" أجل ، إنه العقل المدبر ."

توقف أيدن لبضع ثوان عن كلام ثم أردف بهدوء كاسرا الصمت .

" بشكل أدق ، الإمبراطور هو الشخص الذي يقف خلف تحركات برج السحر الحالية . هل فهمت ؟"

أومأ جيريمي المصدوم داخليا برأسه بصمت ردا على ذلك .

" هل هذا يعني …؟!"

" أجل ، تحالف ماغنوس مع سامويل مؤخرا …"

" تحالف …"

" هذا ما استنتجته …"

" هكذا إذن "

نظر إيدن إلى تلميذه الذي يفكر بعمق لفترة و شرع في تدليك جبينه المجعد ببطئ ثم تمتم بإبتسامة ماكرة،

" هل أنت قلق أيها الشقي ؟"

دون أن ينبس بكلمة ، ظل الدوق يحدق بعينيه الحمراوتين في الحديقة الجميلة ببرود .

لم يلمه إيدن على رد فعله .

يعلم هذا الأخير أن تلميذه قد مر من ظروف مأساوية في طفولته جعلته يصبح بارد القلب هكذا .

كما أنه بعد وفاة أخر فرد من عائلته ألا وهي والدته ، أصبح يتعامل مع الأخرين بوحشية شديدة و لم يعد يعبر عن مشاعره كالعادة .

إبتسم إيدن بمرارة و هو يستحضر ذكرى الطفل الصغير ذو الشعر الأبيض و العيون الحمراء الذي إلتقاه صدفة بعد مجيئه للقاء الدوق السابق .

'''''''''''''''''

" واو ، هل أنت فارس قوي مثل والدي ؟ "

كانت هذه أول جملة نطقها جيريمي البالغ خمس سنوات في أول لقاء له مع إيدن سماديل الذي سيصبح لاحقا معلمه السري .

ظهرت إبتسامة لطيفة على وجه إيدن الشاب و هو ينظر إلى جيريمي الصغير .

بحيث تذكر هذا الأخير ، إبنته الحبيبة التي تركها مع والدتها قبل مجيئه لتنفيذ مهمته .

جلس إيدن جلسة القرفصاء ثم ربت على شعر جيريمي الأبيض متمتما .

" قوي ؟ أنا قوي جدا و رائع جدا هاهاها .."

" أه "

" تشرفت بلقائك ، أنا الفارس إيدن صديق لوالدك ."

" أنا … "

أحنى الصغير ماكنزي رأسه بلطافة متمتما بإرتباك .

" إسمي جيريمي ماكنزي .... "

توقف جيريمي لبضع ثوان بحيث ظهر أثر من الحذر في عينيه الجميلتين ثم أردف .

" أوه ، أخبرني والدتي بألا أثق بالغرباء ."

- بللللللل

أخرج جيريمي لسانه مشكلا ملامح مضحكة على وجهه البريئ ثم ركض بدون توقف نحو أعماق الحديقة مرددا بصخب .

" أمي"

" أمي …"

" أمي ، إنه عم شرير ."

" هاهاهاها ."

ردا على تصرفات جيريمي الطفولية ، تردد ضحك إيدن المرتفع في جميع أنحاء الحديقة .

كان هذا هو أول لقاء غير رسمي بين الدوق جيريمي و فارس الإمبراطور إيدن .

'''''''''''''''''''''

"ها ، أتمنى لو تمكنت إنقاذها ؟ "

أطلق إيدن تنهيدة حزينة متمتما كلماته بأسف و هو يحدق في الدوق المتجمد أمامه ،

"هل أنت متأكد أنه الإمبراطور سامويل هانوفر ؟ أم أنك أخطأته بشخص أخر ؟ "

أخيرا تحدث الدوق بصوت بارد من دون أن يلتفت ، قاطعا إيدن من أفكاره .

لم يستطع لسبب ما أن يقبل فكرة أن الإمبراطور الغبي و السمين أصبح فجأة ذكيا و مخططا .

ألم تكن كلمات إيدن تقول أن سامويل اللعين ظل يخدعه بشكل أساسي طيلة السنوات الماضية ؟

بإبتسامة مريرة على وجهه ، هز إيدن رأسه مجيبا .

" أجل ، إنه الإمبراطور حقا .لم يكن ما قلته سوى الحقيقة .."

توقف في منتصف الكلام ثم أغمق وجهه فجأة مضيفا .

" طيلة السنوات الماضية ، كنت أستطيع قراءة أفكاره بسهولة من على وجهه و معرفة خططه بفضل سذاجته و غبائه ... لكن ، قبل أسبوع تقريبا ، بدأ الأمر .."

تفاجئ الدوق من سماع هذه الكلمات ثم أدار رأسه ليحدق في معلمه بإهتمام ،

" ماذا تقصد ؟ "

رن صوت الدوق البارد في جميع أنحاء الحديقة ،

رفع إيدن رأسه ، و لم يقل أي شيء للثواني القادمة التالية .

من الواضح أن حواجبه تجعدت مرارا و تكرارا ثم إسترخت في الأخير قبل أن ينظر إلى تلميذه مباشرة في عينيه .

" في غضون الأيام الماضية ، لاحظت تغيرا كاملا و مخيفا في تصرفات الإمبراطور الحالي سامويل . "

" ماذا تعني ؟"

إشتد الإرتباك في عيني الدوق بحيث أمال بلا وعي رقبته و رأسه إلى الجانب كتلميذ بريئ ينتظر تفسير معلمه .

" هل تقول أن الإمبراطور تغير ؟ "

تجهم وجه إيدن ثم أومأ رأسه في النهاية .

" صحيح .."

شرع إيدن في تدليك جبهته ثم أعاد النظر في عيني تلميذه قائلا .

" الإمبراطور الحالي أصبح مخيفا جدا . لا أعرف كيفية وصف الأمر . لكنني ، أخبرك كشخص أشرف على تربية سامويل هانوفر منذ طفولته ، سامويل القديم الغبي و الساذج إختفى بالفعل ."

أغلق إيدن عينيه ببطئ و أخذ نفسا عميقا .

كلما تذكر عيون الإمبراطور الباردة ، شعر بالخوف و بعدم الإرتياح ،

كأن عيون سامويل الحمراء توضح أن كل شيء تحت سيطرته .

" إعتبر الإمبراطور الحالي عدوا قويا "

ربت إيدن على كتف تلميذه مضيفا .

" أسرع و نفذ خططك قبل فوات الأوان . هذه هي نصيحتي لك يا تلميذي ."

عند الإستماع إلى كلمات معلمه الجادة ، بدأ إحساس الخطر ينتشر بشكل غير مسبوق في جميع أنحاء جسد الدوق .

إعتبار سامويل هانوفر كعدو ،

لو سمع هذه الكلمات سابقا ، لضحك بكثرة معتبرا صاحب الكلمات مختلا عقليا .

لكن ، الآن ، تغير الوضع .

بشكل مبهم ، تغيرت تصرفات الإمبراطور حسب إفادة معلمه ؛

رفع الدوق يده و وضعها تحت ذقنه قائلا ببرود .

" هاه ، إذن لماذا لم تخلصني من هذه المشكلة عبر قتل الإمبراطور ؟ "

" للأسف ، لا يمكنني إخبارك ."

أجاب إيدن بدون تردد ،

" أنت من البداية مليئ بالأسرار ."

أضاف الدوق و قبضته مشدودة بإحكام ،

" هاه ، ألم تعتد على الأمر ؟ "

هز إيدن رأسه بمرارة و هو يحك شعره الأبيض بإحراج .

في النهاية ، هز الدوق كتفيه لكونه إعتاد غموض إيدن .

رغم تحقيقاته ، لم يستطع أن يعرف أي شيء معلمه عدى أنه فارس قوي يهدف لشيء ما داخل الإمبراطورية .

" هل ستساعدني ؟ "

خدش إيدن مؤخرة رأسه ،

ثم بإبتسامة عريضة ، أجاب تلميذه قائلا .

" ربما.. ."

-وووش-

بعد قول هذه الكلمات الأخيرة ، إختفى إيدن من الحديقة تاركا وراءه الدوق وحيدا ،

بعض بضع ثوان ، لمعت عيون الدوق الحمراء ثم تمتم ببرود و هو يحدق عاطفيا في الشجرة العملاقة ذات الأوراق الوردية المتمركزة وسط الحديقة .

" جاك ."

- وووش -

ظهر شخص ملثم بملابس سوداء من العدم ، يمكن أن ترى عينين زقاوتين باردتين من خلف القناع ثم ركع أمام الدوق بإحترام ،

" فخامتك ."

" إعقد إجتماعا سريا طارئا الليلة في المكان المعتاد ."

رن صوت الدوق البارد في أذني جاك أحد الظلال القدامى المسؤولين عن حماية الدوق ،

"أمرك. "

تردد جاك لبرهة ثم أضاف بإحترام .

" لكن ، فخامتك بخصوص سلامتك ...-"

قاطع الدوق ظله الوفي ببرودة مضيفا .

" كما أخبرتكم عبر التخاطر ، إنه ليس خصما يمكنكم مواجهته . الآن ، بلغ أوامري ."

" حاضر ."

2024/05/09 · 224 مشاهدة · 1100 كلمة
....وحيد
نادي الروايات - 2024