد النبلاء بثمن جيد إذا كنت جميلا . هاهاها إعتبر الأمر شرفا لك ."
- سلااش -
بسرعة غير مرئية للعين المجردة ، قبل أن تصل يد رئيس المجموعة إلى وجهتها , إنفصلت عن جسده ، مما خلف رذاذا و رائحة دموية كريهة تنتشر في جميع أنحاء المنطقة .
" آاااااه "
- رطم -
سقطت يد دموية على الأرض .
ثم رن صراخ رئيس المجموعة المدوي في جميع بقاع الحي .
" مالذي حدث ؟ "
" كيف ..؟ "
" ما الذي وقع ؟ "
تجمد جميع أعضاء العصابة في مكانهم بعد رؤية لحالة قائدهم المزرية ،
لم يفهم كل من هذا الأخير و أتباعه البلهاء ،
ما الذي حصل للتو ؟
إستحم رئيس تدريجيا في دمائه مما جعل وجه يصبح أصفرا بسبب قلة الدم .
فجأة ، قطع أحد الأتباع ثوب قميصه ، ليستخدم الثوب المقطوع كضمادة لمنع الدم من التسرب أكثر .
إنتشر الخوف الشديد في جميع أعضاء العصابة .
لكن ، سرعان ما تمالك رئيس العصابة نفسه ،
عرف هذا الأخير أنه إصطدم بصفيحة من الفولاذ ،
لكن ، كرامته كرئيس مجموعة لم تسمح له بالإعتذار و الركوع للثلاثي من أجل إنهاء الأمر .
بالنسبة له ، حتى لو هرب الآن . بسبب إعاقة يده الجديدة، سيفقد بشكل مؤكد منصبه في القريب العاجل .
فبدون الحصول على إحدى الجرعات الباهضة للثمن ، لن يتمكن من الإستمرار في منصبه طويلا .
يجب عليه فقط أن يأمل في الفوز على الخبراء بفضل كثرة عددهم .
" هاجموهم الآن "
تردد أتباعه في الهجوم على الوحوش القابعة أمامهم ،
لكنه ، صرخ مرة أخرى مخرجا حلفاؤه من خوفهم قائلا .
" هاجموا الآن . إستعملوا أعدادكم للتفوق عليهما . سأتنازل عن منصبي لمن يقتلهم ."
رفعت هذه الكلمات معنويات أتباعه ،
" حسنا رئيس ."
" إنتقموا لرئيسنا . أقتلوا الأوغاد ."
" مارك إستل سلاحك ، لا تكن جبانا ."
" هاجموا بكل قوتكم ."
ليحكموا قبضتهم على أسلحتهم ثم إندفعوا نحو الأشخاص الغامضين بنية قتل مخيفة .
" تسك ،هل أنتم أغبياء حقا ؟ ألا ترون الفرق في القوة بيننا حتى طفل صغير سيكتشف الأمر . "
تمتم أرون ببرود ،
- سوووش -
فجأة ، فرقع إصبعه ليختفي جميع أعضاء العصابة بعد أن أحاطت بهم دائرة سحرية بيضاء ، تاركين رئيسهم متجمدا في مكانه .
تراجع رئيس العصابة تدريجا ،
ثم إرتعش بقوة و هو يحدق في الوحش الموجود أمامه بملامح تدل على الخوف و الدهشة ،
" أنت ..... أنت ساحر ؟ ..."
تلعثم برعب و هو يندم على مهاجمته لهؤلاء الثلاثة ،
السحرة بالنسبة له هم أشخاص مخيفون و أقوياء للغاية و هم أشخاص معترف بهم قاريا ، كما أنهم في مستوى بعيد عنه جدا .
ثم أردف و هو يحملق في الأنحاء بخوف .
" أين هم زملائي ؟ ..... أيها وحوش ."
تجاهل أرون رئيس العصابة المتمدد على الأرض ثم أمال رأسه ناحية سامويل و ماغنوس موضحا .
" أرسلت زملاؤه لسجن العاصمة ليتعامل معهم الحراس . أما هو .... "
ثم أشار أرون إليه بإصبعه ببطئ مضيفا :
" هل أقتله ؟ "
" إعتني بالقمامة ، حياته لا قيمة لها ."
أومأ سامويل رأسه كدليل على الموافقة .
نظرا لتصرفات رئيس العصابة الأخيرة ، فيبدوا أنه قام بالعديد من العمليات الغير القانونية و اللاأخلاقية في حياته ؛
لذلك من الأفضل التخلص منه .
" حاضر ."
تفاجأ رئيس العصابة الذي أصبح وجهه باهتا و أصفرا للغاية بسبب فقدانه المستمر لدمه بتحول الأحداث ثم صرخ برعب قائلا .
" أنت لا تعرف من هو أخي الأكبر إنه ....-"
" إعفنا من كلامك ."
فرقع أرون أصابعه للمرة الثانية ليتحول رئيس العصابة الخائف إلى ضباب دموي .
" في حياتك القادمة كن شخصا جيدا ."
تمتم أرون بهذه الكلمات بصوت خافت و هو يحدق في السماء ببرود .
ليدير رأسه إنتظارا لأمر سامويل و معلمه .
حدق سامويل في هذا الموقف المبتذل ببرود ، ذكره الأمر بروايات فنون القتال حيث يواجه البطل في بدايته عصابة مشهورة لتصبح نقطة إنطلاقة أسطورته .
" تسك ، لنتحرك ، أريد إنهاء الأمر بسرعة ."
.
.